اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/mazin/48.htm?print_it=1

تقرير عن
المؤتمر السنوي للجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط
الإيمان، والسياسة، والمجتمع
برمنجهام – بريطانيا
24-26يوليو 2006 الموافق 28جمادى الآخرة -1رجب 1427هـ

د.مازن بن صلاح مطبقاني
‏@mazinmotabagani


بسم الله الرحمن الرحيم


تعقد هذه الجمعية مؤتمراً سنوياً حول دراسات الشرق الأوسط(*)، وتستضيفه الجامعات البريطانية التي تضم قسماً لدراسات الشرق الأوسط وتختار الموضوع والمحاور، وقام قسم دراسات الأديان بجامعة برمنجهام هذا العام باستضافة المؤتمر وكان برئاسة الدكتور ديفيد توماس، وقد حدد المؤتمر أن من أهدافه الإجابة عن الأسئلة الآتية:
1-لماذا يشكل الدين غالباً قوة هدّامة في المجتمع؟
2- هل يمكن أن يكون الدين قوة بناء للفرد والمجتمع؟
3-هل يمكن أن يساعد الدين في التغيير السياسي؟
4- هل يجب أن يكون الدين دائماً قوة محافظة في المجال السياسي والاجتماعي؟
5- هل يجب أن يساء استخدام الدين دائماً من قبل دعاة الحرب والإرهابيين؟
6- ما الأسباب والنتائج لتنوع التعبير الديني؟
7- ما الإستراتيجيات الحالية أو التي يجب تجربتها لحل المشكلة داخل الدين أو بين الأديان.

 لقد سعى المؤتمر إلى الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال المحاور المختلفة للمؤتمر والتي يمكن تقسيمها إلى المحاور الآتية:
أولاً: المحاضرات الافتتاحية (اثنتين )
ثانياً: قضايا عقدية.
ثالثاً: قضايا اجتماعية
رابعاً: قضايا اقتصادية
خامساً:  قضايا سياسية
هذا وسوف نوجز أهم الأفكار التي قدمت في هذا المؤتمر ونتبع ذلك ببعض الملاحظات العامة.
 
أولاً: المحاضرتين الافتتاحيتين

المحاضرة الافتتاحية الأولى
جورجن نيلسون Jorgen Nielsen   وعنوان محاضرته: "الرسوم الكارتونية الدنمركية والعلاقات بين الأديان"
ذكر المحاضر أن المسلمين نظروا إلى هذه الرسوم على أنها نوع من الحرب على الإرهاب في نظر الغربيين ولكنها في حقيقتها إنما هي حرب على الإسلام. وأكد المحاضر أن الغرب لديه مواقف تستحق الانتقاد فأشار إلى  بعض المواقف المزدوجة مثل النظر إلى خطف جنديين إسرائيليين على أنه عمل إرهابي بينما أعمال إسرائيل العدوانية لا تعد إرهاباً، كما ان موقف الغرب من البرنامج النووي الإيراني لا يتسق مع الاتفاقية التي عقدتها الولايات المتحدة الأمريكية مع الهند للتعاون في المجال النووي.
وذكر أن قضية الرسوم أبرزت مسألة منح المسلمين الجنسية في الدول الأوروبية المختلفة، وكذلك مسألة أهمية الدين في الحياة العامة بالنسبة للمسلمين. وأثارت القضية أن مسألة تعلق الأوروبيين بحرية الصحافة إنما هي لإخفاء كراهيتهم للمسلمين أو ما يسمى كراهية الأجانب Xenophobia
وذكر المحاضر أن رئيس الوزراء الدنمركي كتب مقالة في شهر مارس (هذا العام) مؤكداً على الفصل بين الدين والدولة، ولكنه ناقض نفسه في المقالة نفسها بأن ذكر ارتباط الكنيسة الدنمركية بالدولة، ومكانة الدين في حياة الشعب الدنمركي. ومع ذلك قدم أرقاماً تشير إلى عكس ذلك فعلى الرغم من أن عدد الذين يحضرون إلى الكنيسة لا يتجاوزون الثلاثة في المائة وإن كان عدد أعضاء الكنيسة في الدنمرك بلغ 88%.
ومن المعروف في الدنمرك أن السياسيين يرفضون أن تكون بلادهم بلاد هجرة وبخاصة من المسلمين، وأصبحت كلمة الثقافات المتعددة من الكلمات السيئة.
وأشار المحاضر إلى أن قضية الرسوم ورد الفعل في البلاد العربية الإسلامية لها علاقة بوضع الأنظمة في بعض هذه الدول؛ فثمة أنظمة مستبدة وقديمة، وما تزال مرتبطة بفكر الحرب الباردة بينما هناك أنظمة تسعى إلى التغيير التدريجي، ولكن هذه الأنظمة تتخذ موقفاً معادياً للحركات الإسلامية التي نبذت العنف وتركت التفجير وبدأت تطالب بالتصويت والانتخابات. وأضاف أن هذه الدول كانت تحد تأييداً خارجياً لمحاربة العنف ولكنها لن تحد التأييد نفسه حين تصبح الحركات الإسلامية مسالمة. وذكر أن فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية إنما هو أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى انفجار الموقف في الشرق الأوسط.
وتحدث المحاضر عن سوريا وما حدث فيها من اضطرابات ويرى أن سبب ذلك هو إعلان كبرى الحركات الإسلامية السورية (الإخوان المسلمون) رغبتهم في المشاركة السياسية عن طريق الانتخابات. وأشار إلى علاقته (المحاضر) بالمفتي السوري وأنه رجل أقرب إلى التصوف، وأضاف أن المفتي السابق أسس مؤسسة علمية تقع مكاتبها بالقرب من ضريح ابن عربي (المتصوف المشهور).
وأضاف في هذا السياق أن الحكومات العربية الإسلامية على الرغم من معاداتها للحركات الإسلامية وأن إحدى الدول ضربت إحدى الحركات بعنف شديد (عام 1982/1983م) لكنها كانت من أكثر الدول اهتماماً ببناء المساجد بعد ذلك حيث إن تلك الحكومة قامت ببناء العشرات من المساجد. وقال إن هذا الأمر حدث في بلاد أخرى حيث سمح للحركات الإسلامية أن تشارك في الانتخابات وتفوز بعدد من المقاعد البرلمانية. وأشار إلى كتاب الدكتورة أميرة سنبل (المماليك الجدد) كدليل على ما تفعله بعض الحكومات العربية الإسلامية مع الحركات الإسلامية.
وانتقد المحاضر عدم معرفة الدنمرك بالعالم الإسلامي لنقص الخبراء بهذه المنطقة في الحكومة الدنمركية، وأن عدد الذين يتحدثون إحدى اللغات الإسلامية (العربية أو التركية أو الأورود) محدود للغاية. وأن الحكومة بدأت الآن الاهتمام بالعالم العربي ونتيجة لمشروع الشرق الأوسط الكبير قامت الدنمرك بتأسيس مركز للحوار العربي الدنمركي في القاهرة عام 2004م، وأسست كذلك معهداً للدراسات في سوريا وكلّف المحاضر بأن يكون أول مدير له.
وانتقد المحاضر كذلك موقف رئيس الوزراء في رفضه اللقاء بالاثني عشر سفيراً مسلماً وأنه كان بإمكانه أن يقابلهم (وهم أناس أذكياء) ويبدي لهم الندم على ظهور تلك الرسوم، وأن يخبرهم بأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً بالنسبة للصحيفة لأن حرية الصحافة في بلاده مكفولة للجميع.
وقارن المحاضر بين موقف الحكومة البريطانية في أزمة كتاب سلمان رشدي (الآيات الشيطانية) وكيف استطاعت بريطانيا احتواء الأزمة بسهولة بينما عجزت الدنمرك عن احتواء تلك الأزمة مما أدى إلى قيام المظاهرات والمقاطعة الاقتصادية للبضائع الدنمركية في العالم الإسلامي.
وذكر الجهود التي بذلت من كثير من العلماء المسلمين للتفاهم مع الدنمرك، وقال وكان من نتيجة ذلك أن توقفت المقاطعة في السعودية مثلاً.
 
المحاضرة الافتتاحية الثانية
ديفيد توماس David Thomas    وكانت محاضرته بعنوان: "الماضي والمستقبل في العلاقات النصرانية الإسلامية"
بدأ المحاضر حديثه بأنه على الرغم من أن أتباع الدينين ينفون وجود الدعوة إلى العنف والحرب في كتبهم المقدسة لكن هذه الكتب حافلة بالحديث عن العنف والعداوة بين الدينين، كما أن الأحداث التاريخية تؤكد هذا العنف واندلاع الحروب العديدة بينهما. كما أشار إلى أن الدين قد استخدم من قبل بعض الحكام لتبرير العنف ضد الطرف الآخر.
وأشار المحاضر إلى نظرة كل دين لنفسه فبينما يرى النصارى أن دينهم هو الدين الصحيح وان نبيهم جاء لإنقاذ البشرية، وأن الإله تمثل في ابنه. وذكر أن سورة الفاتحة تذكر الضّالين بأنهم النصارى واليهود هم المغضوب عليهم.
ويرى المسلمون-في نظره- أن دينهم هو الحق، وأن الكتب المقدسة لدى النصراني تعرضت للتحريف، وأن خلاص البشرية إنما يكون باتباع الإسلام.
 ومن القضايا التي تحدث فيها المحاضر الاهتمام من قبل المسلمين بالعقائد النصرانية وذكر عدداً من هؤلاء من أمثال القاسم بن إبراهيم وأبو عيسى الوراق والباقلاني وغيرهم وقال إن هؤلاء وصلوا إلى فهم عميق لمعتقدات النصرانية لكنهم مع ذلك أصروا على إظهار العداء للعقائد النصرانية بمحاولة إبطال هذه العقائد بدلاً من تحليلها.
ومن ناحية نظرته إلى المستقبل تناول رؤية محمد أركون التي تتلخص في أن النظر إلى القرآن كنص مقدس أطلق عليه الكتاب، وأما النصوص التفسيرية لهذا الكتاب فهي أيضاً كتاب ولكن بدون حرف كبير، وبالتالي فيمكن إعادة تفسير الكتاب بتفسيرات جديدة تناسب العصر الذي نعيشه.
وأضاف الباحث أنه توصل إلى طريقة ثالثة وهي الدراسة المتعمقة لكلا الدينين من الطرفين والسعي إلى معرفة ما يعتقده الآخر لا ما يعتقده الإنسان أنه عقيدة الآخر، ودعا إلى تصحيح المعلومات الخاطئة التي يبثها الإعلام عن الدينين.
ومن العجيب أن النقاش لم يتطرق إلى دعوة الإسلام إلى التسامح والآيات الكثيرة التي تؤكد هذا المبدأ مثل قول الله عز وجل (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم)

ثانياً: القضايا العقدية:

نوقشت القضايا العقدية من خلال العديد من البحوث ومن أبرزها البحوث الآتية:
- موقف الأتراك من الحوار بين الأديان
- استخدام المصادر الإنجيلية والتوراتية في تفسير القرآن: قصة الذبيح أنموذجا.
- العلاقة بين الدين والمعرفة
- العلمية العثمانية وتراجع المستوى
- بشر للبيع: نظرة الصوفية للدين.
- نظرات حول المكي والصوفية في مرحلة التكوين.
تناول الباحثون في هذه البحوث العديد من القضايا التي دلت على حرص على البحث العلمي المتزن والاجتهاد، ففي البحث الخاص بالحوار الديني في تركيا أشار الباحث إلى موقف بعض النصارى من الحوار بأنه فرصة للدعوة إلى النصرانية (التبشير)، بينما رأى آخرون أن الحوار ضرورة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتسامح والسلام بين أتباع الأديان المختلفة في تركيا. بينما يرى آخرون أن الحوار أمر ضروري للتفاهم بين الأديان. ويرى الباحث أن الحوار يمكنه أن يكون فعالاً دون التدخل في دين الآخر بعد رسم حدود الحوار. ومن المعروف أن تركيا قد عقدت اتفاقاً مع الفاتيكان أن تبعث عدداً من الطلاب الأتراك لدراسة المعتقدات النصرانية مع ضرورة تعلم اللغتين اللاتينية واليونانية القديمة، على أن تستقبل كلية الإلهيات في أنقرة عدداً من الطلاب النصارى لدراسة الإسلام.
    أما في بحث استخدام الإنجيل والتوراة كمصادر لتفسير القرآن الكريم باتخاذ قضية الذبيح أنموذجاً فقد أوضح الباحث موقف مختلف المفسرين من تلك الكتب وأنها يمكن أن يؤخذ بتفسيرها من هو الذبيح ويرى الألوسي أن العبرة ليس من هو الذبيح (إسماعيل أو إسحاق) ولكن العبرة بالقصة نفسها وما يمكن أن نفيده منها، وما قصده القرآن الكريم من دروس.
    أما نظرة الصوفية للإنسان ففي الوقت الذي فقد الإنسان قيمته نتيجة للأطماع والشهوات والسعي إلى السلطة والقوة فإن الصوفية كما في كتابات بعض أعلامها مثل الرومي تدعو إلى احترام قيمة الإنسان وتنظر إلى الدين كقوة من أجل السلام على الطريق من أجل الإنسانية ولحل مشكلات البشر.
    وتحدث باحث آخر حول العلاقة بين علم العقيدة والمعرفة من خلال نظرة عبد الجبار للمعرفة أشار فيه إلى أن أبي هاشم الجباعي ينادي بأن المعرفة جاءت من أصل الاعتقاد، وبالتالي يعرّف المعرفة بأنها" اعتقاد بشيء له ارتباط بسكينة الروح" ثم قدم في ورقته العديد من الآراء حول المعرفة منها أراء البغدادي ثم أشار إلى أن عبد الجبار أبدل كلمة اعتقاد بكلمة "معنى" وبذلك سلم من الانتقادات التي تعرض لها الجباعي.

ثالثاً: القضايا الاجتماعية

شملت القضايا الاجتماعية البحوث الآتية:
- حقوق المرأة والإسلام في مصر
- المرأة في الفكر الشيعي المعاصر
- نظرية الغزالي في العدل الاجتماعي وتطبيقها على الأوضاع المعاصرة في دبي.
- العولمة من منظور إسلامي.
- المرأة وحقها في الخلع.

وفي هذا المحور تناولت الباحثة الأولى مسألة الجمعيات غير الحكومية وجهودها في مسألة حقوق المرأة وإبعاد الإسلام عن نشاطاتها خوفاً من انقطاع التمويل الغربي (الأمريكي والأوروبي) حيث إن الجهات الأجنبية تستبعد الجمعيات التي تتحدث عن الإسلام وحقوق المرأة من أي دعم على الرغم من أن الحكومة المصرية تعارض حصول المنظمات غير الحكومية المصرية من تقبل تمويل خارجي. وكان من أول الأسئلة التي وجهت للباحثة هل اتصلت بنوال السعداوي التي نجحت في إبطال القضية التي رفعت ضدها للتفريق بينها وبين زوجها، وأكدت السائلة أن نوال السعداوي من النساء المهمات في المطالبة بحقوق المرأة في مصر.
وقد أجابت الباحثة كذلك عن أسئلة حول اتصالها بمنظمات إسلامية بأن هذه المنظمات ترتبط بمؤسسات إسلامية فهي ليست مجال بحثها كما قللت من شأن تلك المنظمات مثل اللجنة العالمية لحقوق المرأة والطفل.
وتناول باحث آخر قضية الخلع،حيث قدم دراسة شرعية لموقف الإسلام من حق المرأة في المطالبة بالطلاق (الخلع) وقدم بعض المعلومات عن قوانين الأسرة الجديدة في العديد من الدول العربية وقارن بين تلك القوانين والقانون الإنجليزي في هذه المسألة.
وفي بحث آخر حول نظرة الفقهاء الشيعة المعاصرين حيث أشارت في البداية إلى تأثير الفكر الغربي المعاصر في مسألة "تحرير المرأة"، ثم قسمت الباحثة هؤلاء الفقهاء إلى علماء تقليديين، وعلماء تحديثيين ينادوا بالاجتهاد حيث إن الاجتهاد الحالي ليس كافياً ولا بد من جهود كبيرة في هذا الصدد.
أما البحث الذي تناول نظرية الغزالي في العدل الاجتماعي وتطبيقاتها في دبي فذكر أن البحث قدم لمسابقة في دبي في محاولة لإصلاح أحوال العمال هناك حيث إن العمال لا يحصلون على أجر يوازي عملهم كما أن هذا الأجر يتأخر، ويعاني العمال من ظروف معيشية صعبة. ويرى أن المنافسة التجارية الحادة تمنع من زيادة أجور العمال أو تحسين أحوالهم. وذكر الباحث أن الإمام أبي حامد الغزالي له نظرية تدعو إلى تحقيق العدل والمساواة ومكافأة العامل على عمله.
وفي بحث العولمة من منظور إسلامي أجادت الباحثة في تقديم وجهة نظر الإسلام في مسألة العولمة وأنه سبق العولمة الغربية بقرون عديدة، غير العولمة الإسلامية لم تسعى إلى محاربة هويات الشعوب الأخرى ولا فرض القيم الاجتماعية والأخلاقية الإسلامية على أحد.

رابعاً: القضايا الاقتصادية

وشمل هذا المحور البحوث الآتية
- المصرفية الإسلامية والتمويل في ماليزيا في القرن الواحد والعشرين.
- المدن التجارية وأرمينيا في أواخر العصور الوسطى: أدلة من النقود والمباني.
وكان البحث الخاص بالمصرفية الإسلامية والتمويل في ماليزياً بحثاً مميزاً في الحديث عن الواقع الاقتصادي والتطبيقات الإسلامية في ماليزيا حيث قدم الباحث بعض الأرقام. فقد أشار في بداية بحثه إلى التعاملات المصرفية الخالية من الربا أو الفائدة أصبح نوعاً معترفاً به عالمياً كنوع جديد من المعاملات المصرفية. وأشار إلى انتشار عدد من المؤسسات المالية في ماليزيا مثل مؤسسات التكافل الاجتماعي، وغيرها أثبتت وجودها وكانت عوضاً عن المعاملات الربوية. وأوضح  الباحث كيف أن البنك المركزي الماليزي استطاع أن يعمل بكل يسر وسهولة ونجاح في التخلص من التعاملات الربوية.
أما البحث الثاني فأشار إلى أنه امتداد لبحث سابق في الموضوع نفسه ولكن لمرحلة زمنية أخرى، وقد تناول عدداً من المدن الأرمنية وطرق التجارة العالمية في العصور الوسطى والتبادل النقدي وإلى العلاقة بين الشمال والجنوب في المجال التجاري وأن النقود والمباني تشير إلى هذه العلاقات التجارية.
 
خامساً:القضايا السياسية

شمل هذا المحور العديد من البحوث منها:
- إعلان زغرب لمسلمي البوسنة وعلاقته بوضع المسلمين في أوروبا
- سياسات الهوية في الشرق الأوسط بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
- تعبئة المؤمنين: حركات الإسلام المسلحة وبيئتها الاجتماعية.
- حزب الله والتغيير
- الهوية والسياسات والطوائف:
- الدولة الفاطمية وموقفها من الطوائف المختلفة.
- هل الإسلام متغير شارح؟
تقدم مسلمو البوسنة وعلى رأسهم الأفندي سيرتش (رئيس علماء سراييفو) في اجتماع للاتحاد الأوروبي في فيننا بهذا الإعلان الذي يحتوي العديد من المقترحات والأفكار ليكون بمثابة العقد الاجتماعي بين مسلمي أوروبا والاتحاد الأوروبي في بروكسيل. وقد كان هذا الإعلان بمناسبة الأحداث المأساوية في كل من نيويورك ومدريد ولندن. ويشير الإعلان إلى أن المسلمين يحترمون حقوق الإنسان الأساسية والديموقراطية والحق الأساسي في الحياة والحرية والتملك والشرف (العرض). ويطلب الإعلان من الاتحاد الأوروبي أن يقبل الإسلام بصفة مؤسساتية ليسمح للمسلمين أن يتمتعوا بالحرية الروحية والثقافية. وينادي بأن يكون للمسلمين الحق في تطوير ثقافتهم الأوروبية الخاصة بهم. ومما يدعم هذه الأفكار والمقترحات أن مسلمي البوسنة أنهم أقدم المجتمعات المسلمة في أوروبا منذ القرن الخامس عشر، وأنهم واجهوا الكثير من الصعوبات طوال تاريخهم بما في ذلك المذابح الأخيرة التي تعرضوا لها على أيدي الصرب. ويرى الباحث أن بعض الأفكار في الإعلان حقيقة بالنقاش والحوار حولها.
وتناول باحث ألماني قضية الحركات الإسلامية المسلحة ضمن مشروع تقوم به جامعة هامبولت في برلين لدراسة هذه الحركات في العديد من الدول. وقد اقتصر بحثه على الحركات المسلحة الإسلامية في مصر، وحزب الله في لبنان. فذكر أن الحركات الإسلامية المسلحة شنت حرباً على الحكومات التي تعدها كافرة أو مرتدة الخاضعة للتأثير الغربي أو قوى الاحتلال. ويرى الباحث أن المواجهة ذات ثلاث أبعاد: الحركات المسلحة من جهة والحكومات والشعب. ويرى الباحث أن تصرف الحركات وتطورها مرتبط ارتباط وثيق بعلاقتها بجهات معنية من الشعب. ويقدم التساؤلات الآتية: هل استطاعوا تعبئة الجماهير لتأييد صراعهم المسلح؟ كيف يتصرفون مع النقد الموجه لهم؟ وقد أشار الباحث إلى استخدامه التحليل الاجتماعي التفاعلي لدراسة هذه القضايا. وذكر أن من نتائج بحثه أن الجماعة الإسلامية أخفقت في تعبئة الجماهير المصرية بينما الصراع مع إسرائيل من قبل حزب الله جعله يكسب تأييد الشيعة في لبنان.
 
   وتناولت باحثة لبنانية الحديث عن حزب الله والتغير بإعطاء مقدمة عن هذا الحزب ومتى نشأ وكيف، وذكرت أنه نشأ بدعم من الحرس الثوري الإيراني لمواجهة الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982م وكيف أصبح الحزب حزباً سياسياً أساسياً في لبنان بعد أربع وعشرين سنة من تأسيسه. وتحدثت حول أسئلة عامة تواجه الحركات الإسلامية وعلاقاتها بالدول العربية والإسلامية وكيف تواجه هذه الأحزاب والجماعات دولها. وكيف تغير حزب الله في علاقاته بالحكومة اللبنانية وكذلك علاقاته بالمجتمع اللبناني، وأن هذه التغيرات كانت ضرورية من أجل استمرار الحزب، كما تساءلت في ختام ورقتها عن قدرة الحزب على التغير لمواجهة المستجدات في العالم العربي والإسلامي والعالم بعامة.
    وتحدث أحد الباحثين عن الدولة الفاطمية التي ظهرت في الفترة من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر الميلادي مشيداً بالتسامح الذي أظهرته تجاه المذاهب الأخرى، ويرى أن هذا التسامح يدحض بالدليل على أن الأمة الإسلامية شهدت تسامحاً مذهبياً كبيراً في القرون الوسطى. ولكن الباحث تناول جانب التعاطف الفاطمي مع اليهود والنصارى وتولي عدد منهم مناصب سياسية رئيسة في هذه الدولة. ويرى في ختام بحثه أن الدولة الفاطمية تقدم دروساً ذات قيمة كبيرة في التسامح والتعامل مع المذاهب والطوائف المختلفة.
    أما البحث الخاص بالإسلام كمتغير قادر على تفسير الأحداث السياسية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي الإسلامي، فذكر أن مدرسة الثقافة السياسية أكدت على دور الدين في تفسير السياسات في العالم النامي عموماً وفي الشرق الأوسط بخاصة، ولكن هذا التفسير انتهى إلى ظهور ما يسمى بالأسلوب السياسي الاقتصادي الذي أخفق بدوره حينما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وهذا كما يقول أدى إلى التساؤل من جديد هل يمكن أن يكون الإسلام مفسراً للأحداث السياسية في العالم الإسلامي.
    ويرى الباحث أن الإسلام كمنظومة فكرية واسعة ولأنه لا يمكن رفضه بمعنى أنه مفتوح للعديد من التفسيرات فمن المستحيل –في نظره- أن نؤسس رابطاً غير رسمي بينه وبين النتائج الواسعة السياسية. وثانياً ولأن الإسلام قابل لتفسيرات متعددة فإن النظر إليه سياسياً يتعدد وفقاً لمن يقوم بتفسيره سياسي وأين ومتى. وبالتالي يصبح الإسلام متغيراً معتمداً على تفسيرات من خارجه. ويقترح الباحث في حالة اختيار الإسلام كمفسر أن نميّز بين الإسلام بصفته معتقد واسع وأشكال تسيس الإسلام، وثانياً علينا أن نفهم حالات التسيس وهذا يعني فهم دور النخب في تحدي التفسيرات المحددة بسلوك سياسي ومن خلال بناءات سياسية اقتصادية.
 
ملاحظات عامة

كانت أولى الملاحظات على مؤتمر هذا العام ضعف الحضور حيث لم يحضر سوى خمسون باحثاً من أنحاء مختلفة من العالم، وإن كانت الغالبية العظمى منهم من بريطانيا، كما أن عدد طلاب الدراسات العليا كان كبيراً حيث إن بعض الجلسات كانت مقتصرة عليهم تقديماً وتنظيماً.  ومع ذلك فقد حضر بعض كبار الباحثين من البريطانيين وغيرهم من أنحاء العالم. ومن الملحوظات المهمة أن القدرات التحدثية لبعضهم في اللغة الإنجليزية كانت سيئة للغاية مما جعلني أتعجب كيف قبل هؤلاء في مرحلة الدكتوراه حيث من المفترض أن يكونوا قادرين على الكتابة والحديث باللغة الإنجليزية.
ولفت انتباهي غياب الباحثين السعوديين وبخاصة ممن درس في الجامعات البريطانية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه في مجال الدراسات العربية والإسلامية أو الدراسات الشرق أوسطية، فكيف لم يستطع أساتذتهم تشجيعهم على الحضور والمشاركة بالبحوث والتدرب على التحدث في مثل هذه المنابر العامة. بل إن مشاركة الباحثين السعوديين في عضوية الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط ضعيفة فليس لهذه الجمعية ممثل في الرياض للمجلس التنفيذي للجمعية.
ويحسب للمؤتمر أنه استطاع استقطاب العديد من الباحثين من كل من تركيا، وماليزيا، وإيران، ولكن نال المذهب الشيعي والإسماعيلية مساحة أكبر من حجمهم الحقيقي في العالم الإسلامي.

--------------------------------
*  تأسست الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط عام 1973م للاهتمام بدراسات الشرق الأوسط وتشجيعها في المملكة المتحدة ولتجمع شمل الأساتذة والباحثين والدبلوماسيين والصحفيين ولتتعامل مع الشرق الأوسط بأسلوب احترافي. والعضوية مفتوحة لجميع هؤلاء المذكورين أعلاه بغض النظر عن مكان إقامتهم. وتعقد الجمعية مؤتمراً سنوياً تناقش فيه القضايا الرئيسة التي تخص هذا المجال المعرفي. فعلى الصعيد المحلي تعمل الجمعية بجدية بالتأكيد لدى الحكومة والجامعات البريطانية على أهمية دراسات الشرق الأوسط من حيث استمرارها والتوسع فيها، وقد نجحت الجمعية في إقناع الحكومة البريطانية لتخصيص مصادر جديدة لتمويل هذه الدراسات.  كما أنها تعمل بصفة مستشار لدى التعليم العالي والجهات التي تدعم البحث العلمي. وعلى الصعيد الدولي فإن الجميعة تقوم بالتنسيق بين الباحثين البريطانيين أو العاملين في بريطانيا مع الجهات المهتمة بدراسات الشرق الأوسط مثل الرابطة الأوروبية لدراسات الشرق الأوسط.
ومن نشاطات الجمعية إصدار المدلة المعروفة (المجلة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط) وهي مجلة محكّمة.، وتعقد الجمعية مؤتمراً سنوياً ، وهي التي تقوم بالتحكيم لعدد من الجوائز منها جائرة جمعية الصداقة البريطانية الكوينية، وتنظم الجمعية محاضرة سنوية لمحاضر متميز في دراسات الشرق الأوسط، كما تقدم منحاً سنوية لطلاب الدراسات العليا في مجال دراسات الشرق الأوسط.
 

 

د. مازن  مطبقاني
  • الكتب والبحوث
  • المقالات
  • مقالات حول الاستشراق
  • تقارير المؤتمرات
  • دراسات الغرب - الاستغراب
  • للتواصل مع الدكتور
  • الصفحة الرئيسية