صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لن نقبل بالدنية ... بزعم الحرية!!!

محمد حسن يوسف

 
لقد قامت جميع دول العالم علينا، فاغتصبوا المسلمات في البوسنة والهرسك وفي الشيشان، ودمروا المسلمين في فلسطين وأفغانستان والعراق، ومزقوا المصاحف ووضعوها في مراحيض سجون جوانتانامو. فلما لم يجدوا منا سوى الشجب والاستنكار، قاموا بما يجلب لنا العار!! سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم في الدانمرك! رسموا صورا كاريكاتيرية تنال منه صلى الله عليه وسلم وتسيء إليه وإلى تعاليم ديننا الحنيف!! وظنوا أننا إنما أمة من الأشباح، فلم يعودوا يحسبون أن هذه الأمة يمكن لها أن تتكلم أو تفتح فمها أمام ما يفعلونه. فهي حرم مستباح!!
ولكن رب ضارة نافعة!! وكما أخبر الله عز وجل في سورة النور تعقيبا على حادثة الإفك الشنيعة التي رُميت بها أطهر نساء المسلمين، السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، إذ قال تعالى: ﴿ َلا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ ] النور: 11 [.
فإذا بالأمة التي كانت ميتة، تقوم من رقادها عن بكرة أبيها، وتنتفض للذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الأمر الذي أدهش هؤلاء الأوغاد غاية الدهشة!! فلم يكونوا يتوقعون ردة الفعل العنيفة تلك لما اقترفت أيديهم! وإزاء ذلك أرجعوا ما قاموا به إلى ما يتمتعون به من حرية فكرية!! فمن حق هذه الحرية المزعومة لديهم أن تتطاول على الجميع، بل على ذات الله أيضا أن أرادوا، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا!!
إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أصل عندنا من أصول الإيمان. بل إن حبه صلى الله عليه وسلم مقدم عندنا عن أي حب آخر: سواء للنفس أو للأهل والولد. ففي الحديث الصحيح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ". وفي رواية لمسلم والنسائي: " حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ". [ صحيح. رواه البخاري (15)، ومسلم (44/69) و(44/70)، والنسائي (5028) و(5029). واللفظ لمسلم. وانظر جامع الأصول (ح/ 21) ].

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وذكر الولد والوالد أدخل في المعنى لأنهما أعز على العاقل من الأهل والمال، بل ربما يكونان أعز من نفسه ... ومن علامة الحب المذكور أن يعرض على المرء أن لو خُير بين فقد غرض من أغراضه أو فقد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كانت ممكنة، فإن كان فقدها أن لو كانت ممكنة أشد عليه من فقد شيء من أغراضه فقد اتصف بالأحبية المذكورة، ومن لا فلا. وليس ذلك محصورا في الوجود والفقد، بل يأتي مثله في نصرة سنته والذب عن شريعته وقمع مخالفيها. ويدخل فيه باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي هذا الحديث إيماء إلى فضيلة التفكر، فإن الأحبية المذكورة تعرف به، وذلك أن محبوب الإنسان إما نفسه وإما غيرها. أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الآفات، هذا هو حقيقة المطلوب. وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفة حالا ومآلا. فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان إما بالمباشرة وإما بالسبب علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات، فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره، لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره، ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه. ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله عنهم هذا المعنى أتم، لأن هذا ثمرة المعرفة، وهم بها أعلم، والله الموفق.

وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم (1/291): لم يرد به حب الطبع، بل أراد به حب الاختيار، لأن حب الإنسان نفسه طبع ولا سبيل إلى قلبه ... فمعناه لا تصدق في حبي حتى تفني في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك، وإن كان فيه هلاكك ... وقيل: المحبة ثلاثة أقسام محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس. فجمع صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في محبته. ومعنى الحديث: أن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي صلى الله عليه وسلم آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، لأن به صلى الله عليه وسلم اُستنقذنا من النار، وهُدينا من الضلال ... ومن محبته صلى الله عليه وسلم نصرة سنته، والذب عن شريعته، وتمني حضور حياته، فيبذل ماله ونفسه دونه. وإذا تبين ما ذكرناه تبين أن حقيقة الإيمان لا يتم إلا بذلك، ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته على كل والد، وولد، ومحسن، ومفضل. ومن لم يعتقد هذا، واعتقد سواه، فليس بمؤمن.

ولذلك فلم يكن غريبا أن يهب المسلمون لنصرة نبيهم صلى الله عليه وسلم والذود عن جنابه. ونجد في هذا الأمر بشير خير، فلقد توحدت الأمة جميعها على هذا الأمر بعد طول تفرق. ونرجو من الله تعالى أن تدوم هذه الوحدة. وهذه الوحدة هي من أشد الأشياء التي تحسدنا سائر الأمم عليها. ففي الحديث الصحيح عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا حَسَدَتْكُمْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلاَمِ وَالتَّأْمِينِ. [ صحيح / صحيح سنن ابن ماجه للألباني، (863) ]. قال العلامة السندي في شرحه على ابن ماجه: وذلك لما علموا من فضل السلام والتأمين وبركتهما، أي فاللائق بكم الإكثار فيهما.
فإذا كان إفشاء السلام والتأمين في الصلاة من مظاهر وحدة المسلمين التي تحسدنا عليها اليهود، فما بالك بالأمة كلها وقد وقفت جميعها صفا واحدا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم!!!

وفي هذه المحنة التي نمر بها حاليا لي بعض الملاحظات اطرحها فيما يلي:
أولا: أدعو إلى استمرار التوحد والاجتماع، وألا يكون ما حدث من لم شمل للأمة قد حدث بسبب موقف معين، سرعان ما تزول آثاره كعادتنا دائما بعد مرور عدة أيام أو شهور. نريد للأمة أن تلتقي جميعها، وأن تظل على توحدها، فهذا التوحد هو الذي يخيف أعدائنا، وهو الذي يثبت قوتنا، ويسرع بنهضتنا وقيامنا.

ثانيا: أدعو إلى استمرار الضغط على الدانمرك، فهي البادئة، وهي التي تتولى كِبر هذه الجريمة. وأما ما حدث من قيام بعض الصحف الألمانية والأسبانية والإيطالية والسويسرية والهولندية والتشيكية بإعادة نشر الرسوم المسيئة والتي كانت صحيفة " جولاند بوستن " الدانمركية أول من نشرها في 30 سبتمبر من العام الماضي، فإنما حدث بغرض تخفيف الضغط عن الدانمرك بعد المعاناة الشديدة التي عانى منها اقتصادها بسبب المقاطعة لمنتجاتها. أما إذا كان بمقدورنا مقاطعة جميع هذه الدول، فأهلا ومرحبا!! ولكن نريد التركيز في البداية على تلك الدولة، حتى نعطي درسا لمن تسول له نفسه فيما بعد بما سوف يلقاه من مصير جزاء تطاوله على مقدساتنا وثوابتنا.

ثالثا: المقاطعة الفكرية أهم وأجدى لنا من المقاطعة الاقتصادية. فانا أرحب للغاية بهذه المقاطعة الاقتصادية المفروضة، بل وأدعو إلى المزيد منها وعلى جميع تلك الدول الصليبية التي لا تحترمنا ولا تراعي مشاعرنا. ولكني في نفس الوقت أريد أن تتطور هذه المقاطعة الاقتصادية، لكي تتحول إلى مقاطعة فكرية، ننبذ بها جميع الأفكار والمبادئ التي استوردناها من الغرب، ونعود فيها إلى أسس ديننا وثوابت سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهذه هي أكبر نصرة لنبينا صلى الله عليه وسلم في هذه المحنة التي نمر بها.

رابعا: تتعالى الآن صيحات بين شباب المسلمين عبر رسائل المحمول (E-mails) تدعو جميع المسلمين للصيام والدعاء على من أهان النبي صلى الله عليه وسلم. وأنا أيضا مع هذا الاتجاه، فيجب علينا التضرع واللجوء إلى الله تعالى لكي يكشف عنا هذه الغمة التي نمر بها. ولكني في نفس الوقت أود أن أوكد على ضرورة أن تترسخ لدينا سنة الله عز وجل الكونية للتعامل مع هذه الأحداث. قال تعالى: { إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [ محمد: 7 ] . فيجب علينا بذل الجهد والمال في سبيل نصرة دين الله والدفاع عن نبيه صلى الله عليه وسلم، والصبر على ذلك، وبعد هذا الجهد والصبر سيكون العون والفضل من الله – بإذنه تعالى – في نصرنا. أما الاكتفاء بالدعاء، رغم أهميته وضرورته والحاجة إليه، فلن يكون هذا هو سبيل النصر.

7 من المحرم عام 1427 من الهجرة ( الموافق في تقويم النصارى 6 من يناير عام 2006 ).
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية