اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/mazin/11.htm?print_it=1

الأسئلة الأكثر تداولاً حول الاستشراق

د.مازن بن صلاح مطبقاني
‏@mazinmotabagani


لقد استضافتني العديد من الصحف والمجلات في المملكة العربية السعودية وخارجها في مناسبات عديدة بعد حصولي على درجة الدكتوراه في مجال الاستشراق أو الدراسات العربية والإسلامية عند الغربيين وقد قمت بجمع عدد من هذه الأسئلة وأقدمها هنا بين أيديك أخي زائر هذه الصفحة أرجو أن يكون فيها بعض الفائدة والمتعة.

السؤال: هل هناك تعريف جديد للاستشراق بصفتكم أحد المتخصصين في هذا المجال؟


الجواب:
ليست القضية قضية تعريف جديد للاستشراق فالغرب تخلى عن هذا المصطلح منذ عام 1973 في مؤتمر المستشرقين الدولي الذي عقد في باريس ، وتوزعت دراسات المستشرقين بين مختلف التخصصات.لقد ذهب الاسم وبقي المسمى .فبدلا من أن تتم دراسة الإسلام عقيدة وشريعة وتاريخا واجتماعا وسياسة واقتصادا ضمن كلية واحدة أو قسم علمي واحد ، أصبح من الممكن للمتخصصين في كلياتهم المختلفة أن يدرسوا العالم الإسلامي . وبالرغم من رفض الغرب لهذا المصطلح فإن كتاب أدوار سعيد "الاستشراق" أعادهم رغما عنهم لاستخدامه ، وقد قدم سعيد عدة تعريفات للاستشراق في هذا الكتاب أوضح فيها طبيعة هذه الدراسات من استعلاء ورغبة في السيطرة والاستغلال وكذلك التشويه والفهم الخاطئ . ولكن الدكتور أحمد عبد الحميد غراب في كتابه" رؤية إسلامية للاستشراق أضاف إلى تعريفات إدوارد سعيد بأن ربط التعريف بأحقاد الغرب الصليبي ضد الإسلام والمسلمين .

وقد كتب الدكتور علي بن إبراهيم النملة حول تعريف الاستشراق فحاول أن يجعل الاستشراق يضم الباحثين الشرقيين من يابانيين وسواهم ممن تلتقي نظرتهم مع الاستشراق الغربي ، وتساءل الدكتور النملة أيضا عن إمكانية إضافة نصارى العرب من مارونيين وأقباط وغيرهم للمستشرقين .

ومع كل هذا فتعريف الاستشراق لا ينبغي أن يتضمن حكما مسبقا على هذه الدراسات وأهدافها أو إطلاق حكم عام عليها بإلغائها أو نفيها بحيث ننفر المسلمين من معرفتها والتفاعل معها . إن الغرب حريص كل الحرص على معرفتنا وهذا في حد ذاته إيجابية يجب أن نفيد منها لأنه حين يناقش قضايانا يكون أكثر حيادية منه ، كما إنهم قد يناقشون أمورا نتجاهلها أو لا نجرؤ على الحديث عنها. ولكن لا بد أن أضيف أنه آن الأوان لنبدأ نحن بجد بدراسة الغرب كما يدرسنا لنصل إلى معرفة عميقة بتاريخه وحضارته.

وان كان لابد من تعريف للاستشراق فأقول بأن الاستشراق هو كل ما صدر و يصدر عن الغربيين من أوروبيين أو أمريكيين من دراسات أكاديمية تتناول قضايا المسلمين في العقيدة أو الشريعة أو الاجتماع أو الاقتصاد أو السياسة أو الفكر أو الفن وغير ذلك ، كما يلحق بالاستشراق ما تبثه وسائل الإعلام الغربية سواء كان بلغاتهم أو باللغة العربية من إذاعات أو تلفاز أو أفلام سينمائية أو رسوم متحركة أو قنوات فضائية أو ما تنشره صحفهم أو مجلاتهم من كتابات تتناول المسلمين، لأن وسائل الإعلام الغربية يشترك فيها المتخصصون في الدراسات العربية والإسلامية بأقلامهم أو عن طريق كتاباتهم التي تعد المصدر الذي يستقي منه الإعلاميون معلوماتهم. كما إن من الاستشراق ما يخفى علينا مما يقرره الباحثون الغربيون والسياسيون في ندواتهم التي يعقدونها ويبقون بحوثها ونتائجه وتوصياته سراً قاصراً عليهم. ويمكن أن نلحق بالاستشراق أيضا نصارى العرب من مارونيين وأقباط وغيرهم ممن ينظر إلى الإسلام النظرة الغربية ويتعاطف مع الغرب كما حدث في بداية ظهور الموجة القومية. ويمكن أن يضاف إلى هؤلاء الباحثين من شرق آسيا وجنوب شرقها ممن تلقى المعرفة بالإسلام عن طريق الجامعات الغربية. أما تلاميذ المستشرقين المخلصين للنظرة الاستشراقية فتجب دراستهم عن أنهم أتباع للاستشراق.

السؤال : لماذا ركز الاستشراق على دراسة الشرق الإسلامي؟

الجواب:
هذا ليس صحيحا تماما فقد تخصص المستشرقون الأوروبيون والأمريكيون في دراسة شتى البلاد الإسلامية ، بل ظهرت دراسات جديدة للمسلمين الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا ، كما أن هناك دراسات للأقليات المسلمة في أنحاء العالم.والدليل على اهتمام الاستشراق ببلاد المسلمين كافة تخصص عدد من المستشرقين الهولنديين وغيرهم بدراسة الإسلام والمسلمين في إندونيسيا ومن هؤلاء المستشرق الهولندي سنوك هورخرونيه الذي أعد رسالته للدكتوراه حول الحج إلى مكة ، ثم جاء إلى مكة متظاهرا بالإسلام ومتسميا ب( الحاج عبد الغفار ) وتعرف إلى أهالي إندونيسيا في مكة تمهيدا لانتقاله إلى هناك للعمل في خدمة الاحتلال الهولندي.

واهتم الإنجليز بشبه القارة الهندية لاستمرار احتلالهم لها عدة قرون ، وقد أنشأوا العديد من المراكز العلمية والجمعيات ومراكز البحوث في الهند لدراستها. وكذلك اهتم الاستشراق الفرنسي بشمال أفريقيا بخاصة حيث كان احتلالهم للجزائر استيطانيا فولد العديد من المستشرقين الفرنسيين في بلاد المغرب العربي . وما زال المغرب العربي ينال اهتماما واسعا في الدراسات الاستشراقية الفرنسية ، ويؤكد ذلك وجود العديد من مراكز البحوث المتخصصة في دراسة المغرب العربي ومجتمعاته.بل إنهم اهتموا بإثارة النزاعات العرقية والطائفية المفتعلة ومن ذلك إنشاء مراكز بحوث خاصة بالدراسات البربرية.

والآن بعد أن دخل الأمريكيون إلى ساحة الدراسات الاستشراقية أضافوا ما أسموه دراسة المناطق حيث يهتم عالم الاجتماع ببلد عربي مسلم واحد أو منطقة جغرافية محددة يدرس مجتمعاتها دراسة علمية دقيقة كما فعل موروبيرجر في كتابه ( العالم العربي اليوم ) . فليست القضية اهتمام الاستشراق بالشرق الإسلامي بقدر ما هي التركيز على المجتمعات الإسلامية والحضارة الإسلامية لأنها تمثل الند الحقيقي للغرب وحضارته بعقيدتها وقيمها رغم تفوق الغرب المادي حاليا.

السؤال:ما رأيك في التوسع في دراسة الاستشراق والفكر الغرب على جميع مستويات التعليم؟

الجواب:
مادام أن فكر الغرب وثقافته قد دخلا إلى عالمنا العربي الإسلامي من خلال الإعلام ومن خلال المناهج الدراسية كدراسة علم الاجتماع وغيره من المواد الدراسية ومن خلال وسائل الإعلام كأفلام الكرتون وغيره فلماذا لا نعرف هذا الغرب؟وحتى لو يكن ذلك من خلال مواد علمية خاصة ولكن يجب تقديم دورات للمعلمين في المراحل المختلفة لعرض الإسلام وعرض الغرب وكما قيل وبضدها تتميز الأشياء فكما يعرض القرآن الكريم عقائد المشركين وصفات اليهود والنصارى والمنافقين فإذاً علينا أن نعرف الغرب بطريقة ما . ولكن كيف يتم ذلك هذا ما ينبغي أن تتم دراسته. وينبغي التركيز على الجانب الإيجابي فيما ينبغي على المسلمين أن يقوموا به لمعرفة هذا الدين وجعله الحاكم على سلوكنا وأخلاقنا وحياتنا الاجتماعية والفكرية والسياسية والأخلاقية.

السؤال: كيف نثمّن جهود المستشرقين في خدمة التراث الإسلامي ،خروجاً من وهم العدائية ووصولاً إلى غاية معرفية إنسانية؟

الجواب:
اهتمت الدراسات الاستشراقية في إحدى مراحلها بجمع المخطوطات الإسلامية ونقلها إلى الغـرب والقيام بحفظها وفهرستها وأحياناً تحقيق بعضها ونشره.وهي جهود بلا شك تستحق الشكر والثناء، فالمرحلة التي جاب المستشرقون والرحالة الغربيون الديار الإسلامية بحثاً عن المخطوطات كان الكثير من هذه المخطوطات عرضة للضياع والإهمال وحتى الامتهان حيث كان الجهل والتخلف متفشيين في البلاد العربية الإسلامية. ولكننا حين نريد تقويم جهود المستشرقين يجب علينا أن لا نكتفي بالظاهر بل علينا أن ندرس المخطوطات التي حققوها ونشروها ؛ هل كان تحقيقهم مبنياً على أسس علمية، وما المخطوطات التي قاموا بتحقيقها ؟ هل اهتموا بتحقيق ما يظهر تفوق المسلمين ونبوغهم وعبقريتهم أو حققوا من المخطوطات ما يخدم أغراضهم؟ كانت بعض المخطوطات التي أخرجها المستشرقون من المصادر الأساسية في التاريخ الإسلامي وفي العقيدة الإسلامية فهذا مما يشكر لهم ولكن بعضهم وأذكر مثالاً واحداُ فقط وهو المستشرق آرثر جيفري الذي اهتم بالمخطوطات المتعلقة بالقرآن الكريم كـانت له أخطاؤه الفادحة في هذا المجال . وأود أن أشير إلى بحث تكميلي أعده الزميل الأستاذ طلال ملوش في تقويم منهج هذا المستشرق في تحقيق كتاب (مقدمتان في علوم القرآن لابن عطية ومؤلف مجهول) . وقد أشار الدكتور عبد العزيز قارئ في كتاب له عن المستشرقين والقرآن الكريم لأخطاء المستشرقين في هذا المجال. ومع ذلك فينبغي الوقوف عند بعض جهودهم البارزة في خدمة التراث الإسلامي فها هو المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف الذي لا تكاد تخلو منه مكتبة إسلامية ولا يستغني عنه المشتغلون بالدراسات الإسلامية مع وجود العديد من الكتب التي اهتمت بفهرسة الحديث النبوي الشريـف. وينبغي الإشادة بجهود المستشرق كارل بروكلمان في كتابه (تاريخ الآداب العربية) الذي قدم فيه جهداً واضحاً في تتبع المخطوطات العربية. إن إدراكنا لأخطاء المستشرقين وأهدافهم المشبوهة لا يمنعنا من الاعتراف لهم بالجهود التي بذلوها في المحافظة على كثير من المخطوطات التي كان من الممكن أن تضيع لولا هذه الجهود. وهم إن خدموا أهداف بلادهم فهذا أمر طبيعي أن يخدم المرء أهداف بلاده ويدافع عنها.

السؤال : ما هي المجالات التي يمكن أن يعمل فيها خريجو قسم الاستشراق، وما هي الجهات التي تعتقد أنها يمكن أن تفيد من هذا القسم وخريجيه؟

الجواب:
كنت أقرأ في بعض النشرات الصادرة من مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة نيويورك وجامعة هارفارد فوجدت أنهم يهتمون بالناحية العملية وقد أدخلوا بعض الدراسات ضمن دراسات قسم الشرق الأوسط لتكون مناسبة للخريجين ليعملوا في بعض الجهات ، فجامعة نيويورك مثلاً أضافت إلى دراسة الشرق الأدنى دراسة الصحافة فيكون الطالب قادراً بعد تخرجه على العمل في مجال الإعلام الخارجي كمراسل في الشرق الأوسط. وقد أضافت جامعة هارفارد دراسـة مواد في علم الاجتماع وعلم الإنسان ليستطيع المتخرج العمل في بعض الجهات التي تحتاج هذه الكفاءة. ونحن حين أنشأنا قسم الاستشراق لا بد أنه كان في ذهن الأساتذة الأفاضل وعلى رأسهم معالي الدكتور عبد الله التركي -وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد- ما يمكن لخريجي هذا القسم أن يعملوه وما الجهات التي يمكن أن تفيد من هؤلاء الخريجين. وإن كنـت قد التحقت بالقسم بعد نشأته بعدة سنوات ولكنّي علمت أن القسم كان يفكر في التنسيق مع معهد الدراسات الدبلوماسية وغيره من الجهات.

وأود أن أضيف بأن أقسام دراسات الشرق الأوسط في الغرب قد وضع في مخططاتها أن تقدم خريجيها إلى وزارات الخارجية في الدول الغربية ووزارات الاقتصاد والتجارة والثقافة والإعلام لأن هذه الجهات بحاجة إلى من يعرف العالم الإسلامي .كما أن الشركات العالمية أو المتعددة الجنسيات تحتاج إلى الخبراء في الشرق الأوسط . ونحن في العالم الإسلامي بحاجة في هذه الجهات إلى من يعـرف الغرب معرفة وثيقة ولا بد أن نطور مناهج هذا القسم وننشىء الأقسام العلمية التي تساعد على تكوين كوادر قادرة على فهم الغرب فهماً علمياً دقيقاً مع التمكن من العلوم الشرعية لأن علاقتنا بالغرب يجب أن تكون خاضعة للمعايير الإسلامية.

ولعل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تنظر في هذا القسم الذي يعرفه معالي الدكتور التركي معرفة وثيقة وتنظر في إمكانية الإفادة من الخريجين وبخاصة أن الخريجين بحاجة إلى إتقان اللغات الأوروبية ليتمكنوا من التعمق في معرفة الغرب. واعتقد أيضاً أن خريج قسم الاستشراق يمـكنه أن يقوم بتدريس مادة الثقافة الإسلامية في الثانوية أو في الجامعات وذلك لأن الهجمة الغربية الثقـافية تحتاج إلى من يكون على اطلاع بالفكر الغربي والصراع الثقافي الحضاري فهو بالتالي معد لهذا العمل بإذن الله، والله الموفق.

السؤال: الاستشراق كتخصص علمي في جامعاتنا ما تقييمك له ، وما مستقبله؟

الجواب:
تدرس مادة الاستشراق ضمن مواد الدراسات الإسلامية في ساعتين أو وحدتين دراسيتين في أكثر من جامعة منها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة الملك عبد العزيز بجدة وبكلية التربيـة بالمدينة المنورة. لكن جامعة الإمام خطت خطوة متقدمة فافتتحت قسماً متخصصاً لدراسة الاستشراق ومدارسه ومناهجه وأعلامه ودراسة التنصير. ويتضمن هذا دراسة جذور الحضارة الغربية وفكر الغرب وفلسفته.وقد قرأت مؤخراً عن عدة مؤتمرات تناولت موضوع الاستشراق وتناول بعضها التوجه لدراسة الغرب ومعرفته معرفة علمية مبنية على الحقائق وكانت ندوة أصيلة بالمغرب من الندوات التي نادت بتأسيس معهد للدراسات الأمريكية. وقد أعلن فضيلة رئيس جامعة الأزهر عن عزم الأزهر إنشاء مركز للدراسات الاستشراقية ومتابعة كتابات المستشرقين عن الإسلام والمسلمين. والمؤمل أن تبدأ دراسة الاستشراق في المرحلة الجامعية كتخصص فرعي مع الدراسات الإسلامية أو الدراسات الاجتماعية مع الاهتمام بدراسة اللغات الأجنبية ومن ثم يستطيع الطالب إتمام دراسة الاستشراق في مرحلة الدراسات العليا.

السؤال: لكلية الدعوة بالمدينة المنورة تجربة رائدة في افتتاح قسم للدراسات العليا في الاستشراق، ما واقع هذا القسم وهل يؤدي رسالته على الوجه المطلوب؟

الجواب:
أولاً إن شهادتي في هذا القسم مجروحة لأنني أحد المنتسبين إليه وحصلت منه على أول درجة دكتـوراه يمنحها القسم . لا شك أن القسم أدى جزءاً كبيراً من رسالته حيث تخرج فيه عدد كبير من الباحثين في مجال الاستشراق وقام القسم بابتعاث عدد من المحاضرين للدراسة في الغرب وبخاصة بريطانيا وأمريكا وواصل هؤلاء دراساتهم في هذا المجال الحيوي. كما أن عدداً من الخريجين قاموا بالدراسة في الجامعات البريطانية وحصلوا على الدكتوراه بعد حصولهم على الماجستير من القسم . والقسم في حاجة ماسة إلى أعداد من الطلاب الذين يتقنون اللغات الأجنبية حتى يتمكنوا من معرفة الاستشراق معرفة عميقة.

السؤال: الدارسون في قسم الاستشراق سواء من حصل منهم على الماجستير أو الدكتوراه لم نر لهم نشاط أو مساهمة علمية وخاصة في مجال الصحافة ما سبب ذلك؟

الجواب :
إن عدد الذين درسوا في هذا القسم كبير ومن الصعب أن نطلق مثل هذا التعميم بأنه ليس لهـم نشاط علمي فقد يكون ثمة نشاط ولكن لا نعلمه. أما بخصوص النشاط الصحافي فينبغي على الذي يمارس النشاط الصحافي أن يكون لديه الاستعداد لهذا النشاط. فكتابة المقالة الصحافية تختلف كثيراً عن كتابة البحث العلمي أو المقالة العلمية .

ولما كنت أعرف أن الحديث عن النفس ثقيل فلن أطيل على القارىء الكريم في ذلك فأنا من المهتمين بالكتابة الصحافية منذ اكثر من ثلاثين سنة حيث التحقت بجريدة المدينة المنورة مدة أسبـوعين عام1393 مترجماً وكتبت أول مقالة لي في تلك الأسبوعين. ثم انطلقت للكتابة في مجلة "المجتمع" الكويتية وكانت بعنوان( مشاهدات عائد من أمريكا). وواصلت الكتابة الصحفية ولكن لم أحترف الكتابة الصحافية إلاّ منذ عدة سنوات.ولذلك فليس كل أكاديمي قادر على الكتابة الصحافية بالإضافة إلى أنها عملية متعبة تحتاج إلى قدرات خاصة.

السؤال: للاستشراق بصماته الواضحة في الفكر والأدب العربي المعاصر ، فهل أخذ ذلك الموضوع حقه من الدراسة والبحث وما مدى خطورته؟

الجواب:
ما زلت أذكر كتاب الدكتور محمد محمد حسين بعنوان (حصوننا مهدده من داخلها أو في وكر الهدامين ) وكتابه (الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي الحديث ) وكتابه (الإسلام والحضارة الغربية) وكتاب مصطفى الخالدي وعمر فروخ (الاستعمار والتبشير في البلاد العربية ) وكتب الشيخ محمود شاكر وبخاصة كتابه عن المتنبي ومقدمته التي عنونها ونشرت منفصلة ( رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) وكتب الشيخ عوض القرني عن الحداثة في ميزان الإسلام وكتب الدكتور عدنان النحوي عن الحداثة والأدب الإسلامي، وكتب الشيخ أنور الجندي الكثيرة في هذا المجال وكتب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وغيرهم كثير. وهكذا فالإنتاج الفكري حول أثر الاستشراق في الفكر والأدب ليس قليلاً ولكن النشاط الفكري والأدبي للمتأثرين بالاستشراق قوي ومنظم ويحتاج إلى متابعة ورصد ولا بد من الحوار والنقاش حول هذه القضايا ولكن أولئك المتأثرين بالاستشراق والتيارات الفكرية الغربية لا يسمحون بهذا النقاش فهم إذا ما امتلكوا منبراً من المنابر جعلوه خاصاً بهم ولم يسمحوا لغيرهم مع أنهم ينادون دائماً بضرورة الحوار والانفتاح على الآخر ولكنهم ربما يقصدون الآخر الغربي. وتشهد بذلك ندواتهم ومؤتمراتهم وغير ذلك من النشاطات.

السؤال: يذكر بعض الدارسين أمثال أنور الجندي أن الأدب العربي تعرض إلى تشويه من المستشرقين، إلى أي مدى يمكن اعتبار هذا التصور صحيحا؟

الجواب:
إن الأدب العربي ليس وحده الذي تعرض إلى تشويه متعمد من المستشرقين والأستاذ أنور الجندي محق تماما في هذا الشأن ومن أبرز من يشاركه في هذا الرأي الأستاذ الجليل محمود شاكر في مقدمة كتابه ( المتنبي) التي نشرت منفصلة بعنوان( رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) حيث أكد على إفساد المستشرقين وتلاميذهم لما أسماه ب "الذائقة الأدبية " . وقد يكون في آراء الأستاذ محمود شاكر - رحمه الله تعإلى- شيء من القسوة ، لكن الرجل عانى معاناة شديدة من هذا الإفساد مع أدباء عصره حتى إن كتابه (أباطيـل و أسمار) في جزأيه يضج بالشكوى من المستشرقين وتلاميذهم من أمثال لويس عوض الذي يحلو لبعض كتابنا أن يطلقوا عليه(الأستاذ الكبير) أما تفاصيل إفساد الذائقة الأدبية والعبث بمناهج البحث الأدبي فيرجع إليها في كتاب الأستاذ محمود شاكر "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" لأنني غير متخصص في الدراسات الأدبية. ولكن يجب ملاحظة أن الساحة الأدبية رفعت قدر أناس حاربوا الإسلام ودعوا إلى الارتماء في أحضان الغرب ونال هؤلاء الألقاب التمجيدية من أمثال( عميد الأدب العربي) و(أستاذ الجيل) وقررت كتابات هؤلاء في المدارس ، واعتمدت السينما والمسرح على هذه الكتابات فكم قدمت روايات إحسان عبد القدوس وروايات جورجي زيدان وغيرهما . ويلاحظ أن الدكتور مجمد العزب قد كتب في مجلة " القافلة " في أحد أعدادها الصادرة عام 1407 ينتقد المستشرق الفرنسي ريجس بلاشير في كتابه " تاريخ الأدب العربي" الذي يزعم فيه أن الإبداع والتميز في تاريخ الأدب العربي إنما هي ومضات سريعة ونادرة فرد عليه باستعراض نماذج من التميز والإبداع في الأدب العربي . وليست تلك التهمة الوحيدة، فأثر المستشرقين في الأدب العربي تعـود إلى نشاط حركة الترجمة التي قادها طه حسين في مجلة الكاتب وغيرها حيث ترجمت الكثير من القصص والروايات الفرنسية التي تدعو إلى نمط الحياة الغربية. كما أن انتشار كتابات أمثال يوسف السبـاعي ، وإحسان عبد القدوس ،ومحمد عبد الحليم عبد الله ،ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم التي دعـت في معظمها إلى الفكر الغربي والمادية وركزت على القصص الغرامية حتى أصبح لدينا كم هائل من هذا النوع من الكتابات على حساب الكتابات الإسلامية الجادة .وقد كتب الدكتور أبو بكر حميد عدة مقالات في الشرق الأوسط وألقى محاضرة في أحد الأندية الأدبية حول الحرب الشعواء التي واجهها الأديب المتميز الإسلامي علي أحمد باكثير رحمه الله تدل دلالة واضحة على مـدى نفوذ الفكر الاستشراقي . ويجب أن نتذكر أن جامعة القاهرة في بداية تأسيسها استضافت من المستشرقين الذين درسوا الأدب العربي . وقد رضينا أن يذهب أبناؤنا إلى الغرب للتخصص في الأدب العربي على أيدي المستشرقين.

السؤال: ما وسائل المستشرقين للتأثير في الفكر الإسلامي وما أساليبهم في صياغة فكر إسلامي موافق للتيار الغربي؟

الجواب:
مثل هذا السؤال يحتاج إلى رسالة دكتوراه للإجابة عليه ولكن علينا أن نرجع إلى بداية البعثات العلمية منذ عهد محمد علي فكما قال الشيخ محمود شاكر إن الاستشراق كان له يد في هذه البعثات وحاول من خلالها أن يجتال عدداً من أبناء هذه الأمة ممن عرفوا بالذكاء والفطنة فيصنعهم على عينه فكانت البعثة المصرية في فرنسا يتم تعليمها تحت إشراف المستشرق جونار، وكانت البعثات من المغرب يشرف عليها مستشرقون آخرون. وقد طالب هؤلاء المشرفون أن يمكث طلاب البعثة وقتاً أطول من مدة البعثة ( حتى يتشبعوا بعظمة فرنسا) كما ذكر ذلك الشيخ محمد المنوني في كتابه (نهضة المغرب في العصر الحديث)

ولم يكتف المستشرقون بذلك فإن دولهم التي كانت تحتل معظم الدول الإسلامية مكنت لهؤلاء الذين درسوا في الغرب وتشبعوا بفكر الغرب وثقافته وفلسفته ومكنت لهم من منابر التوجيه. وارجع إن شئت إلى كتاب محمد محمد حسين ( الإسلام والحضارة الغربية ) لترى ما قاله عن كرومر في مصر وأثر مدرسة فيكتوريا التي درس فيها طلاب من معظم البلاد العربية . وكان للأمريكيين مدارسهم في المنطقة التي تحول بعضها إلى الجامعة الأمريكية في القاهرة واسطنبول وبيروت. ومن المعروف أن الغرب عموماً يحتفي بالمفكرين العرب والمسلمين المتأثرين بالغرب وعلمانية فتفتح له الجامعات الغربية والمؤتمرات والندوات، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى.

السؤال: ما رأيك في النقد الإسلامي للاستشراق وتوجهات ذلك النقد؟

الجواب:
النقد الإسلامي للاستشراق بدأ منذ فترة بعيدة وبخاصة في عهد الاحتلال الأجنبي للبلاد العربية الإسلامية وبخاصة بعد ظهور الحركات الإسلامية المعاصرة. فهذه الحركات حينما ظهرت كان هـمهاً مقاومة الاحتلال الأجنبي الذي حاول طمس الهوية العربية الإسلامية وتجهيل الشعوب المحتـلة ونشر الفقر والمرض فيها . بالذي يراجع تلك الصحف منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية يجد نشاطات وافرة في نقد الاستشراق. وأذكر في هذه المناسبة ما كتبته الصحف الجزائرية الإصلاحية في الفترة ما بين الحربين العالميتين حيث كانت ترد على المستشرقين وافتراءاتهم وتعاونهم مع سلطات الاحتلال الأجنبي، ويمكن الرجوع إلى مجلة ( الرسالة ) على سبيل المثال لمعرفة أن نقد الإستشراق بدأ منذ عهد بعيد.

ولا بد أن نذكر الجهود الرائدة للشيخ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى في نقد الاستشراق في كتابه ( السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي) الذي اهتم فيه بنقد الكتابات الاستشراقية في مجال الحديث الشريف والفقه. ويذكر للشيخ السباعي ريادته في زيارة معاقل الاستشراق في الجامعات الأوروبية ومناقشة المستشرقين في كتاباتهم حول الإسلام. ولكن خطوات السباعي لم تجد من يواصلها بطريقة منهجية حتى عهد قريب وظهور كتاب مثل الدكتور قاسم السامرائي والدكتور محمود حمدي زقزوق وغيرهما ممن عرف الاستشراق عن قرب وعاش في بلاد الغرب. ويدخل في مجال نقد الاستشراق الرسائل العلمية التي أنجزت في قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة فهذه الرسائل تحتاج إلى الاهتمام بها ونشرها أو نشر المتميز منها، وهي جهود مباركة في نقد الاستشراق.

السؤال: ماذا عن تجربة إدوارد سعيد؟

الجواب:
لاشك أن لتجربة إدوارد سعيد مكانتها وأهميتها في نقد الاستشراق ، فهو انتقدهم بلغتهم وبلغة إنجليزية عالية مما أزعج كثير منهم إزعاجاً شديداً ، وقد ركزّ سعيد في نقده على جانب واحد وهو الارتباط بين الاستشراق وفكرة الهيمنة والسيطرة والتشويه. والاستشراق أوسع من ذلك بكثير ولعل إدوارد سعيد كما ذكر لم يقصد التأريخ للاستشراق وإنما أراد تقديم النموذج على نظرية فلسفية في المعرفة وتطبيقها على الاستشراق. وهنا لا بد أن نذكر أنه وجد من المسلمين من كتب عن الاستشراق باللغة الإنجليزية ولكنه لم يحظ بالانتشار ومن هؤلاء عبد اللطيف الطيباوي في مقالتيه " النقد الأول والثاني للمستشرقين الناطقين باللغة الإنجليزية" وقد نشرتا أولاً في مجلة المركز الثقافي الإسلامي في لندن ثم ترجمهما الدكتور قاسم السامرائي ونشرتا في كتاب عن إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والدكتور إسماعيل راجي الفاروقي، والأعظمي وغيرهم

السؤال: ساهم الاستشراق في رسم صورة الإسلام والعرب في الغرب كما يؤكد ذلك الدكتور محمود حمدي زقزوق فهل هناك محاولات إسلامية لتغيير تلك الصورة؟

الجواب:
نعم هناك محاولات كثيرة فهذه المعاهد والمراكز الإسلامية مثل "معهد العلوم الإسلامية والعربية" التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في أمريكا ، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن، والمؤسسة المتحدة للبحوث والدراسات في الولايات المتحدة وكذلك رابطة الشباب العربي المسـلم وجمعية مسلمي أمريكا الشمالية وغيرها من المراكز والجمعيات والمساجد في أوروبا وأمريـكا تقوم بجهود مباركة لتقديم صورة صحيحة للإسلام والمسلمين. ولكن مازال كثير من العمل في انتظار المسلمين حيث إن الجامعات الغربية عموماً تستقطب للتدريس فيها والبحـث النماذج المتغربة والعلمانية ونحن بحاجة لعقد اتفاقات مع هذه الجامعات لتتاح الفرصة لأصحاب الاتجاه الإسلامي الصحيح أن يكون لهم وجود في هذه الجامعات.

أما في مجال الإعلام فإن الغرب يسيطر على ثمانين بالمائة من هذه الوسائل المسموعة والمرئية والمقـروءة ، ولا بد أن نبدأ في العمل ليكون لنا موقع في هذه الوسائل. فالوعي الإسلامي الصحيح للمسلـمين في الغرب أو في الشرق الذين يتعرضون لهذه الوسائل أن يكتبوا إليها وينتقدوا ما تقدمه فلا بد من الضغط على الإعلام الغربي بالوسائل التي يعرفها الغرب لتغيير الصورة. وهناك من الجهات التي تقوم ببعض الجهد مثل اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز ، وكذلك المجلس الإسلامي الأمريكي وغيرها من الهيئات العاملة في هذا الميدان. ولكن لندرك أن الطريق ما زال طويلاً حتى نصل إلى تغيير هذه الصورة، وأن ندرك أننا يجب أن نسعى إلى تغيير صورتنا أمام أنفسنا فنعود إلى الإسلام العودة الحقيقية حتى لا يتخذها الآخرون حجة لتشويه صورة الإسلام.

ولا بد أن أضيف بأن للملكة جهوداً مباركة في هذا الصدد بالمراكز الإسلامية التي أسهمت في إنشائها وتمويلها وكراسي الدراسات الإسلامية التي أنشئت في بعض الجامعات الأوروبية والأمريكيـة. وكذلك أكاديميات الملك فهد في كل من لندن وواشنطن وبون .ومعهد العلوم الإسلامية والعربية في الولايات المتحدة الأمريكية. فهذا تقوم بجهود عظيمة في توضيح صورة الإسلام الحقيقية والرد على الشبهات التي يثيرها بعض أعداء الإسلام والمسلمين.

السؤال: بعض الأكاديميين العرب الدارسين في الجامعات الغربية يقلدون النعامة أمام الاستشراق وآثاره فما ذا تقول لهم؟

الجواب :
هذا من الأسئلة التي تحتاج إلى تفسير ولكن انتشرت مقولة بأن الغزو الفكري وهم وليس حقيقة وأن الاستشراق لا تأثير له وأننا نضخم هذه الآثار. وفي محاضرة ألقيتها في النادي الأدبي الثقافي في مكة المكرمة تقدم أحدهم يقول : " أنت يا سيدي المناوئون للاستشراق ما ذا تفعلون من ازدياد حمى البث الفضائي التي تهدد العالم ؟" هل المسألة أننا نناوىء الاستشراق وأنت تحب الاستشراق. إن المسألة أن الأمم مطالبة بالمحافظة على هويتها وذاتيتها وما يفعله الغرب اليوم بالوسائل الفضائية فعله أسلافه من قبل أكثر من ألفي سنة عندما خرج اليونانيون يحاولون أغرقة العالم من حولهم حتى إن فرنسا أخذت ما سمته" الفرنسة" عنهم ، وفعل الإنجليز الشيء ذاته . فهؤلاء الذين لا يرون خطراً في الثقافات التي تحاول السيطرة إنما هم ممن أصابهم الإحباط وفقدوا الاعتزاز بالهوية العربية الإسلامية وبهرتهم المنتوجات الغربية والفلسفة الغربية والأدب الغربي وغير ذلك . ليس ضعف الأمة أو قوتها فيما تملكه من وسائل مادية - وإن كان على المسلمين أن يملكوها ويصنعوها- فالقوة الحقيقية هي في القوة الذاتية في الإبداع والابتكار.

السؤال: يحاول بعض المستشرقين التخلص من صورة الاستشراق القديمة المرتبطة بالاستعمار ومحاولة السيطرة على الشرق، والإيحاء بأن ذلك الدور قد انتهى فما صحة ذلك؟

الجواب:
هذه المحاولة تعود إلى الخمسينيات من هذا القرن واستمرت حتى استطاع الغربيون التخلص من هذه التسمية في المؤتمر الدولي للجمعية الدولية للمستشرقين وصوتوا على عدم استخدام هذا المصطلح. وللغربيين أن يتخذوا من الأسماء ما يناسبهم ولهم مبرراتهم في ذلك التي من بينها ما ارتبط بكلمة استشراق من معاني سلبية . ولكن من قال إن دور الاستشراق قد انتهى فإنه يخالف طبيعة الأشياء :أليس الغرب بحاجة إلى استمرار معرفة الشرق ، ألا تستفيد الحكومات الغربية من الدراسات التي يعدها الباحثون الغربيون بل هم يستفيدون من الدراسات والبحوث التي نعدها نحن عن أنفسنا حتى يعدوا الخطط المناسبة لمواجهة أي تأثير لدراساتنا ؟إن مالك بن نبي رحمه الله تحدث في الصراع الفكري عن بعض وسائل الغرب في هذا الصراع. إنهم يفتعلون بعض المعارك الفكرية أحياناً في الأمة الإسلامية ليشغلونا عن معارك أهم.

السؤال : من معالم الاستشراق الحديث الاستشراق الإقليمي أو التخصصي وهو منهح المدرسة الأمريكية الحديثة فما الفرق بينه وبين الاستشراق التقليدي ؟

الجواب :
بدأت النشاطات الاستشراقية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية حيث تخلت بريطانيا عن نفوذها في المنطقة فوجدت أمريكا أنها بحاجة لمعرفة المنطقة معرفة دقيقة فنشأ فيها ما سمي" الدراسات الإقليمية " أو "دراسة الأقاليم" حيث يتخصص باحث أو أكثر في إقليم معين يعرفون كل ما يحتاجون إليه من معلومات عن ذلك الإقليم . والأمر ليس جديداً كما يظن البعض فإن البريطانيين في دليل الخليج ل "لويمر" تخصصوا في دراسة الخليج العربي فهذا الدليل يضم أربعة عشر مجلداً تناول هذه المنطقة من النواحي الجغرافية والتاريخية والسياسية والاقتصادية والفلوكلور والاجتماع وغير ذلك من الجوانب.

نعم بدأ الأمريكان بالتخصص في الدراسات الإقليمية ولكن بريطانيا أرسلت لجنة عام 1961 برئاسة وليام هايتر لدراسة التجربة الأمريكية في دراسة الأقاليم. والآن أصبح التخصص أدق بكثير من هذه الدراسات ففي جامعة كاليفورنيا في بيركلي يوجد ثمانية عشر قسماً تدرس ما يخص العالم الإسلامي والعربي ويتم التنسيق بينها تحت مظلة مركز دراسات الشرق الأوسط.

أما الاستشراق التقليدي فكان المستشرق يعرف اللغة العربية أو الفارسية أو التركية ثم يدرس الإسلام في جميع التخصصات من فقه وحديث وقرآن ولغة عربية وآدابها وغير ذلك. فهذا الأمر لم يعد منطقياً أمام توسع المعارف والتخصصات والحاجة إلى المعلومات الأكثر دقة عن البلاد الأخرى.

السؤال: هل يمكن القول أن الاستشراق قد انتهت حقبته في ظل الطروحات الفكرية والسياسية الدولية؟

الجواب :
الغرب رفض مصطلح الاستشراق لأسباب خاصة به، فهو لم يعد يرى أن هذا التخصص له أي وجود في عصرنا الحاضر. وقد نادى بذلك أحد المستشرقين الألمان منذ الخمسينيات من هذا القرن ، وتجددت الدعوة إلى نبذ كلمة استشراق في المؤتمر السنوي للجمعية الدولية للاستشراق الذي عقد في باريس عام 1393(1973م) وكان هذا المؤتمر بمناسبة مرور مئة سنة على تأسيس هذه الجمعية. وقرر هذا المؤتمر إلغاء التسمية وكما قال برنارد لويس أن مصطلح الاستشراق قد ألقي في مزابل التاريخ. والسؤال المهم وما هذه الأقسام العلمية تحت مسمى قسم دراسات الشرق الأوسط او مركز دراسات الشرق الأوسط أو مركز الدراسات العربية و الإسلامية في الجامعات الغربية؟والندوات التي تعقدهـا وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كل شهر لدراسة الصحوة الإسلامي أو التيار الإسلامي في العالم . أليست هذه المسميات امتداد للاستشراق ولكن بالأسلوب المناسب في هذا العصر. فقسم دراسات الشرق الأوسط يقوم بالتنسيق بين عشرة إلى عشرين قسماً علمياً يخضع عالمنا العربي الإسلامي للدراسة فيها.ففي جامعة كاليفورنيا فرع بيركلي تتم دراسة العالم الإسلامي في ثمـانية عشر قسماً علميا تبدأ من العمارة فالزراعة فالاقتصاد فالفن والفولكلور والسياسة والاجتماع والأنثروبولوجيا والجيولوجيا وغيرها. أما انتهاء الاستشراق في ظل الطروحات الفكرية والسياسية الدولية فقد ثبت أن الأمم المتحدة التي يراد أن تكون الحكومة العالمية المسيطرة فقد أصبحت تتبنى نشر الطروحات التي كانت تتولاها الدوائر الاستشراقية السابقة دون إنهاء دور مراكز البحوث و الجامعات ومن الأمثلة القريبة على هذا التحول إلى الطروحات الدولية المؤتمرات الثلاثة المتتالية: "مؤتمر السكان والتنمية " في القاهرة و" مؤتمر التنمية الاجتماعية" في كوبنهاجن ،و" المؤتمر العالمي الرابع للمرأة" في بجين بالصين إنما هي أمثلة لنشر هذه الطروحات التي تسعى إلى سيطرة فكر الحضارة الغربية وثقافتها. أضف إلى ذلك رعاية النظام الدولي الجديد للمنحرفين والشاذين من العالم الإسلامي بخاصة من أمثال سلمان رشدي، وتسليمة نسرين، ونصر حامد أبو زيد ، ومحمد سعيد عشماوي وغيرهم من أصحاب الفكر المنحرف. ويمتطي الاستشراق أو الطروحات الاستشراقية متن وسائل الإعلام فالذين يتسنمون منابر العلم والتوجيه في هذه الوسائل يروجون لما يحارب الإسلام في نظامه الاجتماعي ومؤسساته الاجتماعية كالزواج والنظرة إلى المرأة والأسرة ، والعلاقات الاجتماعية .

السؤال: هناك من يحاول التقليل من خطر المستشرقين على الإسلام والمسلمين وينفي وجود علاقة بين حركة الاستشراق والكنيسة وحركة التنصير ، وماذا عن علاقة الاستشراق باليهود؟

الجواب :
إن الذي يقلل من شأن خطر القوى الخارجية إما أن يكون غافلاً عن حقيقتها أو إنه يعرف تكـون القوى ويتواطىء معها ضد الإسلام والمسلمين . ليس هنا أبلغ من قول الله تعالى{ ودوا لـو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} وقوله تعالى :{ ولا يزالون يقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} وقوله تعالى { ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلاّ أنفسهم وما يشعرون}.من الذي يقدم الاستشارات والتخطيط للحكومات الغربية في التعامل مع العـالم الإسلامي؟ من الذي يرشد الغرب إلى ثروات الأمة الإسلامية البشرية والمعدنية والبترولية غير الباحثين الغربيين المتخصصين في الدراسات العربية والإسلامية ؟ من الذي يرشد الحكومات الغربية كيف تتعامل مع الصحوة الإسلامية حتى إن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بدأت ندوة مفتوحة ومستمرة لدراسة هذه الظاهرة التي يزعمون أنها تقلقهم . أما الارتباط بين الاستشراق والتنصير فإن الاستشراق قد نشأ في أحضان الكنيسة فهي التي دعت إلى قيام هذه الدراسات وهيأت لها الإمكانات وما يزال الارتباط موجوداً بين الاستشراق والتنصير في الوقت الحاضر، ولكن الاستشراق لم يعد كله لخدمة التنصير حينما بدأت أوروبا حملات الاحتـلال اتجـه بعض المستشرقين ليكونوا في خدمة هذا السيد الجديد فقدم للاستشراق الدعم وقدم الاستشراق له المعلومات والمعرفة. وارتبط اليهود بالاستشراق فهم يحقدون على الإسلام والمسلمين كما وصفهم ربنا سبحانه وتعـالى {ولتجدن أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا.} وقد وجدوا في حركة الاستشـراق خدمة لأهدافهم فركبوا الموجة متخفين أحياناً وسافرين عن وجوههم أحياناً أخرى.وقد ظهر منهم أكثر المستشرقين تعصباً وحقداً على الإسلام والمسلمين . ومن هؤلاء جولدزيهر ومرجليوت وبرنارد لويس وغيرهم الذين تسنموا مكانة رفيعة في عالم الاستشراق فأصبحت طروحاتهم هي المرجع في كثير من القضايا. ودخل بعضهم الاستشراق دون أن يعرف بأنه يهودي ليكون تأثيره أكبر.

السؤال: هل ثمة علاقة بين الاستشراق والتنصير. وما هي الدول الإسلامية الأكثر استهدفاً ولماذا، وما واجبنا كمسلمين أو دعاة تجاه تلك المراكز؟

الجواب:
نعم توجد علاقة وثيقة بين الاستشراق والتنصير فالاستشراق نفسه نشأ في أحضان الكنيسة للتعرف إلى الإسلام وحقيقته والعمل على صد أتباعها من الدخول فيه أو التعاطف معه أو فهمه الفهم الصحيح. فإن كان قد قام بهذا العمل منصرون فهم مستشرقون على أي حال. ولما ضعفت الكنيسة وظهرت الانفصال بين الكنيسة والحياة في الغرب استقل المستشرقون بعملهم ولكن بقيت نسبة منهم مرتبطة بالكنيسة ومن هؤلاء مستشرقون كبار لم يعرفوا بثيابهم الرهبانية أو الكنسية ولكنهم كذلك.

أما الدول الإسلامية الأكثر استهدفاً للتنصير فنستطيع أن القول إن كل الدول الإسلامية تتساوى في الهجمة التنصيرية ولكن بعضها يتعرض لجهود أكثر كثافة وبخاصة تلك البلاد التي تعاني الفقر والجهل والمرض، ومن تلك المناطق إندونيسيا و أفريقيا وأفغانستان وكوسوفا والبوسنة وغيرها.

أما واجب المسلمين فكما يقال بدلاً من أن تلعن الظلام ألف مرة أشعل شمعة. فعلى المسلمين العمل على نشر الإسلام بكل الوسائل وعندما كان الإسلام قوياً في النفوس وكان المسلم يرى أن من أوجب الواجبات عليه دعوة غير المسلمين انتشر الإسلام في جنوب شرق آسيا عن طريق الدعاة من التجار والدعاة.

السؤال : ما تأثير المستشرقين وأفكارهم في النخبة؟

الجواب:
مسألة الصراع الفكري مسألة قديمة منذ ظهور الإسلام والطروحات التي كان يقدمها اليهود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم من أعمال لتشكيك المجتمع المسـلم قد فضحها القرآن الكريم، ولكن كان تيار الإيمان هو الأقوى فلم تنل هذه الأفكار ما كـانت تطمح إليه. وبعد انقطاع الوحي استمر الصراع الفكري وأخذ أشكالاً كثيرة من الطعن والتشويـه والجريح وسوء الفهم . وانتشر الإسلام وأصبحت دولته هي الدولة العالمية وفي جو الحرية الفكرية التي ضمنتها الدولـة الإسلامية عاد هؤلاء إلى الظهور من جديد أحياناً بشكل سافر وأحياناً عن طريق بعض الذين تظاهروا بالإسلام وأبطنوا الكفر. وتراجعت الدولة الإسلامية وتسلمت أوروبا القيادة فظهر عداء الغرب للإسلام والمسلمين في حركة الاستشراق التي ظاهرها المعرفة وفي باطنها الحرب الشرسة ضد الإسلام . وقد انطلقت البعثـات العلمية من ديار المسلمين للدراسة على أيدي المستشرقين ليس في المجالات العلميـة والتقنية ولكن أخذنا عنهم الدراسات الإسلامية واللغة العربية.وبوجود قوة الاحتلال مُكّن لهؤلاء أن يتبؤوا الصدارة والتوجيه في العالم الإسلامي فتسربت من خلالهم الطروحات الاستشراقية. ولم يكتف الغرب بذلك بل إنه رعى هذه النخب (التسمية خاطئة، فالنخبة هي أفضل ما في المجتمع ويطلق عليها الصفوة ونخبة مجتمعنا هم أصحاب الأيدي المتوضئة والقلوب المؤمنة النيرة) فولاها الأمور و أضفى عليها من الهالة والشهرة ما مكنها من بث سموم الاستشراق . وكان وصول بعض الفئات إلى الحكم عندما انتهى عهد الاحتلال هو ما يسمى سرقة الثورات أو سرقة الجهاد. فعمل هؤلاء كأنهم وكلاء عن الغرب في نشر فكره وثقافته ومحاربة الإسلام . ولقد استمـرت جهـود الاستشراق والاستعمار قرون عديدة فليس من الممكن الحديث عنها في مثل هذه العجالة فيكفي أن أشير إلى كتابي الدكتور محمد محمد حسين (رحمه الله تعالى) (حصوننا مهددة من داخلنا) وكتابه (الإسلام والحضارة الغربية)وغيرهما

السؤال: من أخطر أمراض المجتمع الإسلامي الآن التطبيقات العلمانية المعلنة أو غير المعلنة أو التي تتبنى الفصل بين الإسلام ودنيا الناس .إلى أي مدى كانت هذه التطبيقات أثراً من آثار الرؤية الاستشراقية للإسلام والمسلمين؟

الجواب:
لقد ألقى الأستاذ الشيخ محمد قطب محاضرة قيمّة في جامعة الملك سعود عام 1403 بعنوان ( الاتجاهات الفكرية المعاصرة) وقال فيها بأن أخطر الاتجاهات الفكرية التي وصلت إلينا من الغرب هي العلمانية أو بتعبير أدق اللادينية . ولئن كانت أوروبا تجد المبرر للتحلل من الدين النصراني فهي لم تعرف دين الله عز وجل مطلقاً فما عرفته عن النصرانية هو ما نقله إليها بولس أو شاؤول. ثم تدخلت الحكومة الرومانية في مجمع نيقية عام 325 بفرض عقائد خاصة وحرمت كل ما عداها. وكما ذكرت في جواب سابق بأن الجهود الذي بذلت للترويج للعلمانية كانت من الضخـامة بحيث أن التخلص من آثار فترة الاحتلال أمر صعب جدا، ولكنه ممكن لمن استعان بالله عز وجل. وكما قلت أصبح لدينا بعض التطبيقات المعلنة وغير المعلنة . ومن ذلك في بعض التطبيقات الاجتمـاعية كقول البعض أن الدين في القلوب وكما يردد الأستاذ محمد قطب القول الشائع ( ربّك رب قلوب). أو ترديد القول الشائع ( الدين المعاملة) وهم في هذا القول يريدون التخلص أو التفلت من كثير من التكاليف الشرعية. ومن الممارسات الاجتماعية الخاطئة التي انبثقت عن الرؤى الاستشراقية مسألة الزواج بأكثر من واحدة لقد أصبح من الأمور التي لا يقبل بهـا كثير من الناس حتى النسـاء المتدينات . أليس هذا من آثار الرؤى الاسشراقية؟ ومن التطبيقات العلمانية الفصل بين الدين والسياسة حتى إن حديث العلماء في الشؤون العامة أصبح أمراً مستغرباً في كثير من المجتمعات الإسلامية . وعلينا أن ندرك أننا في الحياة الاقتصادية حينما استحل بعضنا الربا ودافعوا عنه بشتى المسميات ، وكذلك الممارسات التجارية المختلفة فكان المسلم في الماضي قبل أن يلتحق بالسوق يتعلم أحكام البيع والشراء حرصاً على الكسب الحلال والابتعاد عن الحرام ، ولكن كم من الذين يعمـلون في مجال التجارة أو الصناعة من يفهم أحكام الإسلام الشرعية. وكذلك في مجالات الحيـاة المختلفة التي أخذنا بأحكام القوانين الدولية في النقل الجوي وفي النقل البحري وكأن المسلمين ليس لهم وجود.

السؤال: كيف أسهمت كتابات بعض المستشرقين في غرس وتنمية روح التعصب الديني عند النصارى بشكل خاص وفي آثار الأقليات غير المسلمة على المجتمع الإسلامي الذي يعيشون فيه؟

الجواب:
نشأ الاستشراق في بدايته في أحضان الكنيسة التي رأت انتصارات الإسلام في كل مكان فأرادت أن تحتفظ بما تحت يدها من سلطان ونفوذ فما كان منها إلا أن جندت كل قواها لتنفـير النصارى من الإسلام فأنشأت كراس للغة العربية هنا وهناك في أوروبا ، كما كلفت بعض العلماء بترجمة القرآن الكريم . وشجعت على نشر كل ما يسيء إلى الإسلام . وحتى إنها إذا وجدت أحد العلماء يكتب بشيْ من الإنصاف عن الإسلام حرّمت نشر كتبه وحرمت قراءتها. والتعصب بضاعة أوروبية مئة بالمئة وقد تناول هذا الموضوع الدكتور محمد عمارة في كتابه القيم (الغزو الفكري : وهم أم حقيقة) حيث أوضح كيف أن النصرانية انتشرت في دول أوروبـا الشمالية بالقوة العسكرية. ومن أراد مزيداً من الأدلة فليرجع لتاريخ حركة الإصلاح الديني في أوروبا وبخاصة ما سمي عندهم بمحاكم التفتيش . ولاشك أن التعصب هو الذي قادهم إلى قبـول أربعة أناجيـل ورفض الأناجيل الأخرى لأنها لم توافق هوى السلطة وكما قال المستشرق مونتجمري وات إن الإمبراطورية الرومانية رومنت النصرانية بدل أن تتنصر الإمبراطورية الرومانية. وعندما انطلقت أوروبا في حروبها الصليبية اتجهت إلى النصارى في المشرق وتقربت إليهم لجذبهم إليها ليكونوا شوكة في ظهر المسلمين . وقد حققوا بعض النجاح ولكن النجاح الأكبر تحقق على يد الحركة الاستعمارية منذ حملة نابليون على مصر حيت تقرب إلى النصارى واليهود وهذا ما ذكره عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه. ثم جاءت حركة محمد علي في مصر واستقلاله بل منافسته للدولة العثمانية فتدفق نصارى الشام على مصر وأخذوا يكونون لهم نفوذ قوي في وسائل الإعلام من صحافة ومسرح وتأليف ونشر. والاحتلال الأجنبي للمغرب العربي استعان باليهود ففي الجزائر مثلاً منحت الجنسية الفرنسية الكاملة لليهود منذ عام 1870 .ولم يتوان اليهود في استغلال هذا النفوذ الجديد فكانوا في كثير من الأحيان أداة في يد الاستعمار أو أحياناً جعلوا الاستعمار أداة في يدهم. وما زلت أذكر لقاءً مع منى مكرم عبيد في إذاعة لندن وهي تتحدث عن المناهج الدراسية في مصر ووسائل الإعلام التي تعطي الإسلام مساحة كبيرة وكأن هذه المرأة النصرانية تريد من الأغلبية العظمى أن تتنازل عن الاهتمام بدينها لإرضاء هذه الأقلية الصغيرة

السؤال: بشّر بعض المستشرقين بحرب صليبية، كباحث في قضايا الاستشراق كيف ترى هذه التصريحات؟

الجواب:
في الوقت الحاضر وفي أمريكا بالذات يعمل المتخصصون أو الخبرء في مجال الشرق الأوسط مع الإدارة الأمريكية وقد انضمت مجموعة منهم إلى ما يسمى ب (صقور البيت الأبيض) وهم الذين يدعون إلى مواجهة المشكلات التي تزعم أمريكا أنها تواجهها في العالم بالقوة والعنف وعلى رأسهم (برنارد لويس) المستشرق البريطاني الأصل الأمريكي الجنسية. وهناك مستشرقون آخرون من أمثال (دانيال بايبس) وإيمرسون وغيرهم ، فالمسألة ليست مسألة حرب صليبية بقدر ما هي تحقيق أهداف أمريكا في الهيمنة والسيطرة على شعوب العالم. ولاشك أن في الأمر حرب صليبية حيث أن بعض المستشرقين ينتمون إلى اليمين المتطرف المؤمن بالنبوات التوراتية ويعتقدون أنه لا يبد من دعم اليهود ولا بد أن تكون القدس عاصمة اليهود الأبدية، والاستشراق يعمل يبداً بيد والحكومة الأمريكية تدعم هذه الدراسات وتقويها وكذلك بريطانيا. ولقد كونت الحكومة البريطانية لجنة قبل عدة أعوام لهذا الغرض ما زالت تعمل ومن أعضائها على سبيل المثال ( جرجن نيلسون) مدير مركز العلاقات النصرانية الإسلامية بجامعة ببرمنجهام لدراسة احتياجات حكومة بريطانيا من هذه الدراسات. وبشكل عام هناك دعم كبير من الحكومات الغربية للاستشراق.

السؤال : من خلال اطلاعكم الواسع على حركتي الاستشراق الفرنسية والأمريكية ما هي أبرز الفروق إن وجدت بينهما؟

الجواب:
حركة الاستشراق الفرنسية حركة قديمة ارتبطت مدة طويلة بالاستعمار الفرنسي في المغرب العربي وفي أفريقيا اهتمت بدراسة الدول التي كانت تخضع للاحتلال الفرنسي فكان الاهتمام من جميع الجوانب لغوياً وعقدياً وتاريخياً وسياسياً واجتماعياً. وبدأت حركة الاستشراق الفرنسي بإنشاء المعاهد المتخصصة في دراسة مجتمعات العالم الإسلامي منذ القديم.

بينما انطلقت حركة الاستشراق الأمريكي المعاصر بقوة بعد الحرب العالمية الثانية وبنفس مختلف وبروح مختلفة ولكنها في النهاية تصب في الاتجاه نفسه هو التعرف إلى العالم الإسلامي من الداخل والسعي إلى أن يكون لأمريكا اليد الطولى في القرار السياسي والاجتماعي في هذه الدول.

ربما يختلف الاستشراق الفرنسي عن الأمريكي أنه اكتفى في الغالب بالمستشرقين الفرنسيين وبعدد قليل من أبناء المستعمرات السابقات الذين تأثروا بالفكر الغربي وداروا في فلكه ولكن الاستشراق الأمريكي انطلق بعد الحرب العالمية الثانية بانياً وجوده على عدد كبير من المستشرقين الأوروبيين ثم استعان بأعداد من الباحثين العرب والمسلمين الذين سعى إلى أن يحصل من خلالهم على المعلومات عن بلادهم وكذلك حاول التأثير فيهم وتوجيههم الوجهة التي تخدم الفكر الغربي وتسلخهم عن هويتهم الإسلامية.

ولا شك أن الاستشراق الأمريكي مازال الأقوى لقوة الدولة التي ينتمي إليها وأن الإنفاق الأمريكي في هذا المجال فاق الإنفاق الأوروبي كثيراً، دون أن نقلل من شأن استمرارية الاستشراق الأوروبي ونفوذه وقوته.

طبيعة الاستشراق الإنجليزي:


لا يكاد الاستشراق الإنجليزي يختلف كثيراً في بداياته ودوافعه وأهدافه عن مداس الاستشراق الأخرى عدا أن إمبراطورية بريطانيا الاستعمارية كانت أوسع من غيرها من الدول الأوروبية الأخرى مما جعل الاستشراق الإنجليزي أوسع نطاقاً من ناحية عدد المستشرقين واهتماماته.

وفي الوقت الذي أخذت إمبراطورية بريطانيا في الأفول كان من المتوقع أن ينحسر المد الاستشراقي، لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً فقد اتسع نطاق الاستشراق وتعمقت جهود المستشرقين وازداد عدد المؤسسات الجامعية ومراكز البحوث المهتمة بهذه الدراسات. ويمكننا توضيح ذلك بمثال " مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية" التي تأست بناء على توصيات من شخصيات سياسية مهمة مثل اللورد كيرزون الذي طالب في 17سبتمبر 1907 في مجلس اللوردات البريطاني بضرورة استمرار الاهتمام بالشق وتقاليده وعاداته ومشاعره للإبقاء على الامتيازات التي حققتها الإمبراطورية البريطانية.

وقد حدد تقرير لجنة الدراسات الشرقية والسلافية والأوروبية الشرقية والأفريقية(1947&1961م) بعض جوانب الاهتمامات الاستشراقية وذكر منها: الترجمة من اللغات العربية والإسلامية إلى الإنجليزية ، والاهتمام بالتاريخ وذلك لأن الدراسات التاريخية تساعد على فهم الأحداث التي تقع في الدول الأجنبية، ومن ذلك الاهتمام بالعلوم الاجتماعية والتجارة والاهتمام بالمكتبات.

ويمكن أن نحدد طبيعة الاستشراق البريطاني بالصفات الآتي:


1-
الصفة الدينية التنصيرية: وهنا لا يختلف الاستشراق الإنجليزي عن غيره حيث شارك المنصرون في الدراسات الاستشراقية وفي الأعمال التنصيرية، وظهر عدد من المستشرقين ذوي الاهتمامات التنصيرية.

2-
الصفة السياسية الاقتصادية الاستعمارية: كان لازدياد النشاط التجاري وتطور العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول الأوروبية والعالم الإسلامي دوره في ظهور هذه الصفة في الاستشراق الإنجليزي . وقد أدت هذه الصفة إلى ظهور مجموعة من العلماء الذين تظاهروا بالعلمية والموضوعية والتجرد وكانوا أدوات في أيدي حكوماتهم تنفذ بهم أو عن طريقهم أطماعها الاستعمارية التسلطية . وقد ذكر آصف حسين في بحث له بعنوان " أيديولوجية الاستشراق" أن الاستشراق ساعد الإمبريالية في جعل الاحتلال أمراً مشروعاً حيث اشترك بعض المستشرقين اشتراكاً مباشراً في مساعدة الإدارات الاستعمارية.

وثمة صفات مشتركة بين الاستشراق الأمريكي والإنجليزي نذكرها بعد الحديث عن الاستشراق الأمريكي.

طبيعة الاستشراق الأمريكي:


1- الصفة الدينية التنصيرية : ظهرت هذه الصفة في الاستشراق الأمريكي منذ بداياته الأولى حيث كان الاهتمام باللغة العربية طريقاً لفهم العبرية كما شارك الاستشراق الأمريكي في الحملات التنصيرية التي قصدت بلاد الشام وأنشأت فيها معاهد علمية مختلفة ، كما أسس الأمريكيون بعثة تنصيرية في الخليج العربي استمرت من عام 1889إلى 1973ن ومن أبرز المستشرقين المنصرين صموئيل زويمر وكينيث كراج.

2-
الصفة السياسية الاقتصادية: لقد اهتم الاستشراق الأمريكي بالأطماع السياسية الاقتصادية منذ وقت مبكر يرجعه البعض إلى منتصف القرن التاسع عشر ن ولكن اندفاع الاستراق الأمريكي في هذا الاتجاه كان بصورة قوية بعد الحرب العالمية الثانية ،فأنشأت مراكز البحوث للدراسات الاستشراقية بدعم كبير من الحكومة الأمريكية ، ويؤكد هذا اهتمام أقسام دراسات الشرق الأوسط ومراكز البحوث في تحليل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعالم الإسلامي.

3-
التوجه إلى دراسة المناطق أو الدراسات الإقليمية: لقد أسهم الاستشراق الأمريكي في تطوير فرع جديد من الدراسات الاستشراقية أطلق عليه الدراسات الإقليمية أو دراسة المناطق، وتتركز هذه الدراسات حول المشكلات الخاصة النابعة من التغيرات الاجتماعية الحديثة ويشمل هذا تتبع التطور الاقتصادي ، والقيادات والجماهير والسكان والتعليم وعلاقات الجماعات والقوميات…الخ.

4-
الارتباط بالعلوم الاجتماعية : أدخل الاستشراق الأمريكي إلى هذه الدراسات استخدام العلوم الاجتماعية من علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وغيرهما في دراسة الشعوب الإسلامية.

هذا بإيجاز أبرز خصائص الاستشراق الأمريكي والإنجليزي.

الاستشراق اليهودي : برنارد لويس نموذجاً


أدرك المستشرقون اليهود أهمية مراكز البحوث والجامعات الغربية وبخاصة الأمريكية في صناعة القرار السياسي في الغرب فانخرطوا في هذه الدراسات لتحقيق كثير من مآربهم في محاربة العالم الإسلامي. ويقول في ذلك محمد بن عبود :" إن اليهودية هي القوة الثالثة التي تركت أثراً على تطورات الدراسات العربية والإسلامية في الغرب وبخاصة من الناحية المنهجية."

ومن الملاحظ أن كثيراً من المستشرقين اليهود تصعب معرفة هويتهم ذلك أنهم يحاولون إخفاءها ،ويؤيد هذا ما كتبه محمود حمدي زقزوق بأن اليهود عملوا داخل الحركة الاستشراقية دون كشف هويتهم حتى لا يعزلوا أنفسهم وبالتالي يقل تأثيرهم ، ولهذا عملوا على أنهم مستشرقون أوروبيون أو أمريكيون وكسبوا في تحقيق أهدافهم في النيل من الإسلام.

ومن المستشرقين اليهود البارزين في القديم جولدزيهر الذي عدّه المستشرقون مرجعاً أساسياً في العلوم الإسلامية كالحديث والتفسير والفقه. أما في العصر الحاضر فيمكننا أن نسمى آخرين مثل روزنثال الذي اهتم بالدراسات الأندلسية بخاصة والثقافة الإسلامية عموماً وكذلك التاريخ الإسلامي، ومنهم أيضاً سبيسر الذي درّس في جامعة بنسلفانيا وعمل أستاذا للغات السامية كما عمـل مدرياً للمدرسة الأمريكية بالأبحاث المشرقية في بغداد. وعمل أيضاً رئيساً لقسم الرق الأدنى في فرع الأبحاث والتحاليل في مكتب التنظيمات العسكرية ، ومن المستشرقين اليهود تشارز توري وهاري ولفسون الذي اهتم بالفلسفة الإسلامية والكتابات العقدية عند ابن سينا والغزالي وابن رشد.

ويمتاز المستشرقون اليهود بعامة أن منابعهم الفكرية تنطلق أولاً من الثقافة اليهودية ، ويضيف بعضهم - أو أكثرهم- الثقافة الصهيونية.

ويمكننا أن نقدم نموذجاً للمستشرقين اليهود وهو المستشرق برنارد لويس الذي وجه تخصصه في التاريخ الإسلامي لخدمة الدراسات اليهودية والبحث في المسائل التي تخص اليهود في العالم الإسلامي. وأصدر العديد من الدراسات التي ترصد أوضاع اليهود ومنها كتابه اليهود في الإسلام ، الذي حاول فيه أن يجعل لليهود دوراً في بناء الحضارة الإسلامية فضلاً عن خلق دور لهم في بناء الدين الإسلامي نفسه . ومن دراساته كذلك دراسة الوثائق التي تخص الوجود اليهودي في الدولة العثمانية وفي فلسطين بالذات.

ومن منابع فكر المستشرقين اليهود التأثر بالظروف السياسية العالمية فقد تأثر لويس بما شهده من آثار الحرب العالمية الثانية وظهور حركات التحرر في العالم وبخاصة في العالم الإسلامي واستقلال معظم دوله مما جعل المستشرقين وبخاصة اليهود يركزون على دراسة قضايا معينة في فكر الأمة الإسلامية وعقيدتها ودراسة أسباب تحررها والتركيز على دراسة الخلافة :ظهروها وأسباب انهيارها وكذلك دراسة الفكر السياسي في الإسلام.

كما اهتم المستشرقون - وبخاصة لويس- بظهور تركيا الحديثة والحركة العلمانية فيها التي أدت إلى تغريب تركيا. واهتم المستشرقون اليهود بالصحوة الإسلامية ونبهوا إلى ما تصوروه من خطر سيواجه الغرب ، ومن هؤلاء بالإضافة إلى برنارد لويس دانيال بايبس و ناداف سافران الذي خطط لإقامة ندوة عن الحركات الإسلامية في جامعة هارفرد بتمويل مشترك مع المخابرات المركزية الأمريكية لولا أن افتضح أمره قبل انعقاد الندوة بقليل ، ومن هؤلاء المستشرق اليهودي المتخصص في المغرب العربي إيمانيوال سيفان.

وحرص الاستشراق اليهودي على التأثير في الرأي العالم الغربي عن طريق الندوات والمؤتمرات التي يشارك فيها هؤلاء المستشرقون (* )،وكذلك وسائل الإعلام المختلفة من إذاعة وصحافة وتلفاز. فاليهود يملكون عدداً من الدوريات والمجلات ينشرون من خلالها أفكارهم التي تحذر من الإسلام والصحوة الإسلامية.(** )

صنف الاستشراق الانجليزي والفرنسي والايطالي تحت طائلة الاستعمار .. فأين يقع الاستشراق الروسي والألماني؟

السؤال: من الانتقادات التي وجهت لادوارد سعيد تركيزه على تقديم نماذج من الاستشراقين الانجليزي والفرنسي وإغفال الاستشراق الألماني والروسي وغيرهما زاعمين أن هاتين المدرستين تختلفان عن غيرهما، فأين الحقيقة في مثل هذا النقد؟

الجواب:
إن روسيا كانت ذات طبيعة استعمارية إمبريالية سواء في عهدها القيصري أو في عهدها الشيوعي. فالشيوعية كانت تعتقد أن نظامها هو النظام الأمثل الذي يجب أن يسود العالم ، ولذلك سعت بكل ما أوتيت من قوة ومكر أن تنشر هذا النظام . بل إنها ارتكبت مئات المجازر من أجل فرض سيطرتها على البلاد الإسلامية في أواسط آسيا .وعمل مستشرقوها في الوقت نفسه على دراسة الشعوب الإسلامية عقيدة وتاريخا وحضارة من أجل تبرير هذه السيطرة . والمدرسة الشيوعية المادية معروفة تماما في مجال الاستشراق بل ان تأثيرها لم يقتصر على تلاميذ الشيوعية من أبناء العالم العربي الإسلامي بل تأثر عدد من المستشرقين الأوروبيين والأمريكان بالمدرسة الشيوعية ، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر ماكسيم رودنسون و برنارد لويس (بالرغم من زعمه محاربة الشيوعية) .

أما الاستشراق الألماني فهو نبت بيئته الأوروبية ذات الطبيعة الاستعمارية ، وان لم يتحقق لألمانيا أن يكون لها مستعمرات في بلادنا فقد كانت لها أطماع في أفريقيا وكانت تنافس على السلطة في البلاد العربية. والاستشراق الألماني تعود جذوره إلى المذهب البروتستانتي الذي كان مؤسسه مارتن لوثر يعرف الإسلام وهذه المعرفة هي التي دعته ليعترض على استبداد الكنيسة الكاثوليكية . ومع ذلك فلوثر كان حاقدا على الإسلام وبخاصة الدولة العثمانية لأنها كانت الدولة العظمى في أوروبا والعالم . والمستشرقون الألمان كانت لهم جهود واضحة في الدراسات الإسلامية حتى تتلمذ على أيديهم كثير من المستشرقين الأوروبيين ونقلوا تشويههم المتعمد للتاريخ الإسلامي وحضارته ، ومن هؤلاء كارل بروكلمان، وفلهاوزن، وونولدكه، وبيكر وغيرهم .

السؤال: ليس لدينا حتى الآن موسوعة بمستوى دائرة المعارف الإسلامية فلماذا؟

الجواب:
يجب أن لا نتطلع إلى مستوى دائرة المعارف الإسلامية التي كتبها المستشرقون على أنه النموذج الذي يجب أن نحتذيه لما تتضمنه هذه الدائرة من التحريف والتشويه للإسلام عقيدة وشريعة وتاريخا وحضارة.

وعجيب أمر المسلمين ليس لهم دائرة معارف خاصة بهم ذلك أنه لا تكاد توجد ملة أو نحلة أو بلد من البلاد الكبرى الاّ ولها دائرة معارف خاصة بها تشرح معالم تلك الملة أو معارفها المختلفة، والموسوعات كثيرة ومن الأمثلة على ذلك دائرة المعارف البريطانية ودائرة المعارف الأمريكية ودائرة معارف الكاثوليك والبروتستانت وغيرها .

نعم لماذا لا يكون للمسلمين دائرة معارف خاصة بهم تكتب بأقلام إسلامية وبتخطيط إسلامي ؟ لقد عرف المسلمون الأعمال الموسوعية في شتى المعارف والفنون فهذه موسوعات كتب رجال الحديث وهذه معاجم المؤلفين ومعاجم الأدباء وكتب الطبقات ،وهذه وان كانت تتميز بأنها أعمال فردية فقد آن الأوان ليكون عندنا أعمال جماعية.

ولقد نهض وقف الديانة التركي لهذه المهمة فأعد لإصدار دائرة معارف إسلامية وقد صدر منها حتى الآن عدة مجلدات باللغة التركية وينتظر أن تصدر باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية. وقد شارك فيها العديد من العلماء والباحثين من العالم العربي والإسلامي.وقد سبق للأتراك أن ترجموا دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية وأضافوا إليها مما جعلها تظهر كأنها موسوعة أخرى وقد أغاظ هذا العمل بعض المستشرقين.

إن إصدار موسوعة إسلامية يتطلب دعما ماديا ومعنويا وينبغي أن تضطلع بهذه المهمة مؤسسات إسلامية عالمية مثل رابطة العالم الإسلامي أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو المؤسسات العلمية المنبثقة عنهما.

السؤال: أين تقع الأسماء الآتية لمستشرقين داخل خريطة الاستشراق: بروكلمان ، رينان ، جوستاف لوبون ، جولدزيهر؟

الجواب:
جميل أنك سألت عن هؤلاء المستشرقين لأنهم وان كانوا قد هلكوا لكن آثارهم باقية إلى اليوم وغدا لأن المستشرقين المعاصرين أو المتخصصين في العلوم العربية والإسلامية ينطلقون من دراسات هؤلاء احتراما لجهودهم وريادتهم في هذا المجال. وإن كان من الصعب الحديث بإيجاز عن مثل هؤلاء العلماء الذين تركوا أثرا واضحا في الدراسات الاستشراقية فلا بد إذن من الإيجاز.

أولا:
بروكلمان هو صاحب كتاب (تاريخ الأدب العربي) في ستة مجلدات ، وهو كتاب بذل فيه مجهود كبير لحصر ما كتب في مجالات المعرفة المختلفة في اللغة العربية . وقد قدم المؤلف بمقدمة موجزة لكل عصر من العصور أو مجال من المجالات ، وهذه لا تخلو من أخطاء المستشرقين وسلبياتهم غير أنني أترك الحكم عليها لمن درس هذا الكتاب أو تخصص في هذا المجال. ولكن لبروكلمان كتاب ثان هو ( تاريخ الشعوب الإسلامية) ، وقد كان هذا الكتاب موضع دراسة الدكتور عبد الكريم علي باز التي قدمها لجامعة أم القرى بمكة المكرمة حيث أوضح ما فيه من سلبيات وتجن على التاريخ الإسلامي . وقد نشرت تهامة هذا الكتاب ضمن سلسلة رسائل جامعية.وللكتاب ميزة نفتقدها في الكتابات العربية الإسلامية وهو أنه جمع التاريخ الإسلامي بين دفتي كتاب واحد ، وقد قدم الدكتور عمر فروج بعض التعليقات على الكتاب في حواشيه ، ولكنها ليست كافية ، وربما كان ذلك بسبب المساحة المتاحة له.

ثانيا :
أرنست رينان هو عالم فرنسي من الدعاة المتحمسين لنظرية تفوق الأجناس الأوروبية وأن الأجناس الأخرى غير قادرة على استيعاب العلم والمعرفة . وقد انبرى للرد عليه الشيخ محمد عبده وغيره من العلماء المسلمين المعاصرين له. ومع ذلك فأذكر أنني قرأت رأيا جميلا لرينان نقله الأستاذ محمد كرد علي حول اللغة العربية يبدي فيه رينان إعجابه باللغة العربية وجمالها وحيويتها ، وكان هذا في كتاب كرد علي (الإسلام والحضارة العربية)

ثالثا:
جوستاف لوبون عالم فرنسي له كتاب واسع الشهرة هو كتابه ( حضارة العرب) تحدث فيه عن ظهور الإسلام وحالة العرب حينذاك ثم تحدث عن الفتوحات الإسلامية التي يطلق عليها الفتوحات العربية . وقد امتدح لوبون في كتابه هذا الفتوحات الإسلامية وقال إن العالم لم يشهد فاتحا أرحم من العرب . وللأسف أخذ بعض كتابنا هذه المقولة فجعلوا كتاب لوبون مبرأ من كل عيب ، بل أصبح لوبون من المستشرقين المنصفين في نظرهم ، مع أن من أول أخطاء لوبون زعمه أن الدين الإسلامي جاء للعرب وحدهم وان محمدا(صلى الله عليه وسلم) ك::سان نبي القومية العربية بالإضافة إلى بعض الصفات السيئة التي ألصقها بالوحي .وأما الملاحظة الثانية على فكر لوبون أنه ظهر في زمن انتشار نظرية تفوق الأجناس الأوروبية فكان يعتقدها كغيره.

رابعاً:
جولدزيهر هو اجناز جولدزيهر المستشرق اليهودي المجري ، تعمق في دراسة العلوم الإسلامية المختلفة وتتلمذ على بعض مشايخ الأزهر في مصر ، وبلغت سمعته شأوا بعيدا حتى ضمته بعض المجامع اللغوية العربية إلى عضويتها.وهو شيخ المستشرقين كما سمّاه الدكتور مصطفى السباعي( رحمه الله)وقد فند كثيرا من مزاعمه حول السنة النبوية المطهرة في كتابه القيم ( السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) . وبالإضافة إلى دراسة الدكتور السباعي فقد أعدت عدة بحوث تكميلية قيمة في قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة( جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) حول جولدزيهر، وأسأل الله عز وجل أي يقيض من ينشر هذه الدراسات القيمة.

السؤال: ما رأي الدكتور مازن في دراسات نجيب العقيقي للاستشراق؟

الجواب:
الكتاب المشهور للعقيقي هو(المستشرقون) وهو عبارة عن معجم تراجم للمستشرقين بعامة مع مقدمات حول مدارس الاستشراق الجغرافية بالإضافة إلى المدرسة المارونية . وهو كتاب مهم في بابه ولا يكاد مشتغل بالاستشراق يستغني عن الإفادة منه.والمقدمات التي كتبها العقيقي في غالبيتها كتابة وصفية تكاد تخلو من النقد إلا قليلا ، بل إنها تميل إلى الإشادة بالاستشراف وتأكيد أهميته.

أما كتابات العقيقي الأخرى - إن كان له كتابات - فلم أطلع عليها

وهذا السؤال فرصة مناسبة للدعوة لإعداد موسوعة للمستشرقين تكتب بأيد إسلامية تذكر الايجابيات والسلبيات ، ومثل هذا العمل يجب أن يتصدى له فريق من الباحثين والعلماء. وان وسائل البحث الحديثة قد وفرت كثيرا من الجهود حيث تهتم دوائر المعارف المختلفة بالغرب بإعطاء فكرة موجزة عن علماء الغرب فيبقى على الباحث المسلم الاطلاع على كتابات هؤلاء المستشرقين وتقديم حكم مجمل وموجز عن اتجاهاته.

وثمة عمل آخر يشبه عمل العقيقي وهو (موسوعة المستشرقين) ل عبد الرحمن بدوي ، ولا يختلف كثيرا عن العقيق سوى في تقديم تفصيلات عن بعض المستشرقين وهو من مجلد واحد بينما كتاب العقيقي من ثلاثة مجلدات.

السؤال: لماذا تراجعت الدراسات الاستشراقية بعد منتصف هذا القرن؟

الجواب:
لم تتراجع الدراسات الاستشراقية بعد منتصف القرن العشرين والدليل على ذلك وجود عدد كبير من المستشرقين استمروا في نشر إنتاجهم في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ، فمن الأسماء الكبيرة نجد مونتجمري وات وهاملتون جب وبرنارد لويس وجوستاف فون جرونباوم وغيرهم ظلوا يعملون في مجال التعليم الجامعي والإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه والإنتاج العلمي الغزير وتقديم الاستشارات للحكومات الغربية وبخاصة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ، كما ظهرت نشاطاتهم في عشرات الندوات والمؤتمرات التي تعقد في أنحاء العالم.

وثمة دليل آخر على استمرار الاستشراق أن الحكومة البريطانية كونت لجنة حكومية عام 1947 برئاسة سكاربورو لدراسة أوضاع الدراسات الأوروبية الشرقية والسلافية والشرقية والأفريقية ، وقد جاءت توصياتها في حوالي مئتي صفحة دعت فيها إلى دعم هذه الدراسات وتخصيص مبالغ مالية مجزية للجامعات والكليات التي تقدم هذه الدراسات . وفي عام 1961 م. كونت بريطانيا لجنة أخرى برئاسة سير وليام هايتر للقيام بدراسة مماثلة ، وحصلت اللجنة على دعم من مؤسسة روكفللر الأمريكية لزيارة عشر جامعات أمريكية وجامعتين كنديتين للإفادة من الخبرة الأمريكية والكندية في هذا المجال.وطالبت اللجنة باستمرار دعم الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات البريطانية وأوضحت أن الاستقلال الذي حصلت عليه هذه الدول لا يمنع من استمرار وجود المصالح البريطانية في البلاد العربية الإسلامية.

وقد ألفت الحكومة البريطانية لجنة ثالثة عام 1985م برئاسة السير بيتر باركر Sir Peter Parker قدمت تقريرها عام 1986م ويتكون من خمس وثمانين صفحة وبعض الملحقات اقترحت استمرار دعم هذه الدراسات لعدة أسباب منها دعم السياسة الخارجية البريطانية والثاني أن بريطانيا تعتمد على التجارة الخارجية، وأشار التقرير إلى أن انخفاض النفوذ العسكري يعني أهمية الاستمرار في دعم النفوذ السياسي.

وتقوم في هذه الأيام لجنة أخرى يشارك فيها البروفيسور جرجن نيلسون من مركز بيرمنجهام للعلاقات النصرانية الإسلامية بجامعة بيرمنجهام. ولعلها أصدرت تقريرها أو هي على وشك إصداره.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد وجدت نفسها بعد الحرب العالمية الثانية في مركز الزعامة العالمية ولا بد لها من وجود خبراء في شؤون العالم الإسلامي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فأصدرت الحكومة الأمريكية قرارا بدعم الجامعات الأمريكية التي تقدم هذه الدراسات ،ورأت في الوقت نفسه أن تستفيد من خبرة المستشرقين الأوروبيين فقدمت لهم أولا فرصة العمل أساتذة زائرين لفترات محددة ، ثم عرضت على البعض الاستقرار في الولايات المتحدة . ومن الأساتذة الذين انتقلوا مبكرا هاملتون جب الذي أسس مركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة هارفارد في الستينيات من هذا القرن، والأستاذ فون جرونباوم في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس وفليبب حتي في جامعة برنستون ثم برنارد لويس في جامعة برنستون أيضا من عام 1974.

وقد تأسست في الولايات المتحدة العديد من المؤسسات والمراكز العلمية للدراسات والبحوث في قضايا العالم الإسلامي ومن أشهرها رابطة دراسات الشرق الأوسط . وقد أصدرت الملحقية الثقافية بسفارة المملكة دليلا لمراكز البحوث والجامعات الأمريكية التي تقدم برامج للدراسات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية . وليت الملحقيات الثقافية في أوروبا يحذون حذوها في هذا الجهد المبارك. وهكذا فالدراسات العربية الإسلامية أو الاستشراق لم يتراجع بعد منتصف القرن ولكنه أخذ مسارا أكثر تخطيطا وعمقا . ولا بد أن نلاحظ أن الاستشراق قد أفاد كثيرا من الطلاب المبتعثين من أنحاء العالم الإسلامي حيث يقوم هؤلاء الطلاب بدراسة كثيرا من القضايا التي تخص بلادهم فهم أقدر على فهم تلك المشكلات وكذلك الحصول على المعلومات عن بلادهم . وقد يوجه المشرفون الأكاديميون الطلاب لدراسة مشكلات بعينها كما أشار إلى ذلك الدكتور عبد الحميد غراب في كتابه ( رؤية إسلامية للاستشراق)

السؤال: كيف يمكن التصدي للأقلام الغربية التي تحاول تشويه الإسلام ؟

الجواب:
يجب أن ندرك أن هذه الأقلام لن تتوقف ، وأن أعداء الأمة الإسلامية لن يلقوا السلاح ومنه سلاح القلم. والتصدي لهذه الأقلام يكون بعدة أمور:أولاً: رصد ما يكتب عن الإسلام والمسلمين في الغرب والتصدي له بالكتابة لوسائل الإعلام التي تنشر تلك الأفكار. ولا شك أن الضغط المستمر يجعل تلك الوسائل أن للمسلمين قوة لا يستهان بها. وثانياً السعي لتكون لنا وسائل إعلام عالمية قوية هدفها توضيح الصورة عن الإسلام والمسلمين وتحاول أن تصل إلى جميع المستويات.وثالثاً الحضور القوي في المؤتمرات والندوات التي تعقد في الغرب ليصل الصوت الإسلامي القوي.

السؤال: كيف ننمي تيار الاعتدال داخل جموع المستشرقين؟

الجواب:
لننظر فيما فعل المستشرقون والجمعيات الثقافية والفكرية والفنية الغربية بالشاذين وأصحاب الفكر المنحرف من أبناء الأمة الإسلامية من احتفاء بهم ودعوتهم إلى المؤتمرات والندوات وفسح المجال لهم لنشر فكرهم .علينا أن نعرف من مِنَ العلماء الغربيين يتبنى طروحات إيجابية من الإسلام وقضاياه، وينبغي أن ندرك أننا لا نبحث عن دعاية لدى هذا الباحث أو ذلك فما كان الإسلام بحـاجة إلى مثل هذا الأمر ولكن لنرى إنتاجهم الفكري وما قدموه لأبناء جلدتهم فإن كان معتدلاً حقاً ساهمنا في نشره.ولنتعرف على الطرق الخفية التي يمكن دعم هؤلاء دون أن يكون هناك شبهة صلة بيننا وبينهم . ومن المعلوم أن الجامعات الغربية تعتمد إلى حد كبير على دعم محبي العلم وتبرعاتهم فالفرصة مواتية حين ندعم بعض الجامعات الغربية أن يكون لنا شرطاً علمياً أن تستخدم أموالنا في دعم الجانب المعتدل أو الذي لا تكون صاحب موقف عدائي من الإسلام والمسلمين. وكما قامت الكنيسة بتحريم بعض الكتب التي حاولت أن تنصف الإسلام فإن بعض الجهات في الجامعات الغربية قد تحرم الأستاذ المعتدل من منصب يستحقه في الجامعة وتعطي هذا المنصـب لمن يناصب الإسلام العداء .فليكن لنا تأثيرنا في الجامعات الغربية ونحن متهمون باستغلال أموالنا على أي حال فلنستغلها لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب. فغيرنا يعرف كيف يتصرف بأمواله ويضع الأساتذة المؤيدين لفكره وقضاياه.

السؤال: ما رأيك في النقد الإسلامي للاستشراق وتوجهات ذلك النقد؟

الجواب:
النقد الإسلامي للاستشراق بدأ منذ فترة بعيدة وبخاصة في عهد الاحتلال الأجنبي للبلاد العربية الإسلامية وبخاصة بعد ظهور الحركات الإسلامية المعاصرة. فهذه الحركات حينما ظهرت كان هـمهاً مقاومة الاحتلال الأجنبي الذي حاول طمس الهوية العربية الإسلامية وتجهيل الشعوب المحتـلة ونشر الفقر والمرض فيها . بالذي يراجع تلك الصحف منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية يجد نشاطات وافرة في نقد الاستشراق. وأذكر في هذه المناسبة ما كتبته الصحف الجزائرية الإصلاحية في الفترة ما بين الحربين العالميتين حيث كانت ترد على المستشرقين وافتراءاتهم وتعاونهم مع سلطات الاحتلال الأجنبي، ويمكن الرجوع إلى مجلة ( الرسالة ) على سبيل المثال لمعرفة أن نقد الإستشراق بدأ منذ عهد بعيد.

ولا بد أن نذكر الجهود الرائدة للشيخ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى في نقد الاستشراق في كتابه (السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي) الذي اهتم فيه بنقد الكتابات الاستشراقية في مجال الحديث الشريف والفقه. ويذكر للشيخ السباعي ريادته في زيارة معاقل الاستشراق في الجامعات الأوروبية ومناقشة المستشرقين في كتاباتهم حول الإسلام. ولكن خطوات السباعي لم تجد من يواصلها بطريقة منهجية حتى عهد قريب وظهور كتاب مثل الدكتور قاسم السامرائي والدكتور محمود حمدي زقزوق وغيرهما ممن عرف الاستشراق عن قرب وعاش في بلاد الغرب. ويدخل في مجال نقد الاستشراق الرسائل العلمية التي أنجزت في قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة فهذه الرسائل تحتاج إلى الاهتمام بها ونشرها أو نشر المتميز منها، وهي جهود مباركة في نقد الاستشراق

السؤال: كخبير في قضايا الاستشراق كيف ترى إبداعات المستشرقين حتى في الثقافة والحضارة الإسلامية كاكتشافهم ابن الأزرق واكتشافهم للعديد من علماء المسلمين؟

الجواب:
الاستشراق ليس سلباً كله، يجب أن ندرك أن المستشرقين حينما بدأوا في دراسة الحضارة الإسلامية بدأوا بهدف معرفة إنجازات هذه الأمة، حتى يستطيعوا بناء حضارتهم ففي الوقت الذي كان في قرطبة ثلاثمائة حمام عام لم يكن في أوروبا كلها من يغستل في الشهر مرة واحدة. فنحن أيضاً ننبهر بما في أوروبا من شوارع فسيحة ولطيفة وهم أيضاً كانوا منبهرين بما لدينا من رقي حضاري. وهنا لابد من ذكر كتاب الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله (من روائع حضارتنا) حينما يتكلم عن الأندلس ونظافة شوارعها، والمحتسب ودوره في مراقبة الأسواق. ونحو ذلك. فالمستشرقون درسوا الحضارة الإسلامية بهدف معرفة الإنجازات العظيمة التي حققتها هذه الحضارة في الرياضيات والطب والهندسة والفلك وفي غيرها،ولذلك عندما نقول إن المستشرقين بذلوا جهوداً في نفض الغبار عن الكثير من تراثنا فإننا نعني ما نقول وهذا من الإنصاف.

وما كنّا لنعرف الكثير من الكتب التراثية المهمة في التفسير وفي التاريخ إلاّ بتحقيقات المستشرقين ، وعندما تدرس سير المستشرقين تدرك كم كان لديهم من الدأب والصبر والجلد والتحمل والغوص في الكتب، وإنفاق العمر بل إن بعضهم أنفق أمواله من أجل هذا العلم ولم يكن ليخدم إمبراطورية أو حكومة. وإنما كان مترهباً في محراب العلم. وقال عز وجل (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) وأذكر في مجال الإنصاف أن مستشرقة كندية كانت تقدم بحثاً في مؤتمر عالمي في بودابست (المجر) عن فتاوى الونشريسي (العالم الأندلسي) حول المرأة وحقوقها المالية. مما أزعج بعض اليهود الذين كانوا يحضرون المؤتمر، وحاولوا أن ينتقدوها. إلاّ أنها كانت قوية وبينت أن الإسلام أعطى المرأة حقوقاً لم تحصل عليها في الغرب حتى بعد منتصف القرن العشرين.

إذن هناك من بذل جهداً طيباً، وعلّم بعض أبناء المسلمين المنهجية العلمية كما علّمهم الدقة في العم كيف أسهمت كتابات بعض المستشرقين في غرس وتنمية روح التعصب الديني عند النصارى بشكل خاص وفي آثار الأقليات غير المسلمة على المجتمع الإسلامي الذي يعيشون فيه؟

لقد نشأ الاستشراق في بدايته في أحضان الكنيسة التي رأت انتصارات الإسلام في كل مكان فأرادت أن تحتفظ بما تحت يدها من سلطان ونفوذ فما كان منها إلا أن جندت كل قواها لتنفـير النصارى من الإسلام فأنشأت كراس للغة العربية هنا وهناك في أوروبا ، كما كلفت بعض العلماء بترجمة القرآن الكريم . وشجعت على نشر كل ما يسيء إلى الإسلام . وحتى إنها إذا وجدت أحد العلماء يكتب بشيْ من الإنصاف عن الإسلام حرّمت نشر كتبه وحرمت قراءتها.

والتعصب بضاعة أوروبية مئة بالمئة وقد تناول هذا الموضوع الدكتور محمد عمارة في كتابه القيم (الغزو الفكري : وهم أم حقيقة) حيث أوضح كيف أن النصرانية انتشرت في دول أوروبـا الشمالية بالقوة العسكرية. ومن أراد مزيداً من الأدلة فليرجع لتاريخ حركة الإصلاح الديني في أوروبا وبخاصة ما سمي عندهم بمحاكم التفتيش . ولاشك أن التعصب هو الذي قادهم إلى قبـول أربعة أناجيـل ورفض الأناجيل الأخرى لأنها لم توافق هوى السلطة وكما قال المستشرق مونتجمري وات إن الإمبراطورية الرومانية رومنت النصرانية بدل أن تتنصر الإمبراطورية الرومانية.

وعندما انطلقت أوروبا في حروبها الصليبية اتجهت إلى النصارى في المشرق وتقربت إليهم لجذبهم إليها ليكونوا شوكة في ظهر المسلمين . وقد حققوا بعض النجاح ولكن النجاح الأكبر تحقق على يد الحركة الاستعمارية منذ حملة نابليون على مصر حيت تقرب إلى النصارى واليهود وهذا ما ذكره عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه. ثم جاءت حركة محمد علي في مصر واستقلاله بل منافسته للدولة العثمانية فتدفق نصارى الشام على مصر وأخذوا يكونون لهم نفوذ قوي في وسائل الإعلام من صحافة ومسرح وتأليف ونشر.

والاحتلال الأجنبي للمغرب العربي استعان باليهود ففي الجزائر مثلاً منحت الجنسية الفرنسية الكاملة لليهود منذ عام 1870 .ولم يتوان اليهود في استغلال هذا النفوذ الجديد فكانوا في كثير من الأحيان أداة في يد الاستعمار أو أحياناً جعلوا الاستعمار أداة في يدهم.

وما زلت أذكر لقاءً مع منى مكرم عبيد في إذاعة لندن وهي تتحدث عن المناهج الدراسية في مصر ووسائل الإعلام التي تعطي الإسلام مساحة كبيرة وكأن هذه المرأة النصرانية تريد من الأغلبية العظمى أن تتنازل عن الاهتمام بدينها لإرضاء هذه الأقلية الصغيرة .

السؤال : ماذا عن الاستشراق الإنترنتي؟

الجواب:
منذ انطلق الإنترنت قبل أعوام بادر المستشرقون ومراكز الدراسات العربية والإسلامية ومراكز دراسات الشرق الأوسط على الدخول في مجال الإنترنت، وكان هذا بعد عام 1996م حيث انني حضرت مؤتمراً دولياً في ليدن في تلك السنة فكان عدد الذين لديهم عناوين بريد إلكترونية محدود جداً، ولكن من النادر الآن أن تجد من لا يستخدم الإنترنت. أما المواقع الشخصية وتقديم البحوث والمحاضرات والكتابات حول الإسلام والمسلمين فإن المواقع أكثر من أن تحصى. فمنها مواقع المؤسسات والهيئات والجمعيات. وحتى المواقع الشخصية التي تضم معلومات واسعة حول الإسلام والمسلمين تجد دعماً من الجامعات الغربية وفيما يأتي عناوين بعضها:

1-
موقع البروفيسور ألن جودلاس Alan Godlas من جامعة جورجيا وعنوانه في الإنترنت هو http://www.uga.edu/islam و موقع شخصي تبنته الجامعة وانفقت عليه وأعطته رمز الجامعة بإضافة كلمة إسلام. في حين انني أنشأت موقعاً متخصصاً في مجال الاستشراق وهو الموقع الوحيد في ذلك التخصص وحاولت أن أقنع مدير جامعته على مدى ثلاث سنوات بزيارة الموقع وتقديم التوجيهات والدعم، ولكن بدون فائدة حتى كانت آخر رسالة في شهر رمضان قبل عامين فأجابني المدير بالشكر على التهنئة بشهر رمضان ولم يعر أمر الموقع أي اهتمام. فشتان بين جامعة وجامعة ومدير ومدير.

 

د. مازن  مطبقاني
  • الكتب والبحوث
  • المقالات
  • مقالات حول الاستشراق
  • تقارير المؤتمرات
  • دراسات الغرب - الاستغراب
  • للتواصل مع الدكتور
  • الصفحة الرئيسية