صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







عام 2000 (2)
 د209    23/9/1420هـ

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
@khojah10


بسم الله الرحمن الرحيم


تكلمنا عن حقيقة ما يجري في الآيام المقبلة احتفالا بمقدم عام 2000م من قبل اليهود والنصارى، والآن ما موقف المسلم حيال هذه القضية، هل يسوغ له أن يحتفل ويعتني بهذا الحدث أم لا؟، وما موقفنا تجاه أهل الكتاب عموما؟، وهل هناك دين على الأرض سوى الإسلام مقبول عند الله؟، واليهودي والنصراني إذا مات هل يدخل الجنة أم النار؟، هذه أسئلة وهناك أخرى في معناها كلها تحتاج إلى إيضاح، للبس الذي حصل عند كثير من الناس بسبب أو آخر، فنقول:

أولا:  لا يوجد في الأرض دين يرضاه الله سوى الإسلام،
قال تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}، وقال: { ورضيت لكم الإسلام دينا}، وقال: { إن الدين عند الله الإسلام}، فهو دين لكل البشر، وكل دين سواه باطل، سواء كان يهوديا أو نصرانيا، وإذا كان كذلك فمن شهد الشهادتين كان مسلما مآله إلى الجنة، ومن لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله كان كافرا مآله إلى النار، يدخل في ذلك أهل الكتاب وكل من في الأرض من أهل الملل والنحل المختلفة، ولا ينبغي التوقف في تكفير من كفرهم الله تعالى: { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم}، { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون}، وقال عليه الصلاة والسلام: ( والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار)[1]، فبعض الناس تأخذه رحمة وشفقة في غير محلها، والله أرحم بعباده، وهو الذي أخبر بشقاء هؤلاء الكفار، وهو يفعل ما يشاء، فالملك ملكه، والعباد عبيده، وهو أحكم الحاكمين، لا يظلم مثقال ذرة، وسرائر العباد لا يطلع عليها إلا الله تعالى، فلو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم، وأولئك الذين يدافعون عن اليهود والنصارى وعن ملتهم ويظنون أن الله قد ارتضى دينهم كما ارتضى دين الإسلام، يجب عليهم أن يتأملوا في حال اليهود والنصارى، فمحال أن يكون دينهم مرضيا عند الله تعالى، لا في ذاته ولا في أتباعه، فاعتقادات اليهود والنصارى باطلة فاسدة، فهم مشركون يعبدون مع الله إلها آخر، فالنصارى يعبدون عيسى عليه السلام ويسمونه الرب يسوع، واليهود قالوا: عزير ابن الله، ويعبدون أحبارهم بطاعتهم فيما حرم الله، وأهل الكتاب ظلمة فجرة طواغيت، انظروا كيف يعاني العالم من بأسهم وكفرهم وجشعهم، حيث لا دين يردعهم ولا ضمير يكفهم، بل مثل اليهود يتقربون إلى الله تعالى بأذى البشر، ويرونهم عبيدا لهم، ألا يكفي هذا دليلا ليفهم أولئك المغترون بالكفار لأجل بسمة ارتسمت على وجوههم أو أريحية وجدوها منهم؟، فما هذه بأدلة على صلاحهم ورضاء الله عنهم، والذي يدافع عن الكفار ويحسن مذهبهم بمقتضى ما يراه منهم ويعجبه من أخلاقهم إنما يقدم هواه ومصلحته على دين الله، فحيث يسمع تكفير الله لهم يصم آذانه ويفتح عينيه على ما لقي منهم من بشر وسماحة فيجعل ذلك مسوغا لتصحيح دينهم والدفاع عنهم، فمثل هذا أليس يقدم هواه على دين الله؟!، ولو كان من المعظمين لشعائر الله لوقف عند إخبار الله عن أهل الكتاب، وعلم أن الصدق فيما حكاه الله عنهم لا فيما يجده منهم من إحسان ظاهرا يتظاهرون به لحاجة في نفوسهم، { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، ومن لم يكفر الكافرين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر .

ثانيا: لا يجوز للمسلم أن يعتني بالتاريخ الميلادي،
فقد صار التاريخ الهجري شعار للمسلمين، كما أن التاريخ الميلادي شعار للنصارى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من تشبه بقوم فهو منهم)[2]، فالمتشبه بقوم لا شك أنه معجب بمن تشبه بهم، مزدر لما كان عليه، أو على الأقل يرى ما هو عليه ليس بأفضل ولا أحسن مما عليه من تشبه بهم، وهذا لا شك فقدان للتميز وللهوية التي ينتمي إليها، وأصل ذلك فقدانه لحقيقة الانتماء للعقيدة والإسلام، فمن كان ذا إسلام صحيح وعقيدة صحيحة لا يمكن أن يتشبه بقوم كافرين أو مبتدعة فيما هو من خصائصهم في شيء،[3] لأن كل قوم لهم شعار، وكل أهل ملة ودين لهم شعار يختصون به، في الأقوال والأفعال، ناتج عن تدينهم واعتقادهم، فإذا تركوا ذلك وتشبهوا بشعارات قوم آخرين، في أقوالهم وأفعالهم، دل ذلك على عدم اعتدادهم بما هم عليه، وعدم توقيرهم الدين والعقيدة التي ينتسبون إليها، ويدل على محبتهم من يخالفون دينهم وعقيدتهم، وقد قال تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه}، وقال تعالى: { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}، فتشبه إنسان بقوم فيما هو من خصائصهم يدل على ضعف انتمائه إلى عقيدته ودينه، ومحبة الانتماء إلى عقيدة ودين المتشبه بهم، وهذا الفعل يهدم الدين والعقيدة من جذورها، فالاعتماد على التقويم الميلادي والعمل به، وإهمال التقويم الهجري.. هذا العمل وإن كان ليس كفرا في ذاته، إلا أنه يدل على ضعف الانتماء إلى العقيدة والدين، فكل عبادات المسلم مرتبطة بالتقويم الهجري، كالصوم والحج والعيدين، وهو مرتبط بأحداث تاريخية لها مكانة في نفوس المسلمين كهجرة النبي صلى الله عليه وسلم التي بها ابتدأ انتشار الدين، وهو من وضع الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم، وقد كان من الممكن التأريخ بتأريخ الروم أو الفرس، وقد كان موجودا، لكن كرهوا ذلك وأعرضوا عنه[4]، مما يدل على وجوب التميز واختصاص الأمة بشيء يكون شعارا لها دون سائر الأمم، فالتقويم يعبر عن اتجاه وعقيدة الأمة، وقد صار التقويم الهجري من شعارات أهل الإسلام، فلا يجوز بحال الإعراض عن هذا الشعار العظيم، لأنه أصبح علامة مميزة للمسلمين، ومن خصائصهم، كما أن التقويم الميلادي من خصائص النصارى وعلامة مميزة لهم، فترك التقويم الهجري إلى الميلادي تركا مطلقا بحيث لا يستخدم إلا الميلادي يعد تهاونا بشعار من شعارات الإسلام، وإعجابا بدين النصارى، وهذا خطر على عقيدة الأمة المسلمة.

ثالثا: لا يجوز الاحتفال بميلاد المسيح،
والسبب أن هذه الأمة لها عيدان فقط: الأضحى والفطر، وقد شرع لنا أن نحتفل فيهما، وحرم علينا غيرها، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان للناس أعياد يحتفلون بها، كان لليهود عيد، وكذا النصارى والمجوس، فلم يؤثر عنه أنه احتفل بعيد قوم من هؤلاء، بل خص الأمة بهذين اليومين، وأهمل ما عدا ذلك، فدل ذلك على عدم مشروعية موافقة غير المسلمين في أعيادهم، وأن ذلك من التشبه، وعلى هذا كان عمل الصحابة والسلف رحمهم الله تعالى، ولا يقال هنا إن موافقتهم من باب المجاملة لا الاعتقاد، لأن المجاملة في باب العقيدة الديانة لا تجوز أبدا، فلا يجوز للمسلم أن يجامل الهندوس في عبادة البقر، ولا النصارى في عبادة المسيح، ومن فعل ذلك فقد كفر بالله العظيم، نعم لو أن يهوديا أو نصرانيا أقام وليمة ودعا إليها أحد المسلمين فأجاب طمعا في دعوته إلى الإسلام جاز ذلك، لكن هذا ليس كموافقتهم في الاحتفال بالعيد الميلادي، والسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب يهوديا دعاه إلى وليمة طمعا في إسلامه، ولم تكن تلك الدعوة عيدا ولا احتفالا بشعيرة يهودية، وإنما هي وليمة عارضة كما يفعله كل إنسان، فلأجل ذا لبى، وهذا بخلاف الموافقة في الأعياد فهذه شعيرة، وكل أمة لها منسك، ومن مناسك النصارى الاحتفال بعيد ميلاد المسيح، ونحن نعلم أن النصارى قد بدلوا الإنجيل وحرفوا كلام الله وكفروا به، فمناسكهم كلها كفر وبدعة، هذا مع العلم أن عيسى عليه السلام لم يشرع الاحتفال بميلاده أبدا، بل هو مما ابتدعوه وهي بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، فكيف يجوز بعد هذا موافقتهم في الاحتفال بأعياد الميلاد؟..
جاء رجل فقال: يارسول الله! إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟، قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟، قالوا: لا، فقال رسول الله: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولافيما لايملك ابن آدم)[5].فهذا قد نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن التعبد لله تعالى في مكان يتعبد فيه الكفار، فكيف بمن يتعبد بما يتعبد به الكفار، يوافقهم على ذلك ويتشبه بهم، كمن يحتفل بأعيادهم؟، إن ذلك أشنع وأضل.

رابعا: نحن نعتقد اعتقادا جازما أن عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان
لأجل إقامة دين الإسلام ونشره في الأرض، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فلا يقبل من أحد إلا الإسلام، فتهلك جميع الأديان والملل فلا يبقى إلا الإسلام، ولكن لا نعلم متى ينزل، كل الذي نعلمه أنه ينزل بعد خروج الدجال وعلوه في الأرض بالفساد، فينزل ليقتله، قال عليه الصلاة والسلام: ( فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام)[6]، أما ما يزعمه النصارى من كونه يأتي في هذه الألفية فهو ظن وكذب ليس عندهم فيه برهان، وزعمهم أنه يأتي لينصر دين النصارى أيضا كذب وباطل، فإن عيسى عليه السلام نبي من أنبياء الله أرسله الله بالتوحيد وعبادة الله وحده، ومحال أن يأتي ليدعوا الناس إلى عبادته والإشراك بالله تعالى، قال تعالى:{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}، وقال تعالى:{ وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما نفسي ولا أعلم ما نفسك إنك علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد}.

خامسا: علم الساعة غيب عنا
، فلا ندري متى تقوم الساعة، قال تعالى: { يسألونك عن الساعة أيان مرساها، قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون}، وكل الذي ندريه أن الساعة قريبة، لقوله تعالى: { اقتربت الساعة وانشق القمر}، وقوله عليه الصلاة والسلام: (بعثت أنا والساعة كهاتين)[7]، وقرن بين السبابة والوسطى، لكن متى؟، ذلك لا يعلمه إلا الله، فكل محاولة لمعرفة وقت الساعة ضلال وعبث، فقد حاول الناس منذ القديم ادعاء معرفة ذلك وما أصابوا، وقد ألف السيوطي مؤلفا في ذلك وأخطأ فيما ذهب إليه، وعمدته الظن والأحاديث الضعيفة[8].

سادسا: ماذا نعمل؟..

 إن الفتن كثيرة، والآيام القادمة وحسب المؤشرات حبلى بكل مفاجيء، والعالم على شفا خطر في ظل الإندفاع النصراني المحموم تجاه الاحتفال بالألفية، وعلينا أن نقوى ثقتنا بالله تعالى والالتجاء إليه أن يدفع عنا غضبه وسخطه والفتن ما ظهر منها وما بطن، ومن اليوم يجب علينا أن نقلع عن كثير مما كنا نتعمد الوقوع فيها من المعاصي والموبقات، وأن نلتفت إلى ما فيه صلاحنا وصلاح أبنائنا وبيوتنا، فالخطر إذا دهم الأمة لا ينجي منها إلا التقوى والعمل الصالح والحيطة والحذر، والمستهين بمحارم الله المسارع إليها يحاط به ويكون أول ضحية فيها، وما شرع الله هذا الدين والالتزام به إلا لما فيه من النجاة من فتن الدنيا وعذاب الآخرة، وبغيرها يسقط الإنسان في كل فتنة وبلية ترد عليه فيكون خاسرا لدنياه وأخراه، انظروا: كيف يبالغ اليهود والنصارى في الاعتناء بدينهم على الرغم من تحريفه، فنحن المسلمون أولى بالعناية بديننا لأنه الحق، ولأنه صدق، فما أعجب من يترك الحق الذي بين يديه ليتطفل على أنواع  الباطل التي عند الملل الأخرى، وما مثله إلا كمثل من يقدم له أطايب الثمر وموائد البركة، فيتركها ليجتني الفاسد الرديء ويقبل على المزابل والقمامات، {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}..
 

-----------------------------------
[1] - رواه مسلم في الإيمان، باب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته.
[2] - رواه أبو داود من حديث ابن عمر في اللباس، باب: لبس الشهرة.
[3] - انظر: التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي، جميل بن حبيب المطيري، القاعدة الثالثة، ص104.
[4] - انظر: مناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي، الباب الثلاثون: في ذكر ما خص به في ولايته مما لم يسبق إليه، ص60، البداية والنهاية لابن كثير، حوادث سنة 16هـ 7/84.
[5] - سيأتي في باب الذبح لغير الله.
[6] - صحيح أبوداود 3635.
[7] - رواه البخاري.
[8] - أشراط الساعة ليوسف الوابل ص50.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية