صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







رسالة الصدق في طريق أهل الحق

د. بدر عبد الحميد هميسه


طريق أهل الحق . . هو الطريق الواضح البيّن الذي سلكه جميع الأنبياء والمرسلين , وأصحاب الرسالات المخلصين .
طريق أهل الحق . . هو الطريق الذي جعل آدم وحواء عليهما السلام حينما هبطا من الجنة إلى الأرض يؤوبان ويتوبان إلى الله تعالى , ويرفعان أكف الضراعة قائلين : \" قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) سورة الأعراف.
وجعل نوحاً عليه السلام يقول لقومه حينما سخروا منه وهو يصنع السفينة \" إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) سورة هود.
وجعل الخليل إبراهيم عليه السلام يقول لقومه من عُبٍاد الأوثان \" يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) سورة الأنعام .
وجعل أيوب عليه السلام حينما التقطه الحوت يخبت لربه قائلاً \" لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) سورة الأنبياء .
وجعل يوسف عليه السلام وهو في ظلمات السجن لا يتخلى عن طريق الحق بل يدعو صاحبيه في السجن قائلاً \" يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) سورة يوسف.
وجعل موسى عليه السلام وقد أدركه فرعون وجنوده , ووقف أصحابه ينظرون كيف النجاة والبحر أمامهم وفرعون من خلفهم , لكن موسى عليه السلام الواثق بربه , العارف بطريق الحق قال : \" فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) سورة الشعراء .
وجعل سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم يقول لصاحبه أبي بكر وهما في الغار وكفار قريش محدقون بهما \" لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) سورة التوبة .
وقبلها قال لعمه أبي طالب \" والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله , أو أهلك فيه ما تركته \" انظر : ابن هشام , السيرة النبوية لابن هشام , جـ1 , 267 .
ثم لما جاءه بعض أصحابه يشكو إليه تعذيب قريش للمسلمين المستضعفين , ويطلب منه أن ينتصر لهم , أخبره في حق ويقين لا يمارى فيهما أن النصر قادم وأن العزة والتمكين ستكون لأهل الحق من المسلمين , عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ ، قَالَ:شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ ، فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، فَقُلْنَا : أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا ، أَلاَ تَدْعُو لَنَا ، فَقَالَ : قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.أخرجه \"أحمد\" 5/109(21371) و\"البُخَارِي\" 4/244(3612) و\"أبو داود\" 2649 و\"النَّسائي\" 8/204.
ثم كان عليه الصلاة والسلام يمر على المعذبين من آل ياسر وهم في القيد والأغلال يقول لهم مبيناً ثمرة طريق الحق \" صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة \" .
وهو ذاته الطريق الذي وعاه بلال حينما كانت توضع الصخور العظيمة على صدره فلا يفتأ لسانه يردد \" أحد . أحد \" ولسان حاله يقول لمعذبه : عذب ما شئت من جسده أما الروح فلا سلطان لك عليها لأنها ملك لله رب العالمين .
طريق أهل الحق . .هو الطريق الذي جعل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يتركون دورهم ومتاعهم وتجارتهم وأهليهم فارين بدينهم مهاجرين إلى ربهم .
طريق أهل الحق . . هو الطريق الذي جعل أهل المدينة من الأنصار \" يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (9) سورة الحشر .
فقاسموا المهاجرين أموالهم وأرضهم عن حب وإيمان وصدق وإحسان .
طريق أهل الحق . . هو الطريق الذي جعل المسلمين الأوائل يضحون بالنفس والنفيس من أجل إعلاء راية هذا الدين , قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم لأصحابه في غزوة بدر : (( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال : يقول عُمير بن الحمام الأنصاري : يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض ؟ قال : نعم ، قال بخ بخ . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما يحملك على قولك بخ بخ . قال : لا ، والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها ، قال فإنك من أهلها ، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه ، إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل )) صحيح مسلم ح 1901 ( 3 / 1510 ).
وأخرج الحاكم بسنده عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد لطلب سعد بن الربيع وقال (( لي إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له يقول لك رسول الله كيف تجدك ؟ قال فجعلت أطوف بين القتلى فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت له : يا سعد إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ عليك السلام ويقول لك خبرني كيف تجدك ؟ قال على رسول الله السلام وعليك السلام قل له يا رسول الله أجدني أجد ريح الجنة وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيكم شفر يطرف قال وفاضت نفسه رحمه الله )) . المستدرك للحاكم 3 / 201 .
وكان عمرو بن الجموح رضي الله عنه أعرج شديد العرج، قد جاوز الستين من عمره وكان له بنون أربعة مثل الأُسْد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، وهم خلاد ومعوذ ومعاذ وأبو أيمن، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا: إن الله عز وجل قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه وللخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنت فقد عذرك الله تعالى فلا جهاد عليك» وقال لبنيه: «ما عليكم ألا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة» فخرج وهو يقول مستقبل القبلة: اللهم لا تردني إلى أهلي خائبًا فقتل شهيدًا. المسند (5/299)، السيرة النبوية لابن هشام (3/101).
طريق أهل الحق . . هو الطريق الذي جعل الصديق أبي بكر رضي الله عنه يحارب المرتدين ومانعي الزكاة ويقول في ثبات ويقين : \"والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاهدتهم عليه\". راجع : السيرة لابن حبان 1/ 430 والبداية والنهاية 6/53 , الصلابي : أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره 111.
وجعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم إلى الشام أتي ببرذون فقيل له اركب يا أمير المؤمنين فيراك عظماء أهل الأرض قال فقال وإنكم لهنالك إنما الأمر من ها هنا وأشار بيده إلى السماء خلوا سبيلي. وعن طارق بن شهاب قال: قدم عمر بن الخطاب الشام فلقيه الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء قد خلع خفيه وجعلهما تحت إبطه قالوا له يا أمير المؤمنين! الآن تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحال قال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نلتمس العز من غيره.راجع: مختصر تاريخ دمشق 7/7 , و الرياض النضرة في مناقب العشرة 1/179.
عن أبي حاتم عن العُتْبي قال: بعث إلي عمر بحللٍ فقسمها فأصاب كل رجل ثوبٌ. ثم صعد المنبر وعليه حلة، والحلة ثوبان، فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟ فقال سلمان: لا نسمع. فقال عمر: لمَ يا أبا عبد الله؟قال: إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك حلة. فقال: لا تعجل يا أبا عبد الله. ثم نادى: يا عبد الله. فلم يجبه أحد فقال: يا عبد الله بن عمر. فقال: لبيك يا أمير المؤمنين. فقال: نشدتك الله، الثوبُ الذي ائتزرت به أهو ثوبك؟ قال: اللهم نعم قال سلمان: فقل الآن نسمع.ابن الجوزي : صفة الصفوة 1/535.
طريق أهل الحق . . هو الطريق الذي جعل سلمان الفارسي رضي الله عنه يترك وطنه وما فيه من عز وسلطان ليبحث عن الحق , يقول سلمان -رضي الله عنه- عن نفسه: (كنت رجلاً من أهل أصبهان من قرية يقال لها جيّ، وكان أبي دُهْقانها (رئيسها)، وكنت من أحب عباد الله إليه، وقد اجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار (ملازمها) الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة.
وكان لأبي ضَيْعَة (أرض)، أرسلني إليها يومًا فخرجت فمررت بكنيسة للنصارى، فسمعتهم يصلُّون، فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فأعجبني ما رأيت من صلاتهم، وقلت لنفسي: هذا خير من ديننا الذي نحن عليه فما برحتهم (تركتهم) حتى غابت الشمس، ولا ذهبت إلى ضيعة أبي، ولا رجعت إليه حتى بعث في أثري من يبحث عني، وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم وصلاتهم عن أصل دينهم، فقالوا: في الشام، وقلت لأبي حين عُدت إليه: إني مررت على قوم يُصلّون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم، ورأيت أن دينهم خير من ديننا، فحاورني وحاورته، ثم جعل في رجلي حديدًا وحبسني.
وأرسلت إلى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم، وسألتهم إذا قدم عليهم ركب من الشام أن يخبروني قبل عودتهم إليها؛ لأرحل معهم، وقد فعلوا فحطمت الحديد، وخرجت، وانطلقت معهم إلى الشام، وهناك سألت عن عالمهم فقيل لي: هو الأسقف (رئيس من رؤساء النصارى) صاحب الكنيسة، فأتيته وأخبرته خبري، فأقمت معه أخدم وأصلي وأتعلم، وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه، إذ كان يجمع الصدقات من الناس ليوزعها على الفقراء، ولكنه كان يكتنزها لنفسه.
فلما مات جاءوا بآخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلاً على دينهم خيرًا منه، ولا أعظم رغبة في الآخرة وزهدًا في الدنيا، ودأبًا على العبادة، فأحببته حبًّا ما علمت أنني أحببت أحدًا مثله قبله، فلما حضره قدره (الموت)، قلت له: إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى، فبم تأمرني؟ وإلى مَنْ توصى بي؟ قال: أي بني، ما أعرف من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلاً بالموصل.
فلما توفي أتيت صاحب الموصل، فأخبرته الخبر، وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم، ثم حضرته الوفاة، فسألته فدلني على عابد في نصيبين، فأتيته وأخبرته خبري، ثم أقمت معه ما شاء الله أن أقيم، فلما حضرته الوفاة سألته، فأمرني أن ألحق برجل في عمورية من بلاد الروم، فرحلت إليه وأقمت معه، واصطنعت لمعاشي بقرات وغنيمات، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: إلى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدًا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك (أتى عليك) زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفًا، يهاجر إلى أرض ذات نخل بين حرتين، فإن استطعت أن تخلص (تذهب) إليه فافعل، وإن له آيات لا تخفى، فهو لا يأكل الصدقة، ويقبل الهدية، وإن بين كتفيه خاتم النبوة، إذا رأيته عرفته.
ومرَّ بي ركب ذات يوم، فسألتهم عن بلادهم فعلمت أنهم من جزيرة العرب، فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم إلى أرضكم؟ قالوا: نعم. واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى، وهناك ظلموني وباعوني إلى رجل من يهود، وأقمت عنده حتى قدم عليه يومًا رجل من يهود بني قريظة، فابتاعني منه، ثم خرج بي حتى قدمت المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وُصِفَتْ لي.
وأقمت معه أعمل له في نخله، وإني لفي رأس نخلة يومًا، وصاحبي جالس تحتها، إذ أقبل رجل من بني عمه فقال يخاطبه: قاتل الله بني قيلة (الأوس والخزرج)، إنهم ليقاصفون (يجتمعون) على رجل بقباء قادم من مكة يزعمون أنه نبي، فوالله ما هو إلا أن قالها حتى أخذتني العُرَوَاءُ (ريح باردة)، فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي، ثم نزلت سريعًا أقول ما هذا الخبر؟ فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا؟ أقبل على عملك، فأقبلت على عملي.ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقُباء، فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت له: إنكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة، فلما ذُكر لي مكانكم رأيتكم أحق الناس به فجئتكم به، ثم وضعته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: كلوا باسم الله، وأمسك هو فلم يبسط إليه يدًا، فقلت في نفسي: هذه والله واحدة، إنه لا يأكل الصدقة.ثم رجعت، وعدت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في الغداة أحمل طعامًا، وقلت له عليه السلام: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية، ووضعته بين يده، فقال لأصحابه: كلوا باسم ا لله، وأكل معهم، قلت لنفسي: هذه والله الثانية، إنه يأكل الهدية، ثم رجعت فمكثت ما شاء الله، ثم أتيته فوجدته في البقيع قد تبع جنازة، وحوله أصحابه وعليه شملتان (الشملة: كساء من الصوف) مؤتزرًا بواحدة، ومرتديًا الأخرى، فسلّمت عليه، ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره، فعرف أني أريد ذلك، فألقى بردته عن كاهله، فإذا العلامة بين كتفيه خاتم النبوة، كما وصفه لي صاحبي، فأكببت عليه أقبله وأبكي.ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه، وحدثته كما أحدثكم الآن، ثم أسلمت، وحال الرقُّ بيني وبين شهود (حضور) بدر وأحد، وفي ذات يوم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (كاتب سيدك حتى يعتقك)، فكاتبته، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة كي يعاونوني وحرر الله رقبتي، وعشت حُرًّا مسلمًا، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الخندق والمشاهد كلها. [أحمد والطبراني].
طريق أهل الحق . . هو الطريق الذي جعل سلسلة العزة وشجرة الكرامة تمتد جذورها في هذه الأمة جيلاً بعد جيل , لما رجعت رسل المقوقس إليه والتي كان قد أرسلها لمفاوضة المسلمين قال لهم: كيف رأيتموهم؟\" قالوا :\"رأينا قومًا الموت أحب إلى أحدهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة إنما جلوسهم على التراب، وأكلهم على ركبهم، وأميرهم كواحد منهم ما يعرف رفيعُهم من وضيعهم، ولا السيد فيهم من العبد، إذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم \" فقال المقوقس\" والذي يحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها وما يقوى على قتال هؤلاء أحد\" راجع : النجوم الزاهرة 1/23 , ابن عبد الحكم : فتوح مصر 75 , المقريزي : المواعظ والاعتبار 1 / 365 .
طريق أهل الحق . . هو الطريق الذي جعل سعيد بن جبير يواجه صلف الحجاج ,ويقاوم الطغيان , وجعل أحمد بن حنبل يثبت في فتنة خلق القرآن , وابن تيمية لا يخشى السجن ولا السجان , وسلطان العلماء العز بن عبد السلام يقول لقد صار السلطان أمامي كالقط الجبان .

أمامك فانظر أي نهجيك تنهج * * طريقان شتى: مستقيم وأعوجِ

قال أحدهم :

أماه لا تجزعي فالحافظ الله * * * إنا سلكنا طريقًا قد خبرناه
على حفافيه يا أماه مرقدنا * * * ومن جماجمنا ترسو زواياه
أماه هذا طريق الحق فابتهجي* * * بمسلم باع للرحمن دنياه

وقال آخر :

سيروا كما ساروا لتجنوا ما جنوا * * * لا يحصد الحب سوى الزراع
وتيقظوا فالسيل قد بلغ الزبى * * * يا أيها النومى على الأطماع
واسترجعوا ما فات من أمجادكم * * * ما دمتم في مهلة استرجاع
يا خاطب العلياء إن صداقها * * * صعب المنال على قصير الباع


جعلنا الله من أهل الحق الذين يسلكون سبيله , ويرفعون رايته , ويرجون من الله ثمرته .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية