صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وقفات مع الانتخابات

د. مهران ماهر عثمان

 
بسم الله الرحمن الرحيم

وقفات مع الانتخابات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فهذه وقفات مختصرات مع الانتخابات المقبلة، فلقد علم الناس أن ديننا لم يترك شيئا إلا وفيه حكم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ظن أن دين الله لم يبين فيه حكم شيء مما يحدث ويقع فقد ظن بالله ظن السوء، كيف لا وربنا يقول في كتابه: }وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{ (النحل:89). قال ابن كثير رحمه الله: "قال ابن مسعود رضي الله عنه : قد بين لنا في هذا القرآن كل علم، وكل شيء. وقال مجاهد: كل حلال وحرام. وقول ابن مسعود: أعم وأشمل؛ فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وحكم كل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم، ومعاشهم"([1]).

وهذه بعض التنبيهات والأحكام المتعلقة بالانتخابات..

أولاً: التصويت في الانتخابات أمر متعين:
جاء في كتاب "معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية" للشيخ مناع القطان رحمه الله ذكر فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رداً على سؤال عن شرعية الترشيح لمجلس الشعب وحكم الإسلام في استخراج بطاقة انتخابات بنية انتخاب الدعاة والإخوة المتدينين لدخول المجلس، فأجاب رحمه الله قائلاً: إن النبي e قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى». فلا حرج في الالتحاق بمجلس الشعب (البرلمان) إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق وعدم الموافقة على الباطل؛ لما في ذلك من نصر الحق والانضمام إلى الدعاة إلى الله، كما أنه لا حرج كذلك في استخراج البطاقة التي يستعان بها على انتخاب الدعاة الصالحين وتأييد الحق وأهله والله الموفق. ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفق المسلمين لما فيه صلاحهم".
وسمعتُ الشيخ/ أ.د. جعفر شيخ إدريس يحدث عن الشيخ ابن باز رحمه الله وقد سئل عن تصويت المرأة، فأجاب بأن ذلك أمر لابد منه؛ لئلا يتفوق أهل الباطل على أهل الحق بتصويت نسائهم.
فإذا أحجم أهل الحق عن التصويت وأقدم على ذلك العلمانيون فماذا ستكون النتيجة؟
ولهذا قال العلامة الألباني رحمه الله([2]): "نحن لنا موقفان من الانتخابات، يبدو لمن لا علم عنده ولو لأول وهلة أن بينهما تناقضاً ولا تناقض.
الموقف الأول: أننا لا ننصح أحداً من المسلمين أفراداً كانوا أم جماعاتٍ أن يرشحوا أنفسهم لمثل هذه البرلمانات. والسبب عرفتَه آنفا (الخطاب لسائله).
الشيء الثاني: أننا نقول لعامة المسلمين في أي بلد كانوا: إذا كانت الدولة الحاكمة تفرض هذا النظام -نظام الانتخابات، وهنا يتسابق أصحاب الأحزاب والآراء ويتسارعوا إلى ترشيح أنفسهم والوصول إلى البرلمانات بأكثر عدد ممكن لحزبهم أو كتلتهم- في هذه الحالة إذا وُجِدَ بعض المسلمين رشحوا أنفسهم -ونحن ننصحهم ألا يفعلوا-.
لكن لنا موقف آخر فنقول حينئذ: القاعدة الفقهية إذا وقع المسلم بين مفسدتين اختار أقلهما شرا، البرلمان سيقوم على عُجره وبُجره شِئنا -نحن معشر المسلمين- أم أبينا.
فهناك فرق كبير جداً بين أن يكون البرلمان كل أفراده غير مسلمين، وبين أن يكون كل أفراده مسلمين، فرق كبير جداً.
ثم فرق كبير بين أن يكون -في الحالة الأخرى أن يكون المرشحين([3]) في البرلمان كلهم مسلمين لكن بعضهم صالح وبعضهم طالح، بعضهم يعمل لصالح الإسلام وبعضهم يعمل لصالح شخصه أو كتلته أو حزبه ولا يبالي عن مصالح الإسلام.
فحينئذ على الناخبين من المسلمين أن يشاركوا في انتخاب الأصلح والأنفع للإسلام، في الوقت الذي نقول: لا ينبغي لمسلم أن يرشح نفسه ويدخل البرلمان؛ لأنه في هذا إهلاك لنفسه وإقرار لمخالفته للشريعة.
لكن ليس كل الناس في إمكاننا أن نقنعهم برأينا ولو كان صواباً مئة بالمئة! وسيكون هناك ما هو الواقع ناس آخرون لهم اجتهادات لهم آراء، بغض النظر هل هم مصيبون أو مخطئون هل هم أهل لأن يجتهدوا .
هذا هو الواقع؛ الواقع أن كثيرا من المسلمين الصالحين سيرشحون أنفسهم في البرلمانات، حينئذ نقول لأفراد المسلمين اختاروا هؤلاء على الأفراد المسلمين الغير صالحين وعلى الأفراد الكافرين من الشيوعيين وغيرهم.
هذا أقل شرا من أن تقبعوا في بيوتكم وأن لا تشاركوا في اختيار نوابكم. لعلي أوضحت لك المسألة؟ السائل: نعم يا شيخ"([4]).

ثانيا:

الانتخابات نظام ألجأت إليه الضرورة، فلا يظنن أحد أنه نظام إسلامي، فتعيين الحاكم في الشريعة الإسلامية يكون باختيار أهل الحل والعقد، أما أن يمكَّن الساقطون والساقطات من الإدلاء بصوتهم واختيار حاكمهم فهذا ليس من دين الله في شيء، وإنما تتعين مشاركة الغيور؛ دفعا للمفسدة.
وليس بخاف على أحد أن الغرب الذي يتشدق بديمقراطيته له ثوابت لا تقبل جدلا ولا مناقشةً. }ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون{ (المائدة: 50).

ثالثاً:

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى –مبينا حكم دخول البرلمانات- : "أما القول: إن البرلمان لا يجوز ولا مشاركة الفاسقين، ولا الجلوس معهم، هل نقول: نجلس لنوافقهم؟ نجلس معهم لنبيِّن لهم الصواب. بعض الإخوان من أهل العلم قالوا: لا تجوز المشاركة؛ لأن هذا الرجل المستقيم يجلس إلى الرجل المنحرف. هل هذا الرجل المستقيم جلس لينحرف أم ليقيم المعوج؟! نعم ليقيم المعوج ويعدل منه، إذا لم ينجح هذه المرة نجح في المرة الثانية"([5]).
ويقول الشيخ حمود بن عقلا الشعيبي رحمه الله تعالى: "والذي أراه أن الدخول في البرلمانات لا يجوز، ولكن بعض العلماء قال: إذا كان من الممكن أن يكون الأغلبية في البرلمان للإسلاميين فيترتب عليه أن يكون وجودهم مؤثراً ويبطل المشاريع العلمانية جاز ذلك".

رابعاً:

ليس على من آنس من نفسه رشدا وخيرا من جناح إن رشح نفسه؛ فقد قال تعالى عن يوسف عليه السلام: }اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ{ (يوسف:55).
وقد سمعت الشيخ/ أ.د. جعفر شيخ إدريس في حديثه عن العلامة ابن باز رحمه الله أنه سئل عن ذلك. قال الشيخ جعفر: فمنع منه إذا كان للدنيا، وأكد عليه إذا كان للدين، قال: وكان المتوقع أن يذكر دليل سورة يوسف، ولكنه دلل بأن الخلفاء قبلوا الخلافة.

خامساً:

على من رشَّح نفسه أن يكون صادقا مع الله؛ فإن الله يعطي على الصدق ما لا يعطي على غيره، ومن كان الله قصدَه سدد خطاه وألهمه رشده، ومن كانت الدنيا همَّه وكله الله إليها فلم يعبأ به في أي وادٍ من أرضِها كان هلاكه.

سادساً:

احذر الترشيح للدنيا، وليكن الدينُ همَّك، والآخرة هدفك.
فعن أبي هريرة  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل. ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك. ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف»([6]).
فمن رشح بكراً لوعدٍ وعده إياه، أو لمال أخذه منه، أو لمنال يحدث به نفسه، فقد رمى بنفسه في صف هؤلاء المغبونين، وما أخسرها من رمية!

سابعاً:

التصويت للكافرين والعلمانيين والشيوعيين محادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا من الولاء لهم، وقد قال الله تعالى: }يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين{ (المائدة: 57).
ومن اختار هؤلاء لطرحهم في برامجهم الانتخابية محاربة الدين وعدم ملاحقة بائعات الخمور والهوى فيخشى عليه من الكفر بالله، فإن من ركن إلى الكافرين –الأصليين أو المرتدين- ووالاهم؛ رضىً بمحاربتهم لدين الله فلستُ أشكُّ في كفره، وقد قال تعالى: }ومن يتولهم منكم فإنه منهم{ (المائدة: 51).
وأما من انتخبهم لدنيا لا لدين فهذا من أكبر الكبائر باتفاق المسلمين.
 ومن انتخب كافراً فقد جعل له سبيلاً على المؤمنين، والله يقول في كتابه: }ولن يجعل الله للكافرين على للمؤمنين سبيلاً( (النساء: 141).
وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «من أعان ظالما بباطل؛ ليدحض بباطله حقا، فقد برئ من ذمة الله عز وجل وذمة رسوله»([7]).
وأما إذا ترشح للرئاسة كافران في بلد لا يدين أهلها بدين الإسلام، وكان أحدُهما حربا على الإسلام وأهله، والثاني أهون منه شأنا، فإنه يتعين ترشيحه؛ دفعاً لأعلى المفسدتين بأدناهما.
والله تعالى قد أقر فرح الصحابة بانتصار النصارى على الفرس لأن النصارى أقرب إلينا منهم، فكيف بالسعي بالتخفيف على المسلمين في بلد لا يُدان فيها بدينهم بترشيح خيرِ الكافرَين وتفويت الفرصة على شرِّ الهالكَين؟!

ثامناً:

من نرشح؟
نرشح من نرضى دينه وأمانته وقوته، فأكثر المرشحين استقامة أولاهم بأصواتنا، فإن كانت قائمة المرشحين خِلواً من ذلك –وهذا كثير في زماننا هذا- فإننا نرشح أقلهم فساداً، وربما قال المحدثون عن الحديث: هو أصح ما في الباب، وإن كان ضعيفاً ساقطاً؛ لأن غيره أوهى منه.
وإذا ترشح شخصان للمجلس التشريعي، أحدهما صالح تقي ولكنه ينتمي إلى حزب علماني لا يستطيع أن يخرج عن برنامجه وسياسته، والثاني أسوأ حالا من صاحبه ولكن انتماءه إلى حزب إسلامي، فدرء المفاسد يقتضي ترشيح الثاني.
ومن رشح أحداً وهو يعلم أن غيره أولى منه لدينه، أو لأنه أمثلُ المفسدين طريقةً فقد خان الله ورسوله، والله تعالى يقول: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ (الأنفال: 27).

تاسعاً:

لا يخفى على أحد أن من باع صوته –قبض ثمناً ليرشح صاحبه- فهو ملعون ملعون؛ لحديث أبي هريرة  رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم»([8]).

عاشراً:

من العبث المهين، والاستهزاء بكتاب رب العالمين تصدير أوراق الانتخابات الدعائية بالآيات القرآنية، فهذا يجر إلى الاستهزاء بكتاب الله، وقد قال تعالى: }قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ{ (التوبة:65، 66).

حادي عشر:

لا يحل للمرأة أن تتولى الولاية العظمى إجماعاً، فلا يحل ترشيح النساء لرئاسة الجمهورية، ولا للولايات، أما ترشيحهن للمجالس التشريعية فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين، ولما كان الحال عندنا في هذه البلاد أنّ الإحجام عن ترشيح المسلمات الصالحات مما يدعم موقف غيرهن من العلمانيات ويوصلهن إلى مقاعد البرلمانات كان لابد من ترشيح الإسلاميات.
 
ثاني عشر:

لو وصل إلى كرسي الحكم فاسق فإنه لا يخرج عليه، وهذا ما قرره أهل السنة والجماعة في جميع مصنفاتهم العقدية. وأما لو فاز بالكرسي كافر –أصلي أو مرتد- فيجب إعداد العدة لإزاحته والإطاحة به.

ثالث عشر:

كثيراً ما تحدث فوضى بعد إعلان نتائج الانتخابات، ومن المهم هنا أن أشير إلى مسألة، وهي: أن من صال عليه صائل لم يندفع شره إلا بالقتل فإنه يقتل ولا كرامة.

رابع عشر:

خيراً فعلت إدارة العقيدة والدعوة في ولاية نهر النيل بتوجيهها بعدم استغلال منابر المساجد للدلالة على مرشح بعينه ولو غلب على ظن الخطيب أنه قوي أمين، فإنه عند غيره غوي مبين، فيحدث الخلاف والشقاق والنزاع في بيوت الله.
فالواجب على الخطباء بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالانتخابات، أما الدلالة على فلان فلا ينبغي أن يمكن أحد من ذلك؛ لما تجر إليه من الفوضى.

خامس عشر:
مطالبات الغيورين من الإسلاميين لأهل السلطة المنتظَرِين
- محاربة الشرك والدجل والشعوذة.
- نشر العقيدة الصحيحة بين الناس، والعلم النافع.
- تحكيم شرع الله تعالى.
- محاربة العلمانية والشيوعية.
- التمكين للدعوة إلى الله تعالى.
- إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- نبذ سياسة مداهنة أعداء الله -من الحركة الشعبية وغيرها- التي سئمنا منها، وتجرعنا بها كؤوس الذل والمهانة.
- التخفيف على الناس فيما يتعلق بالضرائب والعوائد وما شابه ذلك من الظلم الواضح التي تمارسه المحليات وغيرها.
- وبالجملة: فإن الواجب الذي أُنيط بهم وأقامهم الله لأجله: إصلاح الدنيا والدين.
وفي ختام المقالة أسأل الله أن يحفظ على هذه البلاد أمنها، وأن يولي علينا خيارنا، ويجنبنا شرارنا، ويلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


------------------------------------------
[1] / تفسير القرآن العظيم (4/594).
[2] / نقلتها كما وجدتها ولم أصحح فيها شيئاً
[3] / هكذا وجدته.
[4] / مفرغة من شريط رقم 344 من أشرطة سلسلة الهدى والنور بدءً من الدقيقة 38 و38 ثانية وحتى الدقيقة 44 و45 ثانية. وقد نقلتها من بيان صادر عن جمعية الكتاب والسنة الخيرية.
[5] / لقاء الباب المفتوح رقم (211).
[6] / البخاري ومسلم.
[7] / رواه الطبراني في الكبير.
[8] / أحمد في المسند.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. مهران ماهر
  • الخطب المنبرية
  • المقالات
  • البحوث
  • الردود
  • برامج إذاعية
  • المواعظ والدروس
  • الصفحة الرئيسية