اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/mazin/49.htm?print_it=1

المؤتمر السنوي للجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط

د.مازن بن صلاح مطبقاني
‏@mazinmotabagani


بسم الله الرحمن الرحيم


تعقد هذه الجمعية مؤتمراً سنوياً حول دراسات الشرق الأوسط(ü)، وتضيِّفه الجامعات البريطانية التي تضم قسماً لدراسات الشرق الأوسط وتختار الموضوع والمحاور. وقام قسم دراسات الأديان بجامعة برمنجهام هذا العام بضيافة المؤتمر، وكان برئاسة الدكتور ديفيد توماس. وقد حدَّد المؤتمر أن من أهدافه الإجابة عن الأسئلة الآتية:
1- لماذا يشكل الدين غالباً قوة هدّامة في المجتمع؟
2- هل يمكن أن يكون الدين قوة بناء للفرد والمجتمع؟
3- هل يمكن أن يساعد الدين في التغيير السياسي؟
4- هل يجب أن يكون الدين دائماً قوة محافظة في المجال السياسي والاجتماعي؟
5- هل يجب أن يساء استخدام الدين دائماً من قبل دعاة الحرب والإرهابيين؟
6- ما أسباب ونتائج تنوع التعبير الديني؟
7- ما الاستراتيجيات الحالية أو التي يجب تجربتها لحل المشكلة داخل الدين أو بين الأديان؟

لقد سعى المؤتمر إلى الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال المحاور المختلفة للمؤتمر التي يمكن تقسيمها إلى المحاور الآتية:

أولاً: المحاضرتين الافتتاحيتين.
ثانياً: قضايا عقدية.
ثالثاً: قضايا اجتماعية.
رابعاً: قضايا اقتصادية.
خامساً: قضايا سياسية.
هذا، وسوف نوجز أهم الأفكار التي قُدِّمت في هذا المؤتمر ونتبع ذلك ببعض الملاحظات العامة.

أولاً: المحاضرتان الافتتاحيتان
المحاضرة الافتتاحية الأولى:
وقدَّمها جورجن نيلسون Jorgen Nielsen، وعنوانها: «الرسوم الكارتونية الدنمركية والعلاقات بين الأديان».
ذكر المحاضر أن المسلمين نظروا إلى هذه الرسوم على أنها نوع من الحرب على الإرهاب في نظر الغربيين ولكنها في حقيقتها إنما هي حرب على الإسلام. وأكد المحاضر أن الغرب لديه مواقف تستحق الانتقاد، فأشار إلى بعض المواقف المزدوجة؛ مثل النظر إلى خطف جنديين إسرائيليين على أنه عمل إرهابي بينما أعمال إسرائيل العدوانية لا تعد إرهاباً، كما أن موقف الغرب من البرنامج النووي الإيراني لا يتسق مع الاتفاقية التي عقدتها الولايات المتحدة الأمريكية مع الهند للتعاون في المجال النووي.
وذكر أن قضية الرسوم أبرزت مسألة منح المسلمين الجنسية في الدول الأوروبية المختلفة، وكذلك مسألة أهمية الدين في الحياة العامة بالنسبة للمسلمين. وأثارت القضية أن مسألة تعلق الأوروبيين بحرية الصحافة إنما هي لإخفاء كراهيتهم للمسلمين أو ما يسمى (كراهية الأجانب - Xenophobia ).
وذكر المحاضر أن رئيس الوزراء الدنمركي كتب مقالة في شهر مارس (هذا العام) مؤكداً على الفصل بين الدين والدولة، ولكنه ناقض نفسه في المقالة نفسها بأن ذكر ارتباط الكنيسة الدنمركية بالدولة، ومكانة الدين في حياة الشعب الدنمركي، ومع ذلك قدَّم أرقاماً تشير إلى عكس ذلك، فعدد الذين يحضرون إلى الكنيسة لا يتجاوزون الثلاثة في المائة على الرغم من أن عدد أعضاء الكنيسة في الدنمرك يبلغ 88%.
ومن المعروف في الدنمرك أن السياسيين يرفضون أن تكون بلادهم بلاد هجرة، وبخاصة من المسلمين، وأصبحت كلمة الثقافات المتعددة من الكلمات السيئة.
وأشار المحاضر إلى أن قضية الرسوم ورد الفعل في البلاد العربية الإسلامية لها علاقة بوضع الأنظمة في بعض هذه الدول؛ فثمة أنظمة مستبدة وقديمة ما تزال مرتبطة بفكر الحرب الباردة، بينما هناك أنظمة تسعى إلى التغيير التدريجي، ولكن هذه الأنظمة تتخذ موقفاً معادياً للحركات الإسلامية التي نبذت العنف وتركت التفجير وبدأت تطالب بالتصويت والانتخابات. وأضاف أن هذه الدول كانت تجد تأييداً خارجياً لمحاربة العنف، ولكنها لن تجد التأييد نفسه حين تصبح الحركات الإسلامية مسالمة. وذكر أن فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية إنما هو أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى انفجار الموقف في الشرق الأوسط.
وتحدث المحاضر عن سورية وما حدث فيها من اضطرابات، ويرى أن سبب ذلك هو إعلان كبرى الحركات الإسلامية السورية (الإخوان المسلمون) رغبتهم في المشاركة السياسية عن طريق الانتخابات. وأشار إلى علاقته (المحاضر) بالمفتي السوري، وأنه رجل أقرب إلى التصوف، وأضاف أن المفتي السابق أسَّس مؤسسة علمية تقع مكاتبها بالقرب من ضريح ابن عربي (المتصوف المشهور).
وأضاف في هذا السياق أن الحكومات العربية الإسلامية على الرغم من معاداتها للحركات الإسلامية، وأن إحدى الدول ضربت إحدى الحركات بعنف شديد (عامي 1982 و1983م) فإنها كانت من أكثر الدول اهتماماً ببناء المساجد بعد ذلك، إذ قامت تلك الحكومة ببناء العشرات من المساجد. وقال: إن هذا الأمر حدث في بلاد أخرى عندما سمح للحركات الإسلامية بأن تشارك في الانتخابات وتفوز بعدد من المقاعد البرلمانية. وأشار إلى كتاب الدكتورة أميرة سنبل (المماليك الجدد) بوصفه دليلاً على ما تفعله بعض الحكومات العربية الإسلامية مع الحركات الإسلامية.
وانتقد المحاضر عدم معرفة الدنمرك بالعالم الإسلامي لنقص الخبراء في هذه المنطقة بالحكومة الدنمركية، وأشار إلى أن عدد الذين يتحدثون إحدى اللغات الإسلامية (العربية أو التركية أو الأوردية) محدود للغاية، وأن الحكومة بدأت الآن الاهتمام بالعالم العربي، ونتيجة لمشروع الشرق الأوسط الكبير قامت الدنمرك بتأسيس مركز للحوار العربي الدنمركي في القاهرة عام 2004م، وأسَّست كذلك معهداً للدراسات في سورية، وكُـلِّف المحاضر بأن يكون أول مدير له.
وانتقد المحاضر كذلك موقف رئيس الوزراء المتمثِّل في رفضه اللقاء بالاثني عشر سفيراً مسلماً، وأنه كان بإمكانه أن يقابلهم (وهم أناس أذكياء) ويبدي لهم الندم على ظهور تلك الرسوم، وأن يخبرهم بأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً بالنسبة للصحيفة؛ لأن حرية الصحافة في بلاده مكفولة للجميع.
وقارن المحاضر بين هذا الموقف وموقف الحكومة البريطانية من أزمة كتاب سلمان رشدي (الآيات الشيطانية)، وكيف استطاعت بريطانيا احتواء الأزمة بسهولة بينما عجزت الدنمرك عن احتواء تلك الأزمة؛ مما أدَّى إلى قيام المظاهرات والمقاطعة الاقتصادية للبضائع الدنمركية في العالم الإسلامي. وذكر المحاضر الجهود التي بذلت من كثير من العلماء المسلمين للتفاهم مع الدنمرك، وقال: وكان من نتيجة ذلك أن توقفت المقاطعة في المملكة العربية السعودية مثلاً.

المحاضرة الافتتاحية الثانية:
قدَّمها ديفيد توماس David Thomas، وكانت بعنوان: «الماضي والمستقبل في العلاقات النصرانية الإسلامية».
بدأ المحاضر حديثه بقوله: على الرغم من أن أتباع الدينين ينفون وجود الدعوة إلى العنف والحرب في كتبهم المقدسة فإن هذه الكتب حافلة بالحديث عن العنف والعداوة بين الدينين، كما أن الأحداث التاريخية تؤكد هذا العنف واندلاع الحروب العديدة بينهما. كما أشار إلى أن الدين قد استخدم من قِـبل بعض الحكام لتبرير العنف ضد الطرف الآخر.
وأشار المحاضر إلى نظرة كل دين إلى نفسه، فبينما يرى النصارى أن دينهم هو الدين الصحيح، وأن نبيهم جاء لإنقاذ البشرية، وأن الإله تمـثَّـل في ابنه. وذكر أن سورة الفاتحة تذكر الضّالين بأنهم النصارى، واليهود هم المغضوب عليهم.
ويرى المسلمون - في نظره - أن دينهم هو الحق، وأن الكتب المقدسة لدى النصارى تعرَّضت للتحريف، وأن خلاص البشرية إنما يكون باتباع الإسلام.
ومن القضايا التي تحدث فيها المحاضر الاهتمام من قِبـل المسلمين بالعقائد النصرانية، وذكر عدداً من هؤلاء من أمثال القاسم بن إبراهيم وأبي عيسى الوراق والباقلاني وغيرهم، وقال: إن هؤلاء وصلوا إلى فهم عميق لمعتقدات النصرانية، لكنهم مع ذلك أصرُّوا على إظهار العداء للعقائد النصرانية بمحاولة إبطال هذه العقائد بدلاً من تحليلها.
ومن ناحية نظرته إلى المستقبل تناول رؤية محمد أركون التي تتلخص في أن النظر إلى القرآن يكون بوصفه نصاً مقدساً أُطلق عليه «الكتاب»، وأما النصوص التفسيرية لهذا الكتاب فهي أيضاً كتاب ولكن من دون حرف كبير، وبالتالي فيمكن إعادة تفسير «الكتاب» بتفسيرات جديدة تناسب العصر الذي نعيشه.
وأضاف الباحث أنه توصل إلى طريقة ثالثة، وهي الدراسة المتعمقة لكلا الدينين من الطرفين، والسعي إلى معرفة ما يعتقده الآخر لا ما يظنُّه الإنسان عقيدةً للآخر، ودعا إلى تصحيح المعلومات الخاطئة التي يبثها الإعلام عن الدينين.
ومن العجيب أن النقاش لم يتطرق إلى دعوة الإسلام إلى التسامح والآيات الكثيرة التي تؤكد هذا المبدأ، مثل قول الله عز وجل: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

ثانياً: القضايا العقدية
نوقشت القضايا العقدية من خلال العديد من البحوث، من أبرزها ما يأتي:
- موقف الأتراك من الحوار بين الأديان.
- استخدام المصادر الإنجيلية والتوراتية في تفسير القرآن: قصة الذبيح أنموذجاً.
- العلاقة بين الدين والمعرفة.
- العلمية العثمانية وتراجع المستوى.
- بشر للبيع: نظرة الصوفية للدين.
- نظرات حول المكي والصوفية في مرحلة التكوين.
تناول الباحثون في هذه البحوث العديد من القضايا التي دلَّـت على حرص على البحث العلمي المتزن والاجتهاد، ففي البحث الخاص بالحوار الديني في تركيا أشار الباحث إلى نظرة بعض النصارى إلى الحوار على أنه فرصة للدعوة إلى النصرانية (التبشير)، بينما رأى آخرون أن الحوار ضرورة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتسامح والسلام بين أتباع الأديان المختلفة في تركيا، ويرى آخرون أن الحوار أمر ضروري للتفاهم بين الأديان. ويرى الباحث أن الحوار يمكن أن يكون فعالاً دون التدخل في دين الآخر بعد رسم حدود الحوار. ومن المعروف أن تركيا قد عقدت اتفاقاً مع الفاتيكان تبعث بموجبه عدداً من الطلاب الأتراك لدراسة المعتقدات النصرانية مع ضرورة تعلُّم اللغتين اللاتينية واليونانية القديمة، على أن تستقبل كلية الإلهيات في أنقرة عدداً من الطلاب النصارى لدراسة الإسلام.
أما في بحث استخدام الإنجيل والتوراة مصدرين لتفسير القرآن الكريم باتخاذ قضية الذبيح أنموذجاً فقد أوضح الباحث موقف مختلف المفسرين من تلك الكتب وأنها يمكن أن يؤخذ بتفسيرها من هو الذبيح، ويرى الألوسي أن العبرة ليست من هو الذبيح (إسماعيل أو إسحاق) وإنما العبرة بالقصة نفسها وما يمكن أن نفيده منها وما قصده القرآن الكريم من دروس.
أما حول نظرة الصوفية للإنسان ففي الوقت الذي فقد الإنسان قيمته نتيجة للأطماع والشهوات والسعي إلى السلطة والقوة فإن الصوفية كما في كتابات بعض أعلامها، مثل الرومي، تدعو إلى احترام قيمة الإنسان، وتنظر إلى الدين بوصفه قوة من أجل السلام على الطريق من أجل الإنسانية وحل مشكلات البشر.
وتحدَّث باحث آخر عن العلاقة بين علم العقيدة والمعرفة من خلال نظرة عبدالجبار للمعرفة. وقد أشار الباحث إلى أن أبا هاشم الجُبَّائي ينادي بأن المعرفة جاءت من أصل الاعتقاد، وبالتالي يعرّف المعرفة بأنها: «اعتقاد بشيء له ارتباط بسكينة الروح». ثم قدم في ورقته العديد من الآراء حول المعرفة، منها آراء البغدادي، ثم أشار إلى أن عبدالجبار أبدل بكلمة «اعتقاد» كلمة «معنى»، وبذلك سلم من الانتقادات التي تعرض لها الجُبَّائي.

ثالثاً: القضايا الاجتماعية
شملت القضايا الاجتماعية البحوث الآتية:
- حقوق المرأة والإسلام في مصر.
- المرأة في الفكر الشيعي المعاصر.
- نظرية الغزالي في العدل الاجتماعي وتطبيقها على الأوضاع المعاصرة في دبي.
- العولمة من منظور إسلامي.
- المرأة وحقها في الخُـلْـع.
وفي هذا المحور تناولت الباحثة الأولى مسألة الجمعيات غير الحكومية وجهودها في مسألة حقوق المرأة وإبعاد الإسلام عن نشاطاتها خوفاً من انقطاع التمويل الغربي (الأمريكي والأوروبي)، إذ إن الجهات الأجنبية تستبعد الجمعيات التي تتحدث عن الإسلام وحقوق المرأة من أي دعم على الرغم من أن الحكومة المصرية تعارض حصول المنظمات غير الحكومية المصرية على أي تمويل خارجي. وكان من أول الأسئلة التي وُجِّـهت للباحثة: هل اتَّصلْتِ بنوال السعداوي التي نجحت في إبطال القضية التي رُفعت ضدها للتفريق بينها وبين زوجها؟ وأكدت السائلة أن نوال السعداوي من النساء المهمات في المطالبة بحقوق المرأة في مصر.
وقد أجابت الباحثة كذلك عن أسئلة حول اتصالها بمنظمات إسلامية بأن هذه المنظمات ترتبط بمؤسسات إسلامية فهي ليست مجال بحثها، كما قلَّلت من شأن تلك المنظمات؛ مثل اللجنة العالمية لحقوق المرأة والطفل.
وتناول باحث آخر قضية الخُلْع، فقَدَّم دراسة شرعية لموقف الإسلام من حق المرأة في المطالبة بالطلاق (الخُلْع)، وقدم بعض المعلومات عن قوانين الأسرة الجديدة في العديد من الدول العربية، وقارن بين تلك القوانين والقانون الإنجليزي في هذه المسألة.
وفي بحث آخر حول نظرة الفقهاء الشيعة المعاصرين إلى المرأة أشارت الباحثة في البداية إلى تأثير الفكر الغربي المعاصر في مسألة «تحرير المرأة»، ثم قسَّمت هؤلاء الفقهاء إلى: علماء تقليديين، وعلماء تحديثيين ينادون بالاجتهاد، إذ إن الاجتهاد الحالي ليس كافياً ولا بد من جهود كبيرة في هذا الصدد.
أما البحث الذي تناول نظرية الغزالي في العدل الاجتماعي وتطبيقاتها في دبي فذكر الباحث أن بحثه قُدِّم لمسابقة في دبي في محاولة لإصلاح أحوال العمال هناك، إذ إن العمال لا يحصلون على أجر يوازي عملهم، كما أن هذا الأجر يتأخر، ويعاني العمال من ظروف معيشية صعبة. ويرى أن المنافسة التجارية الحادة تمنع من زيادة أجور العمال أو تحسين أحوالهم. وذكر الباحث أن الإمام أبي حامد الغزالي له نظرية تدعو إلى تحقيق العدل والمساواة ومكافأة العامل على عمله.
وفي بحث العولمة من منظور إسلامي أجادت الباحثة في تقديم وجهة نظر الإسلام في مسألة العولمة، وأنه سبق العولمة الغربية بقرون عديدة، غير أن العولمة الإسلامية لم تَسْـعَ إلى محاربة هويات الشعوب الأخرى ولا فرض القيم الاجتماعية والأخلاقية الإسلامية على أحد.

رابعاً: القضايا الاقتصادية
وشمل هذا المحور البحثين الآتيين:
- المصرفية الإسلامية والتمويل في ماليزيا في القرن الواحد والعشرين.
- المدن التجارية وأرمينيا في أواخر العصور الوسطى: أدلة من النقود والمباني.
وكان البحث الخاص بالمصرفية الإسلامية والتمويل في ماليزيا بحثاً مميَّزاً في الحديث عن الواقع الاقتصادي والتطبيقات الإسلامية في ماليزيا، إذ قدم الباحث بعض الأرقام المهمة في هذا الشأن. وقد أشار في بداية بحثه إلى أن التعاملات المصرفية الخالية من الربا أو الفائدة أصبحت نوعاً معترفاً به عالمياً بوصفه نوعاً جديداً من المعاملات المصرفية. وأشار إلى انتشار عدد من المؤسسات المالية في ماليزيا، مثل مؤسسات التكافل الاجتماعي وغيرها، أثبتت وجودها وكانت عوضاً عن المعاملات الربوية. وأوضح الباحث كيف أن البنك المركزي الماليزي استطاع أن يعمل بكل يسر وسهولة ونجاح في مجال التخلص من التعاملات الربوية.
أما البحث الثاني فأشار إلى أنه امتداد لبحث سابق في الموضوع نفسه ولكن لمرحلة زمنية أخرى، وقد تناول عدداً من المدن الأرمينية وطرق التجارة العالمية في العصور الوسطى والتبادل النقدي والعلاقة بين الشمال والجنوب في المجال التجاري، مؤكداً أن النقود والمباني تشير إلى هذه العلاقات التجارية.

خامساً: القضايا السياسية
شمل هذا المحور العديد من البحوث، منها:
- إعلان زغرب لمسلمي البوسنة وعلاقته بوضع المسلمين في أوروبا.
- سياسات الهوية في الشرق الأوسط بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
- تعبئة المؤمنين: حركات الإسلام المسلحة وبيئتها الاجتماعية.
- حزب الله والتغيير.
- الهوية والسياسات والطوائف.
- الدولة الفاطمية وموقفها من الطوائف المختلفة.
- هل الإسلام متغـيِّـر شارح؟
في البحث الأول يذكر الباحث أن مسلمي البوسنة، وعلى رأسهم الأفندي سيرتش (رئيس علماء سراييفو)، تقدموا في اجتماع للاتحاد الأوروبي في فيينا بهذا الإعلان الذي يحتوي على العديد من المقترحات والأفكار ليكون بمثابة العقد الاجتماعي بين مسلمي أوروبا والاتحاد الأوروبي في بروكسل. وقد كان هذا الإعلان بمناسبة الأحداث المأساوية في كل من نيويورك ومدريد ولندن. ويشير الإعلان إلى أن المسلمين يحترمون حقوق الإنسان الأساسية والديمقراطية والحق الأساسي في الحياة والحرية والتملُّك والشرف (العِرْض). ويطلب الإعلان من الاتحاد الأوروبي أن يقبل الإسلام بصفة مؤسساتية ليسمح للمسلمين أن يتمتعوا بالحرية الروحية والثقافية، وينادي بأن يكون للمسلمين الحق في تطوير ثقافتهم الأوروبية الخاصة بهم. ومما يدعم هذه الأفكار والمقترحات أن مسلمي البوسنة هم أقـدم المجتمعـات المسلمة في أوروبا منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وأنهم واجهوا الكثير من الصعوبات طوال تاريخهم، بما في ذلك المذابح الأخيرة التي تعرضوا لها على أيدي الصرب. ويرى الباحـث أن بعـض الأفكار فـي الإعلان جديرة بالنقاش والحوار حولها.
وتناول باحـث ألماني قضـية الحركات الإسلامية المسلحة ضمـن مشــروع تـقوم به جامعة هامبولت في برلين لدراسة هـذه الحركات فـي العديد من الدول. وقد اقتصر بحثه على الحركات المسلحة الإسلامية في مصر وحزب الله في لبنان، فذكر أن الحركات الإسلامية المسلحة شنَّت حرباً على الحكومات التي تعدها كافرة أو مرتدة الخاضعة للتأثير الغربي أو قوى الاحتلال. ويرى الباحث أن المواجهة ذات ثلاثة أبعاد، هي: الحركات المسلحة، والحكومات، والشعب. ويرى الباحث أن تصرف الحركات وتطورها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلاقتها بجهات معنية من الشعب، ويقدم التساؤلات الآتية: هل استطاعوا تعبئة الجماهير لتأييد صراعهم المسلَّـح؟ كيف يتصرفون مع النقد الموجَّه لهم؟ وقد أشار الباحث إلى استخدامه التحليل الاجتماعي التفاعلي لدراسة هذه القضايا، وذكر أن من نتائج بحثه أن الجماعة الإسلامية أخفقت في تعبئة الجماهير المصرية، بينما الصراع مع إسرائيل من قِبل حزب الله جعله يكسب تأييد الشيعة في لبنان.
وتناولت باحثة لبنانية الحديث عن حزب الله والتغير بإعطاء مقدِّمة عن هذا الحزب ومتى نشأ وكيف، وذكرت أنه نشأ بدعم من الحرس الثوري الإيراني لمواجهة الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982م، وأنه أصبح حزباً سياسياً أساسياً في لبنان بعد أربع وعشرين سنة من تأسيسه. وتحدثت حول أسئلة عامة تواجه الحركات الإسلامية وعلاقاتها بالدول العربية والإسلامية، وكيـف تواجه هــذه الأحـزاب والجماعات دولها، وكيـف تغـيَّر حـزب الله فـي علاقته بالحكومة اللبنانية وكذلك علاقته بالمجتمع اللبناني، وأن هذه التغيرات كانت ضرورية من أجل استمرار الحزب، كما تساءلت في ختام ورقتها عن قدرة الحزب على التغيُّر لمواجهة المستجدات في العالمين العربي والإسلامي والعالم بعامة. وتحدث أحد الباحثين عن الدولة الفاطمية التي ظهرت في الفترة من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر الميلادي مشيداً بالتسامح الذي أظهرته تجاه المذاهب الأخرى، ويرى أن هذا التسامح يؤكد بالدليل أن الأمة الإسلامية شهدت تسامحاً مذهبياً كبيراً في القرون الوسطى. ولكن الباحث تناول جانب التعاطف الفاطمي مع اليهود والنصارى وتولِّي عدد منهم مناصب سياسية رئيسة في هذه الدولة. ويرى في ختام بحثه أن الدولة الفاطمية قدَّمت دروساً ذات قيمة كبيرة في التسامح والتعامل مع المذاهب والطوائف المختلفة.
أما البحث الخاص بالإسلام بوصفه متغيراً قادراً على تفسير الأحداث السياسية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العالمين العربي والإسلامي فذكر أن مدرسة الثقافة السياسية أكدت على دور الدين في تفسير السياسات في العالم النامي بعامة وفي الشرق الأوسط بخاصة، ولكن هذا التفسير انتهى إلى ظهور ما يسمى «الأسلوب السياسي الاقتصادي» الذي أخفق بدوره حينما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وهذا - كما يقول - أدَّى إلى التساؤل من جديد: هل يمكن أن يكون الإسلام مفسِّراً للأحداث السياسية في العالم الإسلامي؟
ويرى الباحث أن الإسلام بوصفه مـنظـومة فـكرية واسعـة، ولأنه لا يمكـن رفضه؛ بمعنى أنه مفتوح للعديد من التفسيرات، فــمـن المستحيـل - فـي نظره - أن نؤسس رابطاً غير رسمي بينه وبين النتائج السياسية الواسعة. كما يرى أن الإسلام كونه يقبل تفسيرات متعددة فإن النظر إليه سياسياً يتعدد وفقاً لمن يقوم بتفسيره سياسياً وأين ومتى يتم ذلك، وبالتالي يصبح الإسلام متغيراً معتمداً على تفسيرات من خارجه. ويقترح الباحث في حالة اختيار الإسلام مفسِّراً أن نميّز بينه بوصفه معتقداً واسعاً وبين أشكال تسييس الإسلام، وعلينا أن نفهم حالات التسييس هذه، وهذا يعني فهم دور النخب في تحدي التفسيرات المحددة بسلوك سياسي ومن خلال بناءات سياسية اقتصادية.

ملاحظات عامة:
استطاع المؤتمر استقطاب العديد من الباحثين من تركيا وماليزيا وإيران، ولكن نال المذهب الشيعي والإسماعيلية مساحة أكبر من حجمهما الحقيقي في العالم الإسلامي.
غير أن هناك ملاحظتين مهمتين هما:
- ضعف الحضور، إذ لم يحضر سوى خمسين باحثاً من أنحاء مختلفة من العالم، وإن كانت الغالبية العظمى منهم من بريطانيا، كما أن عدد طلاب الدراسات العليا كان كبيراً، إذ إن بعض الجلسات كانت مقتصرة عليهم تقديماً وتنظيماً. ومع ذلك فقد حضر بعض كبار الباحثين من البريطانيين وغيرهم من أنحاء العالم. ومن الملاحظات المهمة أن القدرات التحدُّثية في اللغة الإنجليزية لبعض الباحثين كانت سيئة للغاية؛ مما جعلني أتعجب كيف قُبل هؤلاء في مرحلة الدكتوراه، إذ من المفترض أن يكونوا قادرين على الكتابة والحديث باللغة الإنجليزية.
- غياب الباحثين السعوديين، وبخاصة مَن درس في الجامعات البريطانية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه في مجال الدراسات العربية والإسلامية أو الدراسات الشرق أوسطية.
ü تأسست الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط عام 1973م للاهتمام بدراسات الشرق الأوسط وتشجيعها في المملكة المتحدة، ولتجمع شمل الأساتذة والباحثين والدبلوماسيين والصحفيين، ولتتعامل مع الشرق الأوسط بأسلوب احترافي. والعضوية مفتوحة لجميع هؤلاء المذكورين أعلاه بغض النظر عن مكان إقامتهم. وتعقد الجمعية مؤتمراً سنوياً تناقش فيه القضايا الرئيسة التي تخص هذا المجال المعرفي. فعلى الصعيد المحلي تعمل الجمعية بجدية من أجل التأكيد لدى الحكومة والجامعات البريطانية على أهمية دراسات الشرق الأوسط من حيث استمرارها والتوسع فيها، وقد نجحت الجمعية في إقناع الحكومة البريطانية بتخصيص مصادر جديدة لتمويل هذه الدراسات، كما أنها تعمل بصفة مستشار لدى التعليم العالي والجهات التي تدعم البحث العلمي. وعلى الصعيد الدولي فإن الجمعية تقوم بالتنسيق بين الباحثين البريطانيين أو العاملين في بريطانيا والجهات المهتمة بدراسات الشرق الأوسط مثل الرابطة الأوروبية لدراسات الشرق الأوسط.
ومن نشاطات الجمعية إصدار المجلة المعروفة «المجلة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط»، وهي مجلة محكّمة. وتقوم الجمعية بالتحكيم في عدد من الجوائز، منها جائزة جمعية الصداقة البريطانية الكويتية. كما تنظم الجمعية محاضرة سنوية لمحاضر متميز في دراسات الشرق الأوسط، وتقدم منحاً سنوية لطلاب الدراسات العليا في مجال دراسات الشرق الأوسط.


 

د. مازن  مطبقاني
  • الكتب والبحوث
  • المقالات
  • مقالات حول الاستشراق
  • تقارير المؤتمرات
  • دراسات الغرب - الاستغراب
  • للتواصل مع الدكتور
  • الصفحة الرئيسية