اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/mashal/70.htm?print_it=1

لك الله ياقلب

مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي


لك الله ياقلب تٌكلم فتبكي ، وتُجرح فتتألم ، وترى حبيبك مسجى على سرير المرض ولا تملك له شيئاً تواسيه به ! رأيته على سرير المرض فذهبت الأيام تروي لي قصة قلب كبير بالحب .. رأيته مساء البارحة ، وتراءت أمام عيني صور كثيرة تذكرني عطاء الكبار ، ورحلتهم في الأرض ، وعيشهم لدينهم فحسب ! رأيت قلباً يخفق من أثر المرض وما شبعت عيني منه قبل ذلك وهو يخفق بالعمل والتضحية .. رأيت لساناً هادئاً راكداً وقد كان قبل هذه اللحظات داعياً مذكراً في سبيل الله تعالى .. آهـ على كلمة أمل كان يرددها هذا اللسان ! ووضعت يدي على يده أتحسس يداً كانت تصنع المعروف ، ويداً كانت تجدد معاني الإخاء ، ويداً لا تعرف إلا البذل والعطاء .. وأخذت أنظر إلى جسد أقعده المرض وقد كان يجوب لدينه ، ويكتب حظ أمته ويقوم بواجب أهله في كل مكان .
وبقيت أتساءل : ما ذا بقي له في قدر الله تعالى في الأرض ؟! أفي القدر بقية تعيد لنا بسمة أطفأها المرض ، وتعيد لنا قصة حب توارت في رحلة المرض ؟! بقيت لحظات أنظر إليه وتعيدني الذاكرة إلى كل لحظة قضيتها معه ويحكيها الزمان أمام عيني كأنها اللحظة التي أجلس فيها معه .. لك الله ياقلب وأنت ترى حبيبك يلظاه المرض ، ويعوقه عن الحركة ، ويبقيه بمنأى عن أهله ومحبيه ، ويعزله عن واقع العمل ، ويتركه في زاوية من الأرض ما كان ليحبس نفسه فيها وهي معشبة خضراء فكيف بها وهي أرض الأمراض والأدواء ؟!
بقيت أتأمل هذه الصورة التي سجاها المرض وأقعدها عن رحلة العمل ، وهي تستقبلني عام ( 1422هـ ) لتخفّف عني عناء تأسيس جمعية البر باكورة العمل الخيري في حلي وتدفع لي تلك اللحظة ما يعينني على العمل ، ويسليني فيها بالمشاركة ويدعوني فيها لخدمة أهلي ومجتمعي ، ولم تكن تلك اللحظة هي آخر ولحظة وإنما هي بداية اللحظات الممتعة من عمر الإنسان ، وظل جوالي يستقبل في لحظات كثيرة وأزمان متفرقة رسائل يدعوني فيها للتعجيل بأرواق مشاريعنا للجهات الداعمة ، وها هو هذا الجسد المسجى الآن هو الذي كان يرتّب لجمعية زمزم الصحية أن تزور المحافظة تضمّد جراح المرضى، وتعينهم على العيش في أسبوع راحته من عناء العمل وجهده ومشقته .. فلك الله ياقلب على تحمل هذه الذكريات العاطرة من صاحبها وهو أمامك هذه اللحظة لا يعرف أنك واقف ترد بعض جميله ، وتهتف ببعض مشاعره ، وتقرب منه قربك من أغلى حبيب تشم ريحاً عاطرة زكاها العمل وكتبتها التضحية ، وأرساها في قلوبنا الحب والعمل .
أنا هنا أمام من أحب ، أمام من تعلمت منه الصبر والتفاؤل ، والعمل والحب ، والتضحية والمشاركة ، أمام قلب يتنفّس حب إخوانه كما يتنفّس الهواء الطلق ، أمام أبي عبد الرحمن د / علي بن عبد الله الفقيه ، استشاري طب الأسرة ، في مستشفى الحرس الوطني بجدة في مساء الأربعاء 6/3/1432هـ لحظة يغيب فيها عن كل شيء لا يدري بطارق يأتي في ليل ، ولا زائر يدفعه إليه الحب ، وما أنا هنا إلا بعض مشاعر كثيرين وطأة أقدامهم هذا المستشفى لأول مرة ، وآمم كثيرة تلهج كل لحظة بالدعاء لله تعالى أن يبقي لهم الحب والأمل والتفاؤل يستقوا منه بعض معاني الحياة الجميلة . فلك الله ياقلب !


 

مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية