اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/khabab/7.htm?print_it=1

الدورات العلمية جامعات مفتوحة وعلم مشاع

خباب بن مروان الحمد


ما أن تُسدل المدارس والجامعات ستارها في آخر يوم من أيَّام الاختبارات، حتى يحدو حادي العلم من جديد، وترتفع في الآفاق دعوات مخلصة... أن هلموا يا طلاب الشريعة ورواد المعرفة؛ لتنهلوا من معينها الصافي وتنالوا الأجر الكبير فـ «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة».

تلك هي هتافات الدورات العلمية المكثفة، التي تقام ـ عادةً ـ في الإجازات الصيفية، في بلاد الحرمين، ويتقاطر عليها طلبة العلم من شتّى البلدان.

وفي محاولة جادة لدراسة هذه الظاهرة الصحية في العمل الدعوي، وتقديمها مثالاً من مثالات اليقظة الإسلامية، واستشعاراً منّا لأهمية هذه الدورات، كان هذا التحقيق، بغية تسليط الضوء على أنشطة هذه الدورات.

وليس من شك بأن الدورات العلمية حالة نهضوية فعالة آتت أكلها، وأينعت ثمارها طيبة زكية... ولكن تبقى في الذاكرة تساؤلات عديدة تطرح نفسها: لماذا هذه الدورات وهل هناك حاجة ماسة إليها؟

ثم أليست هي من قبيل ثقافة السرعة التي تُنسى معلومتها بسرعة؟

وهل كان في هذه الدورات استخدام للتقنية الحديثة لمواكبة العصر؟

وهل أخذت (شقائق الرجال) نصيبهن من هذه الدورات؟

وهل لهذه الدورات أثر ملموس في صقل شخصية طلاب العلم وبنائهم بناءً تربوياً؟

عبر هذه الأسئلة وفي الجعبة الكثير توجهنا لأصحاب الفضيلة العلماء وبقية المشاركين في التحقيق للإجابة عن تلك التساؤلات، وإعطاء الآراء المفيدة حيالها، وأحسب أني قدمت للقراء الكرام وجبةً علميةً مفيدةً، فلنرحل معاً في آفاق هذا الموضوع. واللهَ نسأل للجميع العلم النافع والعمل الصالح.

 المشرفون على الدورات العلمية والمنظمون لدروسها:

ـ الشيخ خالد السبت.
ـ الشيخ خالد الزريقي.
ـ الشيخ فهد الغراب.

 لماذا... وفي الصيف بخاصة؟

في سؤال طرحته على المنظمين: لماذا الدورات العلمية تقام وقت الإجازة الصيفية، مع انشغال الناس في مصالحهم الشخصية ورحلاتهم السياحية، وزيارة أقاربهم في مدنهم وقراهم؟

فأجاب الشيخ السبت قائلاً: لا شك أن الإجازة الصيفية فرصة مواتية للدورات لدى المشايخ والطلاب، مع أننا نقيم دورات خلال الفصلين الدراسيين أيضاً، وفي مشاركة للشيخ فهد الغراب، يقول: لو لم تكن في الإجازة فستكون في وقت انشغال الناس بدراستهم وأعمالهم، والإجازة من اسمها مظنة الفراغ من الأعمال.

 أهداف الدورات... في وقت الإجازة:

يتحدث الشيخ خالد السبت حِيَالَ هذه القضية، حاشداً لها ست نقاط مهمة، منها:

1 ـ أن يتعلم الطالب المنتظم بالدورة ما يجب على كل مسلم أن يعلمه مما تقوم به العبادة ويصح به العمل والاعتقاد.

2 ـ تصحيح المسار في طريقة تلقي العلم، وطلبه على منهج علمي مدروس بعيداً عن الاجتهادات والفوضى العلمية التي بُلِيَ بها كثير من المتعلمين.

3 ـ ربط المبتدئين من طلاب العلم بالأكابر والربانيين من العلماء أهل العمل والاقتداء والتوسط والاعتدال، والاستفادة من علومهم وآدابهم وتجاربهم؛ فالعلم عند السلف: علم، وتربية.

4 ـ تخريج كفاءات من طلاب العلم أخذوا العلم عن أهله وعكفوا على مدارسته ليقوموا بواجب الدعوة والتعليم في المناطق النائية؛ إذ هي أحوج ما تكون لذلك الغيث.

5 ـ حفظ الفرد المسلم والمجتمع من الانحرافات الفكرية في زمن كثرت فيه الفتن والشبهات.

6 ـ هذه الدورات تختصر على الطالب كثيراً من الجهد والوقت الذي يبذل، وتعنى بالتأصيل دون التوسع والتفصيل.

 نعد للدورات من وقت مبكر:

كان هذا جواب الشيخ خالد السبت حين سألته: متى يبدأ الإعداد لهذا الدورات المكثفة، وكيف يكون ذلك؟ فقال: (نحن نعد للدورات من وقت مبكر؛ فلدينا خطة كاملة على مدى سنوات ثلاث للمبتدئين، وسنوات أربع للمتقدمين، ومن الدروس ما أتممنا الاتفاق فيه مع بعض المشايخ على تقديمه منذ السنة الأولى بصورة منتظمة، ومنها ما يبتدئ الإعداد له قبل ستة أشهر).

ويضيف الشيخ فهد الغراب قائلاً: يبدأ الإعداد للدورة القادمة مع نهاية الدورة الحالية؛ وذلك بحصر الاستبانات، واستخلاص نتائجها، ومن ثم ترشح المتون للدورة القادمة من قِبَل اللجنة العلمية بالجامع، ثم تعرض على المشايخ كل حسب تخصصه، للاستئناس بآرائهم.

ما دخل الذهن بسرعة ذهب منه بسرعة:

سألت المعدين لهذه الدورات حول هذا الموضوع، وقلت لهم: ألا ترون أن الدورات المكثفة تهتم بتركيز المعلومات في وقت قصير، وهل تتعارض مع قاعدة (ما دخل في الذهن بسرعة ذهب منه بسرعة)؟

أشار الشيخ فهد الغراب، إلى أن كل منشط من المناشط العلمية والدعوية له مزايا وعيوب، ولكنه حسم ذلك بقوله: وإذا كانت الدورات تعطي المعلومة بسرعة فقد يعتبرها بعضهم ميزة في الواقع الذي نعيشه ونلمسه من فتور الهمم، وكثرة المشاغل، والله المستعان.

ويركز الشيخ خالد الزريقي على قضية هامة بقوله: (إنَّ العجلة في الانتهاء من متن علمي لا يصلح إلاَّ إذا تعاهد الإنسان الرجوع إلى المتن العلمي مرات ومرات بحيث ترسخ المعلومات عند الإنسان وهذا خلاف ما عليه واقع كثير من الناس اليوم بعدم المراجعة والحفظ).

 النساء والدورات العلمية:

قلت للشيخ فهد الغراب: ماذا أعددتم للنساء من الفائدة في هذه الدورات، وهل أخذت شقائق الرجال نصيبهن؟

فأجاب: النساء شقائق الرجال، وقد أُعِدَّ لهن مكان خاص، وتوزع عليهن كتب الدورة، ويحضرن ويحصلن الفوائد من المشايخ ويسألن عمَّا يُشكل عليهن.

ولكن لماذا لا تنسق دورات خاصة بالنساء تشرح لهنّ المسائل العلمية التي تخصهن مع التأصيل العلمي؟ فأجاب الشيخ خالد الزريقي حيال هذا الموضوع: أقترح أن يتبنى أحد المساجد خلال الصيف دورة خاصة بالنساء يتم الترتيب لها مع طالبات العلم المتمكنات في العلم الشرعي، ونأمل أن يتيسر ذلك إن شاء الله.

 الفروق الفردية بين طلاب العلم:

تباينت وجهات النظر حول هذه القضية من قِبَل المشرفين على رأيين:

الشيخ فهد الغراب يقول: الدورات لا تراعي ذلك، لكنها تبث جدولاً معلناً، وكل يحضر ما يناسبه من الدروس، وليس من الضروري بأن يحضر الطالب جميع الدروس.

إلا أن الشيخ خالد الزريقي يرى خلاف ذلك قائلاً: نعم الدورة تراعي الفروق الفردية لدى طلبة العلم؛ فهناك درس يناسب الطالب المبتدئ، وهناك درس يناسب الطالب المتوسط؛ فتختلف طبيعة كل دورة عن الدورة الأخرى.

 المتون المشروحة والمختارة للدورات:

يذكر المشرفون عدة متون علمية مشروحة في الدورات التي أقيمت في مساجدهم، فيقول الشيخ خالد السبت: شُرحت خلال الدورة في مسجدنا بالدمام عدة متون كان منها: أبواب من صحيح البخاري، الأصول الثلاثة، القواعد الأربع، كشف الشبهات، الرسالة المفيدة، كتاب التوحيد، الواسطية، الحموية، الوصية الكبرى لابن تيمية، الطحاوية، الاعتصام للشاطبي، مقاصد الشريعة من كتاب الموافقات للشاطبي، متن الورقات في أصول الفقه، تفسير جزئي عم وتبارك، البيقونية في المصطلح، نخبة الفكر، قطر الندى، تحفة الأخيار في الأذكار، طرق التخريج، الآجرومية في النحو، وغير ذلك...

وتحدث الشيخ خالد الزريقي عن المتون التي شرحت في مسجد (الإمام علي بن المديني) بالرياض بقوله: من المتون التي سبق تدريسها لطلبة العلم: نواقض الإسلام، العقيدة الطحاوية، المحرر في الحديث لابن عبد الهادي، الإيمان الأوسط لابن تيمية، وغيرها من المتون والمقررات العلمية.

ويشير الشيخ فهد الغراب إلى أن المتون التي شرحت في جامع (شيخ الإسلام ابن تيمية) بالرياض الذي تقام فيه هذه الدورات تقارب خمسين متناً في العقيدة والتفسير والحديث والفقه وعلوم القرآن واللغة والتاريخ والسيرة والآداب والسلوك والرقائق، وأضاف الشيخ فهد: وبقي من الدورة السابقة متنان هما: التسهيل في الفقه للبعلي، وبلوغ المرام لابن حجر العسقلاني، وذلك لطولهما، وقد قُسِّمَتْ هذه المتون على أكثر من دورة. ويضيف مبشراً للطلبة بأن هذين المتنين سيُنتهى منهما في العام القادم إن شاء الله.

 الدورات العلمية.. والتقنية الحديثة:

يتحدث الشيخ فهد الغراب بأنه تمت الاستفادة من التقنية الحديثة، وذلك بنقل الشروح على الهواء مباشرة عبر موقع الجامع على الشبكة العالمية، وأضاف قائلاً: ونتلقى خلاله الأسئلة الفورية، كما يتلقى الطالب الإجابة الفورية من الشيخ عبر موقعنا كذلك (WWW. taimiah.org). ويقول مواصلاً حديثه: وقد نقلت هذه الدورة إلى سجن الملز وسجن الحاير وسجن النساء بالتعاون مع الإدارة العامة للسجون.

مناشط علمية مواكبة لهذه الدورات:

ذكر الشيخ خالد السبت أن هناك برامج مصاحبة من مسابقات، ومحاضرات، ونحو ذلك يقدمها مشايخ الدورة، ويؤكد على ذلك الشيخ فهد الغراب قائلاً: كما توزع جميع المتون التي ستشرح على الطلاب مجاناً بعد إعدادها من قِبَل اللجنة العلمية بالجامع، وطباعتها بطريقة تمكن الطالب من التعليق على الكتاب نفسه، ويواصل قوله: حيث يطبع المتن في الأسطر الخمسة الأولى من كل صفحة وتترك المساحة الباقية مسطرة لتعليق الطالب عليها، كما يجري اختبار اختياري للطلاب بعد نهاية كل متن، تمنح من خلاله شهادة مصدقة من فرع وزارة الشؤون الإسلامية، ومن الشيخ الشارح للمتن.

ويتفق الشيخ خالد الزريقي مع الكلام المذكور آنفاً، ويضيف أنَّ من الأنشطة المصاحبة لهذه الدورات: إقامة بعض المسابقات في حفظ المتون العلمية الخاصة بالدورة، وتلخيص بعض دروس المشايخ وإنزالها عبر شبكة المعلومات (الإنترنت) يومياً.

مظاهر إيجابية بأعين المشرفين:

يعرض الشيخ خالد الزريقي شيئاً من الإيجابيات التي لمسها في هذه الدورات ويرتبها على نقاط ثلاث وهي:
1 ـ اعتكاف كثير من الشباب في المسجد للاستفادة من الدورة إحياءً لهذه السنة.
2 ـ الرحلة في طلب العلم من قِبَل الطلاب الذين يأتون للدورة سواء من دول الخليج أو من لبنان ومصر والسودان وغيرها.
3 ـ بعض الطلاب لم يتخلفوا عن حضور ومتابعة الدورات من الدورة الأولى حتى الدورة التاسعة.

ويضيف الشيخ فهد الغراب على ذلك:
1 ـ الحرص على التلقي من العلماء وأهل الفضل.
2 ـ السمت الحسن الظاهر على الكثير منهم.
3 ـ الحرص على أداء السنن، والعناية بالدليل.
4 ـ التعاون على البر والتقوى.
5 ـ التعارف والألفة والمحبة.

هل ثمة تنسيق في الدورات بين المشرفين عليها؟

سألت الشيخ فهد الغراب عن ذلك، فكان الرد: التنسيق بين مشرفي الدورات مفقود، وهذا يسبب تفويت الكثير على طالب العلم، خصوصاً إذا توافقت دورتان في وقت واحد، وقد طالبنا بالتنسيق في ذلك كثيراً، لكن بعض الإخوة يتعذر بكبر مساحة الرياض واستيعابها للعديد من الدورات.

وننتقل للشيخ خالد الزريقي حيث يعرض وجهة نظره بقوله: التنسيق لا بد منه بين مشرفي الدورات.. لكن لا يخفى على كلِّ إنسان أن المدن تختلف عن القرى من حيث المسافة، وأضاف: فمثلاً مدينة الرياض، لو أقيمت فيها أربع دورات متزامنة في وقت واحد ولكنها متباعدة في المسافة لكان في ذلك خير كبير.

وفي الموضوع ذاته يتحدث الشيخ خالد الزريقي عن أهمية التنظيم في تلك الدورات، فيقول: هناك ظاهرة تقارب الدورات في وقت واحد، بل تجدها في منطقة واحدة لا تبعد عن الأخرى إلا مسافة يسيرة، وهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر وترتيب من قِبَل القائمين عليها. ويواصل حديثه بقوله: والذي يدفع الإخوة لإقامتها في مثل هذه الصورة الرغبة في الخير ـ نسأل الله للجميع التوفيق ـ لكن لو حصل تنظيم وترتيب لخرج هذا الخير في ثوب مناسب يلبسه جميع الناس.

 بشارات من قلب الدورات:

تحدث الشيخ الزريقي عن أمور مفرحة، وبشائر مُرْضِيَة، حصلت في الدورة التي يشرف عليها في مسجد علي بن المديني بمدينة الرياض، فقال: من ضمن النتائج المباركة في الدورة المقامة في مسجد (علي بن المديني) على سبيل المثال:

1 ـ خلال الدورة العلمية الخامسة وأثناء درس سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ وكان الدرس بعد صلاة المغرب ـ تأثر اثنان من الجنسية الفلبينية وكانا نصرانيين ـ وكانت خدمتهما في الإعاشة اليومية للدورة، وقد تفاجؤوا بالعدد الكبير من الحضور لدى طلبة العلم واهتمامهم بتحصيله، وكأنهما يفتشان عن شيء مفقود، فطلبا من أحد الإخوة أن يخبرهما عن الإسلام فأخبرهما بأسلوب مناسب فطلبا أن يسلما، ويواصل الشيخ الزريقي حديثه بقوله: فأبلغنا الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ بوضعهما فلما انتهينا من صلاة العشاء أدخلناهم إلى المسجد فأسلما على يد الشيخ ابن عثيمين ـ رحمــه اللــه ـ فسمى أحدهما عبــد الله، والآخــر عبد الرحمن، وذلك بفضل الله وتوفيقه، ويضيف الشيخ الزريقي:

2 ـ ومن ضمن نتائج الدورة العلمية السادسة توبة أحد المطربين وذلك باستماعه للدروس العلمية عبر شبكة (الإنترنت)، وقد أرسل إلى فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي ـ حفظه الله ـ رسالة طويلة يطلب فيها من الشيخ الدعاء له بالثبات على طريق الخير والصلاح، وقد حضر بنفسه الدورة ليستمع إلى تأمين الحاضرين له ـ وذلك بدعاء الشيخ ـ جزاه الله خيراً.

العلماء والمشايخ المشاركون في التحقيق.

1 ـ فضيلة الشيخ: عبد العزيز الراجحي.
2 ـ فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم الخضير.
3 ـ فضيلة الشيخ: عبد المحسن الزامل.
4 ـ فضيلة الشيخ الدكتور: خالد المشيقح.
5 ـ فضيلة الشيخ الدكتور: يوسف الغفيص.
6 ـ فضيلة الشيخ: خالد المصلح.
7 ـ فضيلة الشيخ الدكتور: محمد العريفي.
8 ـ فضيلة الشيخ خالد السبت.

 
السبب الداعي لمشاركة أهل العلم في هذه الدورات، و (أساس النهضة):

في البداية ذكر الشيخ د. عبد الكريم الخضير أنَّ السبب الداعي لهذا: نشر العلم الشرعي الذي جاءت النصوص بمدحه ومدح من اتصف به وسلك السبيل لتحصيله.

ويضيف الشيخ د. خالد المشيقح ذاكراً سببين يدعوانه للمشاركة في الدورات العلمية بقوله:

أولاً: تعبداً لله ـ تعالى ـ لأن العلم من أفضل القربات وأجل العبادات، وقد ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن العلم أفضل العبادات.

ثانياً: امتثالاً لقوله ـ تعالى ـ: {وَإذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] ولقوله -صلى الله عليه وسلم - : «بلغوا عني ولو آية» ونبَّه الشيخ خالد السبت أن من الأسباب الداعية لذلك: الرغبة في انتشار العلم في الأمة؛ لأنّ ذلك أساس في نهوضها. ومن جهته يقول الشيخ د. محمد العريفي: طلب العلم له أساليب متعددة قد كان يسلكها طلبة العلم منذ القدم، وكان طلاب الحديث يلازمون الشيخ عدة سنوات أو أشهراً، ونستطيع القول بلسان عصرنا بأنه ذهب ليحضر دورة علمية مكثفة.

وأضاف الشيخ محمد العريفي: وحينما تطورت الأمور وأصبحت الأشغال تتجاذب الناس من كل ناحية، وبدا الانشغال يظهر على طلبة العلم وبعض المشايخ؛ صارت الحاجة ماسة لهذه الدورات العلمية حتى يركز الشيخ فيها دروسه، ويفرغ نفسه تفريغاً تاماً لها، وليتفرغ لها طالب العلم خلال المدة التي ستقام فيها الدورة.

وقد ألمح الشيخ خالد السبت إلى أن هذه الدورات سبب مبارك لإيصال العلوم النافعة لمناطق وجهات كثيرة ليس فيها حِلَقٌ علمية ومجالس ذكر.

وأكد الشيخ المصلح على أنها فرصة للالتقاء بأهل العلم الأفاضل في جهاتهم، وأضاف: وكذلك القرب من طلبة العلم والمحبين له في بلدانهم، وتلمس حاجاتهم، والجواب على إشكالاتهم.

حاجة ماسة ... وضرورة ملحة:

ولكن هل هناك بالفعل حاجة ماسَّة لإقامة هذه الدورات، وتفعيلها؟

عَبْرَ هذا السؤال توجهت للشيخ عبد العزيز الراجحي، فأكَّدَ قائلاً: نعم نرى الحاجة ماسة لهذه الدورات التي تؤدي أدواراً ملموسة في ذلك، ووافقه الشيخ الخضير ونبَّه إلى الضرورة الملحة في إقامة هذه الدورات بقوله: ليتمكن الطالب وهو في بلده من تحصيل العلم وتأصيله لا سيما في البلدان التي يقلُّ فيها أهل العلم المتفرغون له.

ويتطرق الشيخ عبد المحسن الزامل إلى توضيح مسألة مهمة في ذلك فيقول: هذه الدورات تحقق بعض الشيء ولكنها لا تحقق المقصود التام لطالب العلم، ويُعلِّلُ ذلك فضيلته بأن طالب العلم الذي يقتصر على هذه الدورات ولا يعتمد إلا عليها؛ في الغالب تقصر فائدته، إلا أنَّه بَيَّنَ أنَّ الحاجة لهذه الدورات: من باب تلمَّس الطريق، ولأجل أن توضع قدم طالب العلم على طريق العلم؛ فالعلم متواصل معه في جميع أيام السنة؛ فيستغل طالب العلم فرصة الفراغ في الإجازة بالحضور لهذه الدورات، وتكون معينة في التواصل مع العلماء المشاركين في هذه الدورات.

أما الشيخ يوسف الغفيص فيتحدث قائلاً: هناك ثقة في كون هذه الدورات العلمية تؤدي دوراً هاماً في نشر علوم الشريعة، بل صارت الدورات العلمية صورة معبرة بوضوح عن إمكانية تفعيل الحركة العلمية في المجتمع، وبخاصة بين أبنائه الذين يرغبون في تلقي العلم كمنهج شرعي عبادي. بينما يشرح الشيخ خالد المصلح وجهة نظره حيال هذه القضية في عدة نقاط؛ حيث يقول:

هذه الدورات تسهل العلم وتقربه؛ حيث إنها تركز على المتون العلمية القصيرة المختصرة غالباً، كما أنها تعرض أمهات المسائل في هذه المتون، وتركز على أصول العلوم دون حواشيه وفروعه. ويتابع حديثه: إن قصر وقت هذه الدورات يختصر للطالب ما يعانيه من تباعد أوقات الدروس وطول زمنها بحيث يستعرض متوناً عديدة في علوم شتى، وأضاف:

وهذه الدورات ينشط لها عدد كبير من الشباب والمحبين للعلم من الذكور والإناث؛ ففيها توسيع لدائرة المنتفعين بالعلوم الشرعية والمشتعلين بتحصيلها، وفي هذا خير كبير ونفع عظيم، وأشار الشيخ المصلح إلى نقطة جديرة بالانتباه؛ حيث يقول: هذه الدورات تفيد كثيراً في توظيف العديد من الطاقات العلمية المعطلة؛ وذلك من خلال مشاركة كثير من أهل العلم والفضل والتخصص، والذين تقل مشاركتهم في الدروس العلمية الدائمة، وفي ذلك خير كثير لهم ولطلاب العلم في الإفادة منهم.

ويضيف الشيخ السبت نقطة توضح الحاجة لهذه الدورات فيقول: قد لا يتوفر لبعض من يرغب في العلم السفر إلى العلماء وأخذ العلم منهم وهذه الدروات هيَّأت له ذلك.

ومن جهته يؤكد الشيخ خالد المشيقح على نقطتين هامتين يرى أنهما من قبيل الحاجة الماسة لهذه الدروات، فيتحدث قائلاً: القضاء على الفراغ بالنافع المفيد، وتكون بديلاً لكثير ممن يحب حضور مجالس العلم والذين لا يجدون وقت فراغ لحضور مجالس العلم كالموظفين والمدرسين لتكون هذه الدورات في الإجازة الصيفية فرصة لهم لتحصيل العلم الشرعي من العلماء والمتخصصين.

 الدورات العلمية... وثقافة السرعة:

قد توارث العلماء وطلاَّب العلم قاعدة منهجية تقول: (ما أُخذ من العلم جملة ذهب عن متلقيه جملة) وعليه؛ فهل تتقاطع الدروات العلمية المكثفة مع هذه القاعدة؟

وإجابة على ذلك قال الشيخ الخضير: ما أُخذ بسرعة من العلم يذهب بسرعة، وأضاف: ولكن لا مانع من أن يؤخذ العلم بهذه الطريقة على أن تتمَّ مراجعة ما دُرس في الدورات مرة بعد أخرى ليرسخ في الذهن ويثبت، داعياً إلى ألاَّ يقتصر الطالب على هذه الدورات بل لابد له من ملازمة العلماء الأجلاء طيلة العام.

بيد أن الشيخ عبد العزيز الراجحي يرى أنَّ هذا ليس بصحيح؛ بل هذه الدورات فيها خير كثير يستقر في الذهن، ويسجل في الأشرطة، وتفرَّغ في الكتب.

وحول هذا الأمر سألت الشيخ خالد المشيقح عن بعض العلماء مِمَّنْ شرح في عشرة أيام منظومة العمريطي في الفرائض والتي تقدر بمئتي بيت، فهل يستطاع بهذه السرعة أن يشرح الشيخ هذه المنظومة في عشرة أيام، لما يقارب (20) بيتاً في كلَّ يوم، ويكون أغلب الطلاَّب قد استوعبوا المتن المشروح؟

فأجاب فضيلته قائلاً: (هذا يرجع لاستيعاب الشيخ للمتن، وإلمامه به، فقد يستطيع إتمامه واغتنام الوقت بشرحه للطلاَّب، ولكن مع اقتصار الشيخ على تحليل العبارة، وإيراد الدليل الموافق للقول الراجح، ثم يبيّن الشيخ بعض المراجع التي تفيد طلبة العلم إن أرادوا التوسع).

وأختتم الحديث عن هذه القضية بتركيز المشايخ المشاركين على أهمية استيعاب الشيخ للمتن، ومن ثم عرض مقاصد هذه المتون، وإبراز مسائلها الهامة، مع الاقتصار على القول الراجح والدليل الأظهر في المسألة؛ إذ ليس هدف الدورات استيفاء الأقوال، واستيفاء ذكر الأدلة، وقد أكَّد على ذلك الشيخ المصلح، والشيخ الزامل، ووافقهم عليه الشيخ العريفي.

الرحلات العلمية للعلماء المتقدمين... والدورات المكثفة:

لعل من بديع الحديث، محاولة الربط بين هذه الدورات المكثفة، مع رحلات العلماء السابقة في طلب العلم، وهل كان هناك مع هذه الدورات وجه تشابه وتناسق مع دروس العلماء المتقدمين؟

حول هذا الإطار ذكر المشايخ المشاركون أن العلماء كانت لديهم رحلات في طلب العلم، بل أَلَّف الخطيب البغدادي كتاباً حول ذلك وسماه (الرحلة في طلب الحديث). ويلفت الشيخ الخضير إلى اهتمام بعض الطلاب في السابق بالشيوخ الغرباء والواردين على بلدانهم، بل كانت الرحلة في طلب العلم سنَّة معروفة عند أهل الحديث؛ فإذا ورد على البلد عالم من العلماء اجتمع عليه الطلاب من أهل البلد، وحرصوا على تحمل ما عنده من حديث قد لا يوجد عند شيوخهم في بلدهم.

ويُعرِّجُ الشيخ خالد السبت ذاكراً نماذج من ذلك؛ حيث قال: (كانت للسابقين قراءات على الشيوخ سريعة: تارة للضبط، وتارة مع التعليق والشرح، وأضاف ممثلاً على ذلك بقوله: فمن الأول أن صحيح مسلم قرئ على ابن لبَّاج بجامع قرطبة في أسبوع في مجلسين من كل يوم، وصحيح البخاري قرأه الخطيب البغدادي على إسماعيل الضرير في ثلاثة مجالس، مجلسين بعد صلاة المغرب إلى صلاة الفجر، والثالث من الضحى إلى المغرب، ثم ذكر الشيخ السبت مقولة للإمام الذهبي وهي: هذا شيء لا أعلم أحداً في زماننا يستطيعه!

ويتابع الشيخ السبت حديثه قائلاً: ومن النماذج في ذلك أن العراقي قرأ مسند الإمام أحمد على ابن الخَبَّاز في ثلاثين مجلساً.

ثم بين فضيلته أن العلماء كانت لهم قراءة مع الشرح والتعليق، ودلَّل على ذلك بقوله: فقد قرأ محمد بن عبد الحي الكتَّاني صحيح البخاري تدريساً وقراءة مع تحقيق وتدقيق في نحو (50 مجلساً).

وأضاف الشيخ المصلح في هذا الباب قوله: وهذا يبين أن إنجاز المتون في مدة قصيرة كان معروفاً في طرائق أهل العلم المتقدمين، وبين فضيلته رأيه حول هذه الدورات العلمية الصيفية وهل لها شبيه بالدروس السابقة بالطريقة نفسها فقال: (أما الدورات العلمية الصيفية فأول من أعلم أنه رتبها وجلس فيها للطلاب شيخنا محمد الصالح العثيمين ـ رحمه الله ـ فقد بدأ بها منذ أوائل الثمانينيات الهجرية وكانت دروساً ضحوية في أيام الصيف من إغلاق المدارس النظامية إلى قريب فتحها، ويتابع حديثه حول دروس ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ فيقول الشيخ المصلح: (واستمر الشيخ ابن عثيمين على هذا النسق حتى وفاته ـ رحمه الله ـ إلاّ أنه قلل المدة في آخر سنواته مراعاة لأحوال الطلاب).

 أثر الدورات في بناء طلبة العلم تربوياً:

لا يشك أي متابع لهذه الدورات في ما لها من كبير الأثر في تأصيل توجهات الطلاب علمياً، غير أن هناك ما يعتبر أمراً هاماً جداً، وهو أثر هذه الدورات تربوياً على الناس عموماً وطلبة العلم خصوصاً.. وحول هذا الموضوع يحدثنا الشيخ الزامل فيقول: لا شك أن هذه الدورات لها تأثيرها التربوي على الحاضرين؛ فهي تشعر طالب العلم بالإخبات والهدوء، والخشوع؛ حيث يستشعر أنه حين يحضر هذه الدورات تحفه الملائكة، وتغشاه الرحمة، ويذكره الله فيمن عنده، وأضاف فضيلته: وكذلك يتعلم الطالب الأدب مع مشايخه، وأخذ سمتهم الحسن، وذكَّرَنَا الشيخ الزامل بقصة الطلبة الذين كانوا يحضرون في مجالس الإمام أحمد بن حنبل ويقدَّرون بخمسة آلاف فرد وكأن على رؤوسهم الطير في أدبهم مع الإمام أحمد، وكان خمسمائة طالب يحضر لكتابة العلم والحديث، وبقية الطلبة يستفيدون من أدب الإمام أحمد وسمته.

وما دام الحديث يدور حول ذلك؛ فقد قال الشيخ المشيقح: إذا تعلم الإنسان فإن علمه سيؤثر في سلوكياته وأخلاقه وعباداته؛ لأن العلم والتربية متلازمان، وينتج عن ذلك خشية الطالب لربِّه، وهذه سمة العلماء وطلبة العلم فالله ـ تعالى ـ يقول: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].

ومن جانبه فقد أكَّد الشيخ الخضير بأنَّ لهذه الدورات الأثر الكبير في البناء التربوي لطالب العلم بقوله: تعدد الشيوخ في الدورات يحصل به تعدد القدوات، ولا يخفى تأثير الشيوخ في نفوس التلاميذ من ناحية الهدي والسمت.

ويوصي الشيخ يوسف الغفيص أهل العلم بقوله: أفضل كثيراً أن يعنى الشيوخ في صناعة اللغة العلمية المعتدلة للطلبة، بما تحمله من انضباط علمي، واعتدال تربوي، وأضاف: فعلوم الشريعة أخص العلوم في انضباط الخطاب واعتداله وواقعيته.

وتبقى نقطة هامة ركز عليها الشيخ العريفي: حيث اقترح أن يؤتى بداعية، ويكون من الدعاة المؤثرين، وممن يتعامل مع عامة الناس، ومِمَّن اشتهر بالدعوة إلى الله، وفنون التعامل مع الناس، والتأثير عليهم من جميع النواحي الأخلاقية والاجتماعية، ويقول مواصلاً حديثه: فلو ألقى على طلبة العلم شيئاً ممَّا في جعبته من فنون الدعوة، وأبرز ما لديه من الخبرة والتجارب المفيدة، فإن هذا أمر مفيد لطلبة العلم.

 هل هذه الحلقات مظهر تجديد؟

من المعلوم أنَّ هذه الدورات لها أثر كبير في صقل شخصية الطالب؛ كما أن لها أثرها في إحياء العلم وتزكيته للنفوس، ولكن هل بمقدورنا أن نقول إنَّ هذه الدورات من قبيل تجديد الدين؟!

يتحدث الشيخ الراجحي حول ذلك قائلاً: هذه الدورات العلمية من العلم والفقه في الدين، وهي من علامات إرادة الخير للمتلقي كما في الصحيحين: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين».

ويتوافق الشيخان المشيقح والسبت في جوابهما عن ذلك حيث يقول المشيقح: لا شكَّ أنَّ هذا من قبيل تجديد الدين على وجه العموم، ويُعَقِّب الشيخ السبت فيقول: هذه الدورات مفيدة بلا شك في الجملة مع تفاوتها، ولا تخلو من نوع تجديد.

ويقول الشيخ الخضير: الدورات ليست من تجديد الدين، بل هي من قبيل تجديد التعليم وَطُرُقِه. وينهي الشيخ الزامل هذا بقوله: الأظهر ـ والله أعلم ـ أن تجديد الدين مثل ما جاء في الحديث: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها» فظاهر الحديث أن يكون التجديد على رأس قرن، وقال فضيلته مستدركاً حديثه: لكن هي من تجديد الدين بأنَّها حماية له وإحياء لما اندرس منه، فلا شكَّ أنَّه من قبيل تجديـــد الدين، ولهــذا أمــر عمر بن عبد العزيز أبا بكر عبــــد الرحمن بن الحارث بكتابة الحديث، وكتب في ذلك لأبي بكر وقال: لتنشروا العلم وليظهر العلم وليُعَلَّمّ من لا يتعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً. ويتابع الشيخ الزامل حديثه فيقول: ولا شك أن ظهور العلم ونشره في هذه الحلق وما يظهر من الإعلان عنها والسماع بها من خلال ما ينشر ويسمع من أعظم ما يكون بانتشار الخير.

 هذه الدورات بين الإيجابيات والسلبيات:

في حديث للمشايخ وأهل العلم حول إيجابيات هذه الدورات يؤكد الشيخ الخضير أنَّ انتفاع الطلاب الواضح في البلدان التي يقل فيها من يتفرغ للتعليم من أعظم الإيجابيات لهذه الدورات، ويضيف الشيخ المشيقح على هذا فيقول: الرحلة في طلب العلم من إيجابيات هذه الدورات، حيث إن فيها إحياءً للسنة السلفية السابقة في الرحلة لطلب العلم ومَثَّل فضيلته بقوله: كثير من الصحابة رحلوا في طلب أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - . وكثير من التابعين، ومنهم أبو حاتم الذي مشى على رجليه ما بين مكة والمدينة أربع مرات كل ذلك في طلب حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ، ويشاركه الشيخ السبت في حديث له حول هذا فيقول: من الإيجابيات: تتابع دروس أهل العلم، وإنهاء الكتب والمختصرات في مدة وجيزة، وأضاف فضيلته قائلاً: ومن ذلك: إتاحة الفرصة للأخذ عن أهل العلم مباشرة، وإحياء الجانب العلمي في الأمة.

ويضيف الشيخ العريفي بعض الإيجابيات الكامنة في هذه الدورات حيث يقول: الإيجابيات كثيرة ومنها تحريك الشيخ لذهنه فيما يتعلق ببعض المسائل التي يستفيد منها في بحثها والتحضير لها، ويضرب فضيلته على أهمية ذلك مثلاً: بأنَّ سفيان الثوري حين دخل بغداد وجلس فيها أربعة أيام ثم خرج منها وقال: هذه بلد يموت فيها العالم؛ لبثت أربعة أيام ما سألني رجل عن حديث!!

وأضاف فضيلته: إن من إيجابيات هذه الدورات النافعة للطلاب: أنها تجعلهم يُذْكون روح التنافس فيما بينهم، وأشار العريفي إلى أن من إيجابيات هذه الدورات لدى الطلاب: أنها تجعل الطلاب يجلس بعضهم لبعض ويتحدث بعضهم لبعض، ويشكو بعضهم لبعض، وأضاف: ومن خلال ذلك صار لبعض الطلاب جهود علمية في دعوتهم في بعض المناطق التي يسكنونها مع أن بعضهم لا يزال طالب علم مبتدئاً.

ومن ناحية تقويمية فقد ذكر بعض المشايخ شيئاً من السلبيات في هذه الدورات، فيقول الشيخ الزامل حول هذه القضية: من السلبيات: تعارض هذه الدورات في وقت إقامتها. ويؤكد على ذلك الشيخ السبت بقوله: حيث تقام أكثر من دورة في المدينة الواحدة، وفي وقت واحد، ويضيف الشيخ الزامل على ذلك بذكره للسلبيات فيقول: بعض المتون والمقررات يكثر تكرارها وإعادتها.

ويضيف الشيخ المشيقح قائلاً: من السلبيات: الطول في بعض الدورات فبعضها ستة أسابيع، ولو كانت مثلاً ثلاثة أسابيع إلى أربعة بالكثير لكان هذا أوْلى، كما أن بعض الدروس تكون مكثفة من أول اليوم إلى نهايته وفي جميع الأوقات، وهذا مرهق لطالب العلم وربما أدى إلى الملل.

ويضيف الشيخ السبت في هذا المجال فيقول:
1 - ما قد يقع من التوسع في الشرح والاستطراد فيكون ذلك حائلاً دون نيل المطلوب.
2 - ما يحصل من الارتجالية أحياناً في إقامة بعض هذه الدورات، دون تخطيط مسبق وتصور مدروس.

 مقترحات لتطوير أداء الدورات:

حول هذه القضية يبدأ الشيخ الخضير بقوله: من المقترحات الهامة في هذه الدورات: تنظيم الطلاب وتقسيمهم إلى مستويات ليعطى كل مستوى ما يناسبه من المتون. ويشاركه في هذا الرأي الشيخ السبت فيقول: لو وضع تصور واضح لدى من يدرس في هذه الدورات بحيث يقدم مادة للفئة المستهدفة بما يناسبها، فإذا كان ذلك الدرس في مستوى المبتدئين فلا يذكر الخلاف، ولا يتوسع فيه ...إلخ.

ويؤكد فضيلته على أمور مهمة منها:

- الاهتمام بالمتون المعروفة لدى العلماء وترك الإغراب في الاختيار للكتب غير المألوفة عند أهل البلد.

- عدم الاهتمام بكتب العلماء المعاصرين؛ لأنها كتبت بلهجة العصر التي يفهمها الطلاب على كافة مستوياتهم من غير معلم. ومن المقترحات الهامة التي يراها الشيخ الغفيص: ضرورة صياغة خطاب علمي للطلبة يوضح مناط الفهم والاستدلال بشكل تطبيقي فهذه المعالجة في صورتها التطبيقية تساعد كثيراً من الطلبة في بناء ذهنية علمية ذات تأصيل شرعي تؤدي إلى سرعة الفهم.

مع أهمية: «العناية بالحفظ لنصوص الكتاب والسنة» فالشريعة تقوم على الحفظ والفهم معاً. وهذان هما مكنونا الاجتهاد، وأضاف: وفي تقديري أن فرض صِدامٍ بين الحفظ والفهم فرض غير منطقي.

ويتحدث الشيخ المشيقح في هذا الباب قائلاً: لو أنَّ هذه الدورات تعنى بمفاتيح العلم وأصوله وكيفية الاستفادة من مراجعه، لكان حسناً، وعقب فضيلته بذلك قائلاً: وإن عرض ببعض الدورات شيء من ذلك، ولكن نلحظ على كثير من الدورات القصور في ذلك.

وفي حديث للشيخ السبت حول هذه القضية يطرح فضيلته عدة أمور منها:

أولها: وضع خطة كاملة للدورات على سنوات محددة وتوزع فيها الدروس.
ثانياً: التنسيق منذ وقت مبكر مع الشيوخ الذين يقدمون هذه الدورات بحيث تقدم مادة مناسبة.
ثالثاً: أن يختار لكل علم من يحسن تدريسه، وأضاف قائلاً: ونحن بحاجة إلى توفر ناحيتين فيمن يُعَلِّم:
أ - الرسوخ العلمي.
ب - الأسلوب الجيد الذي يوصل به العلم إلى المتلقين.
رابعاً: الإعلان في وقت مبكر عن هذه الدورة.
خامساً: دراسة مستوى هذه الدورات وتقييمها وتوزيع الاستبانات على المشاركين من الشيوخ والطلاب لدراستها والاستفادة منها.
سادساً: توزيع الدروس بطريقة مختصرة ملائمة قدر الإمكان؛ بحيث يكون الدرس الذي يحضره طلاب العلم وغيرهم مثل الفقه والحديث في وقت مناسب للجميع (كالمغرب مثلاً) بخلاف النحو والأصول والمصطلح؛ فإنها يمكن أن تكون بعد الفجر. وقد أكد الشيخ الزامل في اقتراح له حول هذه الموضوع إذ يقول: العناية بالمتون التي يمكن إكمالها حتى لا يتقطع المتن؛ لأن تقطيع المتن ربما يُفَوِّتُ الفائدة خاصة أنها من سَنَةِ لِسَنَةْ.

ويشارك الشيخ العريفي بحديث ماتع له حول مقترحات لتطوير الأداء في هذه الدورات؛ إذ يقول: يا أخي! سأبث إليك نفثة مصدور؛ فمع الأسف لا يواكب كثير من أحبابنا وإخواننا من المشايخ التقنيات الموجودة في هذا العصر، وأضاف قائلاً: فكم رجل بالرياض يقدم دروساً علمية، وكم واحد منهم يستعمل التقنية الحديثة في التدريس؟ ومَثَّلَ على ذلك فضيلته ببرنامج (البوربوينت) الذي يعرض عبر الحاسب الآلي داعياً إلى ضرورة الاستفادة منه.

ويتابع حديثه قائلاً: هذه التقنية تجذب الكثير من الطلاب؛ ففي تدريس السيرة النبوية، ومعركة بدر، لو كان الحاسب الآلي موجوداً ويكون فيه خارطة لمعركة بدر، ويشرح للطلاب من خلالها، فيكون ذلك مقرباً لفهم الطلاب وأدعى لفهم الطلاب أكثر من الشرح النظري، فليت القائمين على هذه الدورات يعتنون بتفعيلها بين المشايخ والطلاب مما يؤدي إلى خير كثير.

ويختتم فضيلته مقترحاته قائلاً: إنَّ هذه الدورات يحضرها الآلاف من طلبة العلم، فبعضهم خطباء جمع، وبعضهم طلبة علم يلقون دروساً على تلامذتهم، وبعضهم دعاة إلى الله؛ فهؤلاء المنتفعون ألا يستحقون بجانب العلم الذي يأخذونه أن يتعلموا بعض الفنون في التعامل مع الناس؟ فلِمَ لا تكون هناك دورة في فن الإلقاء، والاتصال بالآخرين، ولماذا لا يُعْطَى طلبة العلم الشرعي هذه العلوم والمعارف، ولا يُنَبَّهُون إلى الطرق المناسبة في طرح هذا العلم إلى الناس، كما هو دأب نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم - في تنوع أساليب تعليمه من التعليم بالقصة والحوار والمثل وغيرها.

 كيف يستفاد من هذه الدورات؟

يحدثنا الشيخ الخضير قائلاً: الطريقة المثلى للاستفادة من هذه الدورات العلمية بأن يعنى الشيخ بالتحضير الجاد المناسب لمستوى الطلاب، ويهتم الطلاب بالحفظ والتحضير لها مبكراً. واهتمام الطالب بمناقشة الشيوخ أثناء الدرس ومذاكرة الزملاء بعد الانصراف ومراجعة المصادر فيما لم يتضح للطالب بعد ذلك كله.

ونبه فضيلته لمسألة هامة بقوله: ومن المؤسف أن نرى بعض الطلاب لا يهتم بالكتاب إلا أثناء الدرس، بل إن بعضهم يترك الكتاب في المسجد، ومثل هذا وإن استفاد ففائدته قليلة، وهي أيضاً عرضة للنسيان.

وحول هذه القضية يوصي الشيخ الزامل طلبة العلم بقوله: أن لا يتذبذبوا بين الدورات؛ لأنها تكثر في الإجازة الصيفية، بل عليهم أن يرتبوا أوقاتهم بين الدورات، حتى لا يكــونـوا كالمنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وأضاف فضيلته: وأوصي الطلاب بالمداومة والاستمرار على هذه الدورات والدروس العلمية لتكمل لهم الفوائد النافعة.

 أشد ما أعجب المشايخ من الطلاب عموماً، والوافدين خصوصاً:

يؤكد الشيخ الخضير أن أشد ما أعجبه في ذلك الإقبال الشديد من طلاب العلم، والحرص على التأصيل والتحصيل العلمي بالحفظ والمراجعة، ومذاكرة الأقران ومناقشة الشيوخ، وهذا أمر يبشر بخير.

وحول ظاهرة الطلاب الوافدين فَيُعَلِّق على ذلك الشيخ الراجحي قائلاً: أعزو هذا إلى الصحوة الدينية الشاملة بكل مكان. ويتحدث الشيخ المشيقح بقوله: القادمون من خارج المملكة لهم تفاعل كبير في الحضور، وأوضح ذلك بمثال: حيث ذكر أنه في العام الماضي (1425هـ) شارك في دورة علمية مكثفة أقيمت في جدة (60) شخصاً من الأردن، وكذلك المشاركات خارج المملكة في (الإنترنت) كثيرة، وذكر الشيخ المشيقح أن المنظمين يقولون إن الذين يدخلون الموقع الذي تبث فيه الدورة يقربون من (500) مستمع، ولله الحمد.

ويعود بنا الشيخ المشيقح إلى الطلبة الوافدين، حيث يقول: عند نهاية الدورات يتعلق بعض الطلاب منهم ويبكون لفراقهم للمشايخ ودروسهم، وأضاف فضيلته: وهذا يدفع العلماء للتأكيد على أهمية المشاركة بهذه الدورات المباركة.

 المشايخ يعارضون الانغلاق المذهبي في دروسهم:

في سؤال توجهت به إلى الشيخ عبد المحسن الزامل، فقلت له: هذه الدورات عرف عنها العناية بالدليل الشرعي بغض النظر عن المذهب؛ فهل هذا دأبكم في دروسكم ولا سيما أن الانغلاق المذهبي ربما يفرق أكثر مما يجمع؟!

فأجاب الشيخ عبد المحسن الزامل قائلاً: المقصود من هذه الدورات بيان القول الراجح مع دليله، ولكن ينبغي لطالب العلم أو من يبيّن ويشرح أن يذكر الخلاف المعتبر والراجح فيه مستشهداً بقول الإمام ابن كثير: عدم معرفة الخلاف نقص في العلم، ولكن قد لا يتأتى مثلاً لمن يشرح استيفاء الخلاف، وإذا أمكن أن يتعرض لشيء من الخلاف، وذكر الأدلة وبيان الراجح فهذا جيد.

وقد ألمح الشيخ المشيقح إلى نقطة مهمة من خلال إجابته عن هذا الموضوع فقال: التعصب المذهبي ذهب تقريباً، ولو وجد فالناس لا يقبلونه، وأضاف مستدركاً: غير أنه يوجد ما هو أشد منه مثل: التعصب الحزبي والتعصب للأشخاص. وقال الشيخ موجهاً نصيحته لعموم طلاب العلم قائلاً: وأنصحهم أن تكون ضَالَّتُهُم ما قاله ـ تعالى ـ وقاله رسوله -صلى الله عليه وسلم - لقوله ـ تعالى ـ: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْـمُرْسَلِينَ} [القصص: 65].

 مقارنة بين الدورات العلمية والتعليم النظامي في المدارس والكليَّات الشرعية:

في البدء قال الشيخ الراجحي: «في كلٍّ خير، وينبغي الاستفادة من الجميع» وقد ذكر الشيخ الخضير عدة فروق فقال: الدورات يتيسر فيها التحصيل للطلاب في أسرع مدة، وتنهى المتون بمدة قصيرة مقارنة بالدروس الثابتة، والدروس الثابتة تبسط فيها المسائل، وقال متابعاً حديثه: والدراسة النظامية يلزم بها الطالب لما يترتب عليها من شهادات؛ فالدورات والدروس العلمية أقرب إلى الإخلاص، وقال معقباً: (وفي كل خير).

من جهته أضاف الشيخ المشيقح على ذلك بقوله: «الدروس الثابتة في المساجد أكثر تأصيلاً لطالب العلم؛ فطالب العلم يرتبط بالشيخ عدة سنوات» وقال مواصلاً كلامه: «ودروس المساجد الثابتة ليست كالدراسة النظامية؛ فالدراسة النظامية تجمع بعض الطلاب ممَّن له ميول علمية، ومن ليست له ميول علمية، بل مقاصد أخرى.

ونعرج إلى رأي الشيخ الزامل لنستطلع وجهة نظره حول ذلك فيقول: «الدورات المكثفة والدروس العلمية بينها وبين الدراسة النظامية فرق واضح؛ لأن العلم الذي يتلقى عبر المساجد ليس كالعلم الذي يتلقى عبر الجامعات، وإن كانت الفائدة موجودة بالجامعات. وأضاف: لكن الفائدة عبر المساجد أعظم بركة وأكثر فائدة وتحصيلاً، وأكثر خيراً، ورسوخاً في العلم، وقال مستأنفاً حديثه: ثم إن الدورات العلمية يأتيها طالب العلم مختاراً طائعاً، وأما الدراسة النظامية فربما يحصل فيها ضعف وتكاسل.

 من بديع الفوائد الزكية في الدورات العلمية:

تناثرت آراء العلماء المشاركين في هذا التحقيق في إبراز الفوائد المَجْنيَّة من الدورات المكثفة العلمية؛ فالشيخ الزامل عرض عديداً من فوائدها بقوله: الفوائد كثيرة جداً ومنها:

- حفظ الأوقات لكثير من طلاب العلم، وإعانتهم على طلب العلم، وبخاصة أن هذه الدورات تتتابع حتى نهاية الصيف.

- في الغالب يمر الطالب على غالب التخصصات في فنون العلم (الحديث ـ الفقه ـ التفسير)، وإن كان مروراً فيه شيء من الاستعجال، إلا أنَّ فيه خيراً كثيراً، وقد تداخل الشيخ الخضير مع الشيخ الزامل في ذلك مؤكداً هذه الفائدة إذ يقول: من أبرز الفوائد إنهاء المتون في أسرع وقت. ومَثَّلَ فضيلته على ذلك بقوله: فالكتاب الذي ينجز في عشر سنوات في الدروس الثابتة بمقدار درس واحد أسبوعي، ينجز في الدورات بمعدل أربع دورات في السنة، كل دورة عبر أسبوع متواصل.

وعودة على استكمال الفوائد التي طرحها الشيخ الزامل يقول:

- تعليم طالب العلم أن العمدة في الدورات على الدليل من الكتاب والسنة، وعدم التعصب لقول فلان وعلان؛ فالمقصود من هذه الدورات نصرة الدليل والتزام السنة.

- اجتماع طلاب العلم والإخوان في المساجد، ولقاؤهم وإزالة الشحناء والخلافات؛ حيث يجتمعون اجتماعاً واحداً مؤتلفاً، فصار من فوائد هذه الدورات تأليف النفوس وجمع القلوب؛ وهذا مكسب كبير.

وفي حديث للشيخ المشيقح حول إبراز الفوائد من هذه الدورات يقول فضيلته: من الفوائد كذلك:

- امتثال أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم - في طلب العلم والتعبد لله بهذه العبادة الجليلة.

- الالتقاء بجملة من المشايخ الذين أَلَـمُّوا بكثير من المتون العلمية، وقد لا يتحصل للطالب أن يلم بذلك في مكان واحد.

- التقاء أهل العلم بعضهم ببعض، وما يحصل في هذا اللقاء من تلاقح الأفكار والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

- تنافس مكاتب الدعوة في هذه الدورات؛ حيث يتصلون بالمشايخ ليكسبوهم في حضورهم في هذه الدورات للتدريس فيها، وأثر ذلك ملموس على الجميع ولله الحمد.

- تنافس التجار والمحسنين في تعليم العلم ومن ذلك: توفير السكن للطلاب، والمراجع، ووسائل النقل، والجوائز، والإعاشة للطلاب؛ لأنَّ كثيراً من الطلاب يأتون من خارج البلد المقامة فيها الدورة، وقد يكون قليل ذات اليد، فيتكفل به هؤلاء الأخيار إلى حين رجوعه ابتغاء الأجر والمثوبة. جزاهم الله خير الجزاء.

ويشاركنا الشيخ السبت في إبراز بعض الفوائد في هذه الدورات فيقول: منها:

- إحياء العلم في مناطق كثيرة لم يكن لها عهد بالدروس العلمية.

- شجعت هذه الدورات الكثيرين من طلبة العلم على مواصلة الطلب، لما فيه من تقريب العلم للأذهان، ونشر العلم الشرعي وإفادة المتلقين.

- التخلص من التخبط في طلب العلم ببناء منهجية تأصيلية لطالب العلم.

 تقييم نهائي للدورات.. لتصل إلى النجاح الشامل:

أبدى جميع أصحاب الفضيلة المشاركين بالتحقيق إعجابهم الشديد بهذه الدورات، وأن لها تأثيراً واسعاً على عموم طلبة العلم في العالم الإسلامي، مع مناداة بعض المشاركين بزيادة العناية بالمرأة، ولو أُفْرِدَتْ لَهُنَّ دورات علمية تَشْرَحُ لهن ما يخصهن من أمور دينهن لكان جيداً، وفي هذا دعا الشيخ الزامل بقوله: إن أمكن إقامة دورات للنساء فهذا أمر طيب؛ لأن هذا أدعى للفائدة، وخاصة إذاعرفت النساء أن الدورة خاصة بهن؛ فإنهن يحرصن على الحضور، ويذاكرن ما يلزمهن تحضيره من الدروس.

ويجدر التنبيه إلى أنَّ فضيلة الشيخ صالح الأسمري ـ وفقه الله ـ له جهودٌ طيبة في إفراد النساء بدورات علمية خاصة بهن، وقد فرغت هذه الدورات في بعض الأشرطة.

ويؤكد الشيخ السبت من جهته أن هذه الدورات ـ كما يقول ـ يمكن أن تؤصل طالب العلم إذا كانت مدروسة؛ وذلك في جوانب عديدة منها:

أ - تحديد الهدف من الدورة.
ب - تحديد الفئة المستهدفة.
ج - اختيار الكتب والفنون المناسبة التي تحقق الهدف.
د - الانضباط في الشرح بذكر ما يحقق الهدف دون توسع أو استطراد، أو شرح ما لا حاجة إليه كشرح المقدمة والبسملة والحمدلة، وما إلى ذلك مما هو خارج عن موضوع الدرس.

ويرى الشيخ المصلح أن من مقومات النجاح لهذه الدورات، مراعاة حسن اختيار زمانها ومكانها ومدتها، ويضيف: ومما يعين على تحقيق الاستفادة من هذه الدورات تهيئة الأجواء المناسبة للطلاب وتسهيل إقامة المغتربين منهم، وإقامة البرامج النافعة والأنشطة المساندة، وشَدَّد الشيخ المصلح على أنَّه إذا اهتمَّ المنظمون لهذه الدورات بتلك المقومات فإنها تنجح أيما نجاح.

ويحسن أن نختم مشاركة المشايخ في التقويم لهذه الدورات، ما قاله الشيخ الخضير: إذا كانت هذه الدورات مرتبة، وعُدَّتها المتون العلمية المعروفة لدى أهل العلم، وأديت على الجادة في ترتيب المتون حسب طبقات المتعلمين في جميع الفنون، فلا شك أنها تربي طلاب العلم على الجد والاجتهاد، والمتابعة، وعلل ذلك بقوله: لأنَّ طالب العلم إذا أنهى كتب الطبقة الأولى سمت همته إلى كتب الطبقة الثانية، وهكذا، وأضاف الشيخ: وعلى هذا فتكون الدورات نافعة جداًَ أما إذا كانت الدورات تسير من غير ترتيب ولا تنظيم، أو كان اعتمادها على كتب غير معتمدة عند أهل العلم، فإن هذه الدورات قليلة الجدوى.

 فوائد على وجه السرعة من الدورات العلمية:

فقد سألت بعض الطلاب المتميزين في هذه الدورات عما استفادوه فكانت إجابتهم على النحو التالي:

الأخ محمد حجازي أجابني بقوله: استفدت من الناحية الإيمانية حيث يزداد الإيمان في المشاركة في هذه الدورات، ومن الناحية العلمية حيث يجتمع العلماء في يوم واحد ومسجد واحد وننهل من شتى العلوم، وكذلك: المباحثة والمذاكرة مع بعض طلبة العلم قبل الدرس وبعده، ويضيف الأخ خالد السليمان على ذلك بقوله: استفدت اختصار الوقت في التحصيل العلمي، وفي مشاركة للأخ عبد الجليل القحطاني. يقول: مناقشة المشايخ وكثرة الأسئلة وأجوبتها تفيدنا فوائد علمية، أضف إلى ذلك حفظ بعض المتون المقررة.

وفي مداخلة للأخ محمد المتعب يعرض فيها ما اكتسبه من فوائد فيقول: معرفة التعامل مع كتب السلف، ومعرفة المنهجية في طلب العلم، وكذلك الاستفادة من أخلاق وسمت العلماء المشاركين وتوجيهاتهم. ويؤكد الأخ عبد المجيد الثنيان على أن هذه الدورات أفادته باعتبارها مفاتيح مُعِينة له على طلب العلم، واستفاد معرفة المصطلحات العلمية عند الأئمة الكبار، ويختتم حديثه حول هذا بأنه استفاد نيل بركة مجالس العلم واستغفار الملائكة لطلاب العلم كما جاء في الحديث الصحيح.

عوائق لا تفارق:

يؤكد الأخ إبراهيم خطاب أن من العوائق التي واجهته خلال هذه الدورات صعوبة التفرغ التام لحضورها بسبب ظروف الحياة ومشاغلها. ويوافقه على ذلك خالــد السليمان، بينما لم يذكـر عبد الجليل القحطاني أو الثنيان عوائق واجهتهما خلال حضور هذه الدورات. ولكن محمد المتعب يصر على أن هناك عوائق تواجه بعض طلبة العلم ومنها: كفالة طالب العلم وكفاية مؤنته من المسكن والمأكل والمشرب، وأضاف: فكم من طالب علم يسكن بقرية نائية أو محافظة صغيرة ويرغب في الذهاب للمدن التي تقام فيها الدورات فتقف في وجهه تكاليف وأعباء الوصول والإٍقامة!.

 كانت دليلاً للتأصيل:

في سؤال وجَّهته لطلبة العلم المشاركين: هل للدورات العلمية دور في التأصيل العلمي؟ فبالإيجاب يجيب الكل، ويشرح محمد حجازي وجهته في ذلك قائلاً: هذه الدورات تراعي التأصيل ومن ذلك:

1 ـ أنَّ الكتب المختارة تراعي التدرج العلمي.

2 ـ أن المشايخ المشاركين فيها يركزون على حل ألفاظ المتن والتقريرات العلمية دون التوسع في ما يشتت ذهن الطالب وبخاصة المبتدئ.

3 ـ أن الطالب يتلقى دروساً يومية، ومتتالية تساعده على ربط المتن بعضه ببعض فيخرج من هذه الدورة وقد أتقن المتن كاملاً بخلاف الدروس الأسبوعية المنتشرة في المساجد طوال السنة.

ومن جهته يقول الأخ خالد السليمان: أما قضية التأصيل العلمي في الدورات؛ فالذي أراه أن ذلك يختلف بحسب المستفيدين منها. وأضاف: فإذا كان الطالب حريصاً على حضور حِلَق العلم غير مضيع لها فهذه الدورات طريق لاستمرار تفوقه.

 مميزات للدورات:

يتحدث المتعب عن أن هذه الدورات تميزت بعدة أمور، وذكر منها:
1 - الوصول السريع إلى المعلومة الشرعية.
2 - أخذ العلم من كبار العلماء، والذين يعز اجتماعهم وأخذ العلم عنهم في أماكنهم.
3 - أن الدورات تعطي طالب العلم خلاصة ما يتوصل إليه الشيخ في فَنِّه الذي يجيده.
4 - إحياء سنة الرحلة في طلب العلم.

ويزيد الأخ محمد حجازي على هذه الميزات، فيقول:
5 - تفريغ الذهن من المشاغل خلال أيام الدورة المعدودة.
6 - التأصيل العلمي.
7 - تلقي العلم بالتدريج.

ويشاركه الثنيان في إبداء بعض المميزات فيتحدث بقوله:
8 - ابتداء الدروس من بعد صلاة الفجر.
9 - نقل الدروس عبر (الإنترنت).
10 - تخصيص أماكن يتسنَّى فيها حضور النساء للمشاركة في مجالس العلم، واعطائهنَّ فرصاً للأسئلة وبيان الإشكالات، التي تعرض لهن.

 أشد ما أعجب الطلاب في الدورات:

حول ذلك يتحدث إبراهيم خطاب فيقول: لا يوجد ما يشرح الصدر مثل مظهر الشاب في أوج شبابه وفتوته يترك ملذاته الدنيوية، ودفء سريره ليواظب على هذه الدروس والدورات العلمية؛ فأُمَّةٌ فيها شباب أمثال هؤلاء إنها أمة خير ويرتجى منها الخير بإذن الله.

ويشير السليمان إلى مظهر أعجبه في هذه الدورات فيقول: تركيز الاستفادة من هذه الدورات؛ حيث يوجد في بعضها مسابقات لحفظ المتون، أو اختبارات في نهاية الدورة.

أما محمد المتعب فقد أعجبته ميزة رائعة وهي: كسر الحواجز الجغرافية والقومية بين طلاب العلم، وأضاف قائلاً: فالقريب يجلس جانب البعيد، والغني بجانب الفقير، وكفى بهذه الميزة من ميزة علَّمناها ديننا الحنيف.

ويختتم محمد حجازي ميزة رآها في هذه الدورات فيقول: تهيئة المسجد الذي تقام فيه الدورة لاستقبال هذه الأعداد الغفيرة.

 مقترحات يتمنى الطلاب وجودها:

سألت الإخوة الطلاب حول هذا الأمر، فأجاب الأخ محمد حجازي على ذلك بعدة نقاط منها:

1 - أن تحدد المستويات في كل دورة، وفي كل كتاب، كأن يعلن أن هذه الدورات للمبتدئين أو المتوسطين أو المتقدمين.

2 - أن تصدر شهادات علمية للمواظبين على الحضور مختومة وموقعة من إدارة الدورات مع المشايخ المشاركين؛ ولكن بعد اختبار الطلاب في آخر الدورات بحيث تكون هذه الشهادة بمثابة الإجازة المعروفة عند سلفنا.

3 - أن يستعان بالعلماء والمشايخ من خارج السعودية للمشاركة في هذه الدورات، وبخاصة في علم القراءات والتفسير والبلاغة والفقه.

وأضاف محمد المتعب على ذلك بقوله:

4 - أهمية انتقاء مجموعة من المتميزين في هذه الدورات وإقامة دروس خاصة لهم بعد الدورة، والاهتمام بهم اهتماماً خاصاً. وفي حديث لخالد السليمان حول هذه القضية يقول مقترحاً:

5 - لا بأس بإعادة شرح المتون الأساسية المهمة التي سبق أن شرحت في الدورات العلمية، وأضاف مقترحاً:

6 - الحرص على الشيخ الذي يؤصل طلابه في تعليمه لهم، لا الذي اشتهر بالعلم فقط.

وأكد على ذلك بقوله: لأن تعليم العلم في نظري متكون من شقين:
أ - أهلية المعلم في العلم.
ب - أهليته في طريقة التعليم.

ويقترح عبد المجيد الثنيان اقتراحاً يتمنى فيه إيجاد وسيلة نقل بين الطلاب الذين لا يستطيعون أن يمتلكوا سيارة خاصة بهم، وتهيئة السكن للطلاب الذين يأتون من خارج المنطقة لمشقة استئجار المسكن على بعضهم.

 حضور الطلاب للدورات.. هل يلزم؟!

يقول إبراهيم خطاب مؤكداً على ذلك: يلزم حضور هذه الدورات لأنه يتم فيه مشافهة الشيخ العالم ببعض الأسئلة المشكلة، ويرى أن من لم يستطع المشاركة فلا يحرم نفسه الخير والعلم بتحصيله عبر (الإنترنت) من البالتوك، أو مواقع الدورات، أو الأشرطة.

ويشير عبد الجليل القحطاني إلى أن في حضور مجالس العلم نيل بركة العلم، ومعرفة المشايخ، والاستفادة من أخلاقهم وهو مكسب لا شك فيه.

 مظاهر غير جادَّة من بعض الطلاب:

حين سألت إبراهيم خطاب عن ذلك ابتدأ بقوله: إنَّ ما يُكَدِّر صفو هذه الأجواء الجميلة، ظهور السآمة والملل من بعض الطلاب، فيجرهم ذلك إلى الحديث الجانبي بعضهم مع بعض، أثناء إلقاء الدرس، وهذا وإن كان قليلاً إلا أنه أمر ينبغي تلافيه. ويضيف عبد المجيد الثنيان قائلاً: عدم اصطحاب الكتاب من بعض الطلاب أو الدفتر والقلم لتدوين الفائدة، ويتداخل خالد السليمان في هذا الموضوع فيقول: النوم أثناء الدرس من بعض الطلاب مظهر غير جاد، وكذلك عدم التنظيم والتخطيط في الحضور لبعض الدروس من الطلاب، ويواصل حديثه قائلاً: والأوْلى أن يستشير الطالب ويستفيد من غيره في الشيء الذي يناسبه حضوره من هذه الدورات.

من جانبه أبرز محمد حجازي مظهرين غير جادين من قِبَل بعض الطلاب حيث ذكر: الحماس الشديد من بعضهم في أوائل الدورة ثم التراجع شيئاً فشيئاً، حتى يبقى نصف العدد، الذي ابتدأ من أوَّله، وأضاف: وكذلك من المظاهر التأخر في حضور الدروس من بعض الطلاب المحصِّلين للعلم.

وينهي الحديث حول هذه القضية عبد الجليل القحطاني حيث يقول: عدم الجدية في مراجعة الدروس المشروحة، وعدم حفظ المتون مظهر غير جاد لبعض الطلبة.

 مدى مناسبة الاختبارات التأهيلية قبل المشاركة في الدورات:

اختلفت رؤى الطلاب حول ذلك؛ فإبراهيم خطاب يعارض ذلك بشدة، قائلاً (لا ... وألف لا) ويعلل ذلك بقوله: لأننا بحاجة إلى زيادة في العدد، والاختبارات للالتحاق ستنقصه ولاريب في ذلك، وأضاف مستدركاً على ذلك بقوله: فإن أردنا اختبارات، فلتكن اختبارات جادة في نهاية الدورة، وتكون هذه الاختبارات قوية لتهيئ شباباً مؤصلاً علمياً.

ومن جهته فإن محمد حجازي يرى أهمية تلك الاختبارات قائلاً: أؤيِّد الاختبارات لتحديد المستوى الحقيقي لطالب العلم، ومن ثمَّ توجيهه الوجهة الصحيحة والمناسبة لمستواه في العلم وهذا فيما أحسب من باب (الدين النصيحة)، ويوافقه على ذلك خالد السليمان وعبد الجليل القحطاني، ومحمد المتعب؛ حيث يقول الأخير: أؤيد وجود اختبارات مرحلية لطلبة العلم؛ لأنها تبين الجاد من الهازل.

وهكذا جلسنا وإياكم في رياض هذه الدورات العلمية؛ فهل تغريكم بالالتحاق بها والاستفادة منها...؟ عسى ولعل.

والله من وراء القصد.


نشر هذا التحقيق في مجلة البيان الإسلامية الشهري ، في العدد(213)
 

خباب الحمد