اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/nizar/72-10.htm?print_it=1

أشحذ الشفرة

نزار محمد عثمان


10- أشحذ الشفرة


تخيل أنك تمر بغابة وأن هناك شخصاً يعمل جاهداً لقطع شجرة ، تخيل أنه دار الحوار التالي :
- ماذا تفعل؟
- ألا ترى أنني أقطع هذه الشجرة
- تبدو تعباً . كم لك من الوقت وأنت تعمل
- أكثر من خمس ساعات إنها عملية شاقة جدا لقد تعبت
- لماذا لا تأخذ راحة تحد فيها من منشارك ليقطع بصورة أفضل في وقت أسرع !!!
- ليس لدي الوقت لسن المنشار إنني مشغول جداً بالقطع .
إن هذه الخصلة تعني أخذ الراحة لشحذ الشفرة أو المنشار انها تحيط بالخصال السابقة جميعاً لأنها هي الوحيدة التي تجعل الخصال الأخرى ممكنة .
الأبعاد الأربعة للتجديد :
- إن شحذ الشفرة يزيد من المقدرة على الانتاج ، إنه يحفظ أغلى الممتلكات عندك وينميها..ألا وهي أنت !! إنه ينمي الأبعاد الأربعة لطبيعتك : البعد الجسدي ( التمارين الرياضية و الغذاء ) الروحي : ( تلاوة القرآن ، قيام الليل، الصيام … ) والعقلي ( القراءة والكتابة والتخطيط… ) والاجتماعي العاطفي ( خدمة الآخرين ، التعاون ، التعاطف ، والتكافل… ) .
- إن شحذ الشفرة يعني الممارسة المستمرة لأنشطة الأبعاد الأربعة بصورة منتظمة ومتوازنة ولنفعل هذا يجب أن نكون مبادرين لأن شحذ الشفرة من أنشطة الربع الثاني " المهم غير العاجل " ولأنه لا يمكن لشخص آخر أن يقوم بها نيابة عنا . انها مركز دائرة تأثيرنا وأكبر استثمار يمكن أن نقوم به حياتنا .

البعد الجسدي :

- هذا البعد يهتم بالعناية ببدننا وذلك بأكل الطعام المناسب وأخذ القسط المناسب من الراحة والتمارين الرياضية المنتظمة .
- إن التمارين الرياضية من أهم أنشطة الربع الثاني " المهم غير العاجل " التي لا يقوم بها أكثرنا لأنها ليست عاجلة ونتيجة لذلك نجد أنفسنا في الربع الاول " المهم العاجل " نعالج المشاكل الصحية المترتبة على عدم الرياضة المستمر .
- أكثرنا يظن أنه لا يوجد وقت للتمارين الرياضية اننا نتحدث عن 3-6 ساعات في الاسبوع أو نصف ساعة كل يومين .. انه وقت قليل جداً مقارنة بالأثر الذي يتركه في بقية الـ 165 ساعة من الاسبوع – اننا لا نحتاج إلى أية أجهزة خاصة للرياضة .
- ان التمرين الرياضي الناجح هو الذي تستطيع أن تقوم به في بيتك والذي يبني جسمك في ثلاث مجالات :
* التحمل
* الرشاقة
* والقوة .
أولاً التحمل :
يأتي التحمل من الرياضات الهوائية التي تنشط الدورة الدموية وتزيد من مقدرة القلب على ضخ الدم الى أجزاء الجسم المختلفة رغم أن القلب عضلة لكن لا سبيل الى تمرينٍ مباشرٍ له غير أنه يمكن أن يراض عبر رياضة العضلات الكبيرة الأخرى خاصة عضلات الرجل : القدم والفخذ مثل المشي السريع ،الجري ،ركوب دراجة ،السباحة ،التزلج على الجليد ،والركض البطيء .
- يعتبر المرء في صحة جيدة على الحد الأدنى إذا كان بإمكانه أن يزيد معدل نبضات القلب الى مائة ضربة في الدقيقة … وإبقاؤه كذلك لمدة نصف ساعة على الأقل .. أما الأفضل فيجب أن يزيد معدل ضربات القلب الى 60 % من المعدل الأقصى لضرباته .. إن الحد الأقصى الذي يمكن أن يصل اليه معدل نبضات القلب هو (220 – عمرك ) اذا كان عمرك 40 عاماً مثلا .. فإن الحد الأقصى لمعدل نبضات قلبك 220 – 40 = 180 ، فيجب أن يكون هدفك هو 180* 6 /100=108 ، أي أن معدل نبضات القلب يمكن أن يزيد إلى 108 نبضة في الدقيقة إذا كنت صحيح الجسم ، إن أثر التمرين يكون عادة نحو 72% الى 83 % من المعدل الأقصى لنبضات القلب .

ثانياً :الرشاقة " المرونة " :
- و هذه تأتي عن طريق تمارين تمديد العضلات وأكثر المختصين ينصحون بالإحماء قبل بدء التمرين وينصحون بالتدرج في إنهاء التمرين " التبريد " وكذلك بمد العضلات . الإحماء يساعد في تهيئة العضلات لتحمل مجهود التمرين ، والتبريد يساعد في التخلص من حمض اللاكتيك الذي يسبب تمزق العضلات ومن ثم الشعور بالألم .

ثالثاً : القـــوة :
- تأتي من تمارين مقاومة العضلات لقوة معينة مثل تمارين الـ Push ups , Pull ups , Sit ups وكذلك من التمارين التي تصاحبها اثقال .
- مقدار ما تحتاجه من تمارين القوة يعتمد على طبيعة نشاطك ومكــانة القوة في وظيفتك و حياتك .
- فائدة تمارين القوة تكون دائماً في آخر التمرين لأن زيادة القوة لا تأتي إلا بتمزق الليف العضلي ثم تسجيل الألم بواسطة الليف العصبي ثم خلال 48 ساعة يتم تعويض الليف العضلي بآخــر أقوى منه .
- يجب ترويض أجسامنا بصورة دورية ويجب أن نكون من الحصافة بمكان لنضع برنامجا يناسبنا .. أكثر الناس عندهم الميل لوضع برنامج مكثف وشاق مما يسبب ألماً لا داعي له و جروح واصابات وأقل شيء أن تفتر عزيمتك شيئاً فشيئاً .. الأمر الذي يؤدي الى ترك التمرين .
- يجب مراجعة الطبيب قبل بدء التمرين ثم استشارته في البرنامج المقترح واذا كنت لا تمارس الرياضة من قبل فسوف تشعر بألم وتعب في البداية لكن لا بد من أن تكون مسؤولا ومبادرا وتتحمل وتواصل .. كذلك لا تترك برنامج التدريب أبداً .. حتى ولو كانت السماء تمطر .. وليكن قولك " ان هذا اليوم ممطر لكنني سأروض جسمي وكذلك عزيمتي " يجب أن تمارس الرياضة على كل حال لأنها من نشاطات النصف الثاني المهم غير العاجل .

ثانيا:البعد الذهني :
أكثر ثقافتنا ونمونا الذهني يأتي عادة من التعليم الرسمي وبعد أن نترك المدرسة أو الجامعة يتوقف النمو الذهني لدى الكثيرين فلا يقومون بأي دراسة جادة ولا يسبرون غور أي مجال حديث ولا يستكشفون أي آفاق جديدة فهم لا يحللون ولا يكتبون بل يكتفون بقضاء أوقاتهم أمام التلفاز أو في أحاديث لا تقدم وربما تؤخر.
- أظهرت دراسة حديثة أن التلفاز في أكثر البيوت يكون مفتوحاً لمدة ما بين 35-45 ساعة في الاسبوع وهذه المدة تساوي ما يقضيه المرء في وظيفته وأكثر مما يقضيه الطلاب في المدارس .
الحكمة في استخدام التلفاز تتطلب منا تجويد الخصلة الثالثة وهي ضع الأهم قبل المهم فهي تجعلك قادرا على اختيار ما تريد من المعلومات والبرامج التي تناسبك.
في أسرة د.كوفي التلفاز له سبع ساعات في الاسبوع لا غير.
- إن القراءة مهمة جداً لتنمية العقل .. والأدب الراقي مفيد لأنه ينقل القارئ الى العقول الكبيرة التي يمكن ان يستفيد منها وهذه من انشطة الربع الثاني المهم غير العاجل .
- كبداية عليك أن تضع هدفك قراءة كتاب كل شهر ثم تقلل المدة تدريجيا لتجعل هدفك كتاب كل أسبوعين ثم كتاب كل أسبوع ،و تذكر دائماً أن الشخص الذي لا يقرأ ليس أفضل ممن لا يعرف القـراءة .
- الكتابة كذلك نشاط مهم ، دوِّن خواطرك ، تجاربك ، رؤاك ، .. اهتم بمراسلاتك ارتق باسلوبك ليرتقي مستوى اتصالك بالآخرين .
- اهتم بالتخطيط والاعداد إذ أنهما من الأنشطة الذهنية المفيدة..

البعد الاجتماعي – العاطفي :

- البعد الجسدي والبعد الذهني والبعد الروحي أبعاد مرتبطة بالخصال الثلاثة الأولى : كن مسؤولا ومبادراً ، ابدأ والنهاية في ذهنك وضع الأهم قبل المهم .. بينما البعد الاجتماعي العاطفي مرتبط بالخصال الثلاثة الأخيرة فكر بطريقة أنا أكسب وأنت تكسب ، حاول أن تفهم أولاً ثم أن تُفهم ثانياً ، تكامل وتبادل للنجاح .
- ان تنمية البعد الاجتماعي والعاطفي لا يأخذ وقتا كبقية الأبعاد لأننا نمارسه في حياتنا اليومية في تفاعلنا مع الآخرين والنجاح فيه مؤكد اذا جودنا الخصال الثلاثة الأخيرة .

البعد الروحي :

- ان النجاح في البعد الروحي هو الذي يعطي لحياتك معنى .. ويؤهلك لقيادة نفسك ذلك لأنه مركزك ولب حياتك.. ومصدر القوة والطاقة التي تواجه بها ضغوط الحياة .
من أهم الأسباب الجالبة ليقظة الروح وسموها :
1. قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه فالقرآن الكريم "كتاب الله فيه نبأ من قبلكم و خبر من بعدكم وحكم مابينكم ، هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين ، ونوره المبين و الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تتشعب معه الآراء و لا تشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرآناً عجبا ، من علم علمه سبق ومن قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم "
وتدبر القرآن ليس بتلاوته وحفظه ، قال الحسن البصري : والله ما تدبره بحفظ حروفه و اضاعة حدوده حتى أن أحدهم يقول قرأت القرآن كله ، مايرى له القرآن في خلق ولا عمل
2. التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال: (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ))
إن تجويد الصلاة دأب الصالحين ، " قيل لخلف بن أيوب ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها قال : لا أعود نفسي شيئا يفسد علي صلاتي قيل له وكيف تصبر على ذلك قال : بلغني أن الفساق يصبرون تحت أسواط السلطان ليقال فلان صبور ويفتخرون بذلك فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة ، ويروى عن مسلم بن يسار أنه كان إذا أراد الصلاة قال لأهله : تحدثوا أنتم فإني لست أسمعكم ،ويروى عنه أنه كان يصلي يوما في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد فاجتمع الناس لذلك فلم يشعر به حتى انصرف من الصلاة ، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه فقيل له مالك يا أمير المؤمنين فيقول جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها ، ويروى عن علي بن الحسين أنه كان إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء فيقول أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم ،
ويروى عن حاتم الأصم رضي الله عنه أنه سئل عن صلاته فقال إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي ثم أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت ورائي أظنها آخر صلاتي ثم أقوم بين الرجاء والخوف وأكبر تكبيرا بتحقيق وأقرأ قراءة بترتيل وأركع ركوعا بتواضع وأسجد سجودا بتخشع وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ظهر قدمها وأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص ثم لا أدري أقبلت مني أم لا "
3. دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال
فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر
4. إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى
5. مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة ولهذا كانت المعطلةوالفرعونية والجهمية قطاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب
6. مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته
7. انكسار القلب بكليته بين يدي الله
تعالى وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات
8. الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة
9. مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيدا لحالك ومنفعة لغيرك ، وتكون مجالسةالصالحين بعدة أمور منها :
* مجالسة الصالحين من الأحياء و الانتفاع بهم : والعاقل لا شك ينتفع بصحبة الأخيار ، أنظر إلىكلب أهل الكهف ذكر في القرآن لأجل صحبة الأخيار، فكيف بالعقلاء إذا صحبوهم
* زيارة أهل الصلاح
قال أحد السلف : ((كنت إذا وجدت في قلبي قسوة نظرت إلى محمد بن واسع كان كأنه ثكلي))
وقال ابن المبارك : ((كنت إذا نظرت إلى فضيل مقت نفسي و جدد لي الحزن ، ثم بكى ))
* القراءة المستمرة لكتب التراجم :قال ابن الجوزي : ((عليكم بملاحظة سير القوم ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم ، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم .. ولو قلت إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر .. فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم وقدر هممهم ، وحفظهم ، وعباداتهم ، وغرائب علومهم مالا يعرفه من لم يطالع ، فصرت أستزري ما الناس فيه ، وأحتقر همم الطلاب ، ولله الحمد))
ومن غرائب أخبارهم ما قالته جارية الإمام مالك عنه ، قالت : ((اليوم له تسع وأربعون سنة ما صلى الصبح إلا بوضوء العتمة )) ، وقول الامام عيسى بن موسى الهاشمي : (( مكثت ثلاثين سنة أشتهي أن أشارك العامة أكل الهريس السوق فلا اقدر على ذلك لأجل البكور إلى سماع الحديث )) ، وامثلة ذلك كثيرة في كتب السير .
10. مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل
المعاصي ووسائل الشيطان للعبد ( انظر كلام ابن القيم في عقبات الشيطان

كن الداعية بحق :

- أكثر الناس يتأثرون " بالمرآة الاجتماعية " .. برأي الآخرين فيهم يتحركون لإرضاء الآخرين أو لكف السنتهم عنهم .. ويمكنني أنا وأنت من هذه النقطة أن نتحرك لنؤثر على الأخرين ونؤكد لهم أنهم قادرون على التصرف بمسؤولية ومبادرة وقادرون على أن يرتبطوا بالمباديء والقيم . يمكننا أن نشجعهم مستخدمين " عقلية السعة " في أن نجاحهم هو نجاح لنا لأن تفاعلهم معنا سيكون أجدى نفعا وأفضل نتائجا اذا كانوا ناضجين مبادرين مرتبطين بالمباديء .
في فترة من حياتك لابد أنك صادفت من يشجعك ويؤمن بأنك قادر على بلوغ أهدافك أكثر من ايمانك بنفسك .. هل أفادك ذلك في حياتك ؟ ماذا لو عملت انت أيضا الشيء نفسه .. ماذا لو رفعت المعنويات وأوضحت طريق النجاح وشجعت من حولك على سلوكه .. لا تدع المرآة الاجتماعية تنـزل بهم إلى الحضيض وتجرفهم إلى التافه من الأمور وتصرفهم عن اللب .. كن الملهم الموجه لهم الى الطريق القويم بايمانك بهم وحبك لهم . كن الداعية بحق .
الرواد و الحب : إن أصحاب النفوس الزكية من الرواد أثروا في مجتمعاتهم بما لهم من طاقة روحية كبيرة ، نشروا الحب والعطف و الخير ، و بحثوا عن بذور الصلاح في النفوس فأحيوا مواتها ، وتعهدوها سقاية و رعاية حتى اخضرت و أثمرت .. يقول الشهيد سيد قطب : (( عند ما تنموا في نفوسنا بذور الحب و ا لعطف نعفي انفسنا من أعباء و مشقات كثيرة ، إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين لأننا سنكون يومئذٍ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء ، إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير و سنجد لهم مزايا طيبة نثني عليها حيث نثني ونحن صادقون ، ولن يعدم الإنسان ناحية خيرة أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة .. ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب ! كذلك لن نكون في حاجة لإن نحمل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ولا حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم , لأننا سنعطف على مواضع الضعف و النقص ، ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة العطف !.. و بطبيعة الحال لن نجشم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء ا لحذر منهم ، فإنما نحقد على الآخرين لأن بذرة الخير لم تنم في نفوسنا نموا كافيا و نتخوف منهم لأن عنصر الثقة في الخير ينقصنا ! كم نمنح أنفسنا من الخير والطمأنينة و الراحة و السعادة حين نمنح الأخرين عطفنا وحبنا وثقتنا ، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب و العطف والخير))

قصتان في التحفيز :

- لعلك اطلعت على قصة " رجل من لا مانكا " التي تحكي قصة فارس من القرون الوسطى قابل امرأة داعرة منبوذة من كل من حولها هذا الفارس رأى فيها شيئا آخر ، شيئا جميلاً ولطيفاً . رأى فيها الفضيلة وأكد لها أنها امرأة عفيفة أُجبرت على حياة البغاء وأن بامكانها أن تعود الى حياة الفضيلة . اعطاها اسماً جديداً( دُلسينيا) . في البداية نفرت منه ورفضت هذا الاسم لكنه واصل في الإيداع في رصيده العاطفي عندها وإظهار الحب بلا شروط إلى أن وصلت إلى الفضيلة وسط احتجاج وسخرية الجميع حولها .. لم يتركها دعاة السوء وسخروا منها وحاولوا ارجاعها الى حياتهاالقديمة بشتى الصور .. وبدأت تستجيب اليهم الى أن دعاها هذا الفارس وهو على فراش الموت وغنى لها أغنية (الحـلم المستحيل ) وفارق الحياة وهو يهمس لها " لا تنسي ابدا أنك دلسينيا " . واستقامت على الفضيلة حتى الموت.
- كذلك قصة الكومبيوتر في بريطانيا .. الكمبيوتر الذي تمت برمجته خطأ مصادفة .. فوصف صف الطلاب الأغبياء بأنه صف الأذكياء ووصف الطلاب الأذكياء بانه صف الطلاب الأغبياء وكان تقرير الكمبيوتر هو الأساس الذي تمحورت حوله تصورات الأساتذة في بداية العام كانوا اذا شعروا أن الطلاب الأغبياء الموصومون خطأ بالذكاء لم يفهموا كانوا يرجعون الخطأ الى طريقة التدريس والى انفسهم ويحاولون ويكررون المحاولة حتى يفهم الطلاب .. والعكس صحيح .. عندما اكتشفت الادارة أخيراً الخطأ بعد خمسة أشهر قررت أن تختبر الطلاب جميعاً دون ذكر أي شيء عن الخطأ وبالفعل وجدوا أن معدل ذكاء الطلاب الأغبياء قد ارتفع ارتفاعاً ملحوظاً وبالمقابل انخفض معدل ذكاء الطلاب الأذكياء انخفاضا ملحوظا ،وعَكَس هذا الخطأ أن التشجيع والتحفيز والايمان بالشخص ومقدراته يأتي بالعجائب في مجال اذكاء الهمة واتاحة فرص النجاح بينما الإيمان بفشل الشخص يحبطه ويجعله أقرب الى الفشل .
- سئل الأساتذة عن الأيام الأولى لتدريسهم صف الطلاب الأغبياء فقالوا لسببٍ ما كنا نرى أن أساليبنا لا تنفع مع هؤلاء الطلاب فهم لا يفهمون .. كان لابد أن نغير أساليبنا ... فالمعلومات تؤكد أنهم طلاب أذكياء .. وإن كان هناك تقصير فهو منا .. وبالفعل استطعنا أن نجعلهم يفهمون ما نريد .. نعم لقد عمل الاساتذة في دائرة تأثيرهم ولم يعملوا في دائرة القلق لذلك نجحوا .
- ماذا نعكس للآخرين عن أنفسهم ؟ ما مدى تأثير هذ المعكوس على حياتهم؟ لدينا الكثير لاستثماره في رصيدنا العاطفي عند الآخرين .. اذا كانت لنا المقدرة على رؤية الكامن من طاقات الناس واذا كان لدينا الخيال الذي يوسع لنا ما ضيقته الذاكرة … فان تعاملنا مع أزواجنا وابنائنا ورفقاء الوظيفة سيسير نحو الأفضل والأنجح . لقد قالها الفيلسوف جوته من قبل " اذا عاملت الرجل كما هو فسوف يظل كما هو لكن اذا عاملت الرجل كما يجب أن يكون فسوف يصل الى ما يجب أن يكون " .

التوازن في التجديد :

- عملية تجديد الذات يجب أن تتم في توازن تام بين الابعاد الاربعة : ( البدني – الروحي – الذهني – الاجتماعي العاطفي) .
- بالرغم من ان التجديد في أي بعد مهم جدا الا انه يكون أتم فائدة وتأثيرا في نمو الابعاد الأخرى معه أي أن تنمو كل الابعاد في ذكاء وتوازن ..إن تجاهل أي بعد يؤثر سلبا على الابعاد الأخرى .
- هذا المبدأ صحيح أيضاً مع المؤسسات . في المؤسسات البعد البدني يمثله الوضع الاقتصادي والبعد الذهني يمثله التنمية واستخدام المهارات والمواهب والبعد العاطفي الاجتماعي تمثله العلاقات العامة بينما البعد الروحي يمثله الارتباط بالمباديء والمصداقية .. عندما تتجاهل المؤسسة بعدا من هذه الابعاد سيؤثر سلبا على كل المؤسسة ... لقد وجدت مؤسسات همها الاوحد هو الاقتصاد والحصول على المال ليس لهم مبدأ واضح معلن اينما وجدتَ هذه السمة وجدتَ التنافس غير الشريف بين أقسام المؤسسة والاتصال الدفاعي والمداهنة والتملق .. نعم لا تنجح المؤسسة اذا لم تجنِ أرباحا لكن ذلك ليس هو السبب الوحيد لقيام المؤسسات تماماً مثلما اننا لا نستطيع أن نعيش دون أن نأكل لكن الأكل ليس هو سبب وجودنا .
- يجب على الافراد والمؤسسات أن يضعوا التجديد المتوازن للأبعاد الأربعة السابقة في رسالة الحياة لديهم .
الإنتصار اليومي :
- التجديد المتزن أمر متكامل ..فما تفعله لشحذ الشفرة في بعدٍ ما .. ينعكس على كل الأبعاد .. لذلك تجديد هذه الابعاد كل يوم يعتبر الانتصار اليومي الذي يعيننا على النجاح في الحياة الشخصية ثم في الحياة العامة .. من لا يجدد هذه الابعاد بانتظام في كل يوم فهو مهزوم في يومه ذلك مهما ظن أنه أنجز وتقدم .
قيل عن ابن تيمية : (( وكان إذا صلى الفجر يجلس في مكانه حتى يتعالى النهار جداً يقول هذه غدوتي لو لم أتغد هذه الغدوة سقطت قواي ))6 ، و قد أكسبه هذا الانتصار اليومي السكينة و الطمانينة يقول ابن القيم ان شيخ الاسلام قال مرة : " إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة " 1 ، وقال " ما يصنع أعدائي بي ؟ ان جنتي وبستاني في صدري أنّى رحت فهي معي لا تفارقني "2. يقول الإمام ابن القيم " زرته ذات ليلة في الرؤيا و ذكرت له بعض الأعمال القلبية فقال : أما أنا فطريقي الفرح والسرور به "3 .
إن التجديد في الابعاد الاربعة يجعلنا نتحرك في حلزون صاعد من النمو والتغير نحو الأفضل وهذا يتطلب منا أن نتعلم ونلتزم ونفعل ثم نتعلم ونلتزم ونعمل وهكذا نصعد الحلزون شيئا فشيئا .
هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد

 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية