اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/hasn/124.htm?print_it=1

تطبيق مفاهيم الإدارة الحديثة

محمد حسن يوسف

 
شهد العالم في القرن الماضي صراعا أيديولوجيا قاسيا بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي. وكانت الغلبة في آخر الأمر للاتجاه الرأسمالي، فاتجهت النظم الاشتراكية للاندثار والاختفاء من على الساحة. ولكن صحب اختفاء النهج الاشتراكي، وتوجه الدول إلى إتباع النظام الرأسمالي مشاكل عديدة، تمثلت أهمها في الفكر الاستراتيجي الذي كان يحكم المؤسسات التي كانت قائمة من قبل في الدول ذات التوجه الاشتراكي.

فمن غير المعقول للمؤسسات التي أنشئت وترعرعت في ظل النظام الاشتراكي، وكانت تعمل وفقا للمنظومة الاشتراكية وتدعم أفكارها وتؤيد مبادئها، من غير المعقول أن تتغير بين عشية وضحاها ليصبح توجهها رأسماليا! كما أنه من غير المعقول حشد طاقات الموظفين، الذين كانوا من قبل يتعلمون مبادئ الفكر الاشتراكي، ويعملون وفقا لنظمه – من غير المعقول إذن أن يصبحوا ذات يوم ليعملوا وفقا لمبادئ أخرى، هي في واقع الأمر نقيض المبادئ التي تربوا عليها!!

كان لابد إذن من ظهور علوم حديثة تدعم هذا التحول الفكري وتؤيده. ومن المفاهيم الحديثة في علم الإدارة، والتي نشأت لدعم هذا التوجه الجديد لمؤسسات القطاع العام، إتباع العمل بالتخطيط الاستراتيجي وبالحوكمة. فكان التخطيط الاستراتيجي الذي يساعد على سلاسة التحول المؤسسي، من فكر يعتمد على مفاهيم الاشتراكية والتخطيط المركزي أو الشامل، إلى فكر آخر يؤمن بالليبرالية ويدعم التحول نحو السوق والملكية الفكرية ويعمل في ظلها. وكانت الحوكمة التي تدعم تطبيق إجراءات الشفافية والمحاسبة، لدعم النزعة الفردية وتشجيع الاستثمار الخاص.

من غير المعقول إذن أن تظل المؤسسات التي أنشئت في ظل مفاهيم التخطيط المركزي، بهدف دعمه وترسيخه، أن تظل أهدافها ومبادئها دون تغيير في ظل التحول نحو الخصخصة والملكية الفردية، وإلا أصبح الأمر بمثابة عبث!! فمن الضروري إذن لتلك المؤسسات العامة أن تعيد صياغة استراتيجياتها لتحديد الفلسفة والرؤية والمهام الجديدة. ومن المعلوم أن تلك الأمور تساعد الموظفين كثيرا في إنجاز العمل. فالموظف الذي يدرك الهدف الذي تقوم عليه مؤسسته، ويعرف جيدا ما هو الدور المنوط بها تنفيذه، يقوم بإنجاز عمله بسرعة أكبر من الموظف الذي لا يعرف هذه الأمور. كما أنه في ظل وضوح تلك الرؤية والأهداف، يصبح من الواضح للجميع ما هي المهام المحددة التي عليهم إنجازها، ويختفي بذلك ما قد يحاوله بعض الفاسدين من تمرير لمعاملات خاطئة، أو إنجاز سريع لصفقات مشبوهة. ففي ظل وضوح الرؤية الخاصة بالمؤسسة سيعرف الجميع ما هو الذي عليهم إنجازه وما هو الذي يتحتم رفضه!

ثم تأتي الحوكمة بما تضعه من معايير للشفافية في الاختيار وقواعد حاسمة لضبط الأداء وإجراءات دقيقة لترسيخ مفهوم خلافة من يملك القرار – تأتي الحوكمة بكل هذه الإجراءات لتضرب الفساد وأذنابه في مقتل، ولتحاول البناء الصحيح على أنقاض ما ترسخ في النفوس من عدم المبالاة والإهمال وما إلى ذلك من مفاهيم طالما أعاقت الإنتاج وأضرت بعجلة التنمية.

ولذلك فإن على المؤسسات العامة التي خرجت من ربقة نظم التخطيط المركزي وأغلال الاشتراكية أن تسعى سريعا لإعادة صياغة أهدافها من جديد، وتوضيح ذلك لموظفيها، حتى تنتظمهم جميعا في عملية الإنتاج، بما يسرع من تحقيق النمو والرخاء.

30 من جمادى الأولى عام 1429 من الهجرة ( الموافق 4 من يونيو عام 2008 ).

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية