صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شهر صفر والاعتقادات الباطلة

مثنى علوان الزيدي


الحمد لله خلقنا لعبادته وتوحيده ، ومن علينا وتفضل بتسبيحه وتحميده ، أحمده سبحانه وأشكره وعد الشاكرين بمزيده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، أفضل رسله وأكرم عبيده صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد ....فإن أوجب الواجبات على العباد معرفة توحيد الله عز وجل ومعرفة ما يناقضه من الشرك والخرافات والبدع ، ذاك أن التوحيد هو القاعدة والأساس في دين الإسلام الذي لا يقبل الله عملاً إلا به .
وفي الحديث القدسي : " خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطان ". رواه مسلم
عباد الله : ومما يضاد التوحيد ما يعتقده بعض أهل الجاهلية وأتباعهم في هذا الزمان من اعتقادات وبدع في بعض الأيام وبعض الشهور من العام ومن ذلك ما يعتقده بعضهم في هذا الشهر من العام ألا وهو شهر صفر .

عباد الله : إن شهركم هذا هو أحد الشهور الهجرية وهو الشهر الذي يلي شهر الله المحرم ولقد سمي بهذا الاسم ( صفر ) لأصفار مكة من أهلها أي خلوها من أهلها إذا سافروا ، وقيل بل سموا الشهر صفر لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صفراً من المتاع ولقد كان للعرب في الجاهلية في شهر صفر منكران عظيمان :

الأول : التلاعب فيه تقديماً وتأخيراً حيث كانوا في الأشهر الحرم يقدمون ويؤخرون حسب أهوائهم وذلك لأن الله سبحانه جعل في العام أربعة أشهر حرم ، حُرم فيها القتال تعظيماً لشأنها ، وهذه الأشهر هي : ذو القعدة ، ذو الحجة ، محرم ، رجب ومصداق ذلك في كتاب الله سبحانه : (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم )سورة التوبة(36).

فكان المشركون إذا أرادوا أن ينتهكوا حرمة شهر المحرم قدموا شهر صفر وجعلوه مكانه حتى لا تحول الأزمنة الفاضلة بينهم وبين ما يشتهون .
أما المنكر الثاني الذي كان يرتكبه العرب في مثل هذا الشهر هو التشاؤم منه حيث كانوا يعتقدون أنه شهر حلول المكاره ونزول المصائب ، فلا يتزوج من أراد الزواج في هذا الشهر لاعتقاده أن لا يوفق ، ومن أراد تجارة فإنه لا يمضي صفقته في شهر صفر خشية ألا يربح .
ولهذا أبطل صلى الله عليه وسلم هذا الاعتقاد الزائف ، فشهر صفر شهر من أشهر الله ، وزمان من أزمنة الله ، لا يحصل فيه إلا ما قضاه وقدره الله ، ولم يختص سبحانه هذا الشهر بوقوع مكاره ولا بحصول مصائب ، فالأزمنة لا دخل لها في التأثير ولا في ما يقدره الله سبحانه ، فصفر كغيره من الأزمنة يقدر فيه الخير والشر.
ومما يعتقده البعض وخاصة في بعض الأقطار الإسلامية أنه في آخر يوم أربعاء من هذا الشهر ينزل الله سبحانه آلاف البليات والكوارث حتى يكون ذلك اليوم أصعب أيام السنة وأشدها ، وعلى من أراد الخلاص من شرور ذلك اليوم أن يصلي أربع ركعات بصيغة معينة ثم يختم صلاته بالدعاء المعين وفيه : اللهم أكفني شر هذا اليوم وما ينزل فيه يا كافي المهمات ، ويا دافع البليات و لهذا فإن هذه النافلة لا نعلم لها أصلاً لا من الكتاب ولا من السنة ، ولم يثبت أن أحداً من سلف هذه الأمة وصالحي خلفها عمل بهذه النافلة ، بل هي بدعة منكرة ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه البخاري . فلا يجوز ابدا التكلم بهذا والاعتقاد به.
احبتي الاكارم إن التشاؤم بالأزمنة والتشاؤم بالأشهر وببعض الأيام أمر يبطله الإسلام لان هذا التشاؤم هو جنس الطيرة التي نهى عنها نبينا فقال : لا عدوى ولا طيرة رواه مسلم . وفي الحديث الآخر : (الطيرة شرك ، الطيرة شرك )،رواه ابن حبان في صحيحه.
لا يفتأ أهل الجاهلية واتباعهم أن يوجدوا لمعتقداتهم ما يثبت صحتها ويشهد لها حيث ابتدعوا أحاديث ونصوص نسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو منها براء كل ذلك لأجل البرهنة على أعمالهم والاستشهاد لها ، ومن ذلك : ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة ... ذكره الإمام الشوكاني وغيره في الأحاديث الموضوعة .

وكذلك حديث : " يكون صوت في صفر ثم تتنازع القبائل في شهر ربيع ثم العجب العجاب بين جمادي ورجب.
فإن هذا الشهر الذي يتشاءم به البعض قد حوى أحداثاً عظاماً وتواريخ جليلة ففي هذا الشهر كانت أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وهي غزوة الأبواء حيث خرج يعترض عيراً لقريش لكنه لم يلق كيداً ، وفي مثل هذا الشهر كان فتح خيبر على يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي مثل هذا الشهر كانت الوقعة التي قتل فيها خبيب بن عدي رضي الله عن الجميع.
واعلموا أن ما عند الله إنما يجلب بعبادته ، وأن المكاره والحوادث تدفع بالدعاء ، وبالطاعة ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه .. ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا .

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه

الخطبة الثانية :

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده أما بعد:
فإن الشرك والخرافات والبدع لا تقع في الأرض جملة واحدة بل تقع شيئاً فشيئاً حتى تعم وتستشري ولهذا فلنحذر من الوقوع بكل ما يبعدنا عن الله ومنها الاعتقادات الباطلة المخالفة لما جاء في الشرع الحنيف وإن كل زمان شغله المؤمن بطاعة الله تعالى فهو زمان مبارك عليه ، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله تعالى فهو شمووم عليه ، فالشؤم في الحقيقة هو في معصية الله تعالى .

الهوامش:
1-أخرجه الإمام مسلم .
2- التوبة (36) .
3- أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها (2/959).
4-أخرجه مسلم باب (لاعدوى ولا طيرة) ج14.
5-صحيح ابن حبان(13/491).


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
مثنى علوان الزيدي
  • مقالات
  • الفقه الميسر
  • صوتيات
  • كتب
  • تراجم
  • لقاءات
  • خطب
  • محاضرات
  • الصفحة الرئيسية