اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/nizar/67.htm?print_it=1

ومضى حبيب

نزار محمد عثمان


اسمح لي أيها القارئ الكريم أن أجعل المرايا اليوم مستوية، واسمح لي أن أخاطبك فيها بأحرف ولهى، وكلمات ثكلى، وعبارات كلمى؛ عساني أوفق في نقل دمعات القلوب، وآهات النفوس، وخلجات الأفئدة، ومشاعر الحزن التي اكتنفت ذلك الجمع الذي شيع نهار الأربعاء الماضي رجل البر والإحسان الشيخ محمد الحبيب أحمد الطيب رحمه الله تعالى.
كان مدخلي لمعرفة الشيخ الحبيب قصة رواها لي الوالد مفادها أن رجلاً مر على امرأة تبكي في أحد شوارع (بانت) وحولها صغارها وامتعتها؛ فعرف أنها أجبرت على إخلاء بيتها بأمر من القاضي لعدم دفعها الإيجار لأشهر عديدة؛ فطلب الرجل من الشرطي الذي كان مسؤولاً عن عملية الإخلاء أن يمهله من الزمن ما يكفي لترتيب شراء البيت وتمليكه لهذه المرأة، ووسط ذهول الحاضرين، وتعاطف الشرطي، ودوران عقارب الساعة عادت المرأة للبيت مالكة بعد أن كانت مستأجرة، ولم تعرف عن ذلك الرجل أكثر من أن اسمه أحمد الطيب، وأنه من أهل المروءة والنجدة!!.. قال لي والدي: لقد توفي أحمد الطيب، لكنه ترك ابنه حبيب على ذات الدرب.
وقصص حبيب رحمه الله تعالى لا تقل شهامة ومروءة؛ فقد كان يكفل أسراً عديدة كفالة كاملة، كما بنى عدداً من المساجد والمدارس، ولا يعلم إلا الله عدد الذين أعانهم وساعدهم حبيب؛ إذ أنه ضرب في كل غنيمة للخير بسهم، وأحاط كل ذلك بسرية تامة.. أذكر أني سألت أحد المقربين إليه مرة عن إمكانية مساعدته لأسرة تنوي بناء مسجد؛ فأجابني: نعم سيساعد في ذلك، لكن قل لهم إن لم يجدوه وحده ألاَّ يحدثوه في الموضوع؛ لأنه لن يعطيهم شيئاً في حضور الآخرين!!..
وعندما دعي لحفل تكريم يتسلم فيه وساماً من الرئيس عمر البشير؛ باعتباره أحد أكبر دافعي الزكاة في السودان لم يذهب!؛ وطوى عن التكريم كشحا، وضرب عن الحضور الذكر صفحا؛ إذ أنه لا يريد من بشر شكراً، ولا مدحا.
وكان رحمه الله تعالى عابداً زاهداً، محافظاً على الصلاة في المسجد؛ حتى بعد المرض الذي أقعده، كما كان عالماً فقيهاً في أمور المعاملات المالية، واسع الفكر، بعيد النظر في قضايا العمل الخيري، له يد واضحة في نجاح منظمة المشكاة الخيرية التي كان يرأس مجلس إدارتها، كما كان مفتاحاً للخير؛ ينفق، ويدعو الآخرين للإنفاق، وله كلمة لا ترد عند أهل الخير من الموسرين، وإلى جانب ذلك كان محباً للجهاد؛ ترك أمواله وتجارته طواعية والتحق بمعسكرات الدفاع الشعبي؛ يلبس الدمور، ويأكل (المادة الصفراء).
وليس حبيب رحمه الله تعالى ممن تسع مناقبَهم زاويةٌ في صحيفة!!.. وحسبي أن هذه الكلمات غيض من فيض، ونزر من نهر، وقطر من بحر؛ يعرف ذلك كل من خالطه عن قرب!!.. نسأل الله أن يتقبله في الصالحين، ويعلي مقامه في أعلى عليين، وأن يخلف علينا فئاماً من مثله!!.. آمين!!..


عهدي بهم تستنير الأرض إن نزلوا *** فيها وتجتمع الدنيا إذا اجتمعوا
ويضحك الدهر منهم عن غطارفة *** كأن أيامهم من أنسها جُمعُ!!..


 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية