صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







عوائق أمام شرعنة الديمقراطية

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

 
- خلاف داخلي.
بين المعتقدين وجوب تطبيق الشريعة: انقسام حول الديمقراطية. لا يحسمه إلا إجابة مبرهنة على سؤال محوري تدور عليه القضية، يقول: هل يمكن التوفيق بين الشريعة والديمقراطية ؟.
الممانعون يقولون: كلا، لا يمكن ذلك، إلا بتعديل جذري في أحدهما.
والمؤيدون يقول: بلى، يمكن ذلك؛ فالديمقراطية: فكرة، وآلية.
الفكرة لا تتوافق مع الشريعة؛ لأنها تقوم على مبدأ: أن مصدر الأحكام هو الشعب. فهذا هو تفسير الديمقراطية (الشعب = demo، سلطة أو حكم = krates)، بينما في الشريعة: الله تعالى هو الذي له الحكم.
أما الآلية، فإنها طريقة تتضمن الخطوات السياسية، لاختيار الممثلين عن الشعب، واختيار الرئيس، من: تصويت، وترشح، وانتخابات، إلى مساءلة ومحاكمة أفراد الحكومة، على رأسهم الرئيس نفسه، وحصر نفوذ الحكومة في السلطة التنفيذية، ومنعها من السلطة التشريعية والقضائية.
فهذه آليات بعضها دل عليها الدليل الشرعي، وبعضها في دائرة الإباحة، وقد ثبت جدواها باعتراف الجميع، فالنتيجة أنها غير مخالفة للشريعة.
وإذا كان كذلك، فنحن نأخذ هذه الآلية، ونجعلها تحت سلطة الشريعة، بدلا من سلطة الشعب.
والحامل على الأخذ بالديمقراطية: محاولة القضاء على التسلط والاستبداد بالحكم، الذي أضر بالفرد والمجتمع في الحقوق والحريات، وجعل منا أمة: متخلفة على الدوام.
وقد جربت أمم – خصوصا في أوربا – الديمقراطية، فهي الآن مثال العدالة، والتطور، والإصلاح.


* * *


- فصل وتبديل غير ممكن.
الممانعون ردوا فقالوا: أما أن الديمقراطية: فكرة، وآلية. فهذا صحيح.
والذي غير صحيح هو: محاولة الفصل بين الفكرة والآلية، ثم إلحاقها بفكرة جديدة.
إلا بشرط البرهنة على إمكانية الفصل والتبديل، والبرهان لا يتم إلا بتخطي ثلاثة معوقات، هي:
أولها: أن المصطلح نفسه يأبى ويرفض هذا الفصل؛ فإنه وضع لكليهما. وهكذا وضعه وفصله الذين ابتدعوه.
فهل يسوغ التصرف فيه بمثل هذا الفصل بين الفكرة والآلية، ثم إلحاق الآلية بفكرة جديدة ؟.
هنا جوابان: يسوغ، أولا يسوغ.
فمن قال: لا يسوغ. فقد أبطل فكرة الفصل والتبديل، وجرى على قانون يحترمه جميع العقلاء: أن الذي له الحق في التبديل هم الذين وضعوا قانونه، وأعطوه اسما.
فإذا جرى تبديله من آخرين، فليس لهم حق في ذلك الاسم الأول إذن؛ لأنه حينئذ يغدو شيئا آخر، غير ما وضع له، فليتخذوا له اسما جديدا، فيكون مصطلحا آخر جديد.
ومن قال: يسوغ. فقد خالف قانونا يتفق عليه العقلاء جميعهم: أن المصطلحات مهما كانت مضامينها، يجب أن تبقى كما هي.
وهذا الذي يسوغ التبديل، هو نفسه الذي لا يسمح لأحد أن يتصرف بمصطلحاته التي يقدسها، فحري به ألا يفعل ذلك مع غيره. حتى لو كان يعتقد أنها مهانة؛ لأنها تخالف الدين.
- فإنها إن كانت مهانة فلم حرص عليها، فأخذ بها ؟!.
- وإن لم تكن مهانة، فعليه أن يحفظ لأصحابها حقهم فيها، فلا يتدخل بتصرف.
وليس على الأرض أمة أولى بحفظ الحقوق والعهود، مثل أمة الإسلام.
ثانيها: أنه جمع بين متناقضين، من حيث الأصل.
فالشريعة: الحكم فيها لله تعالى وحده: {إن الحكم إلا لله}.
والديمقراطية: الحكم فيها للشعب وحده.
ولأنهما متناقضان: اضطر هؤلاء لتعديل فكرة الديمقراطية، وإلى تكلف الأدلة لتسند جميع الآليات شرعا.
وثالثا: ورطة التطبيق؛ فإن محاولة ضبط الديمقراطية بالشريعة: ارتداد عن فكرة الديمقراطية، لن يسمح به الليبراليون، والعلمانيون، والديمقراطيون المخلصون. ولا يمكن تطبيق هذه المحاولة إلا في حالة واحدة هي:
إذا ما خلت الساحة من الليبراليين، والعلمانيين، والديمقراطيين المخلصين.
فهل هذا يمكن حصوله ؟.
وإذا لم يمكن، فهل سيسكت هؤلاء على عملية الفصل والتبديل، وينقادون طائعين لهذه العملية ؟!.
أم هل يمكن نفيهم، ومنعهم من الدخول في العملية الديمقراطية، كيلا لا يزاحموا، ويفسدوا عملية التبديل ؟.
إلى اليوم لم نر تجربة ديمقراطية تحت سقف الشريعة، بل كافة الديمقراطيات تحت سقف علماني..!!.
وإلى اليوم لم نر عملية ديمقراطية لا يشارك المؤمنون بالديمقراطية الحقيقة الأصلية: الحكم للشعب. بل في الغالب هم المصيطرون الغالبون.
وبعد هذا: فالذي يبدو أن من الصعوبة، وربما الاستحالة، تخطي هذه المعوقات الثلاثة ؟!!.
- إلا بقانون يبيح لكل أحد التصرف في المصطلحات التي صنعها آخرون.!!.
- وبقاعدة عقلية جديدة تسمح الجمع بين المتناقضات..!!.
- وبتخلية الساحات من المؤيدين لفكرة الديمقراطية الحقيقية، من ليبراليين وعلمانيين..!!.


* * *


- فقرات لا تقوم إ لا ببرهان ؟!.
إذا سدّ الطريق أمام الحل الديمقراطي: فكيف السبيل إلى التخلص من: الاستبداد، والفساد، والتخلف ؟.
هكذا يقول المؤيدون.. وكأنهم يشيرون إلى أنه لا سبيل إلى حياة عادلة، صالحة، متقدمة إلا بالديمقراطية.
وهذه دعوى ذات فقرات، تحتاج إلى برهان:
فالتخلف، وهو التراجع عن خط الحضارة في العلوم والصناعات: مرتبط في نظرهم بالحكم الفردي.
وهذا الربط لا يثبت إلا بشرط: عدم وجود أمثلة على دول متقدمة، تحت حكم فردي غير ديمقراطي.
فإن وجدت بطل هذا الربط.
وعندما نجول ببصرنا: نجد دولا متقدمة، أو كانت كذلك، تقوم على فكرة الحزب الواحد، والحاكم المطلق. وأبرز مثال على ذلك الآن: الصين. وفي السابق: الاتحاد السوفيتي. وفي الماضي كانت أعظم دولتين في العالم قوة وحضارة، هما الفرس والرومان تحكمان حكما فرديا مطلقا. فبطلت هذه الفقرة من الدعوى.
والفساد؛ أي المالي، والسياسي، والأخلاقي، والثقافي.. إلخ، لا يصح ربطه بالحكم الفردي، وتبرئة الحكم الديمقراطي منه، إلا بشرط كسابقه: عدم وجود أمثلة على دول ذات حكم فردي خلت من الفساد.
فإن وجدت بطل هذا الربط.
وإذا سلمنا أنه من المتعذر، أن نجد صيغة تمثل العدالة الكاملة والخالية من الفساد في هذا العصر، حتى من بين الدول ذات الحكم الديمقراطي: فإنه من المؤكد أن التاريخ الإسلامي، ذات الصيغة الفردية في الحكم، قد ضم هذه الصيغ العادلة في فترات كثيرة:
- بدءا بالخلافة الراشدة، إلى نهاية ولاية معاوية، ثم خلافة عمر بن عبد العزيز، ثم الخليفة العباسي المعتضد.
- ثم السلطان نور الدين زنكي، إلى عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي.
- ثم السلطان محمود سبكتكين، إلى السلطان الغزنوي.
فهذه العهود وغيرها عهود نما فيها الإصلاح، وانتشر العدل. فبطلت هذه الفقرة الثانية من الدعوى.
والاستبداد، ومفهومه: احتكار السلطة، وتوريثه إلى القرابة، وما ينتج عنه من تحكم مطلق في الموارد المالية، وقمع للحريات، والمنع من المشاركة في القرار السياسي.
وهذا أيضا لا يصح ربطه بالحكم الفردي إلا بشرط كسابقه: عدم وجود أمثلة على دول ذات حكم فردي، عملت بالعدالة، في توزيع الثروات، وفتح الحريات دون إضرار بأحد، وأشركت الناس في القرار السياسي.
فإن وجدت بطل هذا الربط.
ولا نظن في أحد منازعة، في أن عهود الخلافة الراشدة مثال بارز على حكم فردي انتفى فيه الاستبداد، بكل صوره، ولو قلبت التاريخ وجدت أمثلة أخرى، متناثرة. فبطلت هذه الفقرة الأخيرة من الدعوى القائلة: إنه لا سبيل للتخلص من: التخلف، الفساد، والاستبداد إلا بالديمقراطية.
قد يكون الحكم الفردي سببا في هذه السلبيات، لكن أن يكون سببا لازما، فهذا باطل بالبراهين المتقدمة. فليس الحكم الفردي لازما لهذه السلبيات، وليست الديمقراطية حلا صالحا على الدوام لمنع هذه السلبيات؟!.
فإن كثيرا من الدول ذات الصيغة الديمقراطية تعاني تخلفا واضحا، ربما كانت أحسن حالا قبلها. فدول أمريكا الجنوبية، وأكثر دول شرق آسيا، وكل الدول العربية والإسلامية لم تتقدم خطوة معتبرة تقارع بها الغرب، مع أخذ كثير منها بالصيغة الديمقراطية منذ نصف قرن وزيادة.
وكذا الحال في مجالات: الإصلاح، والاستبداد. فالدكتاتورية عادت إلى هذه الدول، لكن بوجه ديمقراطي.
حتى الدول الغربية، مصدرة الديمقراطية: تعاني مشاكل كثيرة من وراء الديمقراطية..!!.
هي متقدمة: نعم. وكثير من الناس يعزو تقدمها إلى ديمقراطيتها، وهذا فيه نظر ؟!.
فدراسة فاحصة لهذا التطور الغربي، تبين أنه لولا انعقاد عزم ونية الرؤساء، والنافذين، وأصحاب المال على التقدم، لما حصل ذلك. وهذه نقطة وحدها تحتاج إلى تفصيل وبيان، لعله يتيسر في وقت ما.
نعم الديمقراطية عامل في تقدمها، وهناك عوامل أخرى أكبر وأهم.

ومع تقدم هذه الدول إلا أنها تعاني فسادا، واستبدادا منظما مقننا، ودلائل هذا الفساد ظاهرة، فمنها:
1- مخالفة حكومات هذه الدول لشعوبها، في دخولها حروبا مدمرة، كحرب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية في العراق. فلم تسمع لصوت شعوبها، ورفض الأغلبية، ومضت كما يمضي الدكتاتور.
2- نسب البطالة المرتفعة، والتسريح المستمر لمئات آلاف العمال، من الشركات العالمية الكبرى، دون ضمانات، تحفظ حقوقهم مستقبلا. والأمر سيزداد سوءا، فكل ما يعيشه الغرب من رفاهية لم يكن سببه الديمقراطية وحدها، بل وجود المعسكر الشيوعي، وقد زال.
3- التضليل الإعلامي الكبير في اختيار المرشحين للبرلمان، وللرئاسة، فلا يشترط في الذي يصل إلى هذه المراكز الكفاءة والأمانة، بل الثروة والنفوذ. فهذا شرط الترشح، والحصول على الدعاية الإعلامية المجانية، فالمرشح إما أن يكون ذا مال، أو متكفلا برعاية مصالح أصحاب المال.


* * *


إذا كانت السلطة في الحكم الفردي محتكرة في: أسرة، أو حي، أو قبيلة. فإنها كذلك محتكرة في الديمقراطية، لكن في أقلية ثرية ذات نفوذ مالي. فإما أن تحكم بنفسها، أو بالوكالة عنها؛ ولذا فإن غالب الأحزاب الفائزة بالحكم، لا تمس مصالح هذه الفئة المحظوظة، ولا تطبق عليها القانون، بل يتحايل لأجلها.
وفي أحسن الأحوال: فإن الديمقراطية قد لا تنجح في الحماية من استبداد كهذا دائما؛ لأن آلية الديمقراطية تسمح بمثل هذا التلاعب.
مع ملاحظة أن لكل قاعدة شذوذا، فلا يحتج لإبطال هذا التقرير بالحالات الشاذة، أو القليلة.
وإذا كان ما يؤخذ ويسلب من حقوق الأمة، في النظام الفردي: يأتي عن طريق القوة والعنف. فإن السلب والاستحواذ في النظام الديمقراطي، يأتي من طريق الالتفاف على القانون.
نعم للديمقراطية إيجابيات، لكن له سلبيات، كالحكم الفردي. والمنهج الصحيح في الاختيار ليس القائم على مجرد وجود المنافع في الأمر المختار، فإنه معارض بوجود المفاسد، وما من شيء إلا وفيه منفعة ومضرة.
إنما المنهج: الاختيار القائم على ترجح المصلحة والمنفعة على المفسدة والمضرة، يقول تعالى: {وإثمهما أكبر من نفعهما}؛ أي فلهذا حرم الخمر والميسر، لا لمجرد أن فيهما ضررا، فإن فيهما منافع أيضا.


* * *


- أين الحل ؟.
فما الحل إذن ؟.. هل نبقى على هذا الحال، لا إصلاح، ولا تقدم، ولا عدالة ؟.
الحل يكمن في عدم الحصر في حل واحد.
هل من المعقول أنه لا توجد طريقة للإصلاح إلا الديمقراطية ؟.
ومن المسلم به: أن المسلمين لم يعرفوا هذا النمط من الحكم، وإن ادعاه من ادعاه ؟!!، فالحقيقة أن الديمقراطية كما صيغ في الغرب، لم يطبق في أي حكم إسلامي، منذ الخلافة إلى سقوط الخلافة العثمانية.
وإطباق المسلمين على ترك ذكره، وعدم تعاطيه: دليل عدم وجوده في التراث الشرعي، والنص الإسلامي. فهو مغفل بالكامل، وليس إليه إشارة. وهذا أمر يعرفه من درس القضية بوضوح، بعيدا عن التلفيق.
فإذا كانت النصوص الشرعية لا تحمل هذا الحل، والمسلمون لم يعرفوه طيلة عهود الإسلام، فهذا دليل على أن هناك حلولا أحسن منه، لو كان حسنا، وإلا لما أعرض عنه الشارع فلم يدلنا عليه، مع عظيم فائدته ؟!.
فإن من المقرر شرعا: أن الله تعالى دل المؤمنين على أحسن السبل، وأحسن الطرق للقيام بعمارة الأرض، والحياة فيها، وإقامة الدين. فلم يكن ليترك دلالتهم على النظام الديمقراطي، لو كان نفعه أكبر من إثمه.

إذن الحل ليس في الديمقراطية، هكذا تنطق النصوص، بل فيما شرعه الله تعالى:
- في الدعوة، والبلاغ، والنصيحة، للحاكم، والعالم، والعامي.
- في التربية، والإصلاح، والعون، والصدقة.
- في تعليم الناس أمور دينهم، وإرشادهم في أمور دنياهم.
- في الصبر والتقوى.
- في عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}.
فإن التضحيات حاصلة في كلا الطريقين: الديمقراطي، والإصلاحي بمنظور شرعي. فالديمقراطية لن تأتي على طبق من ذهب، بل تجربة أوربا تبين لنا: أن الشعوب تحتاج إلى مائة عام على الأقل حتى تصل إلى حقوقها، وليست كل الحقوق. فهل نحن بحاجة إلى مائة عام لتربية الناس على الديمقراطية ؟!.
فلتكن تربيتهم على الإسلام، ما دامت الثمرة تحتاج إلى قرن حتى تجتنى إذن، فالمشروع أولى بالبذل !!.
 

* * *
 

إن هذا لا يعني الانعزال، والبعد عن واقع الحياة، وترك الساحة لفئة تتحكم وتفعل ما تشاء..؟!!.
كلا، ليس كذلك، فإن هذا المبحث يختص ببيان الخلاف بين المؤيدين والمعارضين للفكرة الديمقراطية، وما يكون من نقاش بينهم حول قيام نظام ديمقراطي جديد غير مسبوق: هل تؤيد أم تمانع قيامه ؟.
ولا يختص بالموقف من نظام ديمقراطي قائم أصلا، لم يصنعه ولم يشارك في صنعه، لكنه مضطر للدخول فيه، للمزاحمة، وعدم ترك الساحة خالية.. فهذه قضية أخرى، له توجيه آخر، ونظرة أخرى..؟!.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية