صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مشهدان في محاكمة مبارك وبطانته

د. بدر عبد الحميد هميسه


بسم الله الرحمن الرحيم


مشهدان مهمان استوقفاني في ظهور الرئيس المخلوع مبارك وولديه وأعوانه من بطانة السوء التي ظلمت وتجبرت وأذلت العباد , وأفسدت في البلاد , فأكثروا فيها الفساد.

وهذان المشهدان مع الدهشة التي أصابت الناس منهما إلا أنهما يستحقان التأمل والتدبر والاعتبار .

فالمشهد الأول : حينما شاهد العالم كله صورة هؤلاء الطغاة وهم خلف القضبان , وينادى عليهم : بالمتهم الأول والثاني والثالث ... وهكذا !!.
وقد كانوا بالأمس القريب ملء السمع والبصر , تزين لهم الطرق , وتفتح لهم الأبواب المغلقة , ويحاطون بالحرس , ويطلبون المستحيل .. فلا يجرأ أحد أن يقول لهم بأن ذلك مستحيلا .. وقد صمت أذانهم وعميت أبصارهم وقلوبهم عن سماع دعوات المظلومين , وأنات الثكالي والمحرومين .. فصار همهم الأوحد التمسك بالمناصب والجلوس على كراسي الحكم حتى الموت , وجمع الثروات وكنز الكنوز .. والتنكيل بالشرفاء الأحرار .. وتقريب المنافقين والمداهنين , وتناسوا هؤلاء جميعا أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب , وأن لله تعالى تدابير أخرى غير تدابيرهم , قال تعالى : \" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) سورة الأنعام .
روى الخطيب في : ( تاريخ بغداد 14/131) : عن محمد بن يزيد المبرد قال حدثني محمد بن جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك قال قال أبى لأبيه يحيى بن خالد بن برمك وهم في القيود والحبس يا أبت بعد الأمر والنهى والأموال العظيمة أصارنا الدهر إلى القيود ولبس الصوف والحبس قال فقال له أبوه: يَا بُنَيَّ دَعْوَةُ مَظْلُومٍ سَرَتْ بِلَيْلٍ غَفَلْنَا عَنْهَا وَلَمْ يَغْفُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا ,ثم انشأ يقول :

رب قوم قد غدوا في نعمة * * * زمنا والدهر ريان غدق
سكت الدهر زمانا عنهم * * * ثم أبكاهم دما حين نطق

إن صور الإهانة التي ظهر بها هؤلاء لتستحق من كل ظالم أن يراجع نفسه ويحاسبها , ويتوب ويئوب إلى علام الغيوب , فإن من أراد أن يكرمه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فليتق الله وليحفظ نفسه من المعاصي ومن الذنوب, وليصدق مع الله في ذلك، فإذا صدق مع الله، في إرادته الخير والهداية, أكرمه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بمزيد الفضل والإيمان ورفع الدرجة، وحجزه عن المعاصي والذنوب.
أما إذا تخلى عن ذلك وظل سادراً في غيه وظلمه , ولم يعترف بما قدمت يداه في حق نفسه وفي حق شعبه ؛ فإنه بذلك يعرض نفسه للإهانة من ربه , تلك الإهانة التي لو اجتمع كل من في الكون على إزالتها لما استطاعوا , قال تعالى : \" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) سورة الحج.
فهذا المشهد الذي رأى فيه الناس هؤلاء الطغاة مشهد مع إثارته , إلا أنه مشهد يستحق التدبر والمراجعة , بل والبكاء , كما بكى أبو الدرداء رضي الله عنه وحزن حينما رأى دولةَ الأكاسرة تهوي تحتَ أقدام المسلمين , بعد أن فتحت قرص , فقال له رجل: يا أبا الدرداء، تبكي في يومٍ أعزّ الله الإسلامَ وأهله؟! فقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: ويحك يا هذا، ما أهونَ الخلق على الله إذا أضاعوا أمرَه، بينما هي أمة قاهرة ظاهرةٌ ترَكوا أمرَ الله فصاروا إلى ما ترى. أخرجه الطبري في تاريخه (2/602)، وأبو نعيم في الحلية (1/217)، وابن الجوزي في المنتظم (4/364).
قال الشاعر:

أهلكـت نفسـك بالعصيـان فانغمسـت * * * في الموبقـاتِ فخـاب اليـوم مسعاكـا
إن المهيـمـن قــد أخــزاك فـــي مـــلأ * * * وإنَّ ربـــي إذا مـــا شـــاء أخــزاكــا

ومن العجب أن بعض الناس ما زالوا يتعاطفون مع هؤلاء , بل ويطلبون العفو عنهم وتكريمهم , معللين ذلك بأن الإسلام هو دين العفو والتسامح , ومستشهدين بالعبارة المشهورة : أكرموا عزيز قوم ذل , ويقولون إنها حديث للنبي صلى الله عليه , والنبي صلى الله عليه وسلم منها براء , على الرغم أن العبارة تفسر نفسها :( بعزيز قوم ) كما يستشهدون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم , عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم: اقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ ، إلا الْحُدُودَ. أخرجه أحمد 6/181 , والبخاري في (الأدب المفرد) (465).
فهم يقفون عند عبارة ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ) ولا يكملون باقي الحديث ( إلا الحدود ) .
فالحدود في الإسلام ليس فيها شفاعة ولا مسامحة طالما وصلت إلى الحاكم أو القاضي , فعَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ؛إن قُرَيْشا أهمهم شَانُ المرأة الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِى سَرَقَتْ . فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلا أُسامة ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . فَكَلَّمَهُ أُسامة . فَقَالَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم : أتشفع في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ . فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إنما هْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ إنهم كَانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ ، تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ ، أقاموا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَايْمُ اللهِ ، لَوْ أن فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا. أخرجه أحمد 6/41 و\"البُخَارِي\" 4/213 و5/29 و\"مسلم\" 5/114.
فالأمر هنا متعلق بإقامة حدود الإسلام على أناس قتلوا وسرقوا وسعوا في الأرض فسادا , لذا فقد شرع القصاص في الإسلام ليكون فيها الحياة والضمان والأمان والعبرة والزجر لجميع الناس , قال تعالى : \" وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) سورة البقرة.

والمشهد الثاني :
مشهد ولدي الرئيس المخلوع مبارك وهما في قفص الاتهام يحملان المصحف , وهو مشهد عجيب يريدان به إيهام الناس أنهما مظلومان , وأن الله تعالى سيبرأهما , وأن القرآن الكريم سيحفظهما من كل مكروه وسوء , فقلت في نفسي : يا ليتهما يفتحان المصحف ويقرآن قول الله تعالى : \" إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) سورة يونس , وقول الله تعالى : \" وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) سورة إبراهيم .
ويا ليتهما يتذكران حديث النبي صلى الله عليه وسلم , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . أخرجه أحمد 3/323(14515) و\"البُخَارِي\" ، في (الأدب المفرد) 483 و\"مسلم\" 8/18(6668).
وحديث أَبِي ذَرٍّ الغفاري رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، أَنَّهُ قَالَ : يَا عِبَادِي ، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا ، فَلاَ تَظَالَمُوا ... يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ. أخرجه البخاري في \"الأدب المفرد\" 490 و\"مسلم\" 8/16(6664) .
وحديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : \"صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي ، إمام ظلوم غشوم ، وكل غال مارق \" . أخرجه أبو إسحاق الحربي في \" غريب الحديث \" ( 5 / 120 / 2 ) و الجرجاني في \" الفوائد \" ( 112 / 1 ) الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 1 / 762 .
ويا ليتهما يقرأن في المصحف قول الله تعالى : \" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) سورة التحريم .

ويعرفان أن للتوبة شروطاً مهمة لا بد من وجودها حتى تقبل هذه التوبة , وهذه الشروط هي :

أولاً : الإخلاص لله تعالى في التوبة : قال تعالى : \" إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) سورة النساء .

ثانياً ً: الاعتراف بالذنب :
وذلك بأن يقر بذنوبه ويعترف بها , ولا ينكر شيئاً منها , ولا يغتر ولا يتكبر أمام عن الناس عن الاعتراف بكل ما اقترفته يداه من ذنوب وآثام ومظالم وجور , عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَذْنَبْتُ ذَنْبًا كَبِيرًا فَهَلْ لِى تَوْبَةٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَكَ وَالِدَانِ قَالَ لاَ قَالَ فَلَكَ خَالَةٌ قَالَ نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبِرَّهَا إِذًا. أَخْرَجَهُ أحمد 2/13(4624. والترمذى (1904).

ثالثاً : الندم على ما سلف من الذنوب والمعاصي:
عَنْ عَبْداللهِ بْنِ مَعْقِلٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عَبْداللهِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: النَّدَمُ تَوْبَةٌ. أخرجه أحمد( 1/376(3568) رقم : 6802 في صحيح الجامع .

رابعاً : الإقلاع عن المعصية :
فلا تصح التوبة والعبد ما زال مقيماً على المعصية , مجاهراً بها , عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :كُلُّ أَمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ. أخرجه البخاري 8/24(6069) و\"مسلم\" 8/224.

خامساً: العزم على عدم العودة :
وذلك بأن يعزم على عدم العودة إلى تلك الذنوب , وأن يجاهد نفسه في ذلك , قال تعالى : \" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) سورة العنكبوت.

سادساً : ردّ المظالم إلى أهلها :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: مَنْ كَانََتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ مِنْ أَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ الْيَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ حِينَ لاَ يَكُونُ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَجُعَلَتْ عَلَيْهِ. أخرجه أحمد 2/435(9613) رقم : 6511 في صحيح الجامع .
فهل فعل هؤلاء شيئاً من ذلك ؟ . وهل حققوا في أنفسهم شيئاً من شروط هذه التوبة ؟ !.

لقد كنت أتمنى من هؤلاء أن يعلنوا توبتهم الصادقة أمام الناس , ويعترفوا بما قدمته أيديهم من جور وظلم , ليطهروا أنفسهم في الدنيا , كما فعل مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيَّ الذي أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي ، فَرَدَّهُ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ ، فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَوْمِهِ ، فَقَالَ : أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا ؟ تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا ؟ فَقَالُوا : مَا نَعْلَمُهُ إِلاَّ وَفِيَّ الْعَقْلِ ، مِنْ صَالِحِينَا ، فِيمَا نُرَى ، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ ، وَلاَ بِعَقْلِهِ ، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ ، حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. قَالَ : فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي ، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لِمَ تَرُدُّنِي ؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا ، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى ، قَالَ : إِمَّا لاَ ، فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي ، فَلَمَّا وَلَدَتْ ، أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ ، قَالَتْ : هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ ، قَالَ : اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ ، أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ ، فَقَالَتْ : هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ ، قَدْ فَطَمْتُهُ ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا ، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا ، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ ، فَرَمَى رَأْسَهَا ، فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ ، فَسَبَّهَا ، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبَّهُ إِيَّاهَا ، فَقَالَ : مَهْلاً يَا خَالِدُ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً ، لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ. أخرجه أحمد 5/347(23330) و\"الدارِمِي\" 2320 و2324 و\"مسلم\" 5/120(4451).

لكن هؤلاء ما زالوا يصرون على أنهم لم يخطئوا , وأنهم براء من كل الجرائم التي ارتكبوها في حق شعوبهم, والتي يعرفها القاصي والداني والصغير قبل الكبير , ولا يريدون أن يقدموا توبة نصوحاً قبل الممات واعترافاً صادقاً قبل الفوات .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية