صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حديث معايد

مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد
فهاهو عيد الفطر لبس ثوبه الزاهر هذا المساء ، وخرج في معطفه البهي يقبل الناس في طرقاتهم ، ويهبهم من فرحه وشعوره وسعادته ، رأيته هذا المساء يملأ بيوت الناس ويعيش في قلوبهم ، ويسير معهم في طل طريق ، فيا لله ما أروع هذه اللحظات في حياة إنسان ! وما أجملها في تاريخ مخلوق !

الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد


العيد كلمة جميلة الحروف ، رائعة المعاني ، ذائقة ورائقة في كل شيء ، يكفيها أنها حديث القلب للقلب ، وهتاف المشاعر للمشاعر ، وأرواح تتدفق لعناق من تحب ،هكذا هو العيد في قلب من عاشه كما أريد له . فيا لله ما أعذب هذا الدين ! وما أروع تعاليمه ! وما أجمل ما يكتبه في حياة أهله ومحبيه .

إنني هنا في هذه اللحظة أكتب وقد تزاحمت مشاعر الفرح في قلبي وأقبلت بها أهنأك بعيدك ، وأبارك لك في أيامه ، فعيدكم مبارك ، وكل عام وأنتم بخير ، وزانت أيام الفرح في حياتكم ، ولا حرمكم الله التوفيق :

من حقك أيها الكريم اليوم أن تعيش فرحة العيد بكل معانيها ، وأن تعانق الفرح كأجمل ما يكون ، وأن تجد نفسك اليوم في لحظات العيد أوسع لحظات فرحها وسعادتها في الدنيا كلها .. إن من حق النفس اليوم أن تلبس الجميل وأن تخرج سافرة بالفرح في كل طريق ، وأن تعبر عن هذا الفرح بكل ما تملك ما دام ذلك في دائرة الشرع ، ومساحة الدين . . وحين تخطو بهذه المشاعر وأنت تنوي العبادة لله تعالى تؤجر على كل لحظة ، وتمد في طاعتك في كل طريق .

إن هذه الفرحة دين نتعبد به لله تعالى ، وعبادة نخوض لحظاتها في مثل هذا الفرح الذين يزيّن نفوسنا اليوم .

إن العيد أكبر من همومنا وظروفنا ومشكلاتنا ، وأوسع من طوارق الزمان علينا ، وينبغي علينا أن ندرك أن كل حدث يعارض هذه الفرحة هو من شؤم هذه النفوس ومن طرق الشيطان إليها ، وينبغي ألا نغتال فرحة العيد بهواجس الشيطان ، وذكريات الموتى ، وحوادث الزمان ومصائبه ، وحين يخيم علينا مثل هذا الواقع يتلاشى العيد في قلوبنا ، وتذهب فرحته ، ويذبل معناه ، وتعود أيامنا باردة لا معنى لها ولا حياة فيها .

إن العيد ليس شكلاً وصورة يبدو عارياً من حقيقته ، بل يجب أن يكون كل شيء في الإنسان ، وعلينا أن نستقبل العيد وقد طرحنا كل عوارض الزمان على جنبات الطريق ، ومضينا نهتف بالعيد فحسب ، وعلى نفوسنا اليوم أن تحتمل الفرح لأنه ليس مطلوب النفس ،فقط ، وإنما شريعة أرادها الله تعالى ، وعبادة كما هي سائر العبادات . كما احتملت قبله الحزن .

إن عيدنا الحقيقي ينبغي أن يملأ قلوبنا بالحب ، كما ملأها بالفرح ، وأن يرسم في البيت أولاً مباهج الفرح في كل صوره ، وألا يبقي أولاً في زاوية من زوايا البيت موقفاً من مواقف الخلاف ، وحين يخرج من البيت يخرج وقد تدثّر بلحاف الحب ، وتزيّن بمعانيه الكبار ، وارتفع عن كل خلاف أو نزاع أو شقاق في ساحات الدنيا .. إن العيد لا يكون بهيجاً في قلوبنا حتى يقوى على دفع الخلاف والفراق والنزاع والشقاق بقوة ، وينثر جمعها مهما كان قوياً في ساحات العيد ، ويقبل على أخيه يعانقه ويبكي على لحظات الفراق التي تمت في حياته ، وحين تتحقق هذه الصورة في حياة إنسان يكون العيد بهيجاً كبيراً في حياة صاحبه ، ويثبت الإنسان تلك اللحظة أنه أحق بالعيد من غيره وأسر به من سواه .

إن العيد فرصة لبناء روابط الأسرة والمجتمع ، وإعادة وهج الروح فيهما ، وكل خطوة يخطوها إنسان في سبيل إحياء هذه المعاني هي خطوة كبيرة في رصيد مستقبله وحياته على الأرض ، ولا يكبر الإنسان ، ويرتفع بالقدر الذي يكبر فيه ويرتفع صاحب هم البناء في حياته ومستقبله .

ما أحوجنا إلى إحياء مفهوم التزاور فيما بيننا ، وبعث روح الإخاء في حياتنا من جديد ، إن الخطوة التي يخطوها الإنسان وهو يريد تجديد العهد بأخيه خطوة كبيرة رائعة في حياة إنسان ، يكفيها ما قاله رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك حين قال : \" أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِى قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لاَ غَيْرَ أَنِّى أَحْبَبْتُهُ فِى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ فَإِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ \" ومثل هذا المعنى حري بضرب أكبار إليه .

إن العيد أكبر من أن يحبس في قلب إنسان ، وفي مشاعره ، ولا يمكن أن يحقق معانيه الحقيقية في قلوبنا حتى يهتف بكل سبيل لتحقيق معاني الحب والفرح في حياة كل إنسان .

إن علينا أن ندرك أن ميعاد العيد جاء مقصوداً بعد رمضان حتى يؤكّد لنا أن الفرح الحقيقي هو فرح الطاعة لله تعالى \" قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ \" وأن كل فرح يمارس اليوم باسم العيد يخالف هذه الشريعة أياً كانت صورته وشكله هو فرح مشوه مذموم يخالف مقاصد هذه الشريعة ، ويجانب عبودية الإنسان لربه تعالى .

إن هذه المفاهيم ينبغي أن تتصل بالعيد ، وتتوسّع آثارها في حياتنا ، وإلا صار العيد خالياً من أعظم معانيه ، وأكبر أسباب مشروعيته ، وفي النهاية ينبغي أن يدرك كل إنسان أن هذا الدين أوسع من كل رأي ، وأرحب من كل فكرة ، وفيها للمتأمل المنصف ما يعجز البيان عن وصفه ، وهو دين يتعامل مع الإنسان كإنسان فيكلفه في حين بأن يظمأ ويعطش ويقوم على قدميه لفترات طويلة تحقيقاً لأعظم المفاهيم في الحياة مفهوم التقوى ، ويطوي ذلك في فترة وجيرة ولا يطويها من عمره حتى يضع لها موعداً مع الفرح كبير . هذا هو عيدكم يا أهل الإسلام ، وهذه بعض مقاصده التي جاء لتحقيقها فيما بينكم ، والكبير من سعى جهده في تحقيق هذه المعاني ، وحرص أن يكون مثالاً للعيد ليس في قلبه فحسب ، وإنما في كل صوره وأشكاله .


مشعل عبد العزيز الفلاحي
Mashal001@hotmail.com
مساء الخميس 30/رمضان 14318هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية