صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مفهوم الحرية الغائب

مبارك عامر بقنه

 
لماذا نطالب بالحرية ؟ وماذا سوف تمنحنا الحرية ؟ مبارك عامر بقنه يختلف مفهوم الحرية من شخص لآخر؛ إلا إن العامل المشترك في مفهوم الحرية هو أن نقول ونكتب ما نشاء دون أن يمسنا سيف الرقيب أو سوط الجلاد. فالحرية الحقيقة هي حرية الفكر . وحرية التعبير وبيان الرأي هي نتيجة لحرية التفكير، وعندما تسلب أحد هاتين الصفتين ـ التفكير والتعبير ـ يفقد الإنسان أهم خصائصه البشرية التي منحه الله، والتبي بها يتميز عن غيره من الكائنات .

والإشكالية القاتلة لدى كثير من فاقدي الحرية، أنهم لم يفهموا ما معنى أن تعيش حراً. فالحرية تمنحك إنسانيتك، تشعرك بقيمتك ووجودك وأنك كائن لك معنى في هذه الحياة. الحرية هي بداية التحضر والتقدم، فلم يعرف المسلمون التقدم إلا عندما أعطوا الحرية، وشعروا أنهم أناس لهم قيمتهم في هذه الحياة، وحدث التخلف عندما سحبوا بساط الحرية من تحت أرجلهم ومنحوها للآخر يتحكم بهم كيف شاء، فالحرية هي دلالة لصحة بيئتك الفكرية.

والحرية ليست علم يدرس أو مهارة تكتسب إنها نزعة وحاجة إنسانية هي كالطعام والشراب. فأنت لكي تعيش لا بد أن تأكل وتشرب، وكذلك لا بد أن تكون حراً لكي تعيش إنساناً لا حيواناً تقاد حيث يشاء الآخرون. وكما أنك تبحث عن الطعام والشراب وتسعى لتوفيره فالحرية كذلك يجب أن تبحث عنها وتسعى لتحصيلها.

الحرية ليست حكراً على فئة معينة؛ بل هي لكافة الناس، الكل من حقه أن يعيش حراً. لقد ولدنا أحراراً فلماذا نستعبد بعضنا بعض. ولاتعني الحرية الخروج على شرع الله؛ بل شرع الله هو الذي يمنح الحرية، فإن من خصائص هذا الدين أنه يبني القيمة الذاتية للفرد، فالعبودية هي التحرر من عبودية النفس والشيطان.

والحرية ليست هي الإيذاء والتعدي على حقوق الآخرين، والسب والشتم والتلفظ ببذيء القول؛ بل هذا نوع من أنواع الديكتاتورية، ومحاولة للتسلط القذر وفرض الرأي على الآخرين. الحرية الاعتراف بالآخر وأنه موجود له قيمته الإنسانية وحقوقه المدنية. وهنا يجئ في خاطري فتح الشام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو لم يهدم الكنائس عندما فتحها بل أبقاها على ما هي عليه، وهذا نوع من الاعتراف بالآخر وأن له حقوق يجب أن تعطى، وإن كان كافراً، وهذا المفهوم غاب عن محمد الفاتح عندما فتح القسطنطينية فهدم الكنيسة فكانت النتيجة أن سقطت القسطنطينية. فالحرية عملية تبادلية فكما أنك تمنحني الحرية فيجب أن أمنحك الحرية.

الحرية هي سبيل إلى تحقيق العدالة المفقودة، فالعدالة الحقة لا تتحقق في ظل الاضطهاد وحرمان الحقوق ومنع الممارسات الإنسانية الشرعية، فالحرية مقدمة أساسية لدفع الظلم وإزالته من المجتمع. وفي إقصاء الحرية يتعذر أن نتواصل مع المجتمع بصدق وإخلاص ومحبة، وهذا على المدى البعيد يؤثر تأثيراً سلبياً على تقدم المجتمع وتطوره ولذلك نجد أكثر المجتمعات تحضراً ورقياً أكثرها حرية.

إننا نخاف من الحرية لأننا لا نعرف قيمتها وأثرها، نخاف من الحرية لأننا لا نثق في الآخرين، نخاف من الحرية لأننا نفتقد القيم والمبادئ الرفيعة، نخاف من الحرية لأننا أنانيون متكبرون جاهلون لمعنى الحرية. نخاف من الحرية لأننا نريد أن نستغل الآخرين لنحقق أهدافنا المتعارضة مع أهداف غيرنا.

ونحن نملك في شريعتنا قواعد وأصول سامية في كيفية التعامل مع الموافق والمخالف في العقيدة والفكر، ولكن جهلنا بهذه القواعد جعلنا نحكم على الإسلام بأنه يحارب أو يقصي حقوق الآخرين، وهذا حكم ظالم، فالعالم لم يعرف معنى الحرية وحقوق الإنسان إلا بعد بزوغ فجر الإسلام، وإن كان هناك إساءة تنسب فلا تنسب إلى الإسلام وإنما إلى التطبيق الخاطئ للإسلام أو بالأصح إلى هجر القواعد الكليّة القيّمة الإسلامية في كيفية التعامل مع الآخر إي كان هذا الآخر.

ومما أثبت لنا التاريخ أن الحرية لا تهب أو تعطى وإنما تؤخذ. فالناس لا يمنحون الآخرين حقوقهم ما لم يطالبون هم بحقوقهم. فلم ينل الغرب حريته إلا بعد دماء الثورة الفرنسية. فالآخرون يتلذذون باستعباد غيرهم كما نستمتع نحن عندما ننظر إلى البلابل في أقفاصها، نحن لن نطلقها ما لم تزعجنا دوماً بصوتها وصفيرها. ولكن إن سكتت وسكنت سكتنا وسكنا وبقينا نتلذذ بالنظر إليها وهي في أغلالها.

ونحن كثيرا ما نقيد ونسلسل أنفسنا بأوهام وخيالات لا وجود لها، فنعيش في وهم الخوف والكبت، ففي كثير من المواقف لا نستطيع أن نعبر عن رأينا بتجرد وجرأة وصراحة ليس لأن الخارج يمنعنا؛ بل لأننا نحن نمنع أنفسنا ونكبت أفكارنا. نتعامل بقسوة مع أنفسنا، نقمع أفكارنا وأرآنا قبل الآخرين، نحتاج ـ بداية ـ إلى تحليل مواقفنا تجاه أنفسنا قبل أن نحلل مواقف الآخرين تجاهنا.

إن أول خطوات التحرر هو الشعور بقهر العبودية. وإدراك أن فكرك ورأيك ـ وهو من أخص خصوصياتك ـ مسلوب منك ومنتزع. ومن فنون الدكتاتوريين أنهم يشعرونك أنك تعيش حراً طليقاً وأنت في قيودك. فلن تكون دكتاتوري حتى تتقن مهارة التحكم في عقول الناس وكيفية توجيه فكرهم. أنت لن تطالب بحريتك ما لم تشعر أنك مقيد مستعبد، وتعيش في حالة كبت فكري وقهر حسي، وكسر هذه القيود لا يحدث إلا بالقوة. وقد تكون القيود كثيرة يصعب عندها التحرر والانفلات؛ وهنا ينبغي التدرج في كسر القيود فيبدأ بأيسرها وألينها فبعض الشيء أخف من بعض.

للتواصل : Mubarak200@hotmail.com
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مبارك عامر بقنه

  • مقالات شرعية
  • مقالات تربوية
  • مقالات فكرية
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية