اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/naseralsaif/74.htm?print_it=1

فضل الدعوة إلى الله تعالى في السنة النبوية

ناصر بن سعيد السيف
@Nabukhallad


والدعوة إلى الله تعالى من أجل شرائع الإسلام الحنيف الذي بُعث به لبنة التمام ومسك الختام نبينا محمد ﷺ، وهذه الدعوة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ البشري فليست كما يظن البعض ويعتقد أنها نشأت من بعثة النبي ﷺ، فهذا خلاف ما جاء في القرآن والسنة من قصص الأنبياء والمرسلين الذين اصطفاهم الله تعالى لتبليغ دينه وشرائعه إلى العالمين، ولإقامة منهج الله تعالى المنزل عليهم وسيادته على كل منهج بشري مخالف لمنهج الله تعالى ورسالته، وهذه من كبرى حقائق الدعوة التي لا ينبغي أن تغيب عن أذهان وعقول الدعاة إلى سبيل الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام. ([1])
الدعوة الى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، بل لا بد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه السعي، ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام والله يؤتي فضله من يشاء. ([2])

 والأحاديث من السنة النبوية الدالة على فضل الدعوة إلى الله تعالى كثيرة، وفي النقاط التالية بعض منها وعليها تعليقات من كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى:


1. 
  عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (نضّر الله امرءاً سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع). ([3])
في هذا الحديث دليل على الحث في حفظ الأحاديث الصحيحة، وروايتها وتبليغها للنَّاس؛ وإنَّما خَصَّ حافظ سنَّته ومبلغها بهذا الدُّعاء؛ لأنَّه سعى في نضارة العلم وتجديد السُّنة، فجازاه في دعائه له بما يناسب حاله في المعاملة. ([4])

2. 
  عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأ‌نصاري البدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (من دلَّ على خيرٍ، فله مثل أجر فاعله). ([5])
في هذا الحديث دليل أن له ثوابًا كما لفاعله ثوابًا، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء. وذهب بعض الأئمة إلى أن المثل المذكور في هذا الحديث ونحوه إنما هو بغير تضعيف. واختار القرطبي أنه مثله سواء في القدر والتضعيف، قال: لأن الثواب على الأعمال إنما هو بفضل من الله، فيهبه لمن يشاء على أي شيء صدر منه، خصوصًا إذا صحت النية التي هي من أصل الأعمال في طاعة عجز عن فعلها لمانع منعه منها فلا بعد في مساواة أجر ذلك العاجز لأجر القادر الفاعل أو يزيد عليه، قال وهذا جار في كل ما ورد مما يشبه ذلك كحديث من فطر صائمًا فله مثل أجره. ([6])

3.  
عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين). ([7])
في هذا الحديث دليل على أن الداعية في الدعوة إلى الله تعالى مراد به الخير، فكيف بمن تفقه في الدين وفقَّه الناس، وكيف بمن يتعلم ويُعلِّم الناس العلم والخير، والفقه في الدين الذي هو علامة السعادة، هو العلم الذي يؤثر في صاحبه خشية الله، ويورثه تعظيم حرمات الله ومراقبته، ويدفعه إلى أداء فرائض الله وإلى ترك محارم الله، وإلى الدعوة إلى الله عز وجل، وبيان شرعه لعباده. ([8])

4. 
  عن أبي رقية تميم بن أوسٍ الداري رضي الله تعالى عنه: أن النبي ﷺ قال: (الدِّين النصيحة)، قلنا: لِمَن؟ قال: (لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم). ([9])
في هذا الحديث دليل أن النصيحة هي الدِّين كلُّه؛ ذلك أنَّ الدِّين كُلَّه نُصْح؛ فالصَّلاة، والصِّيام، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر؛ كلُّ ذلك نصح، والنصيحة تشمل خِصالَ الإسلام والإيمان والإحسان التي ذُكِرَت في حديث جبريل ﷺ وسمَّى ذلك كلَّه دينًا ، فإنَّ النُّصح لله يقتضي القيام بأداء واجباته على أكمل وجوهِها، وهو مَقام الإحسّان، فلا يكملُ النُّصحُ لله بدون ذلك، ولا يتأتى ذلك بدون كمال المحبة الواجبة والمستحبة، ويستلزم ذلك الاجتهاد في التقرَّب إليه بنوافل الطاعات على هذا الوجه وترك المحرَّمات والمكروهات على هذا الوجه أيضاً. ([10])

5. 
  عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: أن النبي ﷺ قال: (بلِّغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرَج، ومَن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأْ مقعدَه من النار). ([11])
في هذا الحديث دليل على ضرورة تبليغ الدعوة لسائر الناس فمن علم آية وفهم معناها عليه أن يبلغ هذه الآية غيره من لا يعلمها، ومن فهم حديثاً وفهم معناه أو شيء من هذا القبيل فعليه أن يبلغ هذا الحديثِ لغيره ممن لم يعلم، سواءاً كان من أسرته أو من أقاربه أو من زملائه أو من سائر الناس في مشارق الأرض ومغاربها، فالدعوة لا يحدها زمان ولا مكان. ([12])

6. 
  عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ قال: (فتنة الرجل في أهله، وماله، وولده، وجاره، تكفِّرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي). ([13])
في هذا الحديث دليل على أن الدعوة إلى الله تعالى من ضمن أعمال البر والتقوى التي تكفِّر الذنوب والخطايا، والمعنى أنها تكفر إذا اجتنبت الكبائر قوله والأمر أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعيين هذه الأشياء الخمسة من الحقوق في الأبدان والأموال والأقوال، فذكر من أفعال الأبدان أعلاها وهو الصلاة والصوم، وذكر من حقوق الأموال أعلاها وهي الصدقة، ومن الأقوال أعلاها وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ([14])

7. 
  عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عن النبي ﷺ قال: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت؛ ليصلون على معلم الناس الخير). ([15])
في هذا الحديث دليل على أن الملائكة يستغفرون لمعلمي الناس الخير طالبين لتخليهم عمَّا لا ينبغي ولا يبق بهم من الأوضار والأدناس، لأنَّ بركة علمهم وعملهم وإرشادهم وفتواهم سبب لانتظام أحوال العالَم، وذكر النَّملة والحوت بعد ذكر الثَّقلين والملائكة تتميمٌ لجميع أنواع الحيوان على طريقة الرَّحمن الرحيم، وخصَّ النَّملة والحوت بالذِّكر للدلالة على إنزال المطر وحصول الخير والخصب ببركتهم، كما قال بهم تنصرون وبهم ترزقون حتَّى أن الحوت الَّذي لا يفتقر إلى العلماء اِفْتقار غيره لكونه في جوف الماء يعيش أبدًا ببركتهم. ([16])

8. 
  عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله ﷺ قال في خيبر: (لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ﷺ كلهم يرجو أن يعطاها، فقال ﷺ: أين علي بن أبي طالب؟، فقالوا: يشتكي من عينيه يارسول الله، قال: فأرسلوا إليه فأتوني به، فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال: علي يارسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم). ([17])
في هذا الحديث دليل على عدم احتقار المسلم لنفسه وهو يقوم بعملية الدعوة سواء بدعوة المسلم إلى أن يهتدي ويمشي على الطريق المستقيم أو بدعوة غير المسلم لكي يدخل بهذا الإسلام، فإن اهتدى على يديك رجل من المسلمين وترك طريق الغواية إلى طريق الحق فهذه نعمة كبيرة. وكذلك لئن اهتدى رجل كافر ودخل في الإسلام فهذا فضل عظيم بشر به الرسول ﷺ من واقع هذا الحديث. ([18])

9. 
     عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتَهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرَدُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائمَ أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب). ([19])
في هذا الحديث دليل إذا أراد الداعية أن يقيم مجتمعاً إسلامياً يلتزم أفراده بشريعة الله تعالى، فلا يتوهم أن ذلك يتحقق له دفعة واحدة، بل لا بد أولاً من التهيئة النفسية والفكرية للمدعوين، وذلك بتقديم الأهم من الأمور على المهم منها، والتدرج من المألوف الذي اعتادوا إلى الجديد الذي يهدف إلى إيصالهم إليه، ومن كليات الأمور إلى الجزئيات منها، ولا يباشرهم بالإصلاح دفعة واحدة، فإن ذلك يعتبر مصادمة لهم، وتنفيرًا عن قبول أوامر الدين ونواهيه. ([20])

10.
     عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (مثلي كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فذلك مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار: هلم عن النار هلم عن النار فتغلبوني فتقتحمون فيها). ([21])
في هذا الحديث دليل على أن دعوة جميع الأمة حكماء وعلماء وتجار وغيرهم إلى أن يبلغوا عن الله تعالى وعن رسوله ﷺ هذا الدين، وأن يشرحوه للناس بشتى اللغات الحية المستعملة بأساليب واضحة، وأن يشرحوا محاسن الإسلام وحكمه وفوائده وحقيقته حتى يعرفه أعداؤه، وحتى يعرفه الجاهلون فيه، وحتى يعرفه الراغبون فيه. ([22])
 

@  @  @
 
أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد والقبول
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير
ناصر بن سعيد السيف
22 شعبان 1441 هـ


------------------------------------------------
([1]) انظر: الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج، عاطف الفيومي، ص2.
([2]) انظر: مفتاح دار السعادة، ابن قيم الجوزية، 1/154.
([3]) رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني برقم الحديث (6764).
([4]) انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، الطيبي، 2/683.
([5]) رواه مسلم في صحيحه برقم الحديث (3509).
([6]) انظر: الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، جلال الدين السيوطي، 4/489.
([7]) رواه البخاري في صحيحه برقم الحديث (71).
([8]) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الشيخ عبدالعزيز بن باز، 9/130.
([9]) رواه مسلم في صحيحه برقم الحديث (3509).
([10]) انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، ص10.
([11]) رواه البخاري في صحيحه برقم الحديث (2595).
([12]) انظر: الدعوة إلى الله تعالى وأهميتها ووسائلها، فهد العصيمي، ص10.
([13]) رواه البخاري في صحيحه برقم الحديث (225).
([14]) انظر: عمدة القارئ شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني، 7/311.
([15]) رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني برقم الحديث (2609).
([16]) انظر: فيض القدير في شرح الجامع الصغير، المناوي، 4/568.
([17]) رواه البخاري في صحيحه برقم الحديث (3498).
([18]) انظر: الدعوة إلى الله تعالى وأهميتها ووسائلها، فهد العصيمي، ص11.
([19]) رواه البخاري في صحيحه برقم الحديث (1425).
([20]) انظر: الدعوة قواعد وأصول، جمعة أمين عبدالعزيز، ص179.
([21]) رواه مسلم في صحيحه برقم الحديث (4235).
(22) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدالعزيز بن باز، 2/453.

 

ناصر  السيف
  • كتب
  • مقالات
  • تغريدات
  • فيديوهات
  • الصفحة الرئيسية