صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







هل تكون قمة لندن طوق النجاة للاقتصاد العالمي؟!!

محمد حسن يوسف
بنك الاستثمار القومي

 
تعتبر القائمة التي يعدها القادة لقمة مجموعة العشرين المزمع عقدها في لندن في الثاني من ابريل القادم - تعتبر مثيرة للغاية. فكل بنودها عبارة عن مشكلات يراد إيجاد حلول جذرية لها. ولكن ليس هذا هو وقت الحديث عن إعادة تصميم للنظام القائم أو توقع شكل البديل له، إنما هذا هو وقت إنقاذ النظام الاقتصادي والتجاري العالمي من الانهيار. فحينما تشب النيران في المنزل سيكون جل همك هو إطفاء تلك النيران، وليس اختبار مدى صلاحية نظام الإطفاء الموجود!!
ويعتبر مؤتمر لندن هو الخطوة الثانية، بعد الاجتماع الطارئ لقادة مجموعة العشرين في واشنطن خلال الشهور الأخيرة لفترة رئاسة جورج بوش الابن. ولم يتمخض هذا المؤتمر الأول إلا عن أقل القليل بشأن وضع حلول للأزمة المالية العالمية الحالية، بالإضافة إلى تأكيد حالة الغموض السائدة. أما أكثر الخطوات إيجابية التي تمخضت عنه فهو تضمين الاقتصادات الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل، لتقف جنبا إلى جنب مع القوى الأصلية الموجودة المتمثلة في مجموعة الثمانية الكبار. ومنذ ذلك الوقت غرق الاقتصاد العالمي في بحر من الركود، وأمضت الحكومات أوقاتها في إعداد الخطط اللازمة للخروج من هذا الركود. وبينما يعول الكثير من الخبراء على إحراز النجاح في مؤتمر لندن، إلا أن الغموض ما زال هو سيد الموقف حتى اللحظة الراهنة!
وكان جوردون براون، رئيس الوزراء البريطاني، الذي يعاني من ضعف موقفه داخليا، واعيا بذلك تماما، فأعد جدولا ضخما لأعمال هذه القمة. وإذا أُريد لهذه القمة النجاح، فيجب ألا تنشغل بأمور مثل حفز الاقتصاد العالمي وإنكار الحمائية وحسب، ولكن يجب عليها أيضا تدعيم صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية، وفرض نظام صارم للرقابة على أسواق المال العالمية، وابتكار نظام إنذار مبكر للازمات، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الفقراء الذين ستقع معظم أعباء الأزمة الحالية على كاهلهم.
مما سبق يتضح لنا ضخامة جدول أعمال مؤتمر قمة العشرين المزمع عقده في الثاني من ابريل القادم. ويمكن أن يؤدي جدول الأعمال الضخم إلى حصول كل فرد على كل ما يريده، ولكنه يمكن أن يوفر أيضا لكل فرد شيئا للاختلاف بشأنه. وعلى سبيل المثال، نجد أن الأمريكيين متشككون من رغبة الأوربيين في إرساء نظام عالمي للرقابة قد يهدد سيادتهم، والأوربيون لا يوافقون على مطالب الأمريكيين بأن على الحكومات أن تنفق المزيد من الأموال، ويعود ذلك جزئيا لأنهم متخوفون من اتساع حجم دور الدولة، والآسيويون – الذين يلقون باللائمة على كل من أمريكا وبريطانيا في حدوث الأزمة – لا يريدون زيادة فعالية صندوق النقد الدولي ما لم يكون بقدرتهم التأثير في كيفية إدارته. فالقمة قد توافق على تفصيلات مثل اللجوء للضرائب أو إعانة البنوك المتعثرة، ولكن بالنسبة للأشياء المهمة فالمسرح مهيأ لخيبة أمل كبيرة!!
وقد ظهرت كل هذه الاختلافات في الاجتماع التحضيري لوزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين في الاجتماع التحضيري الذي تم في لندن في نهاية النصف الأول من شهر مارس الجاري. وقد حاول المسئولون وضع حدود للتوقعات من القمة المرتقبة. وبصورة أكثر إلحاحا، كان عليهم علاج إحساس بدأ ينتشر بوجود الاختلاف فيما بين جانبي الأطلنطي ظهر واضحا أثناء الاجتماعات.
ويركز جدول أعمال مجموعة العشرين على ثلاثة نقاط واسعة:
- علاج الأزمة من خلال الإجراءات المالية والنقدية وبتشجيع البنوك على الإقراض
- إصلاحات قانونية وتنظيمية متوسطة المدى
- دعم الأجهزة متعددة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي، حتى يمكنها إعطاء مزيد من المساعدات لمساعدة الدول النامية المتضررة من الأزمة.

ونحاول فيما يلي إلقاء الضوء بشيء من التفصيل على بنود هذا الجدول:

* الاختلافات في المصالح:
مثلما جاءت الحرب العالمية الثانية لتعلن عن بزوغ قوى جديدة، بحيث أعادت رسم خريطة القوى الاقتصادية العالمية ومناطق نفوذها، نجد أن الأزمة المالية الحالية قد فعلت نفس الشيء أيضا، ولكن حيث إن القوى الجديدة ما زالت في طور التشكيل، فإن ملامح النظام العالمي الجديد ما زال محل شد وجذب. وعلى سبيل المثال، يمكن التمييز بين عدة قوى تريد إثبات نفسها لكي تتخذ من الأزمة الحالية نقطة انطلاقها، فنجد:
- القوى التقليدية، متمثلة في الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان، والتي تريد التركيز على زيادة الإنفاق الحكومي بهدف إنعاش الاستهلاك
- القوى الأوربية البازغة: وتتمثل في فرنسا وألمانيا، وترى أن حل الأزمة الحالية يكمن في التشديد على الرقابة
- بينما نجد مجموعة أخرى من الدول الصاعدة، ممثلة في دول البريك، التي ترى أن من حقها إثبات نفسها كقوى صاعدة لها الحق في صياغة وتشكيل النظام الاقتصادي العالمي
من هذا الإطار، يمكننا بسهولة فهم ما حدث في اجتماعات مارس الجاري للتحضير لقمة مجموعة العشرين في ابريل القادم. فقد رد الوزراء بحدة على دعوة لورانس سامرس، مستشار البيت الأبيض للشئون الاقتصادية، لكل دولة في مجموعة العشرين للتركيز على دعم الطلب العالمي. فقد كان رد الجانب الأوربي هو أن: تلك الدعوات لا تلقى استحساننا.
على أنه قد تكون الولايات المتحدة على حق للجدال بأن طلب القطاع الخاص قد انهار، ليترك بذلك القطاع العام كمحرك للاقتصاد. والخطوة الأخرى في هذا الشأن هي حث الدول على مزيد من الإنفاق العام في حدود 2%من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لهذا العام والعام القادم، حيث إنها تشعر أن مثيلاتها لا تفعل ما هو كافٍ لدعم الطلب. فلن يكون ذلك أكثر فعالية وحسب، ولكن سيساعد أيضا في عدم تسرب المبالغ المخصصة للإنفاق العام إلى الخارج. كما ترغب الولايات المتحدة أن يشرف صندوق النقد الدولي على هذا الأمر.
وبالرغم من ظهور الاختلافات عبر الأطلنطي بشأن السياسة المالية، فإنهم يتقاربون إلى حد ما بشأن القانون والتنظيم. وقد حاربت ألمانيا وفرنسا طويلا لإقناع الولايات المتحدة وبريطانيا بتنظيم صناديق التحوط، التي تتجمع معظمها في المراكز المالية في نيويورك ولندن. وسوف تؤدي الاعتبارات السياسية لإتمام بعض المقايضات. فالناخبون الفرنسيون والألمان على سبيل المثال يلقون جزءا من اللوم من وقوع الأزمة على صناديق التحوط والملاذ الضريبي، حتى بالرغم من لعب الاثنين دورا هامشيا فيها بالمقارنة بالنظام المصرفي شديد التنظيم. وفي نفس الوقت، يضغط رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي من أجل وضع معايير أعلى لرأس المال على الشركات المالية غير المصرفية ( مثل المجموعة الدولية الأمريكية AIG، التي تعد من كبريات شركات التأمين على مستوى العالم )، جزئيا لإعادة طمأنة دافعي الضرائب بأن ذلك نوعا من الأزمة وأن خطط الإنعاش المصاحبة لن تتكرر.
أما الدول الصاعدة، ممثلة في دول البريك BRIC countries، فلها مصالحها الخاصة أيضا. فهي تريد إثبات نفسها، وأن يكون لها صوت مؤثر في مجريات أحداث الاقتصاد العالمي. ومن المعلوم أن دول البريك هو الاسم الذي أُطلق للإشارة إلى الاقتصادات الناشئة سريعة النمو، والتي تضم كل من البرازيل وروسيا والهند والصين. وكان أول من استخدم هذا المصطلح هو جولدمان ساكس في عام 2001. وقد جادل ساكس آنذاك بأن هذه المجموعة من الدول مجتمعة، بما أنها تنمو سريعا، سوف تتفوق على اقتصادات الدول الغنية الحالية في العالم وذلك بحلول عام 2050.
ولم يدع جولدمان ساكس أن دول البريك قد تنظم نفسها لتشكل تكتلا اقتصاديا أو لتؤسس منظومة تجارية رسمية، مثلما فعلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي. ولكن تظل هناك دلائل قوية على سعي دول البريك الأربعة لتشكيل " نادي سياسي " أو " تحالف "، تستطيع من خلاله تحويل قوتها الاقتصادية الصاعدة إلى مزيد من النفوذ الجغرافي-السياسي. وأحد الدلائل الحديثة على ذلك هو اجتماع القمة الذي انعقد في عام 2008 في مدينة يكاتيرنبرج Yekaterinburg الروسية بين وزراء خارجية دول البريك.

* تفنيد دعوى الحمائية

أما الأولوية الثانية التي تشغل بال المعدين للمؤتمر: فهي توفير جبهة موحدة ضد الحمائية. وهذا لا يعني فحسب مجرد كلمات ودودة. فهذه من السهل للغاية تجاهلها. بل يرى هؤلاء المسئولون أنه يجب على مؤتمر لندن أن يعد بقطع التعريفات وأن يتعهد بتنحية الأسطول الضخم من المواد القانونية للحماية التجارية، مثل القضايا المضادة للإغراق، التي تصاعدت وتيرتها مؤخرا، وضمان أن الدعم لا يفرق بين الشركات الأجنبية.
ولكن علينا ألا ننخدع كثيرا من دعاوى عدم الحمائية، فالدول المتقدمة نفسها كانت أول من رفع هذا الشعار، فلا ننسى الشعار الذي كان يراد له أن يسود في الولايات المتحدة (Buy American). وفي حالات الأزمات الكارثية، كتلك التي نمر بها الآن، فلابد لكل دولة من مواءمة ظروفها وفقا لما تمليه عليها مصالحها الخاصة، خاصة إذا لم تكن هذه الدول هي المتسبب الأساسي في وقوع تلك الأزمة. وأعني بهذا تماما مجموعة الدول النامية، التي تضررت بشدة من جراء هذه الأزمة العالمية، والتي يراد لها أن تدفع ثمن ما لم ترتكبه!! وهذا هو عين الظلم!!

* إصلاح صندوق النقد الدولي

تقرر حصول صندوق النقد الدولي على دعم كبير خلال قمة الشهر القادم، لزيادة قدراته على إخماد الأزمات، حيث وافق وزراء مالية مجموعة العشرين على الحاجة الملحة لزيادة موارد الصندوق زيادة جوهرية. وأعلن مدير الصندوق، دومينيك ستروس كان، عقب طلبه مضاعفة موارد الصندوق البالغة 250 مليار دولار لمواجهة الأزمة المالية في الأسواق الناشئة، أن الالتزام بعمل ذلك قد تم، بل وأن الأمر قد يتعدى هذه الحدود.
وصرح وزير الخزانة البريطاني، أليستر دارلينج، أن الصفقة كانت دائما شيئا يترك تحديده لمؤتمر القادة الذي سينعقد خلال أسبوعين من الآن. في حين أضاف المسئولون أن ذلك قد أعطى لقمة ابريل اتفاقا صلبا إذا لم يمكن ضمان إبرام الصفقات الأخرى.
ولم يتم الانتهاء حتى الآن من التفاصيل الفنية لتلك الصفقة لتزويد الصندوق بالموارد الإضافية، مع تصاعد الدلائل على وجود خلاف فيما بين الدول المتقدمة والصاعدة. ولكن تعهدت جميع الدول الأعضاء في مجموعة العشرين بالإسراع بالإصلاحات لزيادة شرعية الدول الصاعدة في الصندوق وزيادة قوتها التصويتية كذلك.
وفي إشارة على أن وجود صفقة عالمية بشأن إصلاح المؤسسات الدولية كان وشيكا على الاتفاق، وافقت مجموعة العشرين على تحريك المراجعة القادمة لقوى التصويت في الصندوق إلى عام 2011 بدلا من عام 2013. وفي محاولة لوضع نهاية لعملية اختيار رؤساء البنك الدولي والصندوق فيما بين أوربا والولايات المتحدة، قال البيان الختامي: يجب أن يتم تعيين رؤساء المؤسسات المالية الدولية من خلال عملية اختيار مفتوحة تعتمد على المؤهلات. وفي هذا الشأن ألمح البعض إلى أنه: ( لا يمكن أن نستمر كما لو أن العالم لم يتغير خلال الستين عاما الأخيرة ).
وقد وقعت اليابان بالفعل اتفاقا مع الصندوق لتوفير قرضا بقيمة 100 مليار دولار. وتسعى الولايات المتحدة لزيادة التمويل أكثر من خلال تمديد التسهيل الحالي " للترتيبات الجديدة للاقتراض ". وأحد الخطوات المطروحة في هذا الشأن هو زيادة موارد صندوق النقد الدولي إلى ثلاثة أضعاف، لتصل إلى 750 مليار دولار، بحيث يتمكن من إعطاء مزيد من المساعدة للاقتصادات الناشئة.
وعلى صعيد آخر، فقد أصدرت دول البريك بيانا اقترحت فيه توفير مصادر تمويل بديلة. وشددت على أن صفقات الاقتراض الجديدة يجب أن تكون معبرا مؤقتا لزيادة دائمة في الحصص حيث إن الصندوق مؤسسة تعتمد على نظام الحصص. وتصر بذلك دول البريك على وجوب تخصيص زيادات كبيرة في الحصص التي تأتي بالتوازي مع زيادة التمثيل في الصندوق.
وقد تتضمن الموارد الجديدة مزيد من الدعم الثنائي، مع توسيع نطاق وزيادة الترتيبات الجديدة للاقتراض، والإسراع بعملية مراجعة نظام الحصص.

* الفقراء

من المعلوم أن أكثر القطاعات تضررا من الأزمة المالية الحالية هم الفقراء. ولا شك في أن أعداد الفقراء ستزداد على مستوى العالم من جراء حركات تسريح العمال التي بدأت بالفعل ولكن سيزداد نطاقها خلال الأشهر القليلة القادمة. كذلك ستتأثر معظم الدول الفقيرة من جراء انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، التي ستقل كثيرا بفعل الأزمة العالمية كذلك. وكما سبق، فحيث إن هذه الدول لم تتسبب في هذه الأزمة بأي شكل من الأشكال، فمن الواجب ألا يقع عبء هذه الأزمة بالكامل عليها، بل لابد من البحث عن ترتيبات خاصة بهذه الدول تساعدها على تحمل هذه الآثار!!

*****

وبمعلومية أهمية القمة لسمعة جوردون براون، المضيف البريطاني لها، وباراك أوباما، في أول رحلة خارجية له منذ أن تولى مقاليد السلطة، فسيتم بذل كل جهد ممكن للإعلان عن ذلك التقدم. ويتوقع البعض إخفاقا تاما على غرار مؤتمر 1933، بالرغم من أن المشاركين يعتقدون أنه بمعلومية التوترات التي حدثت هذا الأسبوع، فإن تضييق نطاق الاختلافات هو الأمر الأكثر احتمالا من أي " صفقة كبيرة " تعيد العالم إلى جادة الطريق.
وأفضل ما يمكن أن ينبثق عن هذا المؤتمر هو توفير الدليل العملي على أن قادة اكبر الاقتصادات العالمية يستمرون في الحديث مع بعضهم البعض. وإذا ما أخذنا أهمية الحالة في الاعتبار، بالإضافة إلى رؤوس الأموال الضخمة التي يضعها أوباما في الخارج، فقد يتطلع العالم لتحقيق المزيد من التقدم في طريق حل الأزمة الراهنة. ولكن يظل الكلام، مثل غيره من الكثير في هذه الأزمة المالية، رخيصا!!

mohd_youssef@aucegypt.edu
24 من ربيع الأول عام 1430 من الهجرة ( الموافق 21 من مارس عام 2009 ).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية