اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/hasn/161.htm?print_it=1

زيارة أوباما: وضع الصورة في إطارها الصحيح

محمد حسن يوسف
مدير عام - بنك الاستثمار القومي


ليس من شك في أن المتابع لخطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ألقاه مؤخرا في جامعة القاهرة قد أصيب بالانبهار ... فتدفق الكلمات من فم الرجل وإخفاء الشاشة التي يقرأ منها بحيث يشعرك وكأنه يتحدث بدون وجود ورقة مكتوبة يقرأ منها، مع امتلاء الخطاب بالآيات القرآنية، والترتيب المدهش للأفكار وتتابع سياقها ... كل ذلك لا يقوم به إلا نجم كبير وخطيب مفوّه ... ولكن يظل علينا إعادة التفكير في بعض الأفكار التي طرحها والرؤى التي بشر بها في خطابه حتى يمكننا فهم الصورة بشكل أعمق ...
في البداية ... علينا أن نتساءل: لماذا اختار أوباما إلقاء خطابه من القاهرة؟! وفي البحث عن الإجابة على هذا السؤال نعرف أن باراك أوباما كان قد أعلن فور توليه مهام الرئاسة عن توجيه خطاب " للعالم الإسلامي "، وأنه قد اختار بالفعل تركيا لهذا الخطاب ... وقد ألقى خطابه هناك في مجلس النواب التركي عشية عودته من اجتماع قمة العشرين ... فلماذا أراد تكرار ذلك الأمر مرة أخرى؟!
في الواقع أن رسالته الأولى لم تصل أو لم تُحدث الأثر المرجو منها ... فحيث جاء الخطاب رسميا من مجلس النواب التركي، لم يكن له ذلك الصدى الذي أُريد منه ... فكان أن اتفقت الآراء على إعادة توجيه ذلك الخطاب من مكان آخر من العالم الإسلامي ... وبعد استعراض عدة أماكن لإلقاء الخطاب منها، استقر الرأي على اختيار القاهرة ... وحيث أُريد للخطاب أن يكون " شعبيا " هذه المرة، فقد وقع الاختيار على جامعة القاهرة.
والتساؤل الثاني الذي يثور: هو لماذا تم التركيز على مخاطبة " العالم الإسلامي " وليس " العالم العربي " في هذه المرة؟ وللإجابة على هذا السؤال، علينا أن نعود للوراء عدة خطوات ... ففي مرحلة تقسيم تركة " الرجل المريض " أو الخلافة العثمانية، ثار في ذلك التوقيت فكرة الاختيار ما بين قيام الجامعة العربية أو الجامعة الإسلامية. وحيث كانت كبرى الدول الاستعمارية في ذلك الوقت ما زالت تعاني من وطأة آثار تنامي الشعور الإسلامي في نفوس الشعوب المنطوية تحت الخلافة العثمانية، فقد كان المطلوب في ذلك الوقت وأد هذا الشعور تماما وإذكاء حدة التنافسات الإقليمية والنعرات القومية. من هنا كان تشجيع بريطانيا العظمى آنذاك لفكرة الجامعة العربية، والتي أخذت على عاتقها مقاومة " العدو الإسرائيلي " على نطاق إقليمي منذ ذلك الوقت.
بعد نجاح إسرائيل في مخططاتها، واستكمالها لمقومات دولتها، أُريد لها تحقيق الاستقرار ... فكانت معاهدات السلام التي أُبرمت منذ نهاية حقبة السبعينات من القرن الماضي. ولكن هذه المعاهدات لم تحقق لإسرائيل الاستقرار المنشود، كما لم تتح لها تحقيق مشروعها الإقليمي القائم على ثالوث " العقل الإسرائيلي ورأس المال الغربي والعمالة العربية الرخيصة "، فكان الاتجاه لفرضه بالقوة من خلال قيام الولايات المتحدة باحتلال العراق لتغيير شكل المنطقة بما يخدم هذه الرؤية وتحقيق " الشرق الأوسط الكبير "! ولكن عدم نجاح إسرائيل في استكمال حلقات هذا المخطط من خلال فشلها في " حرب لبنان " أو " حرب غزة " من بعدها أدى إلى تغيير الرؤية مرة أخرى.
فكان أن استقر الفكر في هذه المرحلة على إذكاء النعرة الدينية مرة أخرى ... فإذا تمت مخاطبة العالم الإسلامي من خلال خطاب أوباما، فإن العالم يصبح مهيأ للحديث عن " العالم اليهودي ". وهذا ما كشف عنه خطاب بنيامين نتانياهو مؤخرا عن فكرة " الدولة اليهودية ". فهذه الدولة غير مسموح لإقامة " المسلمين الفلسطينيين " فيها، وإذا سُمح لهم بالإقامة فيها فليس لهم حقوق المواطنة فيها! كما أن " القدس " في هذه المرحلة تصبح مكانا " لأبناء إبراهيم " عليه السلام على حد قول أوباما – أي مكانا دوليا بلا سيادة يهودية إسرائيلية أو إسلامية فلسطينية عليه.
أما التساؤل الثالث والأخير، فهو لماذا هذا التوقيت بالذات؟! والإجابة على هذا التساؤل بسيطة! فالكل يعلم أن مركز الولايات المتحدة قد أصيب بالوهن الشديد في الآونة الأخيرة، وأن العالم يتهيأ لصعود قوى اقتصادية عالمية أخرى قد تجذب مركز الصدارة من الولايات المتحدة. فكان التفكير في مخاطبة وجدان الشعوب الإسلامية، التي تمثل نحو ربع سكان العالم. وحتى إذا كانت الشعوب الإسلامية ليست بالقدر الكافي من الترتيب لاتخاذ مواقف معينة أو التأثير فيها، فعلى الأقل يظل كسب ودها خيرا من إثارة تحفزها وغضبها.
هذه كانت مجرد قراءة مبدئية في خطاب الرئيس أوباما للعالم الإسلامي، ونحن في انتظار ما ستكشف عنه الأيام القادمة في هذا الخصوص!!

mohd_youssef@aucegypt.edu

23 من جمادى الآخرة عام 1430 من الهجرة ( الموافق 14 من يونيو عام 2009 ).

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية