اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/moslem/71.htm?print_it=1

حادثة الإفك
ما بين أحاديث السنة
و افتراءات الروافض

الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف

 
بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.....
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ( سورة آل عمران: 102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ( سورة النساء: 1)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ( سورة الأحزاب:70،71 )

أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعال ى، وخير الهدى هدي محمد - e -، وإن شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
وبعد :
زعم الروافض أصحاب الفكر الدخيل ، فيما زعموا أن مهديهم المزعوم يقيم الحد على أم المؤمنين ملكة العفاف عائشة – رضي الله عنها – فقد اسند العديد من أئمة الروافض من أمثال ابن رستم الطبري ، والرقي و ابن بابويه و غيرهم ، و اللفظ لابن رستم الطبري في رواية نسبوها للإمام الباقر - رضي الله عنه – ما نصه : ( أما لو قام القائم : لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد ، وينتقم لأمه فاطمة منها . قلت : جعلت فداك ، ولم يجلدها ؟ قال : لفريتها على أم إبراهيم . قلت : فكيف أخره الله عز وجل للقائم ؟ فقال : لأن الله تبارك و تعالى بعث محمداً رحمة ، ويبعث القائم نقمة ) [1].
فالروافض يزعمون أن الله قد أنزل في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، آيات بسبب فريتها على مارية القبطية ، منها قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)} . [2]
وقوله سبحانه وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} . [3]

و روى الروافض عددا من المرويات المسندة – كذباً – إلى بعض أئمة آهل البيت – رضي الله عنهم لبيان سبب نزول هذه الآيات منها :
عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال : ( لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله حزن عليه حزناً شديداً . فقالت عائشة : ما الذي يحزنك عليه ، فما هو إلا ابن جريح ؟ .
فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً و أمره بقتله . فذهب علي عليه السلام إليه ومعه السيف ، وكان جريح القبطي في حائط ، وضرب علي عليه السلام باب البستان ، فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب ، فوثب علي عليه على الحائط ونزل البستان و اتبعه ، وولى جريح مدبراً . فلما خشي أن يرهقه صعد نخلة و صعد علي في أثره . فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة ، فبدت عورته فإذا ليس له ما للرجال ولا ما للنساء . فانصرف علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : يا رسول الله إذا بعثتني في الأمر أكون كالمسمار المحمى في الوتر أم أثبت ؟ قال : فقال : بل أثبت . فقال : والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال ولا ما للنساء . فقال رسول الله – صلى الله عليه و آله : الحمد الذي صرف عنا السوء أهل البيت ) [4].
و المضحك أن هناك رواية أخرى منسوبة إلى الرضا ، وفيها أن المفتري على مارية هما أو بكر وعمر رضي الله عنهما . [5]
وبعد هذه الروايات المفتريات يجب علينا أن نُسائل أصحاب الفكر الدخيل لماذا لم يقم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الحد على عائشة - رضي الله عنها -ما دام قد عرف قذفها لمارية ، ثم الإمام علي – رضي الله عنه لماذا لم يقم عليها الحد في أيام خلافته ؟ وكذا ابنه الحسن رضي الله عنه ؟.
أجاب الروافض أصحاب الفكر الدخيل على هذه التساؤلات بإجابة مكذوبة منسوبة مثل قصتهم هذه إلى أن أبي جعفر الباقر قال : ( إذا تمنى أحدكم القائم فليمنه في عافية ، فإن الله بعث محمدا رحمة ، ويبعث القائم نقمة ) . [6]
والعجيب أنهم فهموا رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم إسقاط الحدود مع أن التواتر عنه صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود ، ولا يسقطها عن أحد ، ولو أحب و أقرب الناس إليه .
، عن الزهري ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه ، قال عروة : فلما كلمه أسامة فيها ، تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أتكلمني في حد من حدود الله " ، قال أسامة : استغفر لي يا رسول الله ، فلما كان العشي قام رسول الله خطيبا ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد ، فإنما أهلك الناس قبلكم : أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، والذي نفس محمد بيده ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتلك المرأة فقطعت يدها ، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت قالت عائشة : " فكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ") . [7]
أما بالنسبة لعدم إقامة علي أو الحسن أو باقي الأئمة – رضي الله عنهم – للحد على عائشة - رضي الله عنها – فقالوا : بأن علي كانت يده مكفوفة و ليس له حول أو قوة وكذلك الحسن و باقي الأئمة أم القائم – المزعوم – فإنه يقوم بالحق و العدل و يميت الجور و الظلم لذلك تأخر الحد عن عائشة إلى زمن الرجعة . [8]
و لا شك بأن هذا القول طعن في عدالة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم ، وكذلك طعن في عدالة علي والحسن ، و باقي الأئمة . لكن القوم قد أعماهم الحقد عن كل شيء . لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وللرد على هذه الفرية بحق أمنا عائشة ملكة العفاف رضوان الله عليها ، أقول و بالله ثقتي :
لم يخالف أحد من أهل القبلة في أن الإفك وقع على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و هذا إجماع عند أهل السنة والجماعة بل وسائر الفرق المنسوبة إلى الإسلام ما عدا الرافضة التي قالت : أنها وقعت في مارية القبطية .

و العجيب أن عددا من علماء الرافضة قد أقروا بأن الله تعالى قد برأ عائشة رضي الله عنها مما نسب إليها من الإفك ، وبأن الرسول – صلى اله عليه وسلم قد جلد من جلد به . وقد استشهدوا – كما أسلفت – بقصة الإفك على وجود العداوة بين علي رضي الله عنه و عائشة رضي الله تعالى عنها . [9]
قال ابن أبي الحديد الرافضي : ( قوم من الشيعة زعموا أن الآيات التي في سورة النور لم تنزل فيها – يعني عائشة - ، وإنما نزلت في مارية القبطية و ما قذفت به مع الأسود القبطي ....... و جحدهم لإنزال ذلك في عائشة جحد لما يعلم ضرورة من الأخبار المتواترة ) [10].

أما قصة مارية القبطية : فقد روي عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت : أهديت مارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابن عم لها ، قالت : فوقع عليها وقعة فاستمرت حاملا ، قالت : فعزلها عند ابن عمها ، قالت : فقال أهل الإفك والزور : من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره ، وكانت أمه قليلة اللبن فابتاعت له ضائنة لبون فكان يغذى بلبنها ، فحسن عليه لحمه ، قالت عائشة رضي الله عنها : فدخل به على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : " كيف ترين ؟ " فقلت : من غذي بلحم الضأن يحسن لحمه ، قال : " ولا الشبه " قالت : فحملني ما يحمل النساء من الغيرة أن قلت : ما أرى شبها قالت : وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقول الناس فقال لعلي : " خذ هذا السيف فانطلق فاضرب عنق ابن عم مارية حيث وجدته " ، قالت : فانطلق فإذا هو في حائط على نخلة يخترف رطبا قال : فلما نظر إلى علي ومعه السيف استقبلته رعدة قال : فسقطت الخرقة ، فإذا هو لم يخلق الله عز وجل له ما للرجال شيء ممسوح ) . [11]

و هذا أخذت الرافضة هذه الرواية التي روتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وذكرت فيها أن أهل الإفك اتهموا مارية ، فقلبوها - حقدا و غيضا و كفراً – إلى أم المؤمنين بأنها هي التي جاءت بالأفك .
وهناك رواية أخرى مروية عن أنس ، أن رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : " اذهب فاضرب عنقه " فأتاه علي فإذا هو في ركي يتبرد فيها ، فقال له علي : اخرج ، فناوله يده فأخرجه ، فإذا هو مجبوب ليس له ذكر ، فكف علي عنه ، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله إنه لمجبوب ما له ذكر ) [12].
وليس في الروايتين المرويتين سواء عن أنس أم عائشة رضي الله عنهما أي قدح في مارية بل على العكس في الروايتين براءة مارية القبطية رضي الله عنها .
بيد أن عقول أئمة أصحاب الفكر الدخيل مغلقة إلا من الحيل الشيطانية ، و قلوبهم سوداء لا تعكس إلا الحقد على أئمة الإسلام ، و أهله إلا من نور قلبه بنور الهداية فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم .
و الحمد لله رب العالمين


الدكتور مسلم اليوسف

-----------------------------
[1] - دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ، ص260 . المحاسن للبرقي ، أبو جعفر أحمد بن علي البرقي ، دار الكتب الإسلامية ، قم – إيران ، ص 339-340 . شرح البلاغة لابن أبي الحديد ، عبد الحميد بن أبي الحديد ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة – مصر الطبعة الثانية 1967م ، تحقيق محمد أبو الفضل ، ج2/457.و بحار الأنوار للمجلسي ، 53/90.
[2] - سورة النور ، الآية 11-20.
[3] - سورة الحجرات ، الآية 6.
[4] - الأمالي أو غرر الفوائد ودرر القلائد للمرتضى ، علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى ، دار الكتاب العربي – بيروت لبنان 1967م ، ج1/77- 79.
[5] - دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ، ص 201 – 204.
[6] - دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ، ص 260 .
[7] - رواه البخاري في صحيحه ، ج3/1282.
[8] - الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد للطوسي ، ص 369 – 370 . وعلم اليقين في أصول الدين ، للفيض الكاشاني ، بدون ذكر لمكان الطبع أو تاريخه ، ج2/821.
[9] - انظر الجمل للمفيد ، ص 219 . و تلخيص الشافي للطوسي ، محمد بن الحسن ، طبعة حجرية نسخها مير أبو قاسم محمد صادق الخوانساري ، طهران إيران 1301هـ ، ص 468. و الأصول المهمة للموسوي ، ص 156.
[10] - شرح البلاغة لابن أبي الحديد ، ج3/443.
[11] - المستدرك على الصحيحين للحاكم ، ج4/41 .
[12] - رواه مسلم في صحيحه ، ج4/2139.

 

مسلم اليوسف
  • بحوث علمية
  • بحوث نسائية
  • مقالات ورسائل
  • فتاوى واستشارات
  • الصفحة الرئيسية