صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الشيخ يعيد الكَرّة

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

 
حقيقة إلى الوقت لم أفهم ما يدور في أذهان المتذمرين من الموقف المناهض لحركة التشييع والشيعة ؟!.
فالتشييع غدا ظاهرا كالشمس، والأهداف الشيعية لم تعد خافية إلا على من منع عن نفسه الإدراك، والمكاسب على الأرض والواقع تتوالى، وتضرر السنة على يد هذه الطائفة الاثني عشرية هو من اليقين بمكان؛ في البصرة وبغداد قتلوا وهجروا، واحتلت مساجدهم، إلى الحد الذي اختلفت فيه التركيبة السكانية هنالك، ونواحي السنة في بيروت احتلت من ميليشا حزب الله ومنع الناس من الجمع والمساجد، والدوائر الإيرانية الرسمية أو شبه الرسمية (= وكالة مهر) تتفاخر بالتشييع في بلاد السنة.
كل الدوائر تتحدث بهذه الأحداث؛ الغربية، والعربية، والإيرانية.. أهل سوريا، ومصر، ولبنان، والسودان يتحدثون عن تشيع مجموعات سنية في بلادهم، لقد بلغ الأمر بمطالب للحكومة المصرية بطرد العراقيين الشيعة من مصر، كيلا يقسموا المجتمع إلى سني وشيعي، وهو السني الخالص، لم يكن المطالب إسلاميا، ولا من جماعة إسلامية، بل أحد مسئولي الصحافة المصرية اليومية.
وكالة "مهر" لم تنكر عملية التشييع (انظر: رقم [2،3] من رد الشيخ على الوكالة. ورقم [5] من رده على فضل الله) في نشرتها الخاصة التي تناولت الشيخ القرضاوي بالعمالة للصهيونية والماسونية وشبهته بحاخامات اليهود، فاستباحت منه شيئا لم يتكلف الآية التسخيري- وهو القريب من الشيخ، ونائبه في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ويظهر حرصه الشديد على التقارب - أن يذب عنه، أو يلتمس له عذرا، أو يجلي له بالواضحات القاطعات خطأه، كما الشيخ القرضاوي كان يتلمس للشيعة أعذارا في مواقف كثيرة، لم يفعل ذلك ولا المرجع الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله، بل ساهموا في تأكيد ما صدر عن الوكالة من كلمات لا قيمة لها، في حق من شهد له المسلمون بالصدق والإخلاص للإسلام والأمة، لما اتهموه بتأجيج الفتنة الطائفية، وادعوا عليه دعاوى باطلة، فندها الشيخ بالوثائق والأدلة في رده عليهم. (موقع الإسلام أون لاين 17/9/1429هـ)
الشيخ اليوم يعيد ما صرح به قبل سنتين، مع تأكيد وزيادات، كمثل وصفه الشيعة بأنهم مبتدعون، وأن علماء السنة لم يحصنوا السنة من التشيع، حينها خرج الدكتور العوا زاعما أن الإمام لم يقصد، وأنه في سياق كذا.!!!. قصد إلى تأويل ما لا يتأول، وتغير ما لا يتغير، لكن الشيخ رد عليه بطريقته الخاصة؛ إذ صار يعيد الكرة تلو الأخرى التحذير تأكيدا لما قصد إليه، في رسالة واضحة لأمثال العوا، ألا يمارسوا مع الأحياء، ما يمارسونه مع الأموات في تفسير المقاصد.
الشيخ القرضاوي من أبرز علماء السنة اليوم؛ سنّا، وعلما، وجهدا في الدعوة، والصدع بالحق، وتأثيرا في المسلمين، فهو متجاوز الحدود والقارات، ولم يكن أقرب الناس يتوقع منه هذا الموقف المناهض للتشيع، فهو من دعاة التقارب عمره كله، وقد جلس إلى هذه الطائفة وآياتها.. عرفهم وفحصهم جدا، وزار إيران، وكرموه هنالك، وهو الذي اختار آية الله التسخيري نائبا له في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؛ الذي أنشأه، وهو عماده، بقاؤه ببقائه، لكن الأحداث الأخيرة المتوالية، بدءا باحتلال العراق، أحدثت تغيرا جذريا في نظرته تجاه الشيعة، فالأمور تكشفت له على حقيقتها..؟!!.
لقد هاتفه، وراسله، ولقيه الناس من البصرة وبغداد، وأطلعوه على الجرائم التي وقعت بحقهم، من قتل، وتهجير، وتخويف على أيدي الميليشيات الشيعية (= حزب الدعوة، المجلس الأعلى، جيش المهدي)، ووقف بنفسه على أدلة أكيدة، ثم إن كافة الاتجاهات غير الإسلامية؛ الغربية العلمانية والليبرالية والقومية حتى بعض الفئات الشيعية ( = المؤيد)تحدثت بما حصل وحذرت مما يحدث، صار الخبر متواترا، والضحايا يفدون على إخوانهم المسلمين من كل صوب يحدثون ما يقع عليهم من مجازر.. الصحفيون تحدثوا عن قتل من اسمه عمر أو عائشة..؟!!.

كل هذه الحوادث المؤلمة، مع السكوت المريب للآيات، والمعتدلين، والمتحمسين للتقارب منهم!!.. حركت الشيخ صادقا صادعا بالحق، فهذا وقت الجهر والإعلان، فالسكوت مضر، وضرره أكبر من نفعه، مع تحمل الإثم العظيم بالتكتم على ما حصل مع هوله، وأعظم من التدليس بنفي الذي حصل، ومطارق الوحدة الإسلامية لم تعد تخيف "الفاهم"، فأين هي الوحدة مع قوم:
- فأما التي لها المرجعية والكلمة والسلطة فتعتدي بأبشع العدوان، أو تعين عليه بالسكوت.!!.
- والتي كان يرجى منها النصرة، بدعوتها إلى التقارب والوحدة، أو بما يظهر منها من الاعتدال، إذ بها تلوذ بالصمت، لا بل تنكر ما حصل؟؟!!.
- وإن وجد فيهم من أقر بالحقيقة فندد واستنكر، فموقف يشكر عليه، غير أنه ليس بيده شيء يذكر، يوقف به التجاوزات الخطيرة ؟.
حمل الشيخ هم إخوانه المسلمين، ونادى آيات إيران عبر الجزيرة أن يوقفوا هذه الجرائم، وأنهم قادرون على ذلك، لسيطرتهم التامة على الشارع الشيعي، لكن الآيات لم تسمع، وهي تستمع!!.
ثم طلب إلى الرئيس السابق هاشمي رافسنجاني مناظرة، للنظر في هذه الحوادث، فجرت المناظرة عبر الجزيرة مباشرة، وكلنا سمع ما قاله الشيخ، ومطالبه للمراجع في إيران منع العدوان على السنة، لكن رافسنجاني كان يروغ فلا يجيب، ويتكلم عن الوحدة والاجتماع، بكلام غدا مملا سمجا بعد أن فقد عنصر الصدق والإخلاص والثقة، فلم يعد أحد – يفهم – يقبل هذه الشعارات، التي أسهمت في تقييد السنة، واستغفالهم عن محتمات مصيرية تنتظرهم في نهاية الطريق.
الحاصل: أن المناظرة لم تكشف إلا عن شيء واحد، هو أن الآيات في إيران عازمون على تصدير ثورتهم بكافة الوسائل، وأن دعاوى الوحدة ليس إلا ستارا، وليس يخفى أن المبادئ السامية، دائما ما تستخدم غطاء لمكاسب خاصة، كما استعملت شعارات الثورة الفرنسية: حرية، إخوة، مساواة.
الشيخ لم يحتمل ذلك مضافا إليه، تناول الشيعة للصحابة رضوان الله عليهم بالتكفير والسب والشتم، فلما كان مؤتمر الدوحة الأخير للتقريب، أعلن أمام الجميع، بما فيهم ممثلي الشيعة، أنه من غير المقبول المضي في هذا التقارب بين قوم، بعضهم يعظم عائشة رضي الله عنها تعظيما بالغا مستحقا، وبعضهم يلعنها ويقذفها، فأما آية الله التسخيري وآذرشب وغيرهم، فقد عمدوا إلى ترقيع خرق كبير، وعادوا إلى نغمة الوحدة، وتكذيب ما يقال، وهكذا هم في كل حال، والمؤمن لا يخدع مرتين.

* * *

إذا أضفنا إلى ما سبق من أحداث تولى كبرها طوائف من الشيعة ضد السنة، ما جاء في كتبهم الأصلية كالكافي للكليني، وبحار الأنوار للمجلسي، وكتب المفيد، وما يرد من فتاوى وكتب في موقع السيستاني على الإنترنت، وفيها ما ينقض الوحدة من جذورها، بقولهم بكفر من لم يؤمن بالإمامة ركنا في الدين. والسنة لا يؤمنون، فهم كافرون إذن، وهذه النتيجة صريح فتاواهم، كما هو معلوم.
ثم ما تناقلته كتب التاريخ من مواقف سلبية مخزية ضد السنة، أظهرها خيانة الوزير ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي للخليفة العباسي، وتزيينهما وتسهيلهما لهولاكو احتلال بغداد وقتل الخليفة، وقد كان يهاب ذلك لولا مشورتهما، وقد تسبب ذلك في سقوط الخلافة العباسية سنة 656هـ.
كل هذه مانعة من الثقة بالشيعة، مع اعترافنا بوجود فئات منهم صادقة ناصحة من العلماء، لكن هؤلاء غير مؤثرين في الاتجاه الشيعي، إنما التأثير لأولئك المتطرفين، هم من بيدهم حبال اللعبة وخيوطها، وهم من يوجه دفة العملية، وقد فهم الشيخ القرضاوي هذا، فلم يتوجه بخطابه إلى مثل الخالصي والمؤيد، لكن إلى آيات قم والمراجع المؤثرة.. لكن لا حياة لمن تنادي.
والدعوات التي تنادي بالإعراض عما في التراث، هي حالمة، مستغفلة، فإنه لا توجد أمة تتنكر لما في تراثها، إلا إن أرادت تغيير مسارها، وهدفها جذريا، فالشيعة إن تخلت عن تراثها في الكافي وبحار الأنوار وغيرهما، فذلك معناه: التخلص من التشيع نفسه، بمعناه المعروف اليوم. وهو أمر لا يقوى عليه كثير منهم، خصوصا أصحاب المصالح، ومن هنا فإن نظرية الإعراض عن التراث، إنما طرحت من فئة سنية يحلو لها دراسة المسائل المعقدة بوسائل بدائية، فكانت كالذي إذا تعطلت عربته، عمد إلى خبطها ورفسها، علّها تسير من جديد.
أحسن الوحدة والتقارب هو مع عوام الشيعة المقهورين، المضطهدين تحت مطارق: الوصاية المرجعية، والخمس، والمتعة. والمقيدين بكافة القيود.. هؤلاء أقرب للوحدة مع السنة، أما الآيات فهؤلاء كثيرهم – ولا أقول كلهم - لا يبتغون وحدة، إلا بالقدر الذي يضمن لهم مكاسب جديدة.
نرجو إن يكون هذا التفريق بين فئات الشيعة مفهوما، فما نحن بالذين نكفرهم بالعموم، ولا نكفر الأعيان منهم إلا بأن يواقع كفرا براحا بواحا، وليسوا كلهم يواقعونه.. وإلا بعد إقامة الحجة.
كذلك ما نحن بالذين لا نبتغي التقارب والوحدة، لكن نريدها بأسس صحيحة، صادقة، مخلصة، في وضوح كامل، ليس فيها غبش ولا كذب، ولا إنكار ما هو معروف بالضرورة. والحاصل أن هذه الشروط مفقودة حتى الآن، لم نجد ما يجذب، ولا ما يغري.. وجدنا العكس: مرارة، وألم، ومصائب.
لكن الشيعة أجادوا طرح فكرة الوحدة، في فترة الغزو الأمريكي الصهيوني للمنطقة، فصار الناس بين منطقين، فرضت عليهم فرضا، لم تقبل الجدل، هما: إما أن نكون في وحدة معا؛ السنة والشيعة، وإلا فنحن معرضون للاحتلال جميعا.

وهي نظرية في أصلها صحيحة بشروطها، والوحدة قوة، وإذا تشتت القوة، فالهزيمة لاحقة. لكن.. وكلمة "لكن" الاستثنائية دائما ما تستعمل لتكشف جوانب مغيبة في القضية، والمغيب هنا:
أية وحدة هذه التي توقف الهزيمة ؟.
آلوحدة ظاهرا، وفي الباطن يلعن بعضهم بعضا ؟.
أم الوحدة التي تستفيد منها طائفة، وتخسر بها طائفة ؟.
أم التي تتسلط بها أقلية على أكثرية، تتسلل إلى مواقع النفوذ، لتطوع مصير أمة لأهدافها الخاصة؟

هناك وحدتان:
- حقيقية، لها أسسها، التي توحد ما بين الظاهر والباطن، فلا تكون هناك مواقف معلنة، ومواقف غير معلنة. ويكون عمادها: العدل. فلا يساوى بين قليل وكثير. وأسس أخرى..
- وحدة شعارات، نتيجتها ما حصل في: إيران، والعراق، ولبنان.؟!.
هيمنة شيعية كاملة في إيران، مع إهمال لحقوق السنة، واضطهاد متواصل، لم يكن آخرها الاعتقالات الجارية بسبب احتفال السُّنة بالعيد يوم الثلاثاء لا الخميس، ذلك أن الشيعة دائما ما يحتفلون بأعياد الإسلام بعد السُّنة مخالفين، حتى الأضحى الذي لا يختلف عليه المسلمون، يحتفلون به في الحادي عشر من ذي الحجة، مع التذكير بأنهم يحتفلون في إيران بعيد النوروز المجوسي سبعة أيام كاملة.
وهيمنة شبه كاملة في العراق، ومحاولة في لبنان لاقت نجاحا مؤخرا، بضمان الثلث في مجلس النواب، بعد فرض قسري جبري بالسلاح، واحتلال مواقع السنة في بيروت، وتهديد مباشر بالحرب.
فاسألوا السنة في هذه البلدان – يا أستاذ فهمي والعوا – ماذا يعانون من فئة في هذه الطائفة، هي التي تعولون عليها، لكنها تخذلكم على الدوام؟.
إن أردتم أن تعرضوا عما في التراث، فأعرضوا كيفما شئتم.. لكن كيف يمكنكم الإعراض، وأنتم تتحدثون باسم السنة، عن واقع مرّ مؤلم يحيق بالسنة، ليس في موقع بل مواقع كثيرة، إلا إن كنتم لازلتم تنكرونها.؟!!.
فالدكتور العوا ينكر التشييع في مصر، على قناة الحوار، وفي الأثناء يثبت وجوده على نطاق ضيق.. حسنا، فهذا النطاق الضيق أليس بداية، وهل النار إلا من مستصغر الشرر..؟.
ماذا يريد العوا حتى يفهم ما فهمه شيخه وأستاذه ؟!.. هل يريد للنسبة أن ترتفع حتى تبلغ 20% حتى يدرك الخطر؟، أم يريدها 50% ؟، أم سيقول حينذاك لا بأس من التعبد بالمذهب الجعفري؟.
ألم يستوقفه أن هؤلاء الذين وثق بهم، أنهم لا يقولون – ألبتة - بجواز التعبد بإحدى المذاهب السنية؟.
الحق أقول: إن تقييمي لموقف هؤلاء السنة، مع كل الدلائل الحية والثابتة والواضحة بالعين المجردة، في تحسين الوحدة والتقارب: أنهم إما غائبون عن وعيهم. أو أنهم يتكئون على نظرية خاطئة؛ هي أن الوحدة مطلوبة بأية صورة كانت، ولو كان متناقضة. أو نظرية أخرى خاطئة كذلك؛ هي أن الموقف المناهض للتشيع، والمبين للخلاف سيوقد حربا، وتلك دعوى أطلقها الشيعة وصدقها بعض السنة، وهي كاذبة، فعلى مر التاريخ علماء السنة ينتقدون ويعترضون على الشيعة، حتى هذا العصر تبنى السلفيون نقد الشيعة منذ فترة مبكرة، وحذروا في كتابات وكتب معروفة، لكن لم يحدث قط، أن دعوا إلى حربهم، بل لم تقع حرب جراء ذلك ألبتة.
ثم هؤلاء المؤمنون بهذه النظرية هم أنفسهم في مواطن أخرى، يؤمنون بحرية الرأي واختلافه، ووجوب النقد والاعتراض، لكن بالكلمة والأدب، ثم إذا جاءوا إلى مسألة الشيعة لم يقبلوا إلا رأيهم، فصاروا مستبدين، مانعين للرأي الآخر.. فما نقول في هذا ؟.
في كل حال، ليست الفتنة في النقد، إنما الفتنة في السكوت.. والنقد وبيان صورة الأمر خدمة للحقيقة، وبيان الحقيقة عمل جليل، يؤمن به كل كريم عاقل.. وإذا كانت السكوت طمس للحقيقة وتغييب، فإن تحريفها إضلال وإفساد في الأرض.
فلا بد أن نفك من الأذهان، الربط بين الفتنة والنقد ببيان الحقيقة، فهذه ليست فتنة، إلا في ذهن من استولى عليه الوهم، أو يرفعها شعارا يتكسب بها.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية