اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/hasn/155.htm?print_it=1

زيادة الطلب المحلي هو الحل نحو الخروج من الأزمة!!

محمد حسن يوسف
مدير عام - بنك الاستثمار القومي

 
كما حدث في الثلاثينات من القرن الماضي، تتصاعد الشكاوى الآن من إتباع بعض الدول لما يعرف بسياسات " الأنانية التجارية "، وهي ما يطلق عليها beggar-thy-neighbor policies، وهي عبارة عن إتباع سياسات للتجارة الدولية تقوم على إجراء تخفيضات تنافسية في قيمة العملة وتطبيق قيود حمائية متزايدة بحيث تقيمها إحدى الدول لكي تحقق من ورائها المكاسب على حساب جيرانها التجاريين. وتقوم أية دولة بإتباع هذه السياسات من خلال زيادة حجم صادراتها، في الوقت الذي تقلل فيه من الاعتماد على الواردات من الدول الأخرى. فإذا ما قامت هذه الدولة بتخفيض قيمة عملتها، فإن ذلك سيجعل صادراتها أرخص أمام الدول الأخرى، مما يجعلها تحقق مكاسب كبيرة على حساب الدول الأخرى. وتستمد هذه السياسات اسمها من تأثيرها الناتج، حيث يترتب عليها زيادة أعداد المتسولين beggars في الدول المجاورة بسبب فقدان وظائفهم أو انخفاض أجورهم.
ولذا لم يعد غريبا أن نسمع تطاير الاتهامات المتبادلة من الدول تجاه بعضها: فالدول الأعضاء في منطقة اليورو تشكو من انخفاض قيمة الإسترليني، والأمريكيون يشكون من مناورات الصين بشأن اليوان، والدول ذات العجوزات تشكو من إفراط السلع المعروضة من الدول التي تتمتع بالفائض، والدول ذات الفوائض تشكو من الإجراءات الحمائية التي تتبعها الدول صاحبة العجوزات، ...، وهكذا!!
فمن هو الذي معه الحق؟! في واقع الأمر أن الكل على صواب من وجهة نظر تحقيق المصلحة الذاتية، وأن الجميع ليس على صواب من وجهة نظر الدمار الذي سيشمل الاقتصاد العالمي ككل إذا ما تمسك كل طرف بوجهة نظره الذاتية!! فمن المعلوم الآن للجميع أن حجم كعكة الاقتصاد العالمي في انكماش رهيب، فجميع الدول تعاني من انخفاض معدلات نموها، بل إن هناك عددا كبيرا من الدول التي تشهد معدلات نمو سالبة! وهذا ما يعني انخفاض الطلب العالمي ككل، والدخول في مرحلة غير مسبوقة من الركود العالمي. وهذا ما يفسر تزايد الاتجاه نحو تخفيض قيم العملات والحروب التجارية. ولذا فإن الحل هو العمل على زيادة الطلب العالمي، لكن يظل مطلوبا قيام الدول ذات الفوائض بإجراءات أكثر من الدول صاحبة العجوزات. فمن وجهة نظر الدول التي تعاني من العجز، فإن الدول صاحبة الفوائض " تسرق " طلبها المحلي!! على أن الدول صاحبة العملات القوية تعتبر إجراءات تخفيض العملة من الدول الأخرى بمثابة عملية غش وخداع، طالما أنها تضر بالصادرات التي تعتمد عليها كثيرا!!
ولكي نفهم طبيعة التشابك القائمة، فإنه طالما أن الدولة تعاني من الضعف في طلبها المحلي والزيادة في قيمة العجز في ميزانها التجاري، فإن تخفيض قيمة العملة هو أول ما قد ينصح به أي خبير اقتصادي. على أن هذا الإجراء سوف يُقابل من الدول الأخرى بمزيد من الاستياء والاستهجان!! كما سيتزايد اعتراض الدول ذات الفوائض الكبيرة التي تقوم بحماية نفسها من ممارسات الدول ذات العجوزات والمثقلة بالديون.
وبصفة عامة، سوف تتزايد الشكاوى من سياسات " الأنانية التجارية " على أية حال طالما أن الاقتصاد العالمي يعاني من انكماش في حجم الطلب. ويكون المخرج من هذا الوضع الحرج هو إتباع سياسات مالية ونقدية، بل وهيكلية في بعض الأحيان، تهدف لتدعيم الطلب في الأجل المتوسط. فالبديل للنزاعات بشأن قيم العملات والحروب التجارية هو إنعاش الطلب المحلي.
وعلى ذلك ففي حالة مصر، يظل من المطلوب تحفيز الطلب المحلي، من خلال خلق فرص عمل جديدة يترتب عليها توليد مزيد من الأجور، بما يعني زيادة الاستهلاك العائلي. كما يظل من المطلوب أيضا الإبقاء على دعم الفقراء، للحفاظ على مستوى طلبهم عند مستواه الحالي على الأقل. أما تخفيض قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى، وخاصة الدولار، وهو الخيار المطروح بشدة في الآونة الأخيرة، فيظل من الأمور الشائكة: فمن ناحية سوف يؤدي ذلك لرخص قيمة الصادرات المصرية في الأسواق الخارجية، بما يؤدي لزيادة تنافسيتها، ولكنه في نفس الوقت سوف يؤدي لزيادة تكلفة المعيشة في الداخل، بما يعد معوقا أمام إنعاش الطلب المحلي!!

mohd_youssef@aucegypt.edu
19 من ربيع الأخر عام 1430 من الهجرة ( الموافق 15 من ابريل عام 2009 ).

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية