صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







السلوك والمظهر الحسن للمحامي في الشريعة و القانون

الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف

 
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على
إمام المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم و بعد :

أوجب القانون الوضعي على جميع المحامين أن يتخذوا من سلوكهم ومظهرهم ما يدل على الاحترام الكامل لهيئة المحكمة وألا يبدو ما من شأنه أن ينتقص من احترام المحكمة وهيبتها .
نصت المادة 45 ليبي : ( على المحامي أن يتخذ من سلوكه ومظهره ما يدل على احترامه لهيئة المحكمة وألا يبدي كل ما من شأنه أن ينتقص من خلال احترامها ولا يقبل حضوره إلا بالرداء الخاص بالمحاماة . . . ) .
فلا يصح بمقتضى هذا النص أن يظهر المحامي بمظهر مخالف للعرف كأن يأتي في لبنان أو سوريا إلى المحكمة بالثوب العربي أو أن يأتي بالثوب الغربي إلى المحكمة في السعودية .
فاللباس الغربي يعتبر مخالفاً للعرف في المملكة العربية السعودية . وبالتالي يعتبر المحامي المرتدي هذا اللباس غير موقر لهيئة المحكمة .
والعكس صحيح في الدول التي يلبس مواطنوها اللباس الغربي . بل إن بعض القوانين فرضت على المحامين لباساً خاصاً مأخوذاً عن القانون الغربي مباشرةً كما في الجماهيرية العربية الليبية وجمهورية مصر العربية وسوريا
المادة 65 محاماة سوري تنص : ( على المحامي أن يرتدي أثناء مرافعته عن الموكلين الرداء الخاص بالمحامين ) . بيد أن هذا النص مهمل ولا يطبق في سوريا إلا أمام محكمة الجنايات.

وانظر المادة 95 محاماة لبناني .
على العموم يجب على المحامي أن يكون حسن الإلقاء ، واضح العبارة متفقهاً في اللغة عارفاً آدابها ، من غير افتعال أو إسفاف ، فيختار بدقة الكلمة المعبرة التي لا تحتمل التأويل أو تحتمل أكثر من معنى .
كما يجب عليه أن ينفذ إلى موضوع الدعوى بغير مقدمات لا يستلزمها المقام . وليس له أن يكرر ما جاء في مرافعته ، أو يعيد ما أبداه زميل سبقه في المرافعة ويشاركه في جانب من الدفاع والمرافعة بعد ذلك ليست من قبل الدرس الذي يلقيه المحامي على تلاميذه ، وليست خطبة جمعة يوجهها إلى المصلين ، وإنما هي شئ غير ذلك كله .
فالمحامي إنما يخاطب قاضيه الملم بالقانون وشروحه لذلك عليه أن يكون واثقاً بنفسه هادئاً متزناً فكم من صوت خفيف كان له من الأثر ما لا يستطيع أن يحدثه الصوت المرتفع الصاخب .
إن إعداد المرافعة والاستعداد لها أمر واجب وأمانة ، ولا يليق في المرافعة الشفوية أن يتلو المحامي مرافعته من ورقة مكتوبة فقط إنما يتعين عليه أيضاً أن يحسن الجلوس والاستماع في قاعة الجلسة ولا يتشاغل عنها حتى وإن كان دوره لم يحن بعد ، وليس له أن يقرأ صحيفة أو يدخن أو ينشغل بالحديث عن زملائه أو موكليه .
وعلى المحامي أن يكون وافر التهذيب في كلامه ووقفته وحركاته وعليه أن يزن كلامه وذلك بتجنب الكلمات المبتذلة والنابية ، فإذا قرأ وثيقة أعرض عن ترديد ما تضمنته من كلمات بذيئة بقدر الإمكان وإذا تكلم أمام هيئة المحكمة تجنب الحركات العشوائية التي لا فائدة منها ، وإذا أصغى إلى تلاوة حكم أو قرار قضائي احتفظ برباطة جأشه وبرودة أعصابه فلا تبدو منه إساءة أو عدم رضى على المحكمة أو هيئتها .
المحاماة مهنة جليلة القدر بجلال رسالتها وعلى من يزاولها أن يكون جديراً بحمل لقبها . فالمحامي نبيل بتصرفه ، سليم في سلوكه ، حسن في مظهره . فالتصرف الحسن في العمل والملبس والمعاشرة يضفي على المحامي مظهر الوقار والاحترام .

أما في الشريعة الإسلامية :
فقد اهتمت الشريعة الإسلامية اهتماماً فائقاً بجوهر المسلم ومظهره الخارجي ولنا في رسول الله أسوة حسنة في كل شيء ، فقد كان عليه الصلاة والسلام يهتم بمظهره الخارجي اهتماماً حسناً بدون تكلف أوإسراف .
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اكتحلوا بالإثمد ؛ فإنه يجلو البصر وينبت الشعر ).
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالاكتحال لتجميل العين وللعناية بها أيضاً كذلك اهتم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بلباسه ورائحته ولونه .
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسه القميص ) .
وعن أنس بن مالك قال : ( كان أحب الثياب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يلبسه الحبرة )
والحِبرة : بكسر الحاء وفتح الباء ، وهي ثياب من نوع برود اليمن تتخذ من كتان أو قطن مزين ، والتحبير : التزيين والتحسن .
عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالبياض مـن الثياب ، ليلبسها أحياؤكـم ، وكفنوا فيها موتاكم فإنها من خير ثيابكـم ) .

وعن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب ، وكفنوا فيها موتاكم ) .
الرسول الكريم يبين لنا أن من خير ثيابنا البياض لأنه رمز الصفاء والنقاء فعلينا نحن معاشر المحامين أن نستبدل الثياب السوداء الأوربية الكنسية بثياب بيضاء نابعة من ديننا وبيئتنا الإسلامية .
هذا بالنسبة لمظهر المحامي ولباسه أما بالنسبة لمشيته فعليه أيضاً أن يقتدي بإمامه محمد صلى الله عليه وسلم .
عن أبي هريرة قال: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأن الشمس تجري في وجهه ولا رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الأرض تطـوى له ، أنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث .
فالمشية التي كان رسولنا يمشيها تدل على القوة والثقة بالنفس ، وعلى المحامي الشرعي أن يكتسب هذه الصفات لتصبح جزءاً من شخصيته . أما بالنسبة لريح المحامي فإننا نجد كثيراً من المحامين منشغلين بأعمالهم غير مكترثين بصحتهم وما ينبعث من روائح من أجسادهم وأفواههم .

لقد كانت ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة ما ظهرت منه ريح خبيثة قط .
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه ، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ) . فالحديث الشريف يبين لنا أن طيب الرجال هو ما ظهر ريحه .

ولا جرم أن العطر و الطيب هو أحسنها فعلى المحامي أن يهتم بطيب رائحته وبساطة ثيابه البعيدة عن التكلف والزينة الظاهرة .
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الوسائد والدهن ، واللبن ) .
وقال أنس بن مالك : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب ) .
أما بالنسبة لكلام المحامي وحديثه فيجب أن يكون بيّن فَصلٌ ، يعقله من يسمعه ويحفظه من يريد حفظه .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد كسردكم هذا ، ولكنه كان يتكلم بكلام بيّن فصل ، يحفظه من جلس إليه ).
وعن أنس بن مالك قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلـم يعيد الكلمـة ثلاثاً لتعقل عنه ) .

أما عن ضحك المحامي ومزاحه :
على المحامي الشرعي أن يتأدب بآداب الشرع الحنيف فلا يضحك ضحكا ً له صوت عالٍ ، وعليه ألا يضحك إلا في مناسبات قليلة وإذا ضحك يكون ضحكه تبسماً .
عن عبد الله بن الحارث بن جزءٍ رضي الله عنه أنه قال : ( ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن طريق أخرى عنه قال : ما كان ضحك رسول الله إلا تبسماً )
فعلى المحامي ألا يكثر الضحك والمزاح ، بيد أن هذا لا يعني أن يكون عبوساً ثقيل الظل كأن وجهه قطع من الليل بل عليه أن يمازح موكله المثقل بالهموم ويخفف عنه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قالوا : يا رسول الله إنك تداعبنا . قال :( نعم ، غير إني لا أقول إلا حقاً ) .

وعن الحسن قال : أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله : ادع الله أن يدخلني الجنة . فقال : ( يا أم فلان ! إن الجنة لا يدخلها عجوز ) قال : فولّت تبكي . فقال : ( أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله تعالى يقول : إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً ).

أما عن تواضع المحامي : فالمحامي : سمحٌ متواضع مع موكله وزملائه والمتعاملين معه ، فلا يتكبر إلا بالحق .
وعليه ألا يطالب المتعاملين معه بأن يتخاطبوا معه بألقاب لا يستحقها أو هي أكبر منه كأن يخاطبه بالكبير أو الباشا أو غيرهما من الألفاظ والألقاب التي تدل على الكبر والعظمة ، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يوصي صحابته ألا يبالغوا في الثناء عليه كما بالغت النصارى في مدح عيسى عليه السلام وإنما علينا أن نخاطب الرسول بعبد الله أو رسول الله فقط .
عن عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله ) .
فعلى المحامي أن يقتدي برسولنا الكريم فيكون متواضعاً وخصوصاً لمن له عنده حاجة .
روي أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن لي إليك حاجة ، فقال : ( اجلسي في أي طريق المدينة شئت أجلس إليك) .

فالمحامي جدير بأن يعاود المرضى ويشهد الجنائز ويحضر التجمعات الجماهيرية في الأتراح والأفراح .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يعود المرضى ، ويشهد الجنائز ، ويركب الحمار ويجيب دعوة العبد ، وكان يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف وعليه إكاف من ليف ) .

وعلى المحامي أن يكون متواضعاً تواضعاً لا ذل فيه وعليه ألا يطلب من الناس أن يقوموا له إذا دخل مجلساً ، لأن القيام لا يجوز في الشريعة ورسولنا كان يكره ذلك .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : لم يكن شخص أحبّ إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك ).
على المسلم كائناً من كان أن يتمثل بعمل وخلق رسول الإسلام وعلى المحامي الشرعي خصوصاً أن يتبع سنة رسول الله القولية والعملية كي يكون مستحقاً للقب ( المحامي.
عن عمرو بن العاص قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم ، يتألفهم بذلك ، فكان يقبل بوجهه وحديثه علي ، حتى ظننت أني خير القوم ، فقلت : يا رسول الله ! أنا خير أو أبو بكر ؟ قال : أبو بكر فقلت : يا رسول الله ! أنا خير أو عمر ؟ فقال : عمر . فقلت : يا رسول الله ! أنا خير أو عثمان( 3 ) ؟ قال : عثمان . فلما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلـم فصدقنـي ، فلوددت أني لم أكن سألته ) .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط ، وما قال لي لشيء صنعته : لمَ صنعته ولا لشيء تركته : لمَ تركته ، وكان رسول الله من أحسن الناس خلقاً ، ولا مسست خزاً ولا حريراً ولا شيء ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكا ً قط ولا عطراً كان أطيب من عرق النبي صلى الله عليه وسلم ) . أختم هـذه الباقة من الأحاديث بحديث هام جداً من جوامع الكلم للمحامي .
عن عائشة أنها قالت : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصراً من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله شيء ، فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك غضباً وما خير بين أمرين إلا أختار أيسرهما ، ما لم يكن مأثماً )

و الحمد لله رب العالمين


المحامي الدكتور مسلم اليوسف
00963955453111
Abokotaiba@hotmail.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
مسلم اليوسف
  • بحوث علمية
  • بحوث نسائية
  • مقالات ورسائل
  • فتاوى واستشارات
  • الصفحة الرئيسية