صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أبيض وأسود

نزار محمد عثمان


كتب د. عبد الله علي إبرهيم عن العربية السودانية مقالاً بعنوان (هل عربيتنا السودانية نصف ديانة)، في صحيفة الرأي العام، أول أمس السبت 10 رمضان، خلص فيه إلى أن العربية السودانية هي أصل في دوحة اللغة العربية، وأن هذا القول ليس عزة جاهلية ثقافية، وإنما حقيقة ثقافية لا مهرب منها للأمام أو الخلف؛ طلباً لأمن ثقافي زائف من ترويع حرب الهوية، وتبعات بناء السودان المتنوع، أو متاعب السودانيين في المهاجر العربية.
وذكر أن أحدهم كان يقرأ رواية روسية مترجمة -وكان ذلك في سجن شالا عام 1972م- فتوقف عند كلمة كانت وصفاً للون ما، استنكرها، وعدَّها من الكلمات المنقرضة التي لم يعد لها استخدام في اللغة المعاصرة، وأيده الباقون، لكنهم في ذات اليوم سمعوا أحد شرطة السجن ينادي آخر آمراً له بأن يحضر حصانا وصفه بذات الكلمة التي عدوها منقرضة.
والمقال ممتع، ومهم؛ خاصة في أجواء صراع الهوية المتصاعد هذه الأيام.. وقريباً مما ساقه د. عبد الله علي إبراهيم ما سمعته من بروفسير عبد الله الطيب؛ حيث قال: إنه سمع أحدهم في سوق الدامر يقول: ناس فلان كتلتم (أي قتلتهم) العيمة، قال: (أنا أعرف من كتاب الأمالي أن العيمة هي الشح الشديد في اللبن، لكن من أين أتى ذلك القروي بتلك اللفظة، لا شك أنه لم يقرأ الأمالي مطلقاً)؟!..
ومثل ذلك القروي لم أقرأ الأمالي مطلقاً، لكني راجعت معنى العيمة في صحاح الجوهري فوجدته يقول: (العَيْمَةُ: شهوة اللبن. وقد عامَ الرجلُ يعيمُ ويَعامُ عَيْمَةً، فهو عَيْمانٌ، وامرأةٌ عَيْمى. وأعامَهُ الله: تركه بغير لبن)، كما ذكر بروفسير عبد الله الطيب أن الدارجية السودانية هي الوحيدة -بين كل اللغات العربية الدارجة- التي تعرف المبني للمجهول، حيث يقول السودانيون: (كِتلنا في فلان) بمعنى قُتلنا في فلان؛ أي كاد شوقنا إليه يقتلنا.
وقد أحسن صنعاً د. عبد الله علي إبراهيم بالإشارة إلى متاعب السودانيين في المهاجر العربية، حيث يرى بعض العرب أن في لساننا أخطاء فادحة؛ خاصة مخارج بعض الحروف مثل القاف والغين والظاء ونحو ذلك، كما يرون أن لنا استخدمات غير مسبوقة في اللغة العربية مثل قولنا: (الليلة الصباح)؛ فكيف تجتمع الليله مع الصباح، أو (باكر المساء)؛ كيف ننسب البكور للمساء، أو (قام قعد): فهل هو قائم أم قاعد، و(بتكلم ساكت)، فهل هو يتكلم أم ساكت، أو (تقريباً بالضبط كدة)؛ فهل هو تقريب أم ضبط، ونحو ذلك من العبارت التي يصعب فهما لغير السوداني.
ومن أطرف ما قرأت في هذا الباب ما ذكره بروفسير محمد عبد الله الريح عن ذلك السوداني الذي رأى الباذنجان الأبيض لأول مرة في أحد أسواق الخليج، فسأل البائع: (إنت الأبيض دة أسود؟!..)، فرفع البائع حاجبيه، وفغر فاه، وأعمل ذهنه يحاول أن يفهم ماذا يقصد هذا السوداني؟!..

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية