صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الهجوم على العلماء والدعاة.. لماذا؟!

إبراهيم بن محمد الحقيل


بسم الله الرحمن الرحيم


[وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِالله وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ] {التوبة:65-66}.
وقال النبي  صلى الله عليه وسلم :«إِنَّ أَخْوَفَ ما أَخَافُ على أمتي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ»رواه أحمد.
وقال حُذَيْفَةُ رضي الله عنها:«إِنَّ المُنَافِقِينَ الْيَوْمَ شَرٌّ منهم على عَهْدِ النبي  صلى الله عليه وسلم  كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ»رواه البخاري.

بداية لا بد من تقرير حقيقة أرى أنها تخفى على كثير من الناس، وهي أن ما يدعو إليه الصحفيون من حرية النفاق والزندقة، والخوض في دين الله تعالى بما يهوون، واستباحة المحرمات، وإسقاط الواجبات، ومحاربة من يردهم عن ذلك، ويحتسب عليهم فيه هو عين دين المشركين الذي أُرسل الرسل عليهم السلام لمحاربته وإبطاله، وليس كما يشيعه بعض الناس، ويصدقه أكثرهم أن الإسلام أتى بإطلاق الحرية للإنسان أن يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء بشرط أن لا ينتهك حرية غيره.. وهذا من الكذب على الله تعالى وعلى رسله عليهم السلام..

إن الرسل عليهم السلام بُعثوا محتسبين على أقوامهم بالأمر والنهي الربانيين، ودعوهم للالتزام بذلك، ولو كان الرسل عليهم السلام يقتصرون في الالتزام بالدين على أنفسهم ومن تبعهم في دعوتهم لما حاربهم المشركون؛ إذ كان المشركون من مختلف الأمم يثبتون الحرية الدينية، وحرية الرأي، ويقولون بالتعددية، ويمارسونها بامتياز؛ ذلك أن الرسل كانوا على علاقة حسنة مع أقوامهم قبل بعثتهم مع أنه لم يُنقل عن أحد من الرسل أنه شارك قومه في شركهم، والظن بهم أنهم كانوا موحدين حتى قبل البعثة، لكن لما جاءت الرسل بالاحتساب على أقوامهم، ونهيهم عن الشرك، وإلغاء التعددية التي كانوا يمارسونها ثارت ثائرة المشركين، وأعلنوا حرباً لا هوادة فيها على المرسلين عليهم السلام، وقال قوم صالح عليه السلام له [قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا] {هود:62} فهم أثنوا عليه قبل أن يدعوهم إلى التوحيد، ويلزمهم بدين الله تعالى.

وأظهر برهان على التعددية الدينية والفكرية عند المشركين نجده عند العرب فقد كانوا يمارسونها بامتياز؛ إذ كان في جزيرة العرب يهود ونصارى وحنفاء ومجوس ووثنيون وصابئة ومن لا يعتنقون أي دين، ولم تشتعل بينهم حروب دينية على تباين أديانهم، رغم كثرة ما وقع بينهم من الحروب لأسباب أخرى كثيرة غير دينية.
بل كانت مكة المشرفة -على صغر مساحتها وقلة سكانها- تحتضن أصحاب ديانات عدة، يعيشون فيما بينهم في أمن وتعاون؛ فكان فيها النصراني -ورقة بن نوفل- وكان فيها الحنيفي -زيد بن عمرو بن نفيل- وفيها من يخطب في سوق عكاظ بإثبات البعث والنشور -قس بن ساعدة- وعامة الوثنيين ينكرونه، بل كان المشركون يعبدون أصناماً عدة، ولم ينقل أن أحدهم ألزم غيره بعبادة صنمه، أو عابه لأنه لم يعتقد معتقده، ويوم الفتح كان في الكعبة ثلاث مئة وستون صنماً، وكان النبي  صلى الله عليه وسلم  يتعبد في غار حراء ولم يدخل في شركهم، ويعلمون تعبده ولم ينكروه عليه، بل كانوا يُجلونه ويقدمونه ويحكمونه فيما بينهم، ويؤمنونه على أموالهم وأسرارهم..
لكن لما أُمر النبي  صلى الله عليه وسلم  بالقضاء على التعددية الدينية والفكرية في مكة، وسعى في إلزام الناس بتجريد التوحيد لله تعالى وحده، ونبذ ما يُعبد من دونه، وصحح الأفكار الفاسدة؛ ثارت ثائرة المشركين، وحاربوا النبي  صلى الله عليه وسلم ، وسفهوا دعوته، وآذوا أتباعه، وأعلنوا العداء له..

إن المشركين لم يحاربوا النبي  صلى الله عليه وسلم  لأجل أنه موحد فقط، فقد كان فيهم قبله موحدون، وكان هو موحداً قبل بعثته  صلى الله عليه وسلم ، وإنما حاربوه لأنه يدعو إلى التوحيد، ويريد القضاء على التعددية الدينية المتمثلة في تعدد الآلهة؛ ولذا عجبوا منه وقالوا [أَجَعَلَ الآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ] {ص:5} كما كان يريد القضاء على الحرية الفكرية الاعتقادية بترسيخ الفكر الصحيح، والاعتقاد الحق [زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ] {التغابن:7} مع تسفيه عقولهم التي قادتهم إلى الأفكار الخاطئة، والعبادات الباطلة [وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ] {البقرة:171}. والقرآن مليء بهذه الحقائق الناصعة التي غفل عنها كثير من الناس حين خطفت عقولهم الحضارة المعاصرة بجاهليتها القديمة الجديدة.

هجوم الكفار والمنافقين على من؟ ولماذا؟

من فهم المقطوعة السابقة من المقال، ثم نظر إلى قصد الكفار والمنافقين لبعض التيارات الإسلامية في نقدها دون غيرها، ولبعض العلماء والدعاة في الهجوم عليهم دون سواهم، ثم حاول أن يجد المسوغ لذلك -مع ملاحظة أن كفار العصر ومنافقيه كالسابقين يقررون نظرياً التعددية الفكرية ويدعون إليها- فعليه أن يبحث عن القاسم المشترك بين من هوجموا ليعرف سر ذلك.
إنه يوجد في الساحة الإسلامية تيارات وفرق إسلامية ومنتسبة للإسلام كثيرة جداً، لكن الهجوم مركز على المنهج السلفي، ولو تأملنا ذلك لوجدنا أن السبب هو ظهور شعيرة الحسبة على الغير فيه دون غيره من المناهج الأخرى.

وحين نتأمل الهجوم الإعلامي الشرس الذي تناول كوكبة من العلماء والدعاة منهم المشايخ: سعد الشثري، ومحمد المنجد، ويوسف الأحمد، وأخيراً العلامة عبد الرحمن البراك، نجد أن القاسم المشترك بينهم الذي ألَّب الكتائب المارنزية الإعلامية عليهم هو احتسابهم على أهل المنكرات.. ليس غير ذلك.
إن في الصف الإسلامي، وفي التيار السلفي خصوصاً مئات العلماء والدعاة الذين لهم نشاطات علمية مبهرة في تحقيق عشرات المخطوطات، وتأليف مئات الرسائل العلمية المتخصصة في الفقه وأصوله، والحديث وعلومه، والتفسير والعقيدة وغير ذلك، ولبعضهم دروس كثيرة مشهورة منشورة في الأشرطة والمواقع الألكترونية، ومع ذلك لم تهاجمهم كتائب المارينز الإعلامية، بل ربما أثنت على نتاجهم الفكري والثقافي، ولو لم يتوافق مع التوجه الإعلامي المنحرف، لكن بما أنه ليس لهم جهود في الاحتساب ظاهرة مؤثرة، فإنهم في منأى عن تقصد المارينز الإعلاميين لهم، رغم خدمتهم العظيمة للإسلام وعلومه.

فإذا سَلِم من هجوم كتائب المارينز الإعلامية قطاع كبير من تيار السلفية -وهم أعداؤها- لأن احتسابهم على المنكر وأهله ضعيف -رغم نشاطهم العلمي- فلأن يَسلم أهل الطوائف الأخرى منهم من باب أولى رغم ما تنضح به كتبهم من نصوص التكفير والتخوين الواضحة.. وحين أعلن أحد متعصبة الطائفية عن مشروع فصل المنطقة الشرقية عن المملكة ماتت الوطنية عند المارينز الإعلاميين فلم ينبس أحد منهم ببنت شفه، ولا حشد كتائبه الصحفية للدفاع عن وطن يتغنى به عند جلد السلفية المحتسبة على المنكر وأهله.

وإن تعجب -أخي القارئ- فعجب أن نشاط المارينز الإعلاميين بلغ إلى حدِّ أنهم أنشئوا أجهزةً أو خلايا استخباراتية تجوب دروس العلماء المحتسبين لتظفر بكلمة يمكن تزويرها، وتتبيلها بكذبات وإفك مفترى، ومن ثم نشرها على أوسع نطاق، مصحوبة ببكائيات ولطميات تحذر من الشيخ المحتسب -كما فعلوا مع العلامة البراك- تتبعها حملة مارنزية صحفية منظمة تأخذ الحدث على أنه مسلمة من المسلمات، وتحاول استنطاق بعض مشايخ الغفلة أو الهوى ليقول في الشيخ المحتسب رأيه، مع حشد الرأي العام ضده، وتأليب الجهات السياسية والأمنية عليه، وادعاء أنه خطر على الوطن، وما هو إلا عقبة في مشاريعهم التغريبية التخريبية، وخطر على توجهاتهم المنحرفة..

ولسان حال المارينز الإعلاميين يقول: نريد أن نخوض في دين الله تعالى كما نشاء، وننكر منه ما نشاء، ونُدخل فيه ما نشاء، ونزور من أحكامه ما نشاء، ونحل من المحرمات ما نشاء، ونسقط من الواجبات ما نشاء، وويل لمن احتسب علينا، أو كشف للناس جنايتنا على الشريعة، أو فضح عمالتنا لأعدائها، أو وقف في وجه مشاريعنا التغريبية التخريبية؛ إذ سيكون هدف حملتنا، وسنسقطه عند عامة الناس ولو بالكذب والبهتان، ونشي به للجهات السياسية والأمنية الداخلية والخارجية على أنه منبع للتطرف والإرهاب، ويمثل خطراً على السلم المحلي والعالمي.

وقد تبين من حملاتهم المستمرة والمنظمة على جملة من المحتسبين أن لديهم مراكز بحثية على غرار الغربية، همها جرد كل ما في مواقع المشايخ المحتسبين من كلمات ومقالات ومحاضرات وفتاوى، واجترار بعضها ولو كان قديماً قد قيل في مناسبات معينة، ومن ثَمَّ نشره والتعليق عليه، وإيهام القارئ على أنه صدر بالأمس، وفي حادثة معينة، وهو صدر قبل سنوات ضمن كلام طويل يقتطعون منه ما يريدون، كما فعلوا مع المشايخ الخضير والمنجد والأحمد..

وأظن أن هذه الحملات المارنزية الإعلامية المنظمة على المحتسبين من العلماء والدعاة ستستمر ويزداد ضحاياها، وخير رد عليها من أهل الخير مقابلتها بحملة انتصار قوية للمحتسبين، تفضح مخططات المارينز الإعلاميين، وتبين عمالتهم لأعداء الدين والوطن، وتكشف ممارسات التزوير والدجل التي يمارسونها على من يقصدون إسقاطهم من العلماء والدعاة، ويا ليت أن الصامتين من الأكاديميين والمثقفين وطلبة العلم والمدرسين يشحذون أقلامهم في نصرة الحق وأهله، والاحتساب على الباطل وجنده؛ لئلا يظن المارينز الإعلاميون أن حملاتهم المنظمة ترهب المحتسبين وتفت في عضدهم؛ وليعلموا أن الخير في هذه الأمة باق إلى آخر الزمان، وأن الناس منحازون إلى أهل الصدق والنصح والإصلاح من العلماء والدعاة الربانيين المصلحين، وأنهم متى ما قاموا بحملة على شيخ من شيوخ الاحتساب هبت أقلام غيورة تظهر الحق، وتدفع الباطل، وتنصر المظلوم، وتنصفه ممن ظلمه..وحينها سيعلم المارينز الإعلاميون أن معركتهم خاسرة، وأنه لا مكان لمشاريعهم التغريبية في بلاد أسست على التوحيد، وعلى الاحتساب لظهور كلمة التوحيد وعلوها، ودحض ما يعارضها أيّاً كان مصدره أو قائله.

لقد أسفرت حملة كتائب المارينز الإعلامية عن وجهها الكالح، وأعلنت عن هجومها على الاحتساب وأهله بالتزامن مع بدء الحملة العسكرية للمارينز الأمريكيين على بلاد الأفغان والعراق تحت ذرائع الكذب والبهتان، وهي بحمد الله تتكسر وتخسر، وسوف يتكسر ذنبها الإعلامي العربي عامة، والسعودي خاصة على أيدي رجال الاحتساب الذين يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وينصحون للراعي والرعية، ولا يخشون في الحق لومة لائم.
[يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ] {التوبة:32-33}

الخميس 3/8/1431هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
إبراهيم الحقيل
  • مقالات
  • كتب
  • خطب
  • الصفحة الرئيسية