اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/hasn/104.htm?print_it=1

ما هو صندوق النقد الدولي؟!
تأليف : دافيد دريسكول
نُشر هذا البحث في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجريدة الأولى الاقتصادية التي تصدر في دولة الكويت على أربع حلقات: ( الأعداد 143 – 146، من 19/8/1996 وحتى 9/9/1996 )

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد  

ترجمة : محمد حسن يوسف

 
تقديم المترجم

لم يعد هناك شك في أن كل نهضة فكرية أو علمية لابد أن تسبقها حركة ترجمة نشيطة وتبدأ بها، ثم يأتي بعد ذلك استقرار المنقولات وهضمها وتمثلها، ثم تأثيرها في تكوين الفكر المنقول إليه.
لقد غدا للترجمة دور خطير، وبخاصة في الآونة الراهنة، إذ يجب أن تتواكب الحركة الفكرية في أي بلد مع التطورات السريعة التي تحدث في العلوم الاجتماعية المختلفة، ولن يكون ذلك إلا عن طريق نقل أفكار الدول المتقدمة لتسترشد بها الدول النامية في طريقها نحو التنمية الشاملة، وحتى تستطيع هذه الدول مسايرة التقدم العلمي الحادث حولها، فتزدهر وتحتل موقعها الحضاري المناسب.
ولعل اختيار الموضوعات التي يمكن ترجمتها هي عملية يقع عبؤها على عاتق المترجم أساسا، إذ يجب عليه انتقاء الموضوعات الهامة التي تنعكس ايجابيا على مجتمعه لتؤثر فيه وتزيد من وعيه بما يجري حوله.
ومن هنا كان اختيار موضوع " ما هو صندوق النقد الدولي؟ ". فليس من شك أن صندوق النقد الدولي أصبح يلعب دورا في غاية الأهمية على الساحة الاقتصادية الدولية، حتى وإن نختلف معه في أولويات هذا الدور. ولقد فرضت التطورات الاقتصادية العالمية الأخيرة، وظهور ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، واختفاء الكتلة الاشتراكية من على خريطة العالم، كل ذلك فرض دورا جديدا وأهمية متزايدة للصندوق، للمساهمة في علاج الاختلالات الاقتصادية التي صاحبت ذلك.
كذلك فقد تطورت العلاقة التي تربط بين صندوق النقد الدولي وجمهورية مصر العربية في الآونة الأخيرة، وبخاصة منذ توقيع اتفاق المساندة الاقتصادية بينهما، الذي يستهدف الإصلاح الاقتصادي الكلي عن طريق إحداث التوازن في الاقتصاد المصري على المستوى الكلي، وذلك منذ مايو عام 1991.
وقد أصبح الكل يقرأ كثيرا الآن عن صندوق النقد الدولي، ويتابع محادثاته مع الحكومة المصرية، ويريد أن يعرف المزيد عن هذه المؤسسة الدولية، وما الذي تقوم به بالضبط.
ومن هنا كانت فكرة ترجمة هذا الكتيب الذي يحمل بين طياته تعريفا بصندوق النقد الدولي، من خلال استعراض بداية نشأته، وشرح طريقة وآليات عمله، والمساعدات التي يقدمها لأعضائه، ومصادر التمويل التي يحصل منها على موارده، والرسوم التي يتقاضاها نظير قيامه بواجباته، والأنشطة الحديثة التي يقوم بها نتيجة للظروف الدولية المعاصرة.
وبعد ... فلا يفوتني وأنا في هذا المقام توجيه الشكر والعرفان لأستاذي الفاضل الأستاذ عبد العزيز حمدي على ما قدمه من نصائح غالية وإرشادات قيّمة كان لها أكبر الأثر في إخراج هذا العمل بهذه الصورة اللائقة.

والله ولي التوفيق

محمد حسن يوسف
القاهرة في نوفمبر 1992
 



ما هو
صندوق النقد الدولي؟


أدى صندوق النقد الدولي لظهور نوع من الغموض على الساحة الدولية فيما عدا بين دائرة محدودة من الاقتصاديين والمختصين بشئون المال. ويسود ارتباك ملحوظ بشأن سبب إنشائه وما الذي يقوم بعمله. وينطبع في ذهن العديد من المراقبين – ولعل ذلك لخلطهم بينه وبين البنك الدولي أو مؤسسات المعونة الأخرى – أن صندوق الند الدولي قد أنشئ لتوفير العون المالي لعملية التنمية الاقتصادية في الدول الأفقر. ويعتقد آخرون أنه عبارة عن بنك مركزي دولي يتحكم في عملية خلق النقود على النطاق العالمي. على أن هناك آخرون ينظرون إليه كمؤسسة سياسية قوية ولكن مستنكرة، تطغى عليها صبغة التبشير بالسلامة المالية، بحيث تفرض على أعضائها إتباع مسار التقشف الاقتصادي إلى حد ما. وفي الواقع فإن صندوق النقد الدولي لا يعبر عن أي من ذلك. فهو ليس بنكا تنمويا وليس بنكا مركزيا عالميا وليس وكالة يمكنها إجبار أعضائها على أداء جزء كبير من أي شيء أو ترغب في ذلك. وبدلا من ذلك فهو مؤسسة تعاونية، انضمت إليها 156 بلدا باختيارها بعد أن رأت مزايا الاستشارة مع البلدان الأخرى في هذا المنتدى للمحافظة على نظام مستقر لشراء وبيع عملاتها، ذلك أنه يمكن إتمام تلك المدفوعات بالنقد الأجنبي بين البلدان وبعضها بسهولة ودون تأخير. ويسود الاعتقاد بين أعضاء صندوق النقد الدولي بأن مداومة إطلاع الدول الأخرى على نواياها فيما يتعلق بالسياسات التي تؤثر على مدفوعات الحكومة والأفراد المقيمين في بلد معين إلى نظرائهم في بلد آخر – بدلا من إتمام تلك السياسات في سرية – هو أمر في صالح الجميع. كما يعتقدون أيضا أن تعديل تلك السياسات بين الحين والآخر _ عن طريق تخفيض قيمة العملة على سبيل المثال )، إذا ما وافق الأعضاء على أن ذلك يحقق الصالح العام، سيساعد على نمو التجارة الدولية كما سيوفر وظائف أكثر ذات دخول أعلى في اقتصاد عالمي يتجه نحو التوسع. ويقرض صندوق النقد الدولي الأموال إلى الأعضاء التي لديها مشكلات في الوفاء بالتزاماتها المالية قبل الأعضاء الأخرى، ولكن لا يكون ذلك إلا بشرط أن تشرع في تطبيق إصلاحات اقتصادية من شأنها أن تزيل هذه الصعوبات من أجل صالحها وصالح الأعضاء في مجموعهم.
وليس لصندوق النقد الدولي سلطة فعالة على السياسات الاقتصادية الداخلية للدول الأعضاء به، وذلك على العكس من شيوع الاعتقاد بهذا. وعلى سبيل المثال، فليس هناك مجال لإجبار إحدى الدول الأعضاء على أن تنفق أكثر على إقامة المدارس وإنشاء المستشفيات، وأن تنفق أقل على شراء الطائرات العسكرية. ويمكنه – وعادة ما يفعل – حث الأعضاء على القيام بأفضل استخدام للموارد النادرة وذلك بالإحجام عن الإنفاق العسكري الذي لا طائل من ورائه أو بإنفاق أموال أكثر على شئون البيئة. ولكن فمن سوء الحظ أنه يمكن للأعضاء – وعادة ما تفعل – تجاهل تلك النصيحة حسنة النية. وفي هذه الحالة، لا يمكن لصندوق النقد الدولي إلا محاولة إقناع ذلك العضو – من خلال المناقشات المنطقية – بالمنافع المحلية والدولية لإتباع السياسات التي يساندها جميع الأعضاء. وليس هناك إمكانية لإجبار عضو ما على إتباع آية سياسة. وأما السلطات التي يمتلكها الصندوق فتقتصر على مطالبة العضو بنشر المعلومات عن سياساتها النقدية والمالية، وبتجنب وضع القيود على تحويل العملة المحلية إلى العملة الأجنبية، وعلى تسوية المدفوعات للأعضاء الآخرين كلما كان ذلك مكنا.
وقد خوّل الأعضاء لصندوق النقد الدولي بعض السلطات للإشراف على سياسات مدفوعاتها، وذلك لما لهذه السياسات من أهمية قصوى على التدفقات النقدية بين الدول، وكذلك لأن الخبرة تبين أنه بدون وكالة عالمية للإشراف على تلك السياسات فإن النظام الحديث للمدفوعات بالعملة الأجنبية – ببساطة – لن يعمل. إن تحويل النقود هي النقطة المحورية للاتصال المالي بين الدول، والأداة التي لا غنى عنها للتجارة العالمية. ذلك أن كل عملة – ولتكن الدولار أو الفرنك أو آية عملة أخرى ليست مستخدمة على نطاق واسع مثل الدالاسي " عملة جامبيا " أو الجورد " عملة هايتي " – لها قيمة من منظور العملات الأخرى. وتتقلب القيمة النسبية أو التبادلية لعملات العالم الرئيسية الآن تقلبا مستمرا، لكي تثري تجار العملة أو تفقرهم، ويُعلن عن ذلك يوميا في الأعمدة المالية بالجرائد. وعلى الرغم من أن معاملات سوق الصرف، حيث تباع النقود أو تُشترى ( إلى حد كبير مثل بعض السلع كالقمح والتفاح )، ربما تبدو منعزلة عن الحياة اليومية، فإن مثل هذه المعاملات تؤثر علينا جميعا تأثيرا محيرا. وبصورة أكثر تعميما، فإننا نواجه واقعا متقلبا للقيم التبادلية إلى حد ما عندما نسافر إلى الخارج كسائحين، ويكون علينا شراء النقود المحلية أولا قبل أن نتمكن من شراء أي شيء آخر. إن شراء العملة الأجنبية يعتبر بمثابة حقيقة واقعة ليس للسائحين فقط، بل كذلك للمستوردين والبنوك والحكومات والمؤسسات الأخرى التي يلزمها اقتناء العملة الأجنبية – غالبا على نطاق واسع – قبل أن تتمكن من القيام بأعمالها التجارية في الخارج.
ولنفرض على سبيل المثال أن مستوردا للدراجات في كوبنهاجن يحاول شراء مائة دراجة يابانية من تاجر في طوكيو يبيعها بسعر ثلاثين ألف ين لكل دراجة. فلن يقبل هذا التاجر الياباني أن يتسلم المبلغ بالكرون الدانمركي، وذلك لأنه لن يحتاج إليها في الاستخدامات المعتادة – إذ لن يستطيع أن يدفع لمورديه أو العمال لديه المبالغ المستحقة لهم بالكرون أو حتى أن يشتري غذاءه من الحانوت المتواضع بجواره مستخدما النقود الدانمركية. إنه يريد المبلغ بالين الياباني. ولذلك فيجب عليه أن يحوّل مبلغا كافيا من الكرونات لتجميع مبلغ 3 مليون ين هي ثمن الشحنة. وليس من الصعب تغيير الكرونة إلى الين ( فأي بنك في كوبنهاجن سيرحب بإتمام ذلك )، وذلك لأن كلا من الحكومتين الدانمركية واليابانية ملتزمتان بقابلية تحويل عملتها الخاصة. كما لا يفرض أي بلد منهما القيود على عمليات تغيير عملتها الوطنية إلى نقود وطنية أخرى، وهذا مما يسهل كثيرا من انسياب التجارة الدولية.
ولحسن الحظ، تسمح الآن قابلية تحويل العملات التي تتم على نطاق واسع بتسهيل التحويل فيما بين معظم العملات الرئيسية في العالم. فقد أتاحت قابلية تحويل العملات فعليا إتمام عدد غير محدود من عمليات السفر والتجارة والاستثمار خلال الربع الأخير من القرن الماضي، كما أدت بدرجة كبيرة ومن خلال تعاون الدول الأعضاء مع صندوق النقد الدولي إلى إزالة القيود المفروضة على عمليات شراء العملات الوطنية وبيعها.
إن التوقعات الواثقة حاليا بأن تحويل إحدى العملات إلى الأخرى سيتم بمجرد الطلب ليجعل الأمر صعبا عند تخيل الحالات التي لم تكن هذه هي قاعدتها. ومن هنا فقد قرر المجتمع الدولي – استجابة للحالات واسعة النطاق من عدم قابلية تحويل العملة والمرتبطة بمشكلات الصرف بدرجة كبيرة – منذ خمسين عاما مضت تقريبا علاج هذه المشكلات في منتدى مشترك، ألا وهو صندوق النقد الدولي.

البدايات
ظهرت الحاجة بوضوح لوجود منظمة مثل صندوق النقد الدولي أثناء الكساد الكبير الذي أصاب الاقتصاد العالمي بالدمار في الثلاثينات من القرن الماضي. ويعلم معظمنا بهذا الحدث من خلال الصور الدرامية لمزارع تختفي تحت العواصف الترابية، وصور طوابير المتعطلين عن العمل من الرجال الذين ينتظرون الدخول إلى مطاعم الفقراء. وكان الكساد مدمرا لكافة صور الحياة الاقتصادية. فقد أفلست الآلاف من البنوك، لتخلف ورائها مودعين معدمين لا يدرون ما يفعلون، وانخفضت أسعار المنتجات الزراعية إلى أقل من تكلفة الإنتاج، وهبطت قيم الأراضي، وزادت المزارع المهجورة لتصل إلى أعداد ضخمة، ووقفت المصانع معطلة، كما وقفت القوافل في الموانئ تنتظر الحمولات القادمة والتي لم تصل أبدا، ومشى عشرات الملايين من العمال في الشوارع بحثا عن وظائف لم توجد قط.
ولم يقتصر الدمار على الاقتصاد المنظور، فلم يقل عنه الدمار الذي أصاب العالم غير المنظور، والذي يتضمن التمويل الدولي والتبادل النقدي. وقد أدى نقص الثقة واسع النطاق في النقود الورقية إلى الطلب على الذهب بدرجة أكبر من قدرة وزارات الخزانة الوطنية على توفيره. وهكذا فقد أُجبر عدد من الدول – وعلى رأسها المملكة المتحدة – على التخلي عن قاعدة الذهب، التي أعطت النقود قيمة معروفة ومستقرة لسنوات عديدة، من خلال تحديد قيمة كل عملة بكمية معينة من الذهب. وبسبب عدم التأكد بشأن قيمة النقود التي لم تعد ترتبط بعلاقة ثابتة بالذهب، أصبحت عمليات تبادل النقود من الأمور الصعبة للغاية فيما بين تلك الدول التي ظلت تتبع قاعدة الذهب وتلك التي لم تعد تفعل ذلك. واكتنزت الدول الذهب والنقود التي يمكن تحويلها إلى الذهب، لتتسبب بذلك في حدوث مزيد من الانكماش في كمية المبادلات النقدية بين الدول واستمراريتها، ولتحد من فرص العمل، ولتقلل مستويات المعيشة. وبالإضافة إلى ذلك، قامت بعض الحكومات بتقييد تبادل النقد المحلي بالنقد الأجنبي بصورة خطيرة، بل وحتى أخذت في بحث تطبيق نظم المقايضة ( قاطرة في مقابل 100 طن من القهوة على سبيل المثال ) التي قد تلغي استخدام النقود تماما.
أما الحكومات الأخرى، مدفوعة بيأسها من إيجاد مشترين أجانب لمنتجاتها الزراعية المحلية، فقد جعلت هذه المنتجات تبدو أرخص من خلال بيعها لعملتها الوطنية بأقل من قيمتها الحقيقية، لكي تقطع الطريق أمام تجارة الدول الأخرى التي تبيع نفس المنتجات. وقد أثارت هذه الممارسات – والتي تعرف بالتخفيضات التنافسية لقيمة العملة – الرغبة في الانتقام فحسب من خلال قيام المنافسين التجاريين بإجراء تخفيضات مماثلة لقيمة العملة. وتعقدت العلاقة بين النقود وقيمة السلع، تماما مثلما حدث للعلاقة بين قيمة إحدى العملات الوطنية والعملات الأخرى. وفي ظل هذه الظروف حل الضعف بالاقتصاد العالمي. ففيما بين عامي 1929 و1932، انخفضت أسعار السلع بمقدار 48 بالمائة على مستوى العالم، كما انخفضت قيمة التجارة الدولية بمقدار 63 بالمائة.
وقد انعقد العديد من المؤتمرات الدولية خلال فترة الثلاثينات لتحديد المشكلات النقدية العالمية، ولكنها باءت بالفشل. وبدا واضحا عدم ملائمة الحلول الجزئية والمؤقتة. فما كان مطلوبا هو تعاون جميع الدول على نطاق لم يطرق من قبل لإقامة نظام نقدي مبتكر ومؤسسة دولية تشرف عليه. ولحسن الحظ، ففي تصادف ميمون، قدم اثنان من المفكرين الجسورين والمبدعين – وهما هاري ديكستر هوايت من الولايات المتحدة، وجون مينارد كينز من المملكة المتحدة – في نفس الوقت تقريبا في أوائل الأربعينات من القرن الماضي مقترحات لمثل ذلك النظام، وبحيث لا يكون الإشراف عليه من خلال الاجتماعات الدولية العرضية، وإنما من خلال منظمة تعاونية دائمة. وقد يشجع هذا النظام – في تفاعله مع متطلبات الزمن – التحويل غير المشروط من إحدى العملات إلى الأخرى، ويحدد قيمة واضحة ومطلقة لكل عملة، ويمنع القيود والممارسات – مثل التخفيضات التنافسية لقيمة العملة – التي أودت بالاستثمار والتجارة إلى توقف تام فعليا خلال عقد الثلاثينات من القرن الماضي.
وبعد كثير من المفاوضات في ظل الظروف الصعبة التي صاحبت فترة الحرب، وافق المجتمع الدولي على ذلك النظام، وعلى إنشاء منظمة تقوم بالإشراف عليه. وجرت المفاوضات النهائية لإنشاء صندوق النقد الدولي بين ممثلي 44 دولة، اجتمعوا في بريتون وودز بولاية نيو هامبشير في الولايات المتحدة الأمريكية في يوليو 1944. وبدأ صندوق النقد الدولي عملياته في مدينة واشنطن العاصمة في مايو 1946، وكان عدد أعضائه آنذاك 39 عضوا.
ويبلغ عدد الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي الآن 156 بلدا، تمثل كل الأنظمة السياسية والاقتصادية من الاشتراكية المخططة مركزيا إلى الرأسمالية الحرة. والعضوية مفتوحة أمام كل بلد يدير سياسته الخارجية بنفسه، ويرغب في الالتزام بميثاق الحقوق والالتزامات الخاص بالصندوق. وجميع الدول الكبرى الآن أعضاء أو تقدمت مؤخرا بطلبات للحصول على العضوية. ويمكن للأعضاء أن تترك الصندوق متى رغبت في ذلك. وفي الواقع، فقد فعلت كل من كوبا وتشيكوسلوفاكيا واندونيسيا وبولندا ذلك، بالرغم من أن جميع تلك البلدان – باستثناء كوبا – أعادت التفكير فيما بعد في مدى حكمة قراراتها، وعاودت الانضمام في آخر الأمر إلى المؤسسة.

الحصص والتصويت
يساهم كل بلد عضو بمجرد انضمامه لصندوق النقد الدولي بمبلغ محدد من المال يسمى حصة الاشتراك، وهي عبارة عن نوع من أنواع رسم العضوية.

وتخدم الحصص أغراضا متنوعة:
أولا: أنها تشكل مجمعا للنقد يمكن للصندوق السحب منه لإقراض الأعضاء الذين يعانون من صعوبات مالية.
ثانيا: أنها تمثل الأساس عند تحديد الكم الذي يمكن للعضو المساهم أن يقترضه من الصندوق، أو أن يتلقاه من الصندوق في صورة مخصصات دورية من الأصول الخاصة المعروفة باسم حقوق السحب الخاصة. وكلما ساهمت الدولة العضو بمبالغ أكثر، كلما ازدادت قدرتها على الاقتراض في وقت الحاجة.
ثالثا: أنها تحدد القوة التصويتية للعضو.
ويحدد صندوق النقد الدولي بنفسه، من خلال تحليله لثروة كل بلد وأدائها الاقتصادي، مقدار الحصة التي ستساهم بها الدولة العضو. وكلما زاد ثراء البلد، كلما ارتفعت حصتها. وتتم مراجعة الحصص كل خمسة أعوام، ويمكن زيادتها أو تخفيضا وفقا لاحتياجات الصندوق ولدرجة الرخاء الاقتصادي بالنسبة للعضو. وفي عام 1945، دفعت الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي والبالغ عددها حينئذ 35 دولة ما يبلغ 7.6 مليار دولار، أما في عام 1992، فقد وصل ما دفعته الدول الأعضاء في الصندوق والبالغ عددها 156 دولة لحوالي 130 مليار دولار.
وتأتي أكبر مساهمة للصندوق من الولايات المتحدة، ذات أكبر اقتصاد على مستوى العالم، لتقدم بذلك نحو 20 بالمائة من جملة الحصص ( حوالي 25 مليار دولار ). أما جزر المالديف، الجمهورية الجزرية الصغيرة التي تقع في المحيط الهادي، فتعتبر حصتها أصغر حصة، إذ تساهم بحوالي 3 مليون دولار.
وقد توصلت الدول المؤسسة في عام 1944 إلى أن صندوق النقد الدولي قد يقوم بوظيفته بشكل أكثر كفاءة، وأن قراراته قد تزداد درجة الثقة فيها، إذا ما تم الربط بين القوة التصويتية للأعضاء مباشرة، وبين كمية الأموال التي يساهمون بها في المؤسسة من خلال حصصهم. وعلى ذلك فأولئك الذين يقدمون أكبر الإسهامات للصندوق يأخذون أقوى الأصوات عند تحديد سياساته. ومن ثم فإن الولايات المتحدة لديها الآن حوالي 180 ألف صوت، أو حوالي خمس جملة هذه الأصوات، بينما جزر المالديف لديها 270 صوتا.

الهيكل التنظيمي
يعمل العديد من الأفراد ولديهم انطباع بأن صندوق النقد الدولي هو مؤسسة ذات سلطة عظيمة واستقلاليو كبيرة، ويفترضون أنه يقرر أفضل السياسات الاقتصادية لكي يتبعها أعضائه، ثم يملي هذه القرارات على أعضائه، وبعد ذلك يتأكد أن أعضائه تعمل وفقها. ولا يوجد شيء أبعد عن الحقيقة من تلك المقولة. فبالإضافة لكونها غير مملاة من قبل الصندوق، فإن الأعضاء أنفسهم يملون على الصندوق السياسات التي سوق يتبعونها. ويجري تسلسل الأوامر بوضوح من حكومات البلدان الأعضاء إلى الصندوق وليس بالعكس. وعند تحديد التزامات الأعضاء الفرديين قبل الصندوق، أو عند إتمام تفاصيل اتفاقيات القروض مع أحد الأعضاء، فإن صندوق النقد الدولي لا يتصرف من فراغ، وإنما كوسيط بين إرادة أغلبية جميع الأعضاء وهذا البلد العضو.
ويمثل مجلس المحافظين أعلى حلقة في سلسلة السلطة، ويتكون من محافظ من كل دولة عضو، و156 محافظا مناوبا. ونظرا لأن المحافظين ومناوبيهم هم وزراء المالية أو محافظي البنوك المركزية، فإنهم يتحدثون رسميا عن حكوماتهم. وتختص اللجنة المؤقتة بتقديم المشورة بشأن إدارة النظام النقدي الدولي، كما تقدم لجنة التنمية النصح بشأن الاحتياجات الخاصة للبلدان الأكثر فقرا. ونظرا لانشغال المحافظين ومناوبيهم بالعمل المتواصل في بلادهم، فإنهم لا يجتمعون معا إلا في الاجتماعات السنوية للتعامل مع شئون الصندوق بصورة رسمية وكمجموعة واحدة.
وأثناء بقية العام، ينقل المحافظون رغبات حكوماتهم لتدخل في نطاق العمل اليومي لصندوق النقد الدولي عن طريق ممثليهم، الذين يشكلون المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، والذي يقع بالمقر الرئيسي في واشنطن. ويشرف المديرون التنفيذيون البالغ عددهم 22 مديرا، والذين يجتمعون في جلسات رسمية ثلاث مرات كل أسبوع على الأقل، على تنفيذ السياسات التي تحددها الحكومات الأعضاء من خلال مجلس المحافظين. وفي الوقت الحاضر، يمثل سبعة مديرين تنفيذيين بلدانا بمفردها – وهي بلدان الصين وفرنسا وألمانيا واليابان والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. أما المديرون التنفيذيون الخمس عشرة الآخرون، فيمثل كل منهم تكتلا للبلدان الباقية البالغ عددها 149 بلدا. ونادرا ما يتخذ المجلس التنفيذي قراراته على أساس التصويت الرسمي، ولكنه يعتمد على تحقيق الإجماع بين أعضائه، وهو الإجراء الذي يقلل من احتمالات حدوث المواجهة على القضايا الحساسة ويعزز من الاتفاق على القرارات التي تم التوصل إليها.
ولصندوق النقد الدولي هيئة موظفين تتكون من حوالي ألفي فرد، يترأسها العضو المنتدب، والذي يعتبر أيضا رئيس المجلس التنفيذي الذي يختاره. وجرى العرف على أن يكون العضو المنتدب شخصا أوربيا، أو على الأقل شخص غير أمريكي. ( كما جرى العرف أيضا على أن يكون رئيس البنك الدولي شخصا أمريكيا ). ويتم اختيار الهيئة الدولية للموظفين من حوالي 100 بلد، وتتألف أساسا من الاقتصاديين إلى جانب المتخصصين في الإحصاء والعلماء في البحوث والخبراء في المالية العامة والضرائب وعلماء اللغويات والكتبة والعمالة المساعدة. ويعمل معهم أعضاء هيئة الموظفين في المقر الرئيسي للصندوق بواشنطن، على الرغم من وجود عدد قليل يتجه للمكاتب الصغيرة في باريس وجنيف وبالأمم المتحدة في نيويورك أو يمثل الصندوق في مهام مؤقتة في البلدان الأعضاء. وعلى خلاف المديرين التنفيذيين، الذين يمثلون بلدانا معينة، فإن أعضاء هيئة الموظفين هم موظفون دوليون، وهو ما يعني أنهم يعنون بشئون الدول الأعضاء في مجموعها عند تنفيذ سياسات الصندوق، ولا يمثلون المصالح القومية لدولهم.

العمليات
يتعهد البلد العضو عند انضمامه إلى الصندوق بالاستمرار في إخبار الأعضاء الأخرى بشأن ترتيباته بالنسبة لتحديد قيمة عملته مقابل عملات البلدان الأخرى، وبالامتناع عن فرض قيود على استبدال عملته بالنقد الأجنبي، وبمواصلة السياسات الاقتصادية التي من شأنها زيادة ثروته القومية الخاصة وثروة جميع الأعضاء بطريقة منظمة وبناءة. ويُلزم الأعضاء أنفسهم بإتباع ميثاق الشرف هذا. زكما ذكرنا من قبل، فإن الصندوق ليست لديه الوسائل التي تجبرهم على الوفاء بهذه الالتزامات، على الرغم من أنه يستطيع – ويقوم بذلك بالفعل – أن يمارس الضغط المعنوي لتشجيعهم على العمل وفقا للقواعد والتنظيمات التي وافقوا طوعيا على التقيد بها. وإذا ما أصر بلد ما على تجاهل التزاماته، فقد تعلن بقية الدول الأعضاء العاملة في الصندوق عدم أهلية العضو المنتهك على اقتراض الأموال، وفي المقام الأخير فقد يمكن مطالبة العضو بالخروج من المؤسسة. ومع ذلك، فمن الأمور الطبيعية التسليم بأن الدولة العضو ترغب في التعاون مع الأهداف العامة للصندوق كلما كان ذلك ممكنا ( وإلا فما كان لها أن تزعج نفسها بالانضمام )، وبأن أي انحراف في الوفاء بالتزامات العضوية المفروضة طوعيا يكون نتيجة لعوامل تخرج عن السيطرة المباشرة لذلك العضو.
وبمرور السنوات، أسند الأعضاء للصندوق مجموعة من المهام لتناسب الاحتياجات التي تتغير بمضي الزمن، واثبت الصندوق أنه أداة مرنة بدرجة ملحوظة أثناء تنفيذ هذه المهام. وفي الوقت الحاضر، عهدت الدول الأعضاء إلى الصندوق بمسئولية الإشراف على نظام تعاوني للتبادل المنظم للعملات الوطنية، وإقراض الأموال إلى الأعضاء لإعادة تنظيم اقتصاداتهم لكي يتعاونوا بشكل أفضل مع ذلك النظام، وتقديم الخدمات المكملة لمساعدة الدول الأعضاء في تنفيذ السياسات التي تعود بالنفع على الأعضاء في مجموعهم.

ترتيبات الصرف
تعهدت جميع الدول الأعضاء التي انضمت إلى الصندوق في السنوات الأولى بإتباع طريقة واحدة لحساب القيمة التبادلية لعملاتها. وقد قامت بذلك وفقا لما كان يسمى بنظام التعادل بين العملات. وفي ذلك الوقت، حددت الولايات المتحدة قيمة الدولار بالنسبة للذهب، ولذلك فقد كانت أوقية واحدة من الذهب تساوي 35 دولار بالضبط. ووقفت الحكومة الأمريكية وراء ذلك التحديد، وكانت تبادل الدولارات بالذهب عند هذا المعدل بمجرد الطلب. وكان على جميع الأعضاء الأخرى التي تنضم إلى الصندوق تحديد القيمة التبادلية لعملتها من منظور الذهب كذلك، وطالما أن تساوي شيئين مع شيء ثالث يعد تساويا مع كل الأشياء الأخرى، فقد كانت قيمة كل عملة – من أجل اعتبارات المواءمة – تتحدد من منظور الدولارات الأمريكية على وجه العموم. واحتفظت الدول الأعضاء بقيمة عملاتها في نطاق 1 بالمائة من سعر التعادل بين العملات، وإذا ما شعرت بأن تغييرا ما من شأنه أن يساعد اقتصادها، فإنها تناقش هذا التغيير المزمع إجراؤه مع الأعضاء الآخرين في منتدى الصندوق، ويحصلون على الموافقة قبل إجراء ذلك. وكان لنظام التعادل بين العملات ميزة رائعة تتمثل في الاحتفاظ بقيمة العملات مستقرة وقابلة للتنبؤ بها، وهو ما يمثل مساعدة عظيمة للمستثمرين والتجار والسائحين الدوليين، ولكن بمرور الأعوام أدت أيضا لنشوء عدد من المساوئ. وكان قيام إحدى الحكومات بتغيير سعر التعادل لعملتها يعتبر من التجارب المريرة، التي يصاحبها مخاطر سياسية كبيرة، وبدا أن كل تغيير في سعر التعادل للعملات الرئيسية يحمل في طياته أزمة للنظام في مجمله. وقد ظل نظام سعر التعادل بين العملات يؤدي خدمات جليلة للعالم حوالي 25 عاما، ولكن انتهى العمل به في أوائل السبعينات عندما وضحت عدم كفاية الاحتياطيات من الذهب لتغطية الطلب على الذهب في مقابل الدولارات، وهو الأمر الذي أبرزه أولئك الذين كانوا يعدون تحديد سعر الذهب عند 35 دولار للأوقية صفقة لا يمكن مقاومة إغراؤها.
ومنذ العمل بنظام سعر التعادل بين العملات، فإن الدول الأعضاء في الصندوق قد وافقت على السماح لكل عضو باختيار طريقته الخاصة لتحديد القيمة التبادلية لعملته. والمتطلبات الوحيدة لهذا النظام هي أن العضو لم يعد يربط قيمة عملته بالذهب، أو أن يخبر الأعضاء الآخرين عن كيفية تحديده لقيمة العملة بدقة. ويعد هذا الاختيار واسعا. ويسمح العديد من الدول الصناعية الكبيرة لعملاتها بالتعويم – فعملتها ستساوي أية قيمة تقف الأسواق على استعداد لدفعها مقابلها. أما البلدان الأخرى فتربط قيمة عملاتها بقيمة إحدى العملات الرئيسية أو مجموعة من العملات، ومن هنا فإذا ما ارتفعت قيمة الدولار الأمريكي على سبيل المثال فإن قيمة عملاتها ترتفع كذلك. وتحتفظ عشرة بلدان أوربية بقيمة عملة كل منها في إطار مدى محدد مسبقا للعملات الأخرى في المجموعة.

الإشراف
قد يبدو أن التحول من نظام سعر التعادل بين العملات إلى نظام الصرف الحر السائد حاليا وكأنه يدل ضمنا على فقدان الصندوق لنفوذه. وفي الواقع، فليس هذا هو الحال، ذلك أن المنهج الحالي يتطلب من الصندوق أن يكثر أيضا من التدخل في السياسات الاقتصادية للعضو التي تؤثر على القيمة التبادلية لعملته. وعند التحول إلى النظام الحالي، طلبت الدول الأعضاء من الصندوق أن يتخطى الإشراف على قيمة التبادل، والذي يعتبر بعد كل ذلك المحصلة النهائية لمجال معين من السياسات الاقتصادية، إلى فحص جميع مجالات اقتصاد العضو التي تتسبب في توجيه قيمة التبادل إلى ما هي عليه وإلى تقييم الأداء الاقتصادي لجميع الدول الأعضاء تقييما غير متحيز. وباختصار يتطلب النظام الحالي شفافية أكبر لسياسات الدول الأعضاء، ويسمح بإعطاء مجال أرحب للصندوق للإشراف على هذه السياسات. ويطلق الصندوق نفسه على ذلك النشاط اسم " الإشراف على " أو مراقبة سياسات الصرف للدول الأعضاء. وتنصب المراقبة على قناعة مفادها أن السياسة الاقتصادية المحلية القوية والمتناسقة سوف تقود إلى استقرار أسعار الصرف وتنامي الاقتصاد العالمي ورخائه.

المشاورات
يحصل الصندوق على المعلومات عما إذا كان البلد يتفاعل تفاعلا ايجابيا وبانفتاح في تحديد الشروط التي تقوم الحكومات والمتعاملين الأفراد ببيع وشراء العملة بها، بالإضافة إلى المعلومات عن الأوضاع الكلية لاقتصاد البلد العضو، وذلك من خلال المشاورات الدورية التي تعقد في هذا البلد. كما توفر تلك المشاورات أيضا الفرصة للصندوق لتشجيع إلغاء أي قيود من المحتمل أن يفرضها البلد على التحويلات المباشرة من عملته المحلية إلى العملات الأجنبية. وفي السنوات الأولى لنشأة الصندوق، لم تكن هذه المشاورات الدورية إلزامية إلا بالنسبة للبلدان الأعضاء التي فرضت القيود على استبدال العملة، ولكن منذ عام 1978 بدأ الصندوق في ممارسة ذلك الأسلوب مع جميع الأعضاء.
وتجري المشاورات سنويا، ولكن للعضو المنتدب أن يبدأ في القيام بمناقشات إضافية إذا ما وقع أحد الأعضاء فجأة في صعوبات اقتصادية خطيرة، أو إذا ما اعتقد أن ذلك العضو بصدد إتباع ممارسات تضر بمصالح الأعضاء الأخرى. ويسافر فريق مكون من أربعة أو خمسة أفراد من أعضاء هيئة العاملين بالصندوق إلى عاصمة البلد العضو كل عام، ويستمر حوالي أسبوعين في تجميع المعلومات وإجراء المناقشات مع المسئولين بالحكومة بشأن السياسات الاقتصادية لهذا البلد. وتكرس المرحلة الأولى من المشاورات لتجميع البيانات الإحصائية عن الصادرات والواردات، والأجور، والأسعار، والتشغيل، وأسعار الفائدة، وكمية النقود التي يتم تداولها، والاستثمارات، وإيرادات الضرائب، والمصروفات الواردة في الموازنة، وبقية المظاهر الأخرى للحياة الاقتصادية التي يكون لها ارتباط بالقيمة التبادلية للنقود. أما المرحلة الثانية فتتكون من المناقشات مع كبار المسئولين في الحكومة، وذلك للتوصل إلى مدى فعالية سياساتهم الاقتصادية خلال العام السابق، وما يتوقع تنفيذه من تغييرات خلال العام القادم، بالإضافة إلى العلم بالتقدم الذي أحرزه البلد العضو تجاه إلغاء أي قيود كان قد فرضها على استبدال عملته. وبانتهاء هذه الاجتماعات، يعود الفريق إلى المقر الرئيسي في واشنطن لإعداد تقرير تفصيلي يناقشه المجلس التنفيذي. ويشارك المدير التنفيذي الذي يمثل ذلك البلد بالطبع في هذه المناقشة مع زملائه، بحيث يوضح الأمور بشأن اقتصاد هذا البلد ويستمع إلى تقييم المديرين التنفيذيين الآخرين عن أدائه الاقتصادي. وفيما بعد يتم تسليم ملخصا بهذه المناقشة – والتي عادة ما تحتوي على الاقتراحات بشأن كيفية معالجة مجالات الضعف الاقتصادي – إلى حكومة الدولة العضو.
وبالإضافة إلى هذه المناقشات الدورية، يعقد الصندوق أيضا مشاورات خاصة مع تلك البلدان ذات التأثير الهام على الاقتصاد العالمي. وتستعرض هذه المشاورات الخاصة الوضع الاقتصادي العالمي، وتقييم التطورات الاقتصادية المنتظرة. وينشر الصندوق نتائج ذلك الاستعراض مرتين سنويا في تقرير " آفاق الاقتصاد العالمي ". ويحتوي هذا التقرير على معلومات مفيدة عن الاقتصاد العالمي، ويساعد البلدان الأعضاء – من خلال إلقاء الضوء على الخيارات المختلفة للسياسات المتبعة – في التنسيق بين سياساتهم الاقتصادية الداخلية والتطورات المنتظرة في غيرها من البلدان الأخرى الأعضاء.

الوظيفة المالية
على الرغم من أن الصندوق قد أنشئ أساسا للعمل كمؤسسة تعاونية تشرف على النظام النقدي الدولي، إلا أنه يدعم كذلك هذا النظام عن طريق ما يضخه إليه بين الحين والآخر من مبالغ من النقود، على نطاق واسع للغاية أحيانا، وذلك من خلال القروض التي يقدمها لأعضائه. ولعل أفضل صورة يعرفها العامة عن الصندوق في الواقع هي ما قام به من تقديم مليارات الدولارات إلى النظام النقدي الدولي أثناء أزمة الديون التي حدثت في الثمانينات من القرن الماضي. ففيما بين عام 1983 و1984 على سبيل المثال، قام الصندوق بإقراض حوالي 28 مليار دولار إلى البلدان الأعضاء التي تواجه صعوبات في الوفاء بالتزاماتها المالية قبل الأعضاء الأخرى. ومن المحتمل أن استجابة الصندوق السريعة لهذه الأزمة – وهي ما أعلن عنها جيدا – قد تضلل المراقبون بأن يتوهموا أن الصندوق هو بالدرجة الأولى وفي المقام الأول مؤسسة إقراض. وليس هذا هو واقع الأمر، ذلك أن الصندوق يظل مؤسسة إشرافية بصفة أساسية تهدف لتنسيق الجهود من أجل تحقيق تعاون أوثق عند إعداد السياسات الاقتصادية. ولكن على الرغم من ذلك فإن وظيفته تعد من الأنشطة الهامة.

مصادر التمويل
تشكل حصص الاشتراك – أو رسوم العضوية المشار إليها آنفا – المصدر الأكبر للنقود المتاحة أمام تصرف الصندوق. وتساوي الحصص الآن – نظريا – حوالي 130 مليار دولار، بالرغم من أن هذا المبلغ في واقع الأمر أكبر بشكل خادع. ولا يمكن استخدام نصف النقود تقريبا التي تظهر في ميزانية الصندوق، ويرجع ذلك إلى أن الدول الأعضاء تدفع 75 بالمائة من حصصها بالنقد المحلي، وإلى أن معظم العملات الوطنية نادرا ما يوجد طلب عليها خارج البلد الذي يصدرها. ولا يتم اقتراض إلا 20 عملة أو نحو ذلك من الصندوق في أثناء سنة معينة – بالرغم من وجود بعض الاستثناءات العرضية. ولا يريد معظم المقترضين من الصندوق إلا العملات الرئيسية التي تقبل التحويل، وهي: الدولار الأمريكي، والين الياباني، والدويتش مارك، والجنيه الإسترليني، والفرنك الفرنسي.
وحيث إنه لكل عضو الحق في الاقتراض من الصندوق عدة أضعاف المبلغ الذي دفعه كحصة للاشتراك، فمن الممكن ألا توفر الحصص نقد كافٍ لمواجهة احتياجات الاقتراض للأعضاء في فترات التوتر العصبية التي تصيب الاقتصاد العالمي. ولمواجهة هذا الاحتمال، فقد أقام الصندوق منذ عام 1962 خطا للائتمان – يساوي الآن حوالي 25 مليار دولار – مع عدد من الحكومات والبنوك في أنحاء العالم. ويتم تجديد هذا الخط من الائتمان – والذي يسمى " بالاتفاقات العامة للاقتراض " – الآن كل خمسة أعوام. ويدفع الصندوق فائدة على كل ما يقرضه في ظل هذه الاتفاقات ويتعهد بالوفاء بالقروض خلال خمسة أعوام.
وبالإضافة إلى هذه الاتفاقات العامة، يقترض الصندوق أيضا الأموال من الحكومات الأعضاء أو سلطاتها النقدية لتطبيق برامج معينة تعود بالنفع على أعضائه. وخلال العقد الماضي، فإن الصندوق – مستخدما وضعه الائتماني الجيد – بدأ يقرض أعضائه الفقراء لكي يوفر لهم أموالا أكثر يتم سدادها على آجال أطول وبشروط أكثر تيسيرا مما يمكنهم الحصول عليه بدون مساعدته. ولقد أدى الاقتراض بهذه الكميات الكبيرة إلى تغيير طبيعة عمل الصندوق إلى حد ما، ليجعل منها أكثر شبها بالبنوك، والتي يتمثل عملها أساسا في كونها مؤسسات تقوم بأعمال الاقتراض من إحدى المجموعات لكي تقرضها إلى مجموعة أخرى. ومع ذلك، فقد قررت الدول الأعضاء في عام 1982 أن على الصندوق أن يبقى في عمله كمؤسسة تأتي بأموالها بصفة رئيسية من حصص الاشتراك، وذلك طالما أن قوة تصويت العضو والامتيازات الأخرى ترتبط بتلك الحصص وليس بما يكون الصندوق قادرا على اقتراضه. ومن هنا فقد تحدد عدم زيادة ما يقترضه الصندوق عن 60 بالمائة من جملة قيمة الحصص.

المساعدة المالية
لا يقرض الصندوق الأموال إلا إلى البلدان الأعضاء التي تعاني من مشكلة في ميزان المدفوعات، أي إلى الدول التي لا يكون لديها عملة أجنبية تكفي للوفاء بقيمة ما تشتريه من البلدان الأخرى. وتأتي الأموال التي يحصل عليها بلد ما مما يأخذه من حصيلة الصادرات، ومن تقديم الخدمات ( مثل الخدمات المصرفية وخدمات التأمين )، ومما ينفقه السائحون فيه. كما تأتي تلك الأموال أيضا من الاستثمارات الخارجية، وفي صورة معونات – في حالة البلدان الأكثر فقرا – من البلدان الغنية. وبالرغم من هذا، يمكن للدول – مثلها مثل الأفراد – أن تنفق مبالغ أكثر مما تحصل عليه، وتسد هذا العجز لفترة ما عن طريق الاقتراض إلى أن يتم استنفاذ ائتمانها، وهو ما يكون عليه الحال في آخر الأمر. وعندما يحدث ذلك، يتحتم على الدولة أن تواجه عددا من النتائج البغيضة، ليس اقلها الخسارة التي تلحق القوة الشرائية لعملتها على نحو شائع والتخفيض الاضطراري في وارداتها من البلدان الأخرى. ويمكن لأي بلد عضو في مثل هذه الحالة أن يتجه لطلب المساعدة من الصندوق، والذي سيقوم بإمدادها لوقت ما بالنقد الأجنبي الذي يكفي للسماح لها بتصحيح ما أصبح خاطئا في حياتها الاقتصادية، آخذا في الاعتبار تثبيت عملتها وتدعيم تجارتها.
ويمكن للبلد العضو الذي يعاني من صعوبات في ميزان المدفوعات أن يسحب في الحال من الصندوق ما نسبته 25 بالمائة من حصته التي دفعها بالذهب أو باحدى العملات القابلة للتحويل. وإذا لم تفِ هذه النسبة – البالغة 25 بالمائة من حصته – باحتياجاته، فقد يطلب العضو الذي يعاني من صعوبات أكبر أموالا أكثر من الصندوق، وبذلك يستطيع خلال عدد من السنوات أن يتراكم ما يقترضه ليصل إلى ما يزيد عن أربعة أضعاف ما دفعه كحصة للاشتراك.
ويحكم الصندوق اعتبارين عند قيامه بإقراض العضو ما يزيد عن نسبته المبدئية البالغة 25 بالمائة من حصته – هما:
أولا: أن سلة العملات المتاحة أمام تصرف الصندوق يحتفظ بها من أجل صالح الأعضاء في مجموعهم. وبذلك فيتوقع من كل عضو يقترض عملة عضو آخر من هذه السلة أن يعيدها بمجرد أن يتم علاج المشاكل الموجودة في ميزان مدفوعاته. وبهذه الطريقة، يمكن تدوير هذه الأموال على جميع الأعضاء بحيث تكون متوافرة كلما ظهرت الحاجة إليها.
ثانيا: قبل أن يقوم الصندوق بسحب أية أموال من سلة العملات، يجب على العضو أن يظهر بوضوح كيفية ما ينتويه من أجل علاج مشكلته في ميزان المدفوعات، وذلك بغرض إمكانية السداد للصندوق خلال الفترة المعتادة التي تتراوح بين ثلاثة وخمسة أعوام ( والتي يمكن أن تمتد في حالات معينة إلى عشرة أعوام ).
والمنطق الذي يقف وراء هذين الاعتبارين بسيط: فأي بلد يعاني من مشكلة في ميزان المدفوعات يقوم بالإنفاق بأكثر مما يحصل عليه من الأموال. وما لم يحدث الإصلاح الاقتصادي، فسوف يستمر في الإنفاق بما يزيد عما يحصل عليه من الأموال. ونظرا لوجود التزام على الصندوق تجاه الأعضاء في مجموعهم للحفاظ على السلامة المالية لمعاملاتهم، فإنه لا يقرض إلا بشرط أن يستخدم العضو ما يقترضه من أموال بكفاءة. وعلى ذلك يتعهد البلد العضو بالبدء في سلسلة من الإصلاحات من شأنها أن تستأصل مصدر الصعوبة في ميزان المدفوعات، وأن تمهد الطريق للنمو الاقتصادي. ويقدم المقترض إلى الصندوق – بالإضافة إلى طلبه للقرض – خطة الإصلاح، والتي يتعهد فيها بتخفيض قيمة عملته من منظور العملات الأخرى ( في حالة ما إذا كان قد تم زيادة تقدير قيمة عملته )، وزيادة الصادرات، وتقليل الإنفاق الحكومي. ويضع العضو تفاصيل البرنامج، وبذلك فإن برنامج الإصلاح هو برنامج العضو، وليس برنامج الصندوق. ولا يهتم الصندوق إلا بأن تكون التغيرات في السياسة المتبعة كافية للتغلب على المشاكل في ميزان مدفوعات الدولة العضو، وبأنها لا تتسبب في حدوث ضرر محتوم للأعضاء الأخرى. ويقرر المديرون التنفيذيون الذين يمثلون الأعضاء في مجموعهم – بناء على مدى خطورة المشاكل في ميزان المدفوعات والمبلغ الذي يرغب العضو في اقتراضه – ما إذا كانت إجراءات الإصلاح تكفي في الواقع وما إذا كان الصندوق يمكنه الجزم بجدية السداد.
وإذا ما اقتنع المديرون التنفيذيون بأن الإصلاحات سوف تعالج المشكلة، يتم دفع القروض على أقساط ( غالبا خلال مدة تتراوح من عام إلى ثلاثة أعوام ) ترتبط بتقدم العضو في وضع الإصلاحات موضع التنفيذ. وإذا ما سارت الأمور على ما يرام، فسوف يتم سداد القرض في موعده، وسيخرج العضو – والذي أصبحت الإصلاحات الضرورية الآن في محلها – من التجربة أقوى من الناحية الاقتصادية عما كان عليه من قبل,
ويقرض الصندوق البلدان التي تعاني من مشكلات في موازين مدفوعاتها في ظل مجموعة من البرامج التي تختلف وفقا للمشكلات المعينة التي توضع من أجلها. وعلى سبيل المثال، خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية أقرض الصندوق مبالغ كبيرة من الأموال إلى الأعضاء من خلال برنامج تم تصميمه لمواجهة تدهور مؤقت في حصيلة صادرات أحد الأعضاء لأسباب تقع جوهريا خارج نطاق سيطرة هذا العضو. ولنفترض أن الجليد قد أتلف معظم حبوب البن التي يصدّرها أحد الأعضاء لكي يحصل في مقابلها على النقد الأجنبي ( الدولارات الأمريكية على سبيل المثال )، والذي يذهب بدوره للوفاء بالالتزامات المالية اليومية على ذلك العضو تجاه الأعضاء الأخرى. فهنا يمكن للعضو أن يتقدم إلى الصندوق طالبا الحصول على قرض، يتعلق بخسارته للعائد من الصادرات، والذي سيمده بالدولارات المطلوبة لكي يستمر في أداء التزاماته حتى يتم تصدير محصول البن القادم، ومن ثم يتم استئناف التدفق المعتاد للدولارات.
ويوفر أكثر هذه البرامج شيوعا – والذي يسمى باتفاق المساندة – للعضو الذي يعاني من مصاعب في الوفاء بالتزاماته الخارجية خطا للائتمان لمدة تزيد على ثلاثة أعوام، وذلك لإعطائه الوقت اللازم لإعادة تنظيم أوضاعه المالية. وخلال تلك الفترة، يمكن للعضو الاقتراض من الصندوق على أقساط تزيد على القيمة القصوى لهذا الائتمان للوفاء بهذه المدفوعات الخارجية، شريطة أن تظل في نطاق برنامج إعادة التنظيم. وهناك برنامج آخر يتيح الأموال عند أسعار فائدة منخفضة للدول الفقيرة في الوقت الذي تقوم فيه بإعادة هيكلة اقتصاداتها جذريا لكي تتخلص من الاختلالات التي طال أمدها. وتتطلب الصورة الجديدة لهذه الوسيلة من الإقراض تعاون وثيق مع البنك الدولي – المؤسسة الشقيقة للصندوق، والتي ينحصر عملها في تحقيق التنمية الاقتصادية في دول العالم الأكثر فقرا – عن طريق وضع الإصلاحات التي سوف تستأصل مصدر الصعوبات في ميزان المدفوعات موضع التنفيذ وتهيئ المناخ للنمو الاقتصادي. ويتم تمويل هذا البرنامج عن طريق المساهمات الاختيارية من البلدان الأعضاء التي تقوم – في إطار روح من التعاون – بالتضحية بسعر الفائدة السائد في السوق الذي كان يمكن الحصول عليه بطريقة أو أخرى على هذه الأموال. ويتيح الأعضاء الأغنياء في الصندوق ما يقدر بمبلغ 12 مليار دولار لتمويل هذا البرنامج.

الرسوم
إذا ما اقترض عضو ما أموالا من الصندوق، فإنه يدفع رسوما متنوعة لتغطية مصروفات التشغيل للصندوق، ولتعويض العضو الذي تم اقتراض عملته. وفي الوقت الحالي، يدفع المقترض رسوما للخدمة والالتزام تقدر بحوالي 0.5 بالمائة من المبلغ المقترض، بالإضافة إلى أعباء الفائدة حوالي 9 بالمائة ( فيما عدا برنامج التكييف الهيكلي المشروح آنفا، والذي تكون رسوم الفائدة عليه أقل كثيرا ). زلا يحصل أي عضو في الصندوق على فائدة على اشتراكات الحصص إلا إذا اقترضت الأعضاء الأخرى عملته من سلة العملات. ويختلف كم ما يحصل عليه العضو، ولكنه أصبح مؤخرا حوالي 7 بالمائة من المبلغ الذي اقترضته الأعضاء الأخرى بعملته من الصندوق. وتعتبر كل من أعباء الفائدة التي يدفعها المقترض للصندوق والتعويض الذي يحصل عليه الدائن من الصندوق أقل بدرجة بسيطة عن الأسعار السائدة في السوق، وذلك للحفاظ على الروح التعاونية للمؤسسة.

حقوق السحب الخاصة
يساعد الصندوق في تثبيت القيمة التبادلية لعملة الدولة العضو عن طريق إمدادها بالعملات القابلة للتحويل من خلال هذه التسهيلات المتعددة. ويستطيع الصندوق أيضا خلق نوع خاص من الأموال يضاف إلى الأصول الاحتياطية التي تحتفظ بها معظم البلدان في يدها كاحتياطي في مقابل أي مدفوعات يحتمل أن تحتاج في تسويتها إلى النقد الأجنبي. وكحكم عام وتقديري، تجد معظم البلدان أن من الحكمة أن تحتفظ في يدها باحتياطيات كافية لتغطية ما يساوي مدفوعات بضعة شهور. وخلال الستينات بدا أن من المحتمل أن يتباطأ الاقتصاد العالمي نتيجة عدم ملاءمة الاحتياطيات لمساندة التوسع الاقتصادي القوي الذي شهده العالم فيما بعد. وكانت الاحتياطيات الأساسية في هذه الفترة هي الذهب والدولارات الأمريكية، وكانت هناك مشكلة في المعروض من كل منهما. فقد تحدد حجم المعروض من الذهب بسبب صعوبة اكتشافه واستخراجه من الأرض. ولم تستطع الإمدادات الجديدة من الذهب أن تحافظ على السرعة التي كان يتم بها التوسع في الاقتصاد العالمي. أما الكميات المعروضة من الدولارات أمام الدول الأخرى للاحتفاظ بها كاحتياطي، فقد اعتمدت على رغبة الولايات المتحدة في الإنفاق والاستثمار في الخارج بأموال أكثر عما تستخدمها في الداخل. وطالما أنه لا يمكن التعويل على الحكم بأن تستمر الولايات المتحدة في فعل ذلك بلا نهاية، فقد كان من الممكن حدوث نقص واسع النطاق في الاحتياطيات. وتحسبا لهذا الاحتمال، فقد تم تفويض الصندوق في إصدار أحد الأصول يطلق عليها اسم وحدات " حقوق السحب الخاصة "، التي أضافها الأعضاء إلى ما في حوزتهم من العملات الأجنبية والذهب اللذين يحتفظون بهما في البنوك المركزية. وقد تحددت قيمة مصطنعة – تعتمد على متوسط قيم العملات الخمسة الرئيسية في العالم – لوحدة حقوق السحب الخاصة. ويوجد الآن 21.4 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، تساوي 30 مليار دولار، وتمثل نحو 3 بالمائة من جملة الاحتياطيات.

الخدمات
بالإضافة إلى الإشراف على النظام النقدي الدولي وتوفير الدعم المالي للبلدان الأعضاء، يساعد الصندوق الدول الأعضاء من خلال إدارته لمعهد تعليمي في واشنطن، يتيح عن طريقه المساعدة الفنية للبلدان الأعضاء في مجالات متخصصة معينة تقع ضمن نطاق اختصاصاته. كما يصدر من خلاله مجموعة واسعة من المطبوعات المتعلقة بالأمور النقدية الدولية.
ويقدم معهد صندوق النقد الدولي – منذ إنشائه في المقر الرئيسي بواشنطن في عام 1964 – دورات تدريبية لثمانية آلاف مسئول من 150 بلد عضو يرتبط عملهم ارتباطا وثيقا بمجال عمل الصندوق. ومعظم المشاركين موظفون بوزارات المالية والبنوك المركزية وغيرها من الوكالات المالية الرسمية الأخرى. وقد نجح المعهد نجاحا كبيرا عبر الزمن في تعريف المتدربين فيه بالكيفية التي يعمل بها النظام النقدي وطبيعة الدور الذي يلعبه الصندوق في عملياته. كما ساعد التدريب في المعهد أيضا في تنميط طرق تجميع وعرض إحصاءات ميزان المدفوعات والإحصاءات النقدية والمالية الأخرى في أنحاء العالم، وذلك من أجل منفعة الأعضاء في مجموعهم.
وتتجه بلدان عديدة، نظرا لافتقارها في بعض الأحيان للعمالة المدربة في المجالات بالغة التخصص في المالية العامة والبنوك المركزية، إلى الصندوق للمساعدة في علاج المشكلات في هذه المجالات أو في توفير أحد الخبراء للعمل مع الوكالات المالية الحكومية حتى يتم تطوير الخبرة المحلية الكافية. ولقد تكررت مثل تلك الطلبات للحصول على المساعدة خلال الستينات والسبعينات بصفة خاصة، عندما كان على عدد كبير من الدول التي نالت استقلالها حديثا القيام بإنشاء بنوك مركزية، وإصدار عملات جديدة، واستحداث نظم للضرائب، وإدارة النظم المالية والنقدية الأخرى للدول ذات السيادة الحديثة. وقد استجاب الصندوق عن طريق إرسال الخبراء من هيئة الموظفين الخاصة به أو المستشارين المدربين وذلك لنقل المعرفة والتدريب اللازمين. وخلال التسعينات، فإن قرار بلدان أوربا الشرقية والجمهوريات التي كانت فيما سبق تشكل الاتحاد السوفيتي بالتحول من التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق وبالدخول في النظام النقدي الدولي قد جاء بطلبات مكثفة ، وبصورة لم تحدث من قبل، بحيث تضغط على طاقة الصندوق للتزويد بالمساعدة الفنية. والمطالب الحالية هي مطالب خاصة بالمساعدة المتخصصة في نظم المحاسبة، وإعداد المحاسبة، وتصميم الأدوات النقدية، والمنافع الاجتماعية، والضمان الاجتماعي، وتطوير أسواق النقد، وتنظيم البنوك والإشراف عليها، والإحصاءات، والبحوث، والقانون، والسياسة الضريبية، والإدارة والتدريب.
وقد جعل الوصول إلى البيانات المالية والنقدية وبيانات الدين الخارجي لكل عضو من الصندوق قناة متفردة تنقل تلك المعلومات إلى الأعضاء في مجموعهم. ويعتبر الصندوق المشاركة في البيانات الإحصائية أحد العوامل التي لا غنى عنها للخاصية التعاونية التي تميز المؤسسة. وعلى ذلك، فمنذ إنشاء الصندوق تقريبا وهو يقوم بإصدار مطبوعات إحصائية شهرية وسنوية فيما يعرف باسم " الإحصاءات المالية الدولية " والتي لا تكتفي بمجرد استمرار جعل البلدان الأعضاء على علم بالوضع المالي لنظرائها من الأعضاء، ولكنه يشكل كذلك مصدرا لا يضارع من المعلومات الإحصائية للبنوك والمعاهد البحثية والجامعات ووسائل الإعلام.
وبالإضافة إلى ما ينشره الصندوق من المطبوعات الإحصائية، يصدر الصندوق أيضا " سلسلة كتيبات " تشرح سياساته وبرامجه، و " أوراق المناسبات " حول القضايا الأطول أجلا للتمويل والتجارة، بالإضافة إلى " مسح الصندوق " وهو تقرير يصدر كل أسبوعين ويبرز المقالات عن الاقتصادات القومية والتمويل الدولي، وصحيفة أكاديمية نظرية فصلية " أوراق العاملين " تحتوي على النتائج الأساسية للبحوث الاقتصادية التي تقوم بها هيئة العاملين بالصندوق، بالإضافة إلى عدد من الكتب عن المجالات القانونية والمؤسسية والاقتصادية للنظام النقدي الدولي.

الأنشطة الحديثة
قدمت أحداث الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي للصندوق أكثر التحديات إلحاحا عبر تاريخه البالغ 50 عاما. ومن خلال مساعيه للاستجابة بمرونة للاحتياجات المتغيرة لأعضائه الآخذين في التزايد، يستمر الصندوق في إظهار نفسه كقوة مؤثرة في الشئون النقدية الدولية.
وتعتبر أزمة الديون من التحديات الرئيسية التي ظهرت خلال حقبة الثمانينات، وقد بدأت في عام 1982 عندما عجز عدد كبير من البلدان النامية المثقلة بالديون عن سداد ما تدين به للبنوك التجارية ولحكومات البلدان الأعضاء. وكانت استجابة الصندوق فورية. وقد ساعد الصندوق في تفادي انهيار نظام المدفوعات الدولية، وذلك من خلال تقديم القروض على نطاق لم يسبق له مثيل لمساندة جهود إعادة التنظيم الاقتصادي التي تقوم بها البلدان الأعضاء التي تمر بتلك الظروف، ومن خلال القيام بدور جديد كوسيط بين الدول المدينة ودائنيها، ومن خلال المشاركة في جهود إعادة هيكلة الديون. ولم يتم حل قضية الديون الدولية تماما بعد، ولكن فقد تم تثبيت النظام النقدي الدولي الآن، وزال خطر الانهيار.

ومنذ أوائل التسعينات من القرن الماضي، يركز الصندوق – بالإضافة إلى أنشطته المعتادة وتدخله المستمر لحل أزمة الديون – جهوده في مجالين:
الأول: القيام بتنظيم حملة ضخمة لمساعدة بلدان أوربا الشرقية في التحول الصعب من التخطيط المركزي إلى اقتصادات السوق. وفي هذا الخصوص، فهو لا يقدم الأموال فقط، ولكن – وهذا هو الأهم – الخبرة في إقامة تلك الهياكل المالية والاقتصادية ( البنوك المركزية ونظم الضرائب وقابلية تحويل العملة ونظم التعريفات الجمركية ) اللازمة لآلية عمل النظام القائم على المشروع الخاص.
الثاني: استمراره في مساعدة أعضائه الأكثر فقرا لخلق بيئة مناسبة للنمو الاقتصادي. فقد بدأ في عام 1985 برنامجا للإقراض بأسعار فائدة امتيازية، بالاشتراك مع البنك الدولي والمقرضين الآخرين، إلى البلدان الأعضاء الأكثر فقرا التي تقوم بتطبيق إصلاحات شاملة لاقتصاداتها لإزالة التشوهات الإدارية المؤسسية التي عملت على تباطؤ النمو الاقتصادي. وقد جعلت أسعار الفائدة المنخفضة وفترات الاسترداد الطويلة من البرنامج المعروف بتسهيل التكييف الهيكلي برنامجا جذابا على وجه الخصوص، وهذا ما حدا بالصندوق لتوسيع نطاق البرنامج من خلال اجتذاب تمويل إضافي – حوالي 12 مليار دولار على وجه الجملة – من أعضائه الأغنياء لتدعيم روح الجهد التعاوني الذي يستمر لتنشيط المؤسسة.
 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية