اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/hasn/167.htm?print_it=1

رفع معدلات الادخار القومي لدعم استقرار الاقتصاد الكلي

محمد حسن يوسف
مدير عام - بنك الاستثمار القومي


يكشف معدل الادخار القومي في مصر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي انخفاضا واضحا، بما يعكس أزمة بنيوية يعاني منها الاقتصاد المصري يتحتم عليه مواجهتها إذا أُريد له الاستمرار في معدلات النمو المرتفعة التي حققها في السنوات الثلاث الأخيرة. كما يتبين ضعف هذا المعدل عند مقارنته بعدد من الاقتصادات الناشئة الأخرى، كما يتضح من الشكل التالي:

شكل رقم (1)
إجمالي المدخرات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لبعض الاقتصادات الناشئة

المصدر: المجلس الوطني المصري للتنافسية، ما بعد الأزمة المالية: التنافسية والتنمية المستدامة، التقرير السادس للتنافسية المصرية، يونيه 2009.

وبالبحث عن أسباب انخفاض معدل الادخار القومي في مصر، تتضح لنا عدة أمور يمكن إجمال أهمها فيما يلي:
أولا: انخفاض متوسط دخل الفرد وتواضع معدلات نمو هذا الدخل. فمن المعلوم أن دخل الفرد ينقسم ما بين الاستهلاك والادخار، فما يتبقى من الاستهلاك يتوجه تلقائيا للادخار. فإذا كان الجزء الموجه للاستهلاك ضئيلا بالأساس، بل ولا يكاد يكفيه، فإن ذلك يؤدي لانعدام الجزء الموجه للادخار، أو انخفاضه بشدة في حالة وجوده. كما أن تواضع معدلات نمو الدخل الفردي مقارنة بمعدلات نمو الأسعار قد أسهم هو الآخر في انخفاض معدل الادخار القومي، وهو ما ينقلنا إلى السبب الثاني.
ثانيا: ارتفاع معدلات التضخم، وبخاصة أسعار المواد الغذائية، بما يؤدي لعدم وجود أي فائض لدى الأسرة يمكن توجيهه للادخار. كما أن معدلات التضخم تفوق معدلات الفائدة على الودائع في البنوك، بما يعني أن معدلات الفائدة الحقيقية على المدخرات لدى الجهاز المصرفي تعتبر سالبة في حقيقة الأمر. وهذا ما يقتل الدافع لدى الأفراد للاحتفاظ بمدخراتهم لدى الجهاز المصرفي، ويجعلهم يبحثون عن ملاذات أكثر أمنا لوضع مدخراتهم فيها.
ثالثا: زيادة الاستهلاك الترفي والمظهري في الآونة الأخيرة، الأمر الذي أدى لقلة الموارد الموجهة للادخار. وقد ساعد على زيادة هذا النمط من الاستهلاك تطور وسائل الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة، والتي ساعدت في نقل نمط الحياة في الدول المتقدمة، والتي أخذ الجميع يلهث للحاق بها. تزامن مع ذلك طغيان الإعلام وظهور مسلسلات تحكي عن مجتمعات تفوق في الخيال قصص ألف ليلة وليلة. وتصور الحياة داخل قصور فاخرة، فأصبح طموح كل أسرة أن يكون لها من الإمكانيات ما يمكن أن يحقق لها نفس المستويات التي يطالعونها في تلك المسلسلات ليل نهار.
رابعا: يتصل بالسبب السابق اتجاه الجهاز المصرفي لتشجيع الإقراض الاستهلاكي، فأصبح الكثير من القروض المصرفية يتم توجيهيا لتمويل شراء السيارات والسلع الاستهلاكية المعمرة، مما زاد من النزعة الاستهلاكية لدى الأفراد، كما أدى لتوجيه الجزء المتبقي من الدخل الفردي لسداد القروض، وعدم توافر المزيد من الأموال من ثم لتوجيهها للادخار.
خامسا: عدم وجود أوعية ادخارية ملائمة تتناسب مع ميول شريحة كبيرة من المجتمع المصري. وهذا ما أدى لهروب مدخرات الأشخاص الذين يرفضون التعامل مع البنوك بشكلها الربوي الحالي، والذين يفضلون وضعها " تحت البلاطة " بدلا من ذلك، مضيعين على الاقتصاد القومي فرصة الاستفادة من هذه الأموال.
ولعل من أفضل الحلول لجذب تلك المدخرات هو العمل على إيجاد أوعية ادخارية جديدة تجذب تلك الأموال الهاربة لضخها في تيار الاقتصاد القومي مرة أخرى. ولا مانع في هذا الصدد من استحداث أوعية جديدة إسلامية على غرار الأوعية الإسلامية التي استحدثتها لندن لجذب مدخرات المسلمين إليها، ولتحتل لندن بذلك المركز الخامس عالميا في التعامل بالنظام المصرفي الإسلامي بعد كل من دبي وكوالالمبور والمنامة والدوحة.
كما أن هذه الأوعية الجديدة المناسبة سوف تعمل على تخفيف الضغوط المتزايدة على كل من سوق العقارات وسوق الذهب، اللذين يعدان الآن بمثابة قطاع ادخاري يضع فيه المواطنون أموالهم على سبيل الادخار أملا في تسييلها في المستقبل عند وجود الحاجة لذلك.

mohd_youssef@aucegypt.edu
5 من شعبان عام 1430 من الهجرة ( الموافق 27 من يوليو عام 2009 ).

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية