اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/khabab/01.htm?print_it=1

كيف أحسن الظن بالله

خباب بن مروان الحمد


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عمري 20 عاماً أود التعلم في الجامعة (أنا من عرب 48) طبعاً في إسرائيل ولكن يوجد امتحان بالإضافة للثانوية العامة الذي يجب أن تعبره - بسيخومتري- وقد تقدمت لهذا الامتحان 5 مرات في الثلاثة امتحانات الأولى كنت أرتفع وفي الرابع حصلت على ما يقارب للعلامة الثالثة وفي الخامسة قد انخفضت علامتي , مع أنني والله كنت اقرأ ولم أيأس ودعوت الله كثيرا أن يحقق حلمي وان أتعلم الطب ولكن هيهات لم أحصل أجيبوني لم هذا مع أنني أعرف أنني أستطيع أن أتعلم هذا الموضوع ؟ لم الحظ يعاكسني وقد تحملت مصاعب لم تخطر على بال أحد, والله يعلم بها فلم كل هذا ولم يفعل بي كل هذا؟
أجيبوني فأنا على حافة الانهيار أو الانتحار.

...................................................................................

الجواب:
أختي الكريمة : منى بلَّغك الله مناك ، وحفظك ورعاك
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لقد قرأت سؤالك بروح الاهتمام والعناية ، ودعوت الله لك بأن يفرِّج عنك ما أنت فيه من الهم ، وأن يوفِّقك لكلِّ خير ، ويزيل عنك كلَّ ضير ، إنَّه على كلِّ شيء قدير.
أحب قبل أن أجيب على سؤالك أن أنثر بين يديك هذه الأبيات ففيها معاني حسنة، ولآلئ مضيئة ، وعبارات جدُّ رائعة.

يا صاحب الهم إن الهم منفرج *** أبشر بخير فإن الفـارِج الله
اليأس يَقْطَع أحياناً بصاحِبِه *** لا تيأسَنّ فإن الكـــافي الله
الله يحدث بعد العُسْر مَيسرة *** لا تجزعنّ فإن الصَّـانِع الله
إذا بُلِيتَ فَثِقْ بالله وارضَ به *** إن الذي يَكْشِف البلوى هو الله
والله ما لَك غير اللهِ مِن أحَدٍ *** فَحَسْبُك الله .. في كلٍّ لكَ الله


تعلمين ـ رعاك الله ـ أنَّ الفتاة المسلمة ينبغي عليها أن تكون مؤمنة بعدَّة قضايا:

الأولى : الإيمان الكامل المطلق بقضاء الله وقدره ، وأنت تعلمين أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يقول :(واعلم أنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك).

الثانية : الصبر على المكاره التي تصيب المسلم ، و الإيمان نصفان فنصفه شكر ونصفه صبر، فإذا ابتلاك الله بما يضرُّك فيلزمك أن تصبري على ذلك ابتغاء رضا الله تعالى ، ولهذا يقول ـ عليه السلام ـ:( عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلاَّ للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له ) أخرجه مسلم في صحيحه.

الثالثة : أنَّ مع العسر يسراً ، وأنَّ التفاؤل مفتاح النجاح :
اشتدي أزمة تنفرجي *** قد آذن ليلك بالبلج

الرابعة : أنَّ اليأس والقنوط لا يصنع شيئاً ، بل يجلب الهم والغم وضيق الصدر ، و يثبط الهمَّة ، ويضعف العزيمة ، ويكفيكِ أنَّه من صفة الكافرين كما قال الله ـ تعالى ـ ( إنَّه لا ييأس من روح الله إلاَّ القوم الكافرون).
هذه مقدِّمات ضرورية ينبغي عليك أن تختزنيها في ذاكرتك ، وتذكري نفسك بها بين الحين والآخر.

أختاه: لا تظني أنَّ الناجحين لا يصابون بإخفاقات ، ومحطَّات لا يفلحون فيها، وصدِّقيني أنَّ هذا لم يحصل للأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين، فما بالك بمن بعدهم ؟!
ولو اطَّلعت على سير كثير من الناجحين لوجدت صدق ما أخبرتك به ، فإنَّه لا يلزم أن يكون الناجح في جميع دورات حياته لا يلاقي إلاَّ النجاح والفوز بالشهادات العليا!
ولكنَّ هؤلاء الناجحين في حياتهم يحاولون النظر في سبب الإخفاقات ، ويحاولون علاجها، بديلاً عن ندب الحظ ، والاعتراض على قضاء الله وقدره.

ومن هنا ...دعيني يا أخيَّة ، أذكرك ببعض القضايا التي قد تكون سبباً لإخفاقك :
ـ فقد يكون من أسباب إخفاقك بعدك عن الله تعالى ، وعدم صلتك به !
ـ قد يكون من أسباب إخفاقك في هذه الاختبارات ذنب عصيتِ به الله فجازاك الله به في دنياك ، وكفَّر به عن خطاياك !
ـ قد تكوني غير مطيعة لوالديك ! فحاولي إرضاءهما وطلب الدعاء منهما بأن يوفقك الله ويسدد خطاك.

أختي الكريمة : إنَّ الإخفاق في قضايا دنيويَّة ليس هو الخطير ، فكم من أناس ليست لديهم المناصب ولا الحظْوات وهم مع ذلك عند الله أفضل بكثير ممن منَّ الله عليه بمنصب مرموق، وليس يعني ذلك أن لا يطلب المؤمن النجاح في الدنيا ، ولكنَّ الأمر الذي ينبغي لنا الإعداد له وأن نخشى الإخفاق فيه هو : هل نجحنا فيما يرضي ربَّنا ويقينا من عقابه ؟
وهنا وقفة أحب أن أقفها معك حين قلت ( أجيبوني فأنا على حافَّة الانهيار أو الانتحار ؟) أسألك الآن سؤالاً منطقياً أرجو أن تجيبي بنفسك عنه ؟
ماذا تفيدك هذه الوساوس الشيطانيَّة ( الانهيار أو الانتحار) ؟!
هل بهذا تنجح الفتاة المتفائلة؟!
وهل تظنِّي أنَّك بذلك قد نجحت ؟!
إنَّ الشعور باليأس والإحباط والانهيار ، والتفكير بالانتحار، هو أوَّل علامات الفشل الذريع ، والذي يتنافى مع دين الإسلام ، وكم من إنسان قتل نفسه وحطَّمها بسبب هذه الوساوس والأفكار الشيطانيَّة !
ما الذي جناه القاتل لنفسه سوى أنَّه قتل تلك الأمنيات التي كان يتمنَّاها ولا يستطيع الوصول إليها، أمَّا إذا صبر على ما ابتلاه الله به ، واستعاذ بربه من تلك الوساوس الشيطانيَّة، فإنَّه ستنجلي عنه تلك الغمامة السوداء ، ويحقق أمنياته تلك ثمَّ يحمد الله على أنَّه لم يقدم على ذلك الفعل المشين .
أيَّتها الموفقة : إنَّ من علامات الناجحين والناجحات : الشجاعة في طلب المراد ، والتكرار إلى أن يصلوا لمرادهم في ابتغائه ، وقد قيل:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكبار المكارم
ولماذا تظنِّين أنَّه لا بدَّ في كلِّ مرَّة أن تأخذي الدرجة العالية؟

نعم ! لا بدَّ أن تذاكري جيداً ، وتكوني طموحة في حياتك ولا ترضي لنفسك الإخفاق ، ولكن هل يشترط أنَّك إذا ذاكرتِ جيداً أن تفلحي في الإجابة عن الأسئلة في كلِّ اختبار؟
إنَّ هذا ليس بمقدورك ... فأنت أديت الذي عليك ، وثابرت للحصول على أفضل الدرجات، إلاَّ أنَّ ما كنت تتمنَّينه قد تدركيه وقد لا تدركيه ، ولا يعني ذلك أنَّك فتاة فاشلة ، بل إنَّك ناجحة مررت بمرحلة إخفاق ، لعلَّها كانت حافزاً لك لتعرفي مكمن الخطأ والداء الذي وقعتِ فيه وقت الإخفاق ، وكما قيل :لكّلِ جواد كبوة.
لقد علَّمنا علماؤنا قاعدة هامَّة في الحياة : أنَّ على الإنسان أن يسعى بالشكل الصحيح ، وعلى صراط واضح بيِّن ، وليس عليه إدراك النجاح ، بل يسلِّم الأمور إلى الله ، ولن يقضي الله إلاَّ بالخير.
انظري إلى أديسون مع أنَّه كافر ، إلاَّ أنه صبر قبل أن يخترع المصباح الكهربائي، وأحصيت محاولات فشله في تحقيق ما يصبو إليه من صنع هذا المصباح أكثر من مائة محاولة أخفق فيها ....
بل تأملي في النملة فكثيراً ما تحاول أن تحمل طعاماً ، وترفعه إلى حيث تعيش ، وقد يكون الطعام أكبر من حجمها ، وتجدي هذه النملة تحاول الصعود إلى ما تقصد ولو أخفقت أكثر من ثلاثين مرَّة ، ثمَّ بعد ذلك تنجح في الوصول إلى مرادها !
فلهذا لا تظنِّين أن طريق النجاح محفوف بالرياحين ومكلَّل بالورود ويسيل عن طريقه نهرين من ماء الورد العذب والمصفَّى !!
لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يُفْقِر والإقدام قتَّال

كلاَّ يا أختاه ....
إنَّ طريق النجاح طريق فيه إثارة ، وفيه سعادة ، ولكن تعكِّره الأشواك ، والعوائق ، وقد قيل في المثل : لا بدَّ في التمر من سلاَّء النخل ، وفي العسل من إبر النحل! وذلك حتَّى يثبت الناجحون ويتميَّز صمودهم ونجاحهم من التعساء الفاشلين الذين حطَّموا أنفسهم وقضوا على طموحاتهم قبل إدراكها!

وأوصيك أخيراً بعدَّة قضايا ومنها :
الإكثار من الدعاء وعدم استعجال الإجابة ، واعلمي أنَّ الله تعالى يفرح إذا مدَّ عبده إليه يديه وهو يسأل منه ويطلب ويرجو ، ورحم الله ابن تيميَّة حين قال: القلوب الصادقة والأدعية الخالصة هي العسكر الذي لا يغلب !
وأنصحك بأن تلازمي الدعاء الذي رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أنَّه كان يقول :(اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي) أخرجه مسلم (4/1658).
تقوى الله ـ تعالى ـ في كلِّ صغيرة وكبيرة ، وفي السرِّ والعلانية ، وأنت تعلمين أنَّ من ثمرات التقوى ، تفريج الكروب ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب) وقال ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً).
الإكثار من قراءة القرآن وجعل ورد خاص بك لا تتخلفي عنه مهما كانت الظروف.
المحافظة على أذكار الصباح والمساء وعدم تفويتهما ألبتَّة، ويكفيك أنَّه ـ تعالى ـ يقول:(ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
المحافظة على الصلوات الخمس وعدم تركها أو التكاسل عنها.
حين تقدمي على الاختبار فأكثري من الدعاء ، وقولي :(اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً) ( اللهم يا ميسِّر يسر ولا تعسر) ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) إلى غير ذلك من الأدعية النافعة.
أحسني الظنَّ بربِّك ، واعلمي أنَّ الله يكون عند حسن ظنِّ عبده به ، وقد قال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فيما يرويه عن ربِّه :(أنا عند حسن ظنِّ عبدي بي فليظنَّ بي ما شاء ) وقد كان عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ يقول :( ما أصابتني مصيبة إلاَّ حمدت الله فيها على ثلاثة أمور : أنها لم تكن في ديني ، وأنها كانت هكذا ولم تكن أكبر من ذلك ، وحمدته على الثواب الذي أرجوه منها).
أنصحك أخيراً بأن تقرئي هذه الكتب أو تطَّلعي عليها وهي :
أولاً: منزلة التوكل من كتاب مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، فقد تكلم الإمام ابن القيم كلاماً جميلاً حول إحسان الظن بالله تعالى والتوكل عليه .
ثانياً : جدد حياتك للشيخ الداعية محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ فقد أحسن كثيراً في زرع روح الأمل في قلب المسلم بعبارات رشيقة ، وإلماحات رائقة مدعومة بالكتاب والسنَّة.
ثالثاً : عش هانئاً للدكتور عبد الكريم بكَّار ، وفي هذا الكتاب سلاسة في الأسلوب ، وسهولة في الطرح ، مع عبارات هامَّة.
وأختم فأقول :إياك أختاه من اليأس من روح الله ورحمته .
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "أكبر الكبائر الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله".
وكل الحـادثات وإن تنـاهت *** فموصـول بها الفرج القريب

وأنا أبشرك فأقول لك :
أبشري يا أيتها الناجحة فإنَّ كربتك موصول بها الفرج القريب
و لتكن نفسيتك أجمل لتكون إجابتك أحلى وأكمل


جواب هذه الاستشارة نشر في موقع إسلام أون لاين في نطاق (تزكية) بقسم (استشارات إيميانية)

 

خباب الحمد