صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







روشتة صندوق النقد الدولي

محمد حسن يوسف

 
وضع صندوق النقد والبنك الدوليان وصفة اقتصادية عامة ( ونسميها روشتة )، افترضا صلاحها لجميع الدول التي تعاني من مشكلات اقتصادية، بغض النظر عن ظروف كل منها. وتقوم هذه الروشتة على العناصر التالية:

أولا: إطلاق الأسعار: وذلك بالقضاء على كل أنواع السيطرة الحكومية على الأسعار، وإلغاء دعم السلع الشعبية اللازمة لمعيشة الفقراء. وفي بلد مثل مصر، نجد أن الشعب قد قبل لسنوات طويلة بانخفاض الأجور، لأن ذلك كان يصاحبه تجميد مستوى الأسعار عن حدود منخفضة تتناسب مع تلك الأجور المتدنية. فكان الأمران متكاملان بهذا الشكل. أما الآن فقد خرجت الدولة من التزامها بتجميد مستوى الأسعار، فأطلقتها، ولم يصاحب ذلك إعادة نظر في سياسة الأجور لزيادتها، فوقع العبء كله على موظفي الحكومة وذوي الدخول المنخفضة.

ثانيا: تجميد الأجور: ويتم ذلك من خلال وقف قيام الحكومة بتوظيف الداخلين الجدد إلى سوق العمل. كما يتضمن ذلك أيضا الاستغناء عن الآلاف من العاملين، بما يؤدي إلى تضخم أعداد المتبطلين. وفي الواقع فإن تجميد الأجور يعني أن يظل بند الأجور في ميزانية الدولة ثابتا لا يزيد، بمعنى ألا تقوم الدولة بتعيينات جديدة، ولا تعطي علاوات لزيادة المرتبات. ولكن إذا كانت الدولة قد ارتضت إتباع سياسة التدرج في إصلاح الأجور، فلابد لها من التدرج في إصلاح الأسعار كذلك.

ثالثا: تحرير سعر صرف العملات الأجنبية، وذلك بالتخفيض المستمر لسعر العملة الوطنية أمام العملات العالمية. فتخفيض الدولة لعملتها يعني زيادة صادرات هذه الدولة، لأن أسعار الصادرات سيكون منخفضا أمام السلع الأجنبية الأخرى. ومن المعلوم أن قيمة الصادرات تساوي سعر هذه الصادرات مضروبا في كميتها، كما أن قيمة الواردات تساوي سعر تلك الواردات مضروبا في كميتها. فإذا كانت الكميتان محددتان، فقيمة كل من الصادرات والواردات ستتوقف حينئذ على أسعارها. فإذا اتبعت الدولة سياسة التعويم، فهذا يعني انخفاض سعر صادراتها، في مقابل ارتفاع سعر وارداتها. وهذا يعني ارتفاع قيمة الواردات في مقابل انخفاض قيمة الصادرات.

وبالطبع تعتمد أدبيات الصندوق على أن انخفاض سعر صادرات الدولة سيؤدي إلى تشجيع المنتجين فيها لزيادة كمية الصادرات، وهذا ما لا يحدث على الإطلاق في ظل نظم الإنتاج الضعيفة والبالية التي تمتاز بها الدول النامية. فالجهاز الإنتاجي في هذه الدول غير مرن بما يسمح للدولة من زيادة إنتاجها إذا ما حدثت زيادة في الطلب على هذا الإنتاج.

وفي حالة مصر، فإن ذلك يعني تخفيض قيمة الجنيه المصري أمام العملات العالمية. والحجة في ذلك هي أن تخفيض الجنيه المصري يشجع الطلب الأجنبي على السلع المصرية، فيزداد التصدير وتتمكن الحكومة من تحصيل مزيد من النقد الأجنبي لاستخدامه في سداد ديونها الخارجية. فمن المعلوم أن عرض الجنيه يمثل قيمة الواردات، والطلب على الجنيه يمثل قيمة الصادرات. وتحرير سعر الصرف يعني إتباع سياسة التعويم، أي أن يتحدد سعر الجنيه وفقا للعرض والطلب عليه. فلما تحرر سعر الصرف، كانت قيمة صادرات مصر 6 مليار جنيه، وقيمة وارداتها 17 مليار جنيه. ولذلك قفز سعر الصرف من 3.6 جنيه مقابل الدولار إلى 7 جنيهات أمام الدولار. ومن هنا تضاعفت قيمة أسعار السلع المستوردة.

ويؤازر هذه الحزمة من السياسات، المطالبة بخصخصة القطاع العام، وفتح الأبواب على مصاريعها لدخول الشركات متعددة الجنسيات.

ومن أبعاد عملية الخصخصة رفع سلطة الدولة عن ممتلكاتها " القومية "، فلا تعود تملك لها منعا ولا منحا ولا حماية ولا استغلالا يعود عليها وعلى شعوبها بالخير، وإنما تتحول حوزة هذه الممتلكات العامة لتقع في الخطوة الأولى في قبضة القطاع الخاص المحلي، بحجة أنه هو الأقدر على إدارتها واستغلالها، أو بأية حجة من الحجج التي قد تكون صحيحة في ذاتها، ولكنها لا تخفي السبب الحقيقي.

وبعد أن تتخلى الدولة عن كل سيطرتها باسم تحرير التجارة والأسعار، يتم عرض المجالات التي تمت خصخصتها للاستثمار العالمي، فتأتي رؤوس الأموال العالمية فتشارك في عمليات الاستثمار، مشترطة شروطا معينة في صالحها، منها تخفيض الضرائب عليها، والسماح لها بنقل أرباحها إلى الخارج، وعدم وضع العراقيل أمامها بعمل حماية جمركية أو أي نوع من الحماية على الصناعات المحلية الصغيرة التي يديرها رأس المال المحلي بجهده الخاص، فتعجز هذه – بدون حماية – عن المنافسة في الأسواق العالمية، بل في الأسواق المحلية ذاتها، فينتهي بها الأمر إلى المشاركة مع رأس المال الأجنبي ... أو إلى الفناء.

وهكذا تهبط الشركات العالمية العملاقة على تلك الدول فتلتهم الأراضي وامتيازات التنجيم والتنقيب، وهكذا تتحول شركات القطاع العام والخاص إلى ملكية هذه الشركات العملاقة. ثم تجد هذه الشركات علاوة على ذلك أسواقا مفتوحة هي أسواق تلك الدول التي تقوم فيها بتصريف منتجاتها بلا قيود ولا ضرائب، كما تجد في شعوب الدول المدينة جائزة إضافية، هي العمالة الرخيصة.

ومن البديهي أن المالك الأكبر لرأس المال الأجنبي الذي يأتي للاستثمار بعد فتح جميع الأبواب أمامه هو رأس المال اليهودي العالمي– شئنا ذلك أم أبيناه. فهذا المال اليهودي يسيطر على كافة الاستثمارات في بلاده الأصلية، ويسعى لبسط سيطرته على العالم كله.

ولا تكتفي الدول الدائنة بكل ذلك، بل تريد الإجهاز تماما على الضحايا المدينة. فالدول التي تدخل في مفاوضات مع الصندوق، لابد لها من المرور على نادي باريس. ونادي باريس هو منتدى للدول الدائنة تقوم فيه بإعطاء شهادات للدول بحسن السير والسلوك لكي تتمكن من الاقتراض من الصندوق. ولا تستطيع أية دولة الاقتراض من صندوق النقد الدولي إلا بعد الحصول على شهادة ببراءة الذمة الدول الأعضاء في نادي باريس. والهدف من ذلك هو إحكام السيطرة على الدول النامية، حتى لا تفلت من قبضة الدول المتقدمة.

الثلاثاء 28 من ربيع الثاني عام 1428 ( الموافق 15 من مايو عام 2007 ).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية