اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/hamesabadr/64.htm?print_it=1

الحديث الضعيف روايته وحكم العمل به

د. بدر عبد الحميد هميسه


تميزت هذه الأمة بأنها أمة الإسناد، قال ابن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. رواه مسلم في مقدمة \"صحيحه \" (1/12) وقال سفيان الثورى: الإسناد سلاح المؤمن، فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل. وقال يزيد بن زُريع : «لكل دين فُرسان ، وفرسان هذا الدين أصحاب الإسناد».ابن الأثير : جامع الأصول في أحاديث الرسول 1/109.
والإسناد هو الذي يميز الحديث الصحيح من غيره , فلقد قسم العلماء الحديث إلى قسمين : مقبول , ومردود.
فالحديث المقبول : هو الحديث الذي توافرت فيه جميع شروط القبول ولم يفقد شرطا واحدا , وأنواعه : الحديث الصحيح وينقسم إلى: ( الحديث الصحيح لذاته والحديث الصحيح لغيره ) والحديث الحسن وينقسم إلى :( الحديث الحسن لذاته والحديث الحسن لغيره ).
ولقد أجمعَ العلماءُ من أهل الحديث ومن يعتدُّ به من الفقهاء والأصوليين على أنَّ الحديث الصحيح حجةٌ يجبُ العملُ به , سواءٌ كان راويهِ واحداً لم يروه غيرُه , أو رواهُ معه راو آخر, أو اشتُهرَ بروايةِ ثلاثةٍ فأكثرَ ولم يتواترْ .
والحديث المردود : هو الحديث الذي فقد شرطا واحدا أو أكثر من شروط الحديث , كعدم اتصال السند , أو وجود علة قادحة في راو من رواته , ويطلق عليه في العموم الحديث الضعيف , والضعف في هذا الحديث درجات عديدة : أدناها ما يكون بسبب الانقطاع ، أو خطأ الراوي ، وأشدها ما كان بكذبه .
ويقال أيضاً : الضعف نوعان : ضعف يمكن جبره ، وضعف لا ينجبر ، على ما يأتي بيانه .
وعليه فتندرج تحته ألقاب كثيرة منقسمة في الجملة إلى قسمين بحسب ما يعود إليه سبب الضعف :
الأول : ما يرجع إلى عدم الاتصال ، وتندرج تحته ألقاب للحديث الضعيف ، هي :
المعلق ، المنقطع ، المعضل ، المرسل ، المدلس .
الثاني : ما يرجع إلى الجرح القادح في الراوي ، وتندرج تحته عدة ألقاب ، هي :
المجهول ، اللين ، المقلوب ، المصحف ، المدرج ، الشاذ المعلل ، المضطرب ، المنكر ، الموضوع .
وليس يخلو حديث ضعيف من أن يكون معللاً بواحد من هذه الأوصاف ، وهي منبئة عن تفاوت الضعف ، بين الضعف اليسير المحتمل ، والشديد الذي لا ينجبر .
وإطلاق لقب ( حديث ضعيف ) صالح أن يكون لأي من السببين ، وإن كان يوهم خفة الضعف أحياناً ، فيشكل إطلاقه على ( المنكر ) و ( الموضوع ) مثلاً .

أولاً : ( تعريف الحديث الضعيف ):
عرفوا الحديث الضعيف بأنه :هو ما فقد شرطا من شروط الحديث المقبول وهي ستة:
1 -العدالة: أي الصدق والتقوى والالتزام الظاهر بأحكام الإسلام.
2 -الضبط: هو الدقة في الحفظ والإتقان ثم الاستحضار عند الأداء .
3 -الاتصال: أي كل واحد من الرواة قد تلقاه من رواة الحديث حتى النهاية دون إرسال أو انقطاع.
4- عدم الشذوذ: وهو مخالفة الراوي الثقة لمن هو أثق منه .
5- عدم وجود العلة القادحة: أي سلامة الحديث من وصف خفي قادح في صحة الحديث والظاهر السلامة منه .
6 -العاضدُ عند الاحتياج إليه .
راجع : مقدمة ابن الصلاح-(ج 1 / ص 6 ) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث-(ج 1 / ص 5 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 73 ) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث-(ج 1 / ص 2 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 120 ) .

ثانياً : ( أقسام الحديثِ الضَّعيفِ ):
يقسم الحديث الضعيف إلى أنواع كثيرةٍ جدا،وأكثرُ أهل العلم على تصنيفه بحسب الأنواع الرئيسة،حيث إنها ضوابطُ كافيةٌ لتمييزِ المقبول من المردود،تندرجُ تحتها كافةُ الصُّوَر،كما أنها تبين إلى أي مدًى بلغَ الضعفُ،هل هو هيِّنٌ يصلحُ للتقويةِ إنْ وجِدَ عاضدٌ،أو شديدٌ لا يصلحُ للتقوية،أو مكذوبٌ مختلَقٌ جزماً ؟ .
وهو ثلاثةُ أنواع رئيسةٍ:
أ - الضعيف ضعفا يسيراً،وهو أنواع كثيرة منها:
1- سوءُ الحفظ،مثل سليمان بن قرم،و محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري،رشدين بن سعد أبو الحجاج المهري،ومحمد بن جابر الحنفي اليمامي.
مثاله: أخرج النسائيُّ في سننه الكبرى أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ : سَمِعْتُ شُعْبَةَ ، يَقُولُ : أَتَيْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي ابْنَ أَبِي لَيْلَى ، فَقُلْتُ : أَقْرِئْنِي عَنْ سَلَمَةَ حَدِيثًا مُسْنَدًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَحَدَّثَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : إِذَا أَصْبَحَ : \" أَصْبَحْنَا عَلَى الْفِطْرَةِ \" فَذَكَرَ الدُّعَاءَ قَالَ شُعْبَةُ : فَأَتَيْتُ سَلَمَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : لَمْ أَسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا شَيْئًا ، قُلْتُ : وَلَا مِن قَوْلِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : وَلَا حُدِّثْتَ عَنْهُ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ ذَرًّا يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِن كِتَابِي : فَدَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْتُ : أَيْنَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى مِن ذَرٍّ ؟ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ : أَيْنَ ذَرٌّ مِنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ؟ قَالَ : هَكَذَا ظَنَنْتُ ، قُلْتُ : هَكَذَا تُعَامِلُ بِالظَّنِّ ؟ .قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَحَدُ الْعُلَمَاءِ ، إِلَّا أَنَّهُ سَيِّئُ الْحِفْظِ كَثِيرُ الْخَطَأِ. السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي (10105 ).
2 -الاختلاطُ،مثل: بحر بن مرار وحبان بن يسار الكلابي وحجاج بن محمد المصيصي الأعور وخالد بن طهمان الكوفي وخطاب بن القاسم الحراني ورواد بن الجراح أبو عصام العسقلاني وسعيد بن عبد العزيز التنوخي وسعيد بن أبي عروبة مهران وعطاء بن السائب.
مثاله ما رواه أحمد في مسنده حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « ضَافَ ضَيْفٌ رَجُلاً مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ وَفِى دَارِهِ كَلْبَةٌ مُجِحٌّ فَقَالَتِ الْكَلْبَةُ وَاللَّهِ لاَ أَنْبَحُ ضَيْفَ أَهْلِى. قَالَ: فَعَوَى جِرَاؤُهَا فِى بَطْنِهَا،قَالَ قِيلَ مَا هَذَا قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى رَجُلٍ مِنهُمْ هَذَا مَثَلُ أُمَّةٍ تَكُونُ مِن بَعْدِكُمْ يَقْهَرُ سُفَهَاؤُهَا أَحْلاَمَهَا ». مسند أحمد (6745 ) ومجمع 1/183 7/280 وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة(3812 ) وهو ضعيف.
فهذا الحديث مداره على عطاء بن السائب ، وقد اختلط، وكل من رواه عنه فبعد اختلاطه واضطرب فيه اضطرابا شديدا ، والأرجح عدم رفعه .
3 -الانقطاع،وهو أن يروي عمن لم يسمع منه،كما في سنن ابن ماجه رقم (250 ) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ المدني حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ الْحَسَنِ البصري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ عِلْمًا ثُمَّ يُعَلِّمَهُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ »فهذا الحديث في سنده انقطاع،لأن الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة عند جمهور المحدثين .
وكما في سنن أبى داود برقم (1055 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ وَبَرَةَ الْعُجَيْفِىِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِن غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ ».
فهذا الحديث فيه قدامة بن وبرة لم يسمعه من سمرة كما بين البخاري. انظر ضعفاء العقيلي [ج3 -ص 484 ] 1543 والبدر المنير (ج 4 / ص 693 ) فما بعدها.
4 -الإرسال،وهو أن يروي التابعي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة،دون ذكر الواسطة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ،ففي المراسيل لأبي داود عَنْ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي قَنَانٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - \" كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبُولَ،فَأَتَى عَزَازًا مِنَ الْأَرْضِ،أَخَذَ عُودًا،فَنَكَتَ بِهِ حَتَّى يُثَرَّى،ثُمَّ يَبُولُ\" طلحة بن قنان تابعي. الجرح والتعديل [ج4 -ص 476 ] .
5 -التدليس،وهو أنواع متعددة،مثل إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي وبقية بن الوليد الحمصي،والحسن بن ذكوان, وخارجة بن مصعب بن خارجة وشعيب بن أيوب بن رزيق،والوليد بن مسلم الدمشقي .
روى الخطيب من طريق بقية بن الوليد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \" من أصابه جهدٌ في رمضان فلم يفطرْ فماتَ دخلَ النارَ. تاريخ بغداد - (ج 4 / ص 434 ) وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (6920 ).
قال علي بن عمر الدارقطني: غريب من حديث عبيد الله بن عمر تفرد به بقية عنه وتفرد به عبد الرحمن بن يونس عن بقية.
6 -الإعضال،ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي،مثل حديث ابْنِ جُرَيْجٍ،أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ،أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ،قَالَ:\"مَنْ طَلَّقَ لاعِبًا،أَوْ نَكَحَ لاعِبًا فَقَدْ جَازَ\"المعجم الكبير للطبراني(9592 ).
فعبد الكريم سواء أكان الجزري ( الثقة ) أو ابن أبى المخارق ( الضعيف ) فكلاهما من الذين عاصروا صغار التابعين،فبينه وبين ابن مسعود راويان أو أكثر،ولذلك قال الهيثمي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ،وَفِيهِ مُعْضِلٌ،وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. مجمع الزوائد (7530 ).
7 -الشذوذ،أن يخالف الثقة من هو أوثق منه برواية حديث ما أو جملة يتفرد بها ويخالف الثقات،وله مواضع :
مثال الشذوذ في السند:\"ما رواه أبو داود(برقم (2907 ) والسنن الكبرى للبيهقي(برقم (12766)والترمذى(برقم (2252)كلهم من طريق حَمَّادَ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَوْسَجَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً تُوُفِّىَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« انْظُرُوا هَلْ لَهُ وَارِثٌ ». فَقَالُوا: لاَ إِلاَّ غُلاَمًا كَانَ لَهُ فَأَعْتَقَهُ فَقَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« ادْفَعُوا إِلَيْهِ مِيرَاثَهُ ». وتابع ابن عيينة على وصله ابن جُرَيْج وغيره،وَخَالَفَهُمَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مُرْسَلاً.ففي السنن الكبرى للبيهقي(برقم (12768 ), أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ القاضي حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ وَعَارِمٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَوْسَجَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً مَاتَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلاَّ مَوْلًى لَهُ هُوَ أَعْتَقَهُ فَأَعْطَاهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِيرَاثَهُ. قَالَ:القاضي هَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مُرْسَلاً لَمْ يَبْلُغْ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مُرْسَلاً قَالَ:الْبُخَارِىُّ: عَوْسَجَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَلَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ قَالَ:الشَّيْخُ: وَرَوَاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ غَلَطٌ لاَ شَكَّ فِيهِ.
قال أبو حاتم: المَحفُوظ حديث ابن عُيينة.
قال ابن حجر: فحمَّاد بن زيد من أهل العَدَالة والضَّبط, ومع ذلك رجَّح أبو حاتم رِوَاية من هم أكثر عددًا منه, قال: وعرف من هذا التقرير أنَّ الشَّاذ ما رواه المقبول مُخَالفًا لمن هو أولَى منهُ. قال: وهذا هو المُعتمد في حدِّ الشَّاذ بحسب الاصطلاح.فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 186 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 174 ) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (ج 1 / ص 14 ).
ومثال الشذوذ في المتن: ما رواه أبو داود برقم (1263 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ». فَقَالَ:لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَمَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إِلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ ..قَالَ:لاَ. قَالَ:فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ:أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ:فَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ هَلْ تُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا يقول: قَالَ:لاَ وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ وَجَبُنَّا. قَالَ:فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:فَمَا ذَنْبِى إِنْ كُنْتُ حَفِظْتُ وَنَسُوا.
قال البيهقي(في السنن الكبرى (ج 3 / ص 45 ) برقم (5085 ) , َقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىُّ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ حِكَايَةً عَنْ فِعْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْهِ مِنَ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الصُّبْحِ بِضَجْعَةٍ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ. قَالَ:الشَّيْخُ وَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا لِمُوَافَقَتِهِ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. انظر الفتاوى الحديثية للحويني - (ج 2 / ص 26 ).
8 -الوهم،والوهم قد يكون من الثقة سواء في الإسناد أو المتن،وقد يكون من الضعيف،فيضعف إذا كثرت أوهامه،كما في سنن أبى داود(3294 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِىُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنِ ابْنِ أَبِى عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِى كَثِيرٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ قَالَتْ قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ نَذْرَ فِى مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ». قَالَ:أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِىُّ: إِنَّمَا الْحَدِيثُ حَدِيثُ عَلِىِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . أَرَادَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ أَرْقَمَ وَهِمَ فِيهِ وَحَمَلَهُ عَنْهُ الزُّهْرِىُّ وَأَرْسَلَهُ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا ال لَّهُ. قَالَ:أَبُو دَاوُدَ: رَوَى بَقِيَّةُ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِإِسْنَادِ عَلِىِّ بْنِ الْمُبَارَكِ مِثْلَهُ.
وفي علل الحديث لابن أبي حاتم ( 81 ) سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَمِرٍ الْيَحْصُبِيِّ،عَنِ الزُّهْرِيِّ،عَنْ عُرْوَةَ،عَنْ مَرْوَانَ،عَنْ بُسْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْوُضُوءِ مِن مَسِّ الذَّكَرِ،وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ فَقَالَ:أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ وَهِمَ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَرْوِيهِ،عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ،وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ قُلْتُ لأَبِي: فَحَدَيِثُ أُمِّ حَبِيبَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : فِيمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ؟
قَالَ:أَبِي: رَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يُوهِنُ الْحَدِيثَ أَوْ تَدُلُّ رِوَايَتُهُ أَنَّ مَكْحُولا قَدْ أَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَنْبَسَةَ رَجُلا\" وفي العلل ( 141 ) وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،عَنْ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ،عَنْ سُفْيَانَ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ،عَنْ جَابِرٍ،قَالَ: كَانَ السِّوَاكُ مِن أذُنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِن أُذُنِ الْكَاتِبِ. قَالَ:أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا وَهْمٌ،وَهِمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ.
9 -العلة القادحة،هي: سببٌ يقدحُ في صحّةِ حديثٍ ظاهرهُ الصحّةُ والخلوُّ منها،ولا تتبيّنُ إلاّ للنقّاد الجهابذة .
كحديث يَعْلى بن عُبيد الطنافسي(الخليلي في الإرشاد 1/341)أحد رجال الصَّحيح عن سُفيان الثَّوري, عن عَمرو بن دينار عن ابن عُمر عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حديث: «البَيِّعان بالخِيَار...» غلط يعلى عن سُفيان في قوله: عَمرو بن دينار إنَّما هو عبد الله بن دينار هكذا رَواهُ الأئمة أصْحَاب سُفيان, كأبي نُعيم الفَضْل بن دُكين, ومحمَّد بن يوسف الفِرْيابي, ومخلد بن يزيد وغيرهم. انظر الروايات كلها في المسند الجامع (ج 10 / ص 727 ) (7730 ).
ومن ذلك أن يَكُون السَّند ظاهر الصِّحة, وفيه من لا يُعرف بالسَّماع ممَّن روى عنه.
قال الحاكم:كحديث مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ , عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:\" مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا كَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ،فَقَالَ:قَبْلَ أَنْ يَقُومَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ،لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ\". قَالَ:أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا حَدِيثٌ مَنْ تَأَمَّلَهُ لَمْ يَشُكَّ أَنَّهُ مِن شَرْطِ الصَّحِيحِ،وَلَهُ عِلَّةٌ فَاحِشَةٌ. شرح السنة للبغوي(1340 ) ومعرفة علوم الحديث (236 ).
10- المضطرب،هو الحديث الذي تختلف فيه الرواة مع اتحاد مصدرهم،ولم يستقم التوفيق بينهم ولا الترجيح على طريقة المحدثين النقاد،وإن كان ذلك ممكنا على التجويز العقلي المجرد.
فمثالها في السند: ما وقع من الاضطراب الشديد في إسناد حديث جرهد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:\" الفخذ عورة\" .فهذا الحديث اضطرب فيه الرواة على نحو من عشرين وجهاً مختلفاً،قد يمكن إرجاع بعض منها إلى بعضها الآخر،لكن لا انفكاك عن بقاء الاختلاف المؤثر،الذي يتعذر معه ترجيح بعضها على بعض.
11- المقلوب،هو الْحَدِيْث الَّذِيْ أبدلَ فِيْهِ راويه شَيْئاً بآخر في السند أو في الْمَتْن عمداً أو سهواً , ومن أسوأ أمثلة القلب: ما نقله ابن أبي حاتم العلل (1371 ) وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ،عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ،عَنِ الشَّعْبِيِّ،عَنْ جَابِرٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:\"لا يُسْتَقَادُ مِنَ الْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ\"،قَالَ:أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ مُرْسَلٌ مَقْلُوبٌ.
يعني أبو زرعة أن صوابه: ( ابن المبارك عن عنبسة بن سعيد عن جابر عن الشعبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) .
فهذا قلب مفسد جداً،ليس في تصيير المرسل موصولاً فقط؛ إذ الشعبي تابعي،بل جابر هذا في حال الوصل هو جابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي،وفي حال كونه الراوي عن الشعبي فهو جابر بن يزيد الجعفي أحد المتروكين في الحديث.

ب الضعيفُ ضعفاً شديداً وهو أنواع منها:
1. المنكرُ: هو ما رواه الضعيف مخالفا للثقات وتفرد به،أو المنكرُ هوَ الحديثُ الذي ينفردُ بهِ الرجلُ،ولا يُعرفُ متُنُه من غيرِ روايتِهِ،لا من الوجهِ الذي رواهُ منهُ ولا من وجهٍ آخرَ. نصب الراية (ج 4 / ص 242 ).
فالأولُ: مثالٌ للفردِ الذي ليسَ في راويهِ من الثقةِ والإتقانِ ما يحتملُ معهُ تفرُّدُهُ،وهوَ ما رواهُ النسائيُّ،وابنُ ماجه منْ روايةِ أبي زُكَيْرٍ يحيى بنِ محمّدِ بنِ قيسٍ عنْ هِشامِ بنِ عُروةَ عنْ أبيهِ عنْ عائشةَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ،قالَ:\" كلوا البَلَحَ بالتَّمْرِ،فإنَّ ابنَ آدمَ إذا أكلَهُ غَضِبَ الشيطانُ، ... الحديثَ\"،قالَ النسائيُّ هذا حديثٌ منكرٌ(برقم (661 ) وطبرى 2/57 وهق 4/84 والإتحاف 4/105 وعدى 4/1328 وقط 2/125 وكثير 1/98 ومعانى 2/27 وتخ 3/90 والنيل 8/155 وقواه.
قالَ ابنُ الصلاحِ تفرّدَ بهِ أبو زُكيرٍ،وهوَ شيخٌ صالحٌ أخرجَ عنه مسلمٌ في كتابِهِ غيرَ أنَّهُ لَمْ يبلغْ مبلغَ مَنْ يحتملُ تفرُّدُهُ.وأخرجَ لهُ مسلمٌ في المتابعات .
2 - المتروك: هو الحديث الذي انفرد به راو متهم بالكذب وهو من عرف بالكذب في كلام الناس لا في الحديث النبوي. وزاد بعضهم ما انفرد به من رمي بفسق أو كثير الغفلة أو الوهم.
مثال: حديث عمرو بن شَمِر الجُعْفي الكوفي الشيعي،عن جابر عن أبي الطفيل عن علي وعمار قالا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر،ويكبر يوم عرفة من صلاة الغَداة،ويقطع صلاة العصر آخر أيام التشريق\"وفي لسان الميزان لابن حجر: عمرو بن شمر الجعفي الكوفي الشيعي أبو عبد الله عن جعفر بن محمد وجابر الجعفي والأعمش روى عباس عن يحيى ليس بشيء وقال الجوزجاني زائغ كذاب وقال ابن حبان رافضي يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات وقال البخاري: منكر الحديث قال يحيى: لا يكتب حديثه... وقال النسائي والدارقطني وغيرهما متروك الحديث... وقال الحاكم أبو عبد الله: كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي وليس يروي تلك الموضوعات الفاحشة عن جابر غيره, وذكره العقيلي والدولابي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء وقال أبو نعيم يروي عن جابر الجعفي الموضوعات المناكير\".
3 - المطروح: وهو مثل المتروك ومثله الواهي والساقط . وهذا النوع أفرده الحافظ الذهبي وعرفه بأنه: ما نزل عن الضعيف وارتفع عن الموضوع.
ومثل له الذهبي بحديث جويبر بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس .
وهي سلسلة يروى بها أحاديث كثيرة منها: عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا قال:\"تجب الصلاة على الغلام إذا عقل والصوم إذا أطاق\" .
جويبر: قال ابن معين ليس بشيء،وقال الجوزجاني: لا يشتغل به. وقال النسائي والدراقطني وغيرهما: متروك.
4- الموضوع:هو الكذبُ المُخْتَلَق المصنوعُ المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أجمع العلماء على أنه لا تحل روايته لأحد عَلِمَ حالَهُ في أي معنى كان سواء الأحكام, والقَصَص, والتَّرغيب وغيرها،إلا مع بيان وضعه،لحديث مسلم: « مَنْ حَدَّثَ عَنِّى بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ».

ثالثا : ( حكُم رواية الحديث الضعيف ):
يجوز عند أهل الحديث وغيرهم رواية الأحاديث الضعيفة والتساهل في أسانيدها من غير بيان ضعفها ـ بخلاف الأحاديث الضعيفة جدا و الموضوعة،فإنه لا يجوز روايتها إلا مع بيان وضعها ـ بشرطين .
1- أن لا تتعلق بالعقائد،كصفات الله تعالى أو أصول الدين .
2- أن لا تكون في بيان الأحكام الشرعية الأصلية مما يتعلق بالحلال والحرام.
وقد أجاز بعض الفقهاء العمل بها في الأحكام الشرعية إذا لم يكن في الباب ما هو أقوى منها كالحنفية والحنابلة،بل وجلُّ المذاهب .
يعني يجوز روايتها في مثل المواعظ والترغيب والترهيب والقصص وما أشبه ذلك،وممن رُوي عنه التساهل في روايتها سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مَهدي وأحمد بن حنبل . انظر مقدمة ابن الصلاح (ص 19 ) وشرح اختصار علوم الحديث (ص 240 ) ومنهج النقد في علوم الحديث , لنور الدين عتر (ص 296 ).
قال الخطيب البغدادي في الكفاية\" بَابُ التَّشَدُّدِ فِي أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ , وَالتَّجَوُّزِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ : قَدْ وَرَدَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ إِلَّا عَمَّنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ التُّهْمَةِ , بَعِيدًا مِنَ الظِّنَّةِ , وَأَمَّا أَحَادِيثُ التَّرْغِيبِ وَالْمَوَاعِظِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَتْبُهَا عَنْ سَائِرِ الْمَشَايِخِ\"
قَالَ:سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ:\" لَا تَأْخُذُوا هَذَا الْعِلْمَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ إِلَّا مِنَ الرُّؤَسَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ , الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ , وَلَا بَأْسَ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَشَايِخِ\".
وقَالَ:يَحْيَى بْنَ الْمُغِيرَةِ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ , يقول: \" لَا تَسْمَعُوا مِن بَقِيَّةَ مَا كَانَ فِي سُنَّةٍ , وَاسْمَعُوا مِنهُ مَا كَانَ فِي ثَوَابٍ وَغَيْرِهِ\" .
وقالَ النَّوْفَلِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , يقول: \" إِذَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالسُّنَنِ وَالْأَحْكَامِ تَشَدَّدْنَا فِي الْأَسَانِيدِ , وَإِذَا رَوَيْنَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَمَا لَا يَضَعُ حُكْمًا وَلَا يَرْفَعُهُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ\".
وقَالَ:الْمَيْمُونِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , يقول: \" الْأَحَادِيثُ الرِّقَاقُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُتَسَاهَلَ فِيهَا حَتَّى يَجِيءَ شَيْءٌ فِيهِ حُكْمٌ\" .
وقَالَ:مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيَّ , يقول: \" الْخَبَرُ إِذَا وَرَدَ لَمْ يُحَرِّمْ حَلَالًا , وَلَمْ يُحِلَّ حَرَامًا , وَلَمْ يُوجِبْ حُكْمًا , وَكَانَ فِي تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ , أَوْ تَشْدِيدٍ أَوْ تَرْخِيصٍ , وَجَبَ الْإِغْمَاضُ عَنْهُ , وَالتَّسَاهُلُ فِي رُوَاتِهِ\".
وتنحصرُ أسباب الضعف والقدح في الرواة في فئتين:
إحداهما : تضمُّ ما يقدح في العدالة: كالكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،أو التهمة به أو الكذبِ في أحاديث الناس،أو الفسق أو جهالة الراوي أو الابتداع بمكفر ونحو ذلك،فكلُّ ما كان ضعفُه ناشئاً عن مثل هذه الأسباب لا تؤثِّرُ فيه كثرةُ الطرق،ولا يرتقي عن درجة الضعف لشدةِ أسبابِ هذا الضعف،وتقاعدِ الجابر عن جبر ضعفِ المروي،نعم, قد يَرْتقي بمجموع طُرقه عن كَوْنهِ مُنْكرًا, أو لا أصل له, كما صرَّح به ابن حجر،حيث قال:\" بَلْ ربَّما كَثُرت الطُّرقُ, حتَّى أوصلتهُ إلى درجة المَسْتُور, أو السَّيء الحفظ, بحيث إذا وجد له طريق آخر, فيه ضعفٌ قريبٌ مُحتمل, ارتقَى بمجمُوع ذلك إلى درجة الحَسَن. قواعد التحديث للقاسمي-( ص 69 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 119 ).
والفئةُ الثانيةُ: ينطوي تحتها ما يقدحُ في الحفظ والضبط والاتصال،والأسباب القادحةُ فيهما: الغفلةُ وكثرةُ الغلط وسوءُ الحفظ والاختلاطُ والوهمُ،كوصل مرسل أو منقطع،فكلُّ ما كان ضعفُه بسببِ عدمِ ضبطِ راويه الصدوقِ الأمينِ،الذي لم تثلمْ عدالتُه فإنَّ كثرة الطرق تقويه،ويجبرُ ضعفُه بمجيئهِ من وجهٍ آخرَ؛ لأننا نعرفُ من الوجهِ الآخر أنَّ حفظَ راو الطريقِ الأول لم يختلَّ فيه ضبطُه وبهذا يرتقي من درجة الضعيفِ ضعفاً يسيراً إلى درجةِ الحسَنِ لغيرهِ .
قال النووي:\" الحديثُ الضعيف عندَ تعددِ الطرق يرتقي عن الضعفِ إلى الحسن،ويصير مقبولاً معمولاً به\". قواعد التحديث للقاسمي-( ص 69 ) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر-( ص 12 ) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر-( ص 297 ).
وقال ابن تيمية:\" وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ عِنْدَهُمْ ضَعِيفًا لِكَثْرَةِ الْغَلَطِ فِي حَدِيثِهِ وَيَكُونُ حَدِيثُهُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ لِأَجْلِ الِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاعْتِضَادِ بِهِ؛ فَإِنَّ تَعَدُّدَ الطُّرُقِ وَكَثْرَتَهَا يُقَوِّي بَعْضَهَا بَعْضًا حَتَّى قَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهَا،وَلَوْ كَانَ النَّاقِلُونَ فُجَّارًا فُسَّاقًا،فَكَيْفَ إذَا كَانُوا عُلَمَاءَ عُدُولًا وَلَكِنْ كَثُرَ فِي حَدِيثِهِمْ الْغَلَطُ؟.
وَمِثْلُ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ فَإِنَّهُ مِن أَكَابِرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ قَاضِيًا بِمِصْرِ كَثِيرَ الْحَدِيثِ لَكِنِ احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ فَصَارَ يُحَدِّثُ مَنْ حَفِظَهُ فَوَقَعَ فِي حَدِيثِهِ غَلَطٌ كَثِيرٌ،مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى حَدِيثِهِ الصِّحَّةُ،قَالَ:أَحْمَد: قَدْ أَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ لِلِاعْتِبَارِ بِهِ: مِثْلَ ابْنِ لَهِيعَةَ .
وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ مِنهُ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فَمِنهُمْ مَنْ لَا يَرْوِي عَنْ هَذَا شَيْئًا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ،لَمْ يَرْوِ فِي مُسْنَدِهِ عَمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ؛ لَكِنْ يَرْوِي عَمَّنْ عَرَفَ مِنهُ الْغَلَطَ لِلِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاعْتِضَادِ .
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَانَ يَسْمَعُ حَدِيثَ مَنْ يُكَذِّبُ وَيقول: إنَّهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا يُكَذِّبُهُ وَبَيْنَ مَا لَا يُكَذِّبُهُ،وَيُذْكَرُ عَنِ الثَّوْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَيَنْهَى عَنِ الْأَخْذِ عَنْهُ وَيُذْكَرُ أَنَّهُ يَعْرِفُ،وَمِثْلُ هَذَا قَدْ يَقَعُ لِمَنْ كَانَ خَبِيرًا بِشَخْصِ إذَا حَدَّثَهُ بِأَشْيَاءَ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا صَدَقَ فِيهِ وَمَا كَذَبَ فِيهِ بِقَرَائِنَ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا . وَخَبَرُ الْوَاحِدِ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَدَقَ،أَوْ تَقْتَرِنُ بِهِ الْقَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَذَبَ \" . مجموع الفتاوى (ج 18 / ص 26 )
وقال السخاوي:\" ولا يقتضي ذلك الاحتجاج بالضعيف،فإنَّ الاحتجاج إنما هو بالهيئة المجموعة كالمرسل حيث اعتضد بمرسل آخر،ولو كان ضعيفاً كما قاله الشافعي والجمهور،وكذلك يقوَى الحديثُ إنْ كان له متابعٌ مثلُه فأكثرُ،أو كان لهُ شاهدٌ بلفظهِ أو معناهُ،أو آيةٌ قرآنيةٌ،أو عمِلَ بهِ كثيرٌ منَ العلماء السابقينَ،أو تلقَّوهُ بالقبولِ ونحو ذلك \" قواعد التحديث للقاسمي-( ص 69 ) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث-(ج 1 / ص 66 ) وتدريب الراوي ص 104 و فتح المغيث 1/42-والرسالة للشافعي 461-462 و شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر-( ص 408).

حكمُ العملِ بالحديثِ الضعيفِ ضعفاً يسيراً:
لقد اتفق أهلُ العلم على الأمور التالية:
1- لا يجوزُ العملُ بالحديثِ الضعيفِ في العقائدَ،ولا بأصولِ العباداتِ أو المعاملاتِ .
فإن أكثرَ أهلِ العلم على أنَّ العقائدَ تبنَى على الحديثِ المتواترِ والمعلومِ منَ الدِّينِ بالضرورةِ والبداهةِ،وهو ما يفيدُ القطعَ واليقينَ،وبعضهُم جوَّزَ العملَ بالحديثِ الصحيحِ في بناءِ العقيدةِ .
2- لا يجوزُ الاعتمادُ على الحديثِ الضعيفِ في بناءِ الأحكامِ العمليةِ المشهورةِ:
إذ كيف تكون مشهورةً،ولا يوجدُ حديثٌ صحيح تعتمِدُ عليه ؟!!.
3- لا يجوزُ العملُ بالحديثِ الذي اشتدَّ ضعفُه أو ما كانَ موضوعاً مطلقاً؛ لا في أحكامٍ شرعيةٍ،ولا في فضائلِ الأعمالِ،ولا تحلُّ روايتُهُ إلَّا على سبيلِ القدحِ والتنفيرِ منهُ .

واختلفوا فيما سوى ذلكَ في الأخذ بالضعيف على ثلاثةِ مذاهبَ:

المذهبُ الأولُ: لا يعملُ به مطلقاً لا في الفضائلِ ولا في الأحكامِ , وهذا المذهب حكاهُ ابن سيد الناس عن الإمام يحيى بن معين،وإليه ذهب أبو بكر ابن العربي،والظاهر أنه مذهبُ البخاري ومسلم لما عرفناه من شروطهما للصحيح،وهو مذهب ابن حزم الظاهري والشهاب الخفاجي والجلال الدواني وغيرهم .
قال ابن حزم: \" والخامسُ شيءٌ نقل كما ذكرنا إما بنقل أهل المشرق والمغرب أو كافة عن كافة أو ثقة عن ثقة حتى يبلغ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن الطريق فيه رجلٌ مجروحٌ يكذب أو فيه غفلةٌ أو مجهولُ الحال فهذا أيضاً يقول: به بعض المسلمين،ولا يحلُّ عندنا القولُ به ولا تصديقُُه ولا الأخذُ بشيء منه\" الفصل في الملل والأهواء والنحل-(ج 1 / ص 130 و180 ). وراجع هذا الرأي في : قواعد التحديث للقاسمي-( ص 72 ) و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-( ص 232 ) و ومجموع الفتاوى (ج 18 / ص 65 ) وتيسير مصطلح الحديث (ص 12 ) ومنهج النقد في علوم الحديث (ص 292 ).
المذهبُ الثاني : يعملُ بالحديث الضعيف مطلقاً :
وعزيَ هذا إلى أبي داود والإمام أحمد وأنهما يريانِ ذلك أقوى من رأي الرجال،وهذا محمولٌ على الضعيفِ غير شديدِ الضعفِ ولا موضوعٍ كما مرَّ .
قلت: ويظهر هذا لنا جليًّا من خلال سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد،ففيهما الصحيح والحسن والضعيف،بل الواهي أحياناً .
وفي سير أعلام النبلاء (11/329 ) \" قال ابْنُ السَّمَّاكِ: حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ،قَالَ: جَمَعَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ،أَنَا وَصَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ،وَقَرَأَ عَلَيْنَا (المُسْنَدَ ) ،مَا سَمِعَهُ غَيْرُنَا.
وَقَالَ: هَذَا الكِتَابُ جَمَعتُهُ وَانتَقَيتُهُ مِن أَكْثَرَ مِن سَبْعِ مائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً،فَمَا اختَلَفَ المُسْلِمُوْنَ فِيْهِ مِن حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَارْجِعُوا إِلَيْهِ،فَإِنْ وَجَدتُمُوهُ فِيْهِ،وَإِلاَّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.
قُلْتُ: فِي (الصَّحِيْحَيْنِ ) أَحَادِيْثُ قَلِيْلَةٌ لَيْسَتْ فِي (المُسْنَدِ ) .
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لاَ تَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ،فَإِنَّ المُسْلِمِيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيْهَا،ثُمَّ مَا يَلزَمُ مِن هَذَا القَوْلِ: أَنَّ مَا وُجِدَ فِيْهِ أَنْ يَكُوْنَ حُجَّةً،فَفِيْهِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَحَادِيْثِ الضَّعِيفَةِ مِمَّا يَسُوغُ نَقلُهَا،وَلاَ يَجِبُ الاحْتِجَاجُ بِهَا،وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ مَعْدُوْدَةٌ شِبْهُ مَوْضُوْعَةٍ،وَلَكِنَّهَا قَطْرَةٌ فِي بَحرٍ. انظر فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 83 ) والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد (ص 44 ) وراجع هذا الرأي في : وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث (ص 70 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 233 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 436 ) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 197 ) ومنهج النقد في علوم الحديث ص 277 .
المذهبُ الثالثُ : يعملُ به في الفضائل والمواعظ ونحو ذلك بشروطٍ:
وقد ذكرها ابن حجر وهي:
1- أنْ يكونْ الضعفُ غيرَ شديدٍ،فيخرجُ من انفردَ من الكذابين والمتهمين بالكذب،ومن فحُش خطأُه،وقد نقل العلائيُّ الاتفاقَ على هذا الشرط .
ومن ثم فلا تجوز روايته،ولو كان في الترغيب والترهيب إلا على سبيل بيان حاله لكي لا يغترَّ به أحد.
قلتُ: ويخدشُ هذا الشرط والاتفاق عليه قول النووي في الأذكار:\" قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعا\".الأذكار للنووي (ج 1 / ص8 ).
وقوله في التقريب:\" ويَجُوز عِنْد أهل الحديث وغيرهم التَّساهُل في الأسَانيد, ورِوَاية ما سِوَى الموضُوع من الضَّعيف, والعمل به من غير بَيَان ضعفه, في غير صِفَات الله تعالى, والأحْكَام, كالحَلالِ والحَرَام, ومِمَّا لا تعلُّق له بالعَقَائد والأحْكَام. \" التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث (ج 1 / ص 6 ) ولم يعترض عليه السيوطي في تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 232 ).
وقال ابن الصلاح:\"يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد،ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة،من غير الحلال والحرام وغيرهما. وذلك كالمواعظ،والقصص،وفضائل الأعمال،وسائر فنون الترغيب والترهيب،وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد\". مقدمة ابن الصلاح (ص 19 ) ومثله في قواعد التحديث للقاسمي ص 114، وتوجيه النظر للجزائري (ج 3 / ص 40 ) وسكتا عليه ، وسكت عليه العراقي في الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 233 ).
وقال العراقي في شرح ألفيته:\"وأمّا غيرُ الموضوعِ فجوّزوا التساهُل في إسنادِهِ وروايتِهِ من غيرِ بيانٍ لضَعْفِهِ إذا كانَ في غيرِ الأحكامِ والعقائدِ. بلْ في الترغيبِ والترهيبِ،من المواعظِ والقصصِ،وفضائلِ الأعمالِ،ونحوِها\"شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 101 ) وبنحوه في فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 272 ).
وهو رأي ابن تيمية كذلك،حيث قال:\" وَهَذَا كالإسرائيليات: يَجُوزُ أَنْ يُرْوَى مِنهَا مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِيهَا عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ فِي شَرْعِنَا وَنَهَى عَنْهُ فِي شَرْعِنَا\" مجموع الفتاوى (ج 1 / ص 251 ).
وقال أيضاً:\" إِذَا رُوِيَ حَدِيثٌ فِي فَضْلِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَثَوَابِهَا وَكَرَاهَةِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَعِقَابِهَا - فَمَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأَنْوَاعُهُ إذَا رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ جَازَتْ رِوَايَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ\" مجموع الفتاوى (ج 18 / ص 66 ) وذكره هنا ثلاث مرات مجموع الفتاوى (ج 1 / ص 250 ) فما بعد.
2- أنْ يندرجَ تحتَ أصلٍ عامٍّ معمولٍ بهِ منْ أصول الشريعة،فيخرجُ ما يخترَعُ بحيثُ لا يكون لهُ أصلٌ أصلاً .
أي أن يكون الحديثُ له أصلُ صحيح ثابت في الكتاب أو السُّنَّة،مثاله: لو جاءنا حديث يرغِّب في بر الوالدين،وحديث آخر يرغب في صلاة الجماعة،وآخر يُرغب في قراءة القرآن وكلها أحاديث ضعيفة،ولكن قد ورد في بر الوالدين،وفي صلاة الجماعة،وفي قراءة القرآن أحاديث صحيحة ثابتة في الكتاب والسُّنَّة،فعندئذٍ فلا حرج في العمل به .
3- أنْ لا يعتقدَ عندَ العملِ به ثبوتَه،لئلا ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله،بلْ يُعتقدُ الاحتياطَ . تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 233 ) وقواعد التحديث للقاسمي-( ص 76 ).
لأنه لا يجوز أن يعتقد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حديثاً إلا إذا كان قد صحَّ عنه ذلك.

فصفوة القول أن العلماء رحمهم الله قد اختلفوا في حكم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال على ثلاثة أقوال:

* القول الأول: يعمل به مطلقاً .
وإلى هذا القول ذهب جمهور العلماء؛ منهم أحمد في أحد القولين عنه.
وعُزي إلى عبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وسفيان الثوري، وبه يقول ابن عبد البر رحمه الله.
وبالغ النووي فقال: «قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً». الأذكار النووية» (1/82-الفتوحات الربانية).
وقال رحمه الله «اتفق العلماء على جواز العلم بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال». مقدمة الأربعين النووية».
* القول الثاني: لا يعمل به مطلقاً.
وإلى هذا القول ذهب جمع من أهل العلم؛ منهم: الإمام مسلم رحمه الله؛ فإنه قال في مقدمة «صحيحه»: «اعلم وفقك الله أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين: أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع..».
وقال رحمه الله بعدما ذكر وجوب الكشف عن معايب الرواة قال: «وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا لما فيه من عظيم الخطر؛ إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب.
قال ابن رجب رحمه الله: «وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه يقتضي أنه لا يروي أحاديث الترغيب إلا عمن تروى عنه الأحكام» شرح علل الترمذي (1/373).وهذا ظاهر كلام ابن حبان رحمه الله في كتابه المجروحين فإنه أوجب في المقدمة [1/6، 7، 25] لمن يروي الحديث – التمييز بين الصحيح والسقيم ولم يفرق بين ما كان في فضائل الأعمال وبين ما كان في الأحكام
وممن قال أيضاً: إنه لا يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال: ابن العربي رحمه الله، صاحب كتاب «أحكام القرآن» في أحد قوليه والخطابي صاحب «معالم السنن»، وابن حزم نص في غير كتاب من كتبه، وأبو شامة رحمه الله في كتابه «البدع والحوادث».
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ فإنه قال في «الفتاوى» (ج1/250): «ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب: وذلك أنَّ العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي، وروى في فضله حديث لا يعلم أنه كذب؛ جاز أن يكون الثواب حقاً، ولم يقل أحد من الأئمة: إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا؛ فقد خالف الإجماع، وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي، ولكن إذا علم تحريمه، وروي حديث في وعيد الفاعل له، ولم يعلم أنه كذب؛ جاز أن يرويه، فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، لكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله.
وهذا كالإسرائيليات، يجوز أن يروي منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا، فأما أن يثبت شرعاً لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت؛ فهذا لا يقوله عالم، ولا كان أحمد بن حنبل وأمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة، ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن؛ فقد غلط عليه...»إلخ.
* القول الثالث:
لا يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال إلا بشروط:
الشرط الأول: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج ما انفرد به راوٍ من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه.
ونقل الحافظ العلائي الاتفاق على هذا الشرط.
فعلى نقل العلائي الاتفاق، يكون هذا الشرط مقيدا للقول الأول إن صح نقل الإتفاق؛ لأن غير واحد من الأئمة يطلقون العمل به من غير شرط.
الشرك الثاني: أن يكون الحديث الضعيف مندرجاً تحت أصل عام.
الشرط الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته؛ لئلا ينسب إلى النبي  ما لم يقله، بل يعتقد الاحتياط. انظر: «تحفة الأبرار» للسيوطي (ص33).
وينبغي أن يزاد على هذه الشروط الثلاثة شرط رابع عند من يرى العمل بالحديث الضعيف بالشروط المتقدمة وإن كنا لا نرى هذا، وهو ما قاله ابن تيمية رحمه الله في «الفتاوى» (18/67): فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديراً وتحديداً؛ مثل صلاة في وقت معين بقراءة معينة أو على صفة معينة؛ لم يجز ذلك ( أي: العمل بها ).
فالأمر إذا فيه خلاف وفي الخلاف سعة ويسر , والذي يجب علينا أن نتعاون فيما اتفقنا عليه وان يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه , فهذه سمات وأخلاق أهل الإسلام .
يقول الشاعر:

النمل تبنى قراها في تماسكها * * * والنحل تجنى رحيق الشهد أعوانا

وعلينا أن نمتثل لقول الله سبحانه : \" وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) سورة آل عمران .
وقوله تعالى : \" إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) سورة الأنعام .
وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم : عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ. أخرجه أحمد 3/313(14419) و\"مسلم\" 8/138 (7205) والتِّرْمِذِيّ\" 1937 .
قال الشاعر:

إن أولى الورى بتوحيد شملٍ * * * أمةٌ كان دينها التوحيد

وقال آخر:

كل يرى رأياً وينصر قوله * * * وله يعادي سائر الإخوان
ولو أنهم عند التنازع وفقوا* * * لتحاكموا لله دون توان
ولأصبحوا بعد الخصام أحبة * * * غيظ العدا ومذلة الشيطان

ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا واجمعنا في الدنيا إخوانَا مسلمين، وفي الجنة على سرر متقابلين, اللهم اجمع شملنا , وألف بين قلوبنا , ونقي سرائرنا , وحسن أخلاقنا,
وأحسن خلاصنا .

 

د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية