اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/kald/sh/4.htm?print_it=1

عملي يستغرقني ويشغلني عن أولادي!

أجاب عنها : خالد عبداللطيف التاريخ 6/6/1430 هـ


 السؤال:
السلام عليكم... أنا موظف ملتزم (جامعي ) أعمل بدوامين، ولدي ثلاثة أطفال، أكبرهم ولد عمره ثمان سنوات، وولد أربع سنوات، وبنت سنة. المشكلة تكمن في عدم جلوسي معهم لعدم وجود وقت إلا في نهاية الأسبوع فقط . وأمهم تعليمها متوسط ، وذات صدر ضيق على الأطفال، مما ألحظ على أطفالي العصبية الزائدة والعدوانية . توجيهكم بارك الله فيكم.

الجواب:

مرحبا بك أخي الكريم في موقعك المبارك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.
مشكلتك أخي الفاضل - بل مشكلتنا جميعا كآباء - تتمثل في ضيق أوقاتنا، وقلة ما يتاح منها لنعيش وسط أولادنا؛ نقوّم ونتابع ونربي، بل ونقوم بحقهم (المهم للغاية) في مجرد وجودنا معهم وبينهم.
يضاف إلى ذلك "عصبية الأم"، ومستوى تعليمها؛ الأمر الذي ينعكس على الصغار بدورهم.
فأقول لك وبالله التوفيق:
أخي الكريم: دعنا أولا نتحرر من أسر إحباطات متاعب الحياة، وتزاحم أشغالها، وكثرة الأعباء والحقوق التي نتحملها؛ من خلال وقفة إيمانية أدعو نفسي وإياك والآباء كافة إليها؛ فهذه الدنيا كما أنها دار تعب ونصب، فهي في الوقت نفسه "مزرعة للآخرة"، وجهاد متواصل؛ يستمتع به من شرح الله صدره وأصلح قلبه ونيته، فلنحتسب هذه الأوقات كلها من سعي على الرزق، وتربية للنشء، وقيام بالحقوق: { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } (الانشقاق: 6). {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (البقرة: 143).
فإن أعجزنا شيء بعد بذل الجهد.. توجهنا إلى المولى الجليل بطلب العون والتوفيق، فلا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه جل وعلا، وهو أرحم بنا وبمن استرعانا إياهم من أنفسنا.
ثم أقول لك أيها المبارك: إن مشكلتك مشكلة شائعة، لا يكاد يخلو منها بيت، لكن الآباء يتفاوتون في التعاطي معها؛ فمنهم من لا يعيرها انتباها، ولا يشغله البتة نصيب أولاده منه! ومن ثم فلا عجب أن أولاده بدورهم - مع تراكم التفريط وتتابع الإهمال - لا يحفلون بحضوره، فضلا عن أن يشغلهم غيابه.
فهذا ظالم لنفسه ولأولاده، مفرط في أمانته ومسؤوليته. أعيذك بالله وإخواننا المسلمين من ذلك.
ومنهم من يؤرقه الأمر، لكنه لا يحرك ساكنا، ولا ينظر أبعد من موضع قدميه، فلا يكاد يتغير أو يغير من نظام حياته، أو ترتيب أوقاته؛ بل هو وأهل بيته في الهم سواء، هم يشتكون.. وهو يشتكي انعدام الحلول!
وأربأ بك كذلك عن هذا العجز والتواني!
ومن الآباء من يتفاعل مع الأمر بإيجابية، تحدوه عزيمة وإصرار، وسعي حثيث، ومقاربة وتسديد. وأحسبك - كما تنبئ سطورك - منهم؛ فقد خطوت الخطوة الأولى بطلب المشورة، كما أجدت في بيان القضية وذكر عناصرها؛ بما يتيح - بإذن الله تعالى - تصورا مناسباً لها.
فدعنا أخي نكتشف معاً بعض السبل والوسائل، التي هي بين أيدينا، وفي وسعنا، لكننا جرّاء التوتر والقلق نغفل عنها، فلا نستفيد منها. ولنبدأ بالزوجة الكريمة؛ فهي طرف أساس في القضية، وتنبه - أيها الموفق - إلى أن بعض ما نقترحه هنا يهدف إلى معالجة نفسية الزوجة، و تخفيف "عصبيتها"؛ لتكون خير عون لك:
ابدأ من الآن مع أم العيال - وفقك الله وإياها - وعبّر لها - بأحب الأساليب إلى قلبها - عن امتنانك لها، ودعائك لها بالعون مع هؤلاء الصغار الأحباب، وأنك تعلم كم تتعب كثيرا معهم. واحرص على أن تريها الامتنان في عينيك قبل أن تسمعه من لسانك. واكتف بذلك مرة بعد مرة، دون ولوج في قضايا التربية؛ حتى لا تشعر أنك تمهد بامتنانك لموضوع آخر. والحقيقة - أخي - أن زوجاتنا جديرات بالتعبير لهن عن ذلك، وتكراره؛ لشد أزرهن وعزائمهن.
وبعد رسوخ ذلك بينكما، راجع معها بين الفينة والفينة شؤون الصغار، وامنحها مقترحات لبعض ما يواجهها من مشكلات، ولا تبخل بالمال فيما يمكن حله بالمال؛ من توفير بعض وسائل الترفيه التي تشغل الصغار بعض الوقت عن أمهم حال انشغالها ببعض أعمال المنزل، إلى جانب بعض الهدايا النافعة للزوجة، من أجهزة منزلية ونحوها مما يخفف عنها بعض العبء ويدخل السرور عليها.
وهكذا ينفتح قلب زوجتك - بإذن الله تعالى - أمام ما تلقاه من تقدير وإكرام، لتلقي وصاياك لها في تربية فلذات الأكباد، والحرص على صلاحهم ونجاحهم، كما يُحرص على مطعمهم ومشربهم. وأخبرها أن كلا منكما "راع ومسؤول عن رعيته"، كما أوصى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. وأتبع تلك المواعظ الكريمة بخطط عمل جميلة مشوقة، ومتابعات مشتركة، في ظل أهداف محددة. وهكذا أخي تضع الزوجة الكريمة معك في الخطة، قبل أن تبدأ أنت خطتك الشخصية التي ألخصها لك فيما لي:
اجعل وقتك معهم، هذا الوقت المبارك الجميل الذي نعيشه داخل أعمارنا، من أهم أولويات حياتك، فلا يلهينك عنه طلب رزق، ولا لهو أو صحب، فهم أولى بك من غيرهم، وحقهم مقدّم، رفعه الإسلام وأعلى مرتبته حتى في مقام الدعوة إلى الله، فقال الله جل وعلا: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء: 214). وفي الحديث الشريف: "ابدأ بنفسك وبمن تعول".
ثق - أخي الفاضل - أن تنظيم الوقت وإعادة ترتيبه هو أهم خطوة في مواجهة ضيق الأوقات، وكما قيل "الواجبات أكثر من الأوقات"، فهذه قاعدة لا يسلم منها أحد، لكن الموفق من يوسع أوقاته بحسن ترتيبها. وأرى بين يديك وقتين أساسيين للتعايش مع أولادك:
الأول: الوقت ما بين الدوامين (أي فترتي العمل)، ودعني أسائلك:
o بأي وجه تدخل من باب بيتك في فترة الراحة؟
o وما هو أول ما يشغلك لحظة دخولك؟
o وهل لك خطة في هذا الوقت؟
فإن كنت تدخل عابس الوجه بسبب الإرهاق، وأول ما يشغلك هو الطعام والمنام، ولا خطة لك سوى ذلك، فهنا مكمن المشكلة! قطبان متنافران لا يلتقيان! تلقاهم بمعاناتك بينما هم في انتظارك لحل كل معاناة! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فراجع نفسك أخي، وابدأ بلحظة الدخول، واجعلها أفضل لحظات اليوم بهجة وفرحا، وأنسا ومرحا، ونوع لهم في أشياء بسيطة تحملها لهم معك بين يوم وآخر. ثم قسّم هذا الوقت المبارك بإذن الله - بين الدوامين - بينك وبينهم، وتفنن في تحويل الأوقات البينية إلى أوقات سعيدة، فاغتنم الدقائق التي تعد فيها أمهم طعامك، لتجلس مع أحبابك بابتسامة مشرقة، الرضيعة في حضنك، والكبير عن يمينك، والأوسط عن يسارك، واستمتع بأحلى لحظات الحياة، حاورهم وأمتعهم، واستثمر ذلك كله في الغرس التربوي على مرّ الأيام، فالمطر المنهمر هو قطرات متتابعة.
علّق قلوب بنيك بك وبما تغرسه فيهم حال غيابك، بمشوّقات تبقى في وجدانهم حافزا لما تودعه فيهم؛ من مكافآت وهدايا ومفاجآت، لكل عمل خير، وانتظام في عبادة، وبر بالأم، وإحسان للإخوة. ويمكنك تعليق لوحة جميلة بالبيت لتدوين كل تميز بها؛ ليزدادوا به فرحا.
وأما الوقت الثاني: فهو نهاية الأسبوع - وما أدراك أخي ما نهاية الأسبوع! - ففيه خير كثير؛ ووقت وفير، ولا قلق بشأن راحة أو نوم! لكن الإبداع الحقيقي هنا أن تتفنن في تخطيط نزهة نهاية الأسبوع، وتفاجئهم بمفاجآت سارة. ولتفعل هذا كله وأنت تشعر بأنك أفرح بهم في هذه الساعات.. من فرحهم بك، وأحوج إلى هذه الأوقات معهم.. من حاجتهم إليك.
وختاما أخي المبارك: نعم.. لقد خلقنا الله في كبد؛ والدنيا متاع ومعبر؛ لكن الله تعالى - بكرمه وإحسانه - وعد من استقام فيها بحياة طيبة، وجعل الأبناء زينة لنا ورياحين؛ فاستشرف حياتكم المقبلة باليقين والأمل، والرضا والتوكل، واتخذ طلب الرزق جهادا، وتربية بيتك رسالة، و"احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز". سدد الله خطاك ورعاك، وبارك لك فيما آتاك.


نشر في موقع المسلم


 

خالد عبداللطيف
  • إصلاح البيوت
  • نصرة الرسول
  • زغل الإخاء
  • استشارات
  • أعمال أخرى
  • الصفحة الرئيسية