اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/hogail/12.htm?print_it=1

لن ينجح التغريب في السعودية.. لماذا؟!

إبراهيم بن محمد الحقيل


بسم الله الرحمن الرحيم


أكتب هذا المقال والحملة الجائرة على أشدها تتناول الشيخين المحتسبين: د. عبد العزيز آل عبد اللطيف، ود. يوسف الأحمد..
أما الأول فالهجوم عليه من أدعياء السلفية الذين يرتزقون بإظهار طاعة ولاة الأمر، وهم أكثر من يغشهم ويخالفهم. وأما الثاني فالهجوم عليه من الليبراليين.
ولا أشك أن الهجوم على الشيخين الفاضلين من هاتين الطائفتين المنحرفتين المتشابهتين في كثير من أصولهما قد تم طبخه وتنسيقه في مكاتب الذين يحاربون الحسبة والمحتسبين، ويريدون تغريب العباد والبلاد، ولهم محاولات دءوبة في ذلك لن يكون آخرها دعم ومؤازرة حملة تمرد المرأة وقيادتها للسيارة، واستخدام نفوذهم بالإيعاز لوكلائهم في واشنطن بتحريك اللوبيات السياسية للضغط على الحكومة السعودية..ذلك التحريك الذي أنتج تصريح كلنتون، ورسالة الكونجرس لمن أعلنت تحديها للحكومة بقيادتها للسيارة.
والشيخ آل عبد اللطيف له جهود في كشف عوار الطائفة الأولى، وبيان بعدها عن المنهج السلفي الذي تدعيه، كما أن الشيخ الأحمد له جهود في كشف الطائفة الثانية التي تريد تغريب البلاد وإفساد العباد بقوة القرار السياسي.

والحقيقة أن بين الطائفتين المنحرفتين قواسم مشتركة كثيرة منها:
1- استهداف المصلحين المحتسبين، فأدعياء السلفية يستهدفونهم بدعوى الخروج على ولي الأمر؛ لأنهم يضيقون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى حد إنهائه، والليبراليون بدعوى حرية الرأي والحرية الشخصية.
2- استخدام كل الوسائل لإسقاط خصومهم كالوشاية والكذب والبهتان والتزوير وغير ذلك، فالغاية عندهم -وهي إسقاط المحتسبين- تسوغ كل الوسائل المحرمة، وفي الهجوم الأخير على الشيخين الكريمين أنواع من البهتان والكذب المكشوف.
3- اشتراكهم في تصنيف خصومهم المحتسبين ووصفهم بالصحويين أو الإخوانيين أو السروريين أو القطبيين أو الإرهابيين أو الخوارج ونحو ذلك، حتى إن كثيرا من مقالاتهم في هذا تتشابه إلى حد كبير كأن بعضهم ينقل من بعض، ولو أخفي اسم صاحب المقال لما عرف القراء هل هو ليبرالي أم من مدعي السلفية.
4- التعاون بينهم على الإثم والعدوان، وما تسلق الليبراليون الذين يجهلون النصوص عليها، وأوردوا الشبه في دلالتها إلا بمعونة أدعياء السلفية والتنويريين لليبراليين.
5- الارتزاق بأذية الناس، فأصحاب هاتين الطائفتين يرتزقون من منهجهم الفاسد، ويتخذونه سلما للوصول إلى أغراض دنيوية، وإلا فأدعياء السلفية يخالفون منهج السلف في التعامل مع المخالف، ويخالفونهم في غش ولاة الأمر من حيث إنهم يظهرون النصح لهم، والليبراليون يخالفون أصول الليبرالية التي من المفترض أنها تقبل الرأي الآخر، وتعتمد على قرار الأكثرية، وهم يصادرون اختيار الأكثرية، ولا يقبلون من الرأي إلا الموافق لأهوائهم ونفاقهم..
والتغريب في السعودية يقوم على جهود الليبراليين الدءوبة في توطينه وفرضه، مع معونة التنويريين لهم بالتهوين من شأنه، واستخراج الرخص من الخلاف ولو كان ضعيفا لتسويغ المنكر وتشريعه، ومعونة أدعياء السلفية بترك الليبراليين يسرحون ويمرحون ويفسدون البلاد والعباد، وتوجيه حرابهم وسهامهم للمحتسبين المصلحين لإشغالهم عن مناكفة الليبراليين، ورد عدوانهم على الدين، وتسليط سيف التهمة بالتكفير عليهم.

والحقيقة أن بحث مستقبل التغريب في السعودية ينبغي تناوله من محاور ثلاثة محلية وإقليمية ودولية لدراستها ومعرفة فاعليتها فيه، واستشراف مستقبله..
1-أما المحلية فلا يخفى تمكن الليبراليين خلال السنوات الأخيرة من مفاصل القرار السياسي، وامتلاكهم الوزارات المؤثرة التي بها يستطيعون فرض التغريب وتوطينه في السعودية، وهي وزارات الإعلام والتربية والتعليم والعمل:
فبالإعلام يروجون لأطروحاتهم بين عامة الناس، ويحجبون الآراء المخالفة لهم، ويقصون خصومهم ويفترون عليهم، كما فعلوا مع المشايخ الشثري واللحيدان والمنجد والأحمد وغيرهم.
وبوزارة التربية والتعليم يقلصون التعليم الديني، ويوطنون للتغريب بفرض الاختلاط ورياضة البنات وغير ذلك.
وبوزارة العمل يضيقون فرص الوظائف النسوية غير المختلطة، ويوسعون المختلطة لإجبار النساء عليها تحت وطأة الحاجة.
والحقيقة أنه لولا الممانعة القوية من المشايخ والمحتسبين، واصطفافهم سدا منيعا ضد التغريب لاستطاع الليبراليون فرض ما خططوا له بسرعة كبيرة، وانتقلوا إلى خطوات تالية. ولا بد من الإشادة بمواقف المشايخ والمحتسبين الذين واجهوا عدوانالليبراليين، واستفزازاتهم المتكررة بنفس طويل، وصبر جميل، وحكمة بالغة، ولم يستطع الليبراليون جرهم إلى ما أرادوا.

2- وأما من الناحية الإقليمية فيأتي تمكن الليبراليين في السعودية في أوج التسلط الليبرالي العربي على الإسلام وأهله؛ وذلك بعد انتصار مباحث أمن الدولة المصرية على الجماعة الإسلامية فيحرب دامت ربع قرن، حتى تم تدجين قادة الجماعة الإسلامية ليصبحوا أبواقا للنظام المصري الساقط. وفي تونس كان النظام التونسي قد أحكم قبضته بقوة على الشعب التونسي، وسعى في وأد أي مظهر من مظاهر التدين؛ ولذا كان النظامان التونسي في قمعه لأي تدين، والمصري في الانتصار على الجماعة الإسلامية محل إعجاب وثناء الليبراليين السعوديين، الذين كانوا يحاولون دفع الحكومة السعودية إلى انتهاج الأسلوبين التونسي والمصري في قمع التدين، وتجفيف منابعه؛ حتى إن أحد المنظرين الليبراليين دعا بصفاقة إلى أن تتعامل الدولة مع ممانعة المشايخ للتغريب كتعامل تونس ومصر مع التيار الإسلامي.

3- وأما من الناحية الدولية فإن سقوط الاتحاد السوفيتي فتح شهية أمريكا لفرض قيمها الليبرالية على العالم كله، ولا سيما بعد أحلام الياباني المتأمرك فوكياما بأطروحاته عن نهاية التاريخ عند القيم الليبرالية التي يجب أن تسود العالم بأجمعه.

ثم كانت عمليات سبتمبر مسوغا أمريكيا لفرض القيم الليبرالية بالتدخل العسكري الذي أعلنت عنه الإدارة الأمريكية ويطال ثلاثا وستين دولة، بدأتها بأفغانستان فالعراق متبعة سياسة الأرض المحروقة، وممارسة أكبر قدر ممكن من الغطرسة والإذلال للشعوب المغلوبة كحشر مئات الأفغان في حاويات مكتومة حتى قضوا، وإذلال السجناء في سجن أبو غريب في العراق، وغير ذلك من الممارسات التي كان المقصود منها إذلال المسلمين وكسر إرادتهم،وكان في إنهاء حكومة طالبان رسالة لأي نظام يريد تطبيق الإسلام أن مصيره مصير طالبان، وفي إنهاء النظام العراقي والقبض على صدام حسين ثم إعدامه رسالة إلى أي نظام قومي يريد الممانعة، أوأي حاكم يقاوم الإملاءات الأمريكية الصهيونية أو يناقشها فإن مصيره مصير صدام حسين وحكومته.
وكان الإعلام الليبرالي السعودي بصحفه وفضائياته يرقص طربا للغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وعدساته تنقل بالصورة الحية مشاهد إذلال الأمريكان للأفغان والعراقيين، وتبشر بعصر الحرياتالأمريكية وانتهاء الإيدلوجيا، ومن راجع الإنتاج الليبرالي الصحفي والفضائي آنذاك اتضح له أن الليبراليين السعوديين كانوا أخلص من الإعلاميين الأمريكيين وأحرص على فرض المشروع الأمريكي في الشرق الإسلامي .

ثم وقعت موجة الغلو والتفجير في السعودية التي ما فرح بها أحد من السعوديين إلا طائفتان هما:
مدعو السلفية للتأكل والارتزاق بها، والتزلف لأصحاب القرار بمكافحتها، وتصفية خصومهم برمي كل من خالفهم أن له توجهات تكفيرية تفجيرية.
والليبراليون لتوجيه الحكومة التي كانت تقاوم الضغوط الأمريكية إلى قمع التدين وتجفيف منابع الإسلام، وفتح أبواب الشهوات.
وقد صرح بعض كبار الليبراليين السعوديين في فرح وحبور بأن أحداث سبتمبر إن كانت أصابت السلفية في قدمها فإن تفجيرات السعودية ستصيبها في رأسها، مبينا أن مرحلة جديدة ستنتقل لها السعودية، وهو يعني بالطبع تغريب البلاد وأمركتها .

كانت كل الأحداث على المحاور الثلاثة المحلية والإقليمية والدولية مبشرة لليبراليين بقلب السعودية إلى دولة ليبرالية في أسرع وقت،وحرق المراحل اللازمة لذلك، وتجاوز المشايخ والشعب كله، بلوتجاوز الممانعين داخل النظام الملكي المقتنعين بأنه لا استقرار للحكم في المملكة إلا بالحفاظ على ما وحدت عليه البلاد، وهو الإسلام بمنهجه السلفي الأثري ؛ وهذه القناعة الليبرالية بحتمية التغيير في السعودية وتجاوز الدين وأهله تفسر لنا كيف أن الليبراليين خلعوا الأقنعة التي تسترهم، وتخلوا عن تقيتهم التي لزموها طيلة العقود الماضية، وأعلنوا عداءهم السافر للدين وأهله، وصرحوا برفضهم للإسلام برؤيته السلفية الأثرية، وطعنوا فيبعض رموز الصحابة والعلماء، وقدحوا في كثير من الأحكام المحكمة الواضحة بكل صفاقة؛ لأنهم ضمنوا أن كل المعطيات في صالحهم، وأنه لا عودة للمؤسسة الدينية في السعودية التي تم إضعافها إلى أقصى حد ممكن بالترغيب والترهيب بنفوذ الليبراليين.

ولكن الله تعالى بلطفه وحكمته، وحفظه لدينه، ونصره لأوليائه؛ قد قلب كل هذه المعطيات إلى قوة للإسلام عامة وللتيار السلفي السعودي على وجه الخصوص، وذلك حين استطاع العلماء والمحتسبون امتصاص كل أنواع العدوان الليبرالي، وتجديد الأساليب في مقاومة التغريب بما يوافق هذه المرحلة العصيبة، فلم يستطع الليبراليون كسرهم وإنهاءهم رغم مكرهم الكبير، وبهتانهم الكثير، وعدوانهم على رموز الاحتساب من العلماء والدعاة، وكما يقال الضربة التي لا تقتل صاحبها تقويه، وهو ما ظهر أثره في الأساليب الاحتسابية المتجددة، إلى أن بدأت الكفة ترجح لصالحهم، مع تقلص النفوذ الليبرالي السعودي، وفقده لكثير من مكتسباته، وبيان ذلك يكون عبر المحاور الثلاثة المحلية والإقليمية والدولية:

1- أما المحلية فقد قاد الغرور والاستكبار الليبراليين السعوديين إلى تجاوز الممانعين داخل مؤسسة الحكم، وتحديهم بصفاقة لا نظير لهافي قضايا لا تستحق ذلك، كفرض الاختلاط بالقوة في معرض الكتاب بعد قرار منعه، وتجاوز الصحفيين السعوديين على بعض المسئولين الفاعلين في نظام الحكم، وانكشاف سوأة الليبراليين السعوديين للشارع السعودي بعد الكذب المكرور والمتعمد على العلماء والدعاة والهيئات والمناهج، وفضح صلاتهم بالأعداء حتى أطلق عليهم وصف (زوار السفارات) وضعف نفوذهم بشكل كبير عن ذي قبل، وإن كان المتنفذون منهم يلقون بآخر محاولاتهم لفرض التغريب قبل رحيلهم الذي يتوقعونه في أي لحظة.

2- وأما الإقليمية فإن الثورتين التونسية والمصرية كسرت رقبة الليبرالية العربية، وأزالت وهم الاستقواء على الشعوب بالعسكر لفرض ما لا تريده من التغريب، ومنعها مما تريده وهو التزام شعائرالدين، وكان أبرز مظهر في الثورتين اصطفاف جموع المتظاهرين الغفيرة في الشوارع والميادين لإقامة الصلوات، وعاد الحجاب وإعفاء اللحى إلى تونس بعد منعها خمسة عقود، وفي مصر تنفس الناس الدين بعد سقوط النظام الليبرالي القمعي، وانتشرت الدعوات لإظهار السنة وإعفاء اللحى والالتزام بأحكام الدين التي غيبت مدة طويلة. وظهرت كثير من مظاهر العبودية لله تعالى التيستمحو بإذن الله تعالى مظاهر الشهوانية الليبرالية..رغم محاولات العلمانيين مع الغربيين الالتفاف على الثورتين، والاستماتة فيتوجيه مسارهما وجهة علمانية.
وبهذا يسقط وهم الليبراليين السعوديين بلزوم فرض التغريب على المجتمع السعودي بالقرار الحكومي والضغط الغربي؛ لأن الحكومات العربية التي سلمت من الثورات، ومن خلفها الغرب أيقنوا أنه لا يمكن الوقوف أمام رغبة الشعوب.

3- وأما الدولية فقد ثبت لدى الغرب وأمريكا على وجه الخصوص حقيقتان مهمتان:
أولهما: أن الليبرالية العربية ظاهرة صوتية اختطفت الإعلام في ظل حكومات قمعية، وتبين بسقوط النظامين التونسي والمصري عدم وجود جذور ليبرالية لدى الشعوب المسلمة رغم عقود من المسخ والإرهاب العلماني للقضاء على كل مظهر إسلامي.
وأيضا أدت أحداث سبتمبر إلى زيارات كثيرة ملحوظة لباحثين وصحفيين أمريكيين للسعودية بصورة غير رسمية، ونزولهم إلى الشارع السعودي، لمحاولة معرفة اهتمامات الناس وطريقة تفكيرهم، للوصول إلى أسباب ودوافع مشاركة ستة عشر سعوديا في أحداث سبتمبر، وكانت هذه الخطوة -رغم فرح الليبراليين السعوديين بها- كفيلة بكشف سيل الأكاذيب الليبرالية السعودية على الأمريكيينالذين كانوا يصورون لهم بأن المؤسسة الدينية مع بعض الصقور في البلاط الملكي يمارسون القمع والإرهاب الديني ضد الشعب السعودي الذي يريد القيم الغربية، ويرحب بها، فتغيرت القناعات الأمريكية تجاه الليبراليين السعوديين الكذبة، وثبت لديهم انحياز الشارع السعودي للتدين وأهله.
كما ثبت عقب الثورة المصرية الفشل الذريع لليبراليين حتى إنهم عجزوا عن تأسيس حزب سياسي بعد سقوط النظام، واعترف الغربيون أن الإخوان المسلمين كانوا أكثر كفاءة سياسية وديمقراطيةمن الليبراليين، بل حتى السلفيون وهم حدثاء في العمل السياسي في مصر استطاعوا ترتيب أنفسهم، وتشكيل أحزاب تمثلهم.
ومن الخزي الليبرالي أنهم انقلبوا على الديمقراطية في مصر بحجة أن الشعب لم يتم تأهيله لها، وطالبوا ببقاء المجلس العسكري ليدير البلاد؛ وهذا كله يتناقض كليا مع المبادئ الليبرالية، وما فعلوا ذلك إلا لعلمهم أنهم يعيشون على هامش المجتمع، وأن تسلمهم مناصب قيادية في مصر ما كان لكفاءتهم ولا لرضى الشعب بهم وإنما لتزلفهم للمستبدين.
وإذا كان هذا الفشل الذريع لليبرالية في مصر قبلة الليبراليين العرب، وأول ميدان لتغريب المرأة كان فيها على أيدي الفرنسيين والإنجليز، وهي مصدرة القيم الليبرالية الشهوانية عبر السينما والمسلسلات والأفلام، وعبر صحفها ومجلاتها الكثيرة. ومفكروها هم أساتذة الليبراليين العرب من المحيط إلى الخليج، فكيف بالليبراليين السعوديين الذين لن يبلغوا في عددهم وفكرهم عشر الليبراليين المصريين، ويغلب على أكثرهم الجهل والحمق؟!

وثانيهما: أن ما تقرر لدى أمريكا في ثورتي إيران ورومانيااللتين أطاحتا بالشاه وشاوشيسكو ترسخ أكثر في القناعةالسياسية الأمريكية خاصة والغربية عامة بثورتي تونس ومصر من أن مصالح الغرب مع الشعوب وليست مع الحكومات، وأن الحكومات قد تسقطها الشعوب فيفقد المتحالف معها مصالحه؛ ولذا تخلت أمريكا عن أخلص عميل لها في مصر لما رأت الشعب قد عزم على إسقاطه.
إن البلدان العربية التي سلمت من الثورات -وخاصة السعودية- لا خيار أمامها للاستقرار إلا بالانحياز للأكثرية، والتوقف عن مراعاة الأقلية، والكف عن إعطائها كثيرا من الامتيازات على حساب الأكثرية، ولا سيما مع انكشاف مواقف الرافضة والليبراليين من ثورة حنين؛ إذ كان الرافضة منظميها والداعين إليها، وكانالليبراليون يدعمونها ضمنا بالسكوت عنها، ولم يقف في وجهها إلا العلماء والدعاة والمحتسبون، وخاصة العالمين الجليلين عبد الرحمن البراك وعبد العزيز الراجحي، وهما لا ينتميان إلى جهات الإفتاء الرسمية.
لقد آن الأوان في السعودية إلى أن تعاد الأقلية الشيعية إلى حجمها الطبيعي، وأن لا تعطى أكبر من حجمها وعددها، وآن الأوان أن يُركل التيار الليبرالي بعيدا عن مصادر القرار والإعلام والعمل والتعليم؛ إذ كان مصدرا للفتن وإثارة الرأي العام ضد الحكومة، وإذا كان لا بد من مشاغبات الليبراليين للتيار الإسلامي لإحداث توازن سياسي فإن هذا التكتيك كان صالحا قبل اندلاع الثورات العربية، وأما بعدها فإن أي استفزاز ليبرالي للأكثرية يعد مخاطرة غير محسوبة، ولعبا بالنار، ولا سيما أن هبة الشعوب العربية التي أسقطت حكوماتها كانت مفاجئة للجميع..
ويعزز ذلك أكثر أن جميع وسائل القمع لم تثن الشعوب الثائرة عن مواصلة الثورة، ففي ليبيا وسوريا استخدمت جميع الأسلحة لقمع المتظاهرين، ولا يزالون صامدين ويزدادون يوما بعد يوم، وفي سوريا على وجه الخصوص طائفة نصيرية تصل إلى ما نسبته العشر من مجموع السكان، وتمسك بتلابيب المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية أربعين سنة، ومع ذلك عجزت عن إخماد ثورة الأكثرية.

إن صمام الأمان في عهد الثورات العربية لأي بلد يريد الاستقرار هو إرضاء الأكثرية، والاتكاء عليها، فمن ناحية عملية لا تستطيع الأقلية الثورة، كما لم يستطع الرافضة إنجاح ثورة حنين، ومن ناحية سياسية فاللعبة الديمقراطية التي يناكف بها الغرب حكامالعرب تقوم على اختيار الأكثرية ورضاهم، فإذا رضيت الأكثرية عن الحكومة خرست الأبواق الغربية عنها.
والذي أظنه أن الأقلية الشيعية والليبرالية في السعودية بعد فشل ثورة حنين ستسعى جاهدة لاستفزاز الأكثرية لإخراجها للشارع بأي طريقة، وقراءتي للتمرد النسوي الشيعي والليبرالي لقيادة المرأة للسيارة ليس المقصود منه إقرار القيادة وإحراج الحكومة بسياسة فرض الأمر الواقع، كما يظن البعض، وليست أيضا من باب المطالبة بحق يرينه لهن، وإنما الأمر أكبر من ذلك؛ إذ إن من يحرك هؤلاء النسوة يريد استفزاز الأكثرية لتنزل للشارع فتصطدم بهن، الأمر الذي سيؤدي إلى تدخل الحكومة لحفظ الأمن، ومن ثم محاولة صدم الأكثرية بها، وأتوقع أن تزداد الاستفزازات الليبراليةفي مستقبل الأيام؛ لأن المطلوب الليبرالي الشيعي هو إنزالالأكثرية للشارع بأي طريقة كانت، ومن النصيحة للأكثرية أن تكون فطنة لهذا الأمر فلا تستفز بسهولة، كما أن من النصيحة للجهات المسئولة إيقاف هذه الاستفزازات حفظا للأمن والاستقرار..
حفظ الله تعالى البلاد والعباد من كيد الكائدين، وتربص المتربصين، وردهم على أعقابهم خاسرين، اللهم آمين..


ليلة الثلاثاء 26/7/1432

 

إبراهيم الحقيل
  • مقالات
  • كتب
  • خطب
  • الصفحة الرئيسية