اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/hamesabadr/222.htm?print_it=1

مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين

د. بدر عبد الحميد هميسه


بسم الله الرحمن الرحيم


اهتم الإسلام اهتماما بالغاً بمراعاة الفروق الفردية في التعليم , فالله تعالى لم يخلق الناس على شاكلة واحدة , ولا بقدرات متشابهة , فقد قال الله تعالى : \" وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) سورة النحل , وقال : \" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) سورة الإسراء .
وقال الله حكاية عن طالوت: { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (البقرة247).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَقَالَ كَثِيرٌ مَرَّةً : حَدِيثٌ رَفَعَهُ ، قَالَ:النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا ، وَالأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ، مَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ.أخرجه \"أحمد\" 2/539(10969) و\"مسلم\" 6802.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة حينما يكتشف القدرات ويعتني بالموهوبين ويحثهم على الإبداع في وجوه الخير النافعة وفي ذلك استثمار لملكاتهم وعلى المربي إضافة إلى ثنائه عليهم أن يقدم الجوائز النافعة ، وقد استعمل هذا الأسلوب مع صحابته صلى الله عليه وسلم , فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ ، أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ حَدَّثَهُ ، قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ رَجُلاً فَأَذَّنُوا ، فَأَعْجَبَهُ صَوْتَ أَبِي مَحْذُورَةَ ، فَعَلَّمَهُ الأَذَانَ : اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَعَلَّمَهُ الإِقَامَةَ مَثْنَى. أخرجه \"أحمد\" 3/409 (15454 و15455) و\"مسلم\" 2/3 (771).
فقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم موهبة أبي محذرورة وحلاوة صوته فجعله يؤذن , وهو ما فعله مع بلال بن رباح رضي الله عنه فجعله المؤذن الرسمي للدولة الإسلامية .
ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن كتابة الأحاديث في بداية الأمر حتى لا تختلط بأي القرآن الكريم , فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ , عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ تَكْتُبُوا عَنِّى شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَمَنْ كَتَبَ عَنِّى شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ. وَقَالَ : حَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ , حَدِّثُوا عَنِّى وَلاَ تَكْذِبُوا عَلَىَّ , قَالَ : وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ (قَالَ هَمَّامٌ : أَحْسَبُهُ قَالَ مُتَعَمِّدًا) فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. أخرجه أحمد 3/12(11101) و\"مسلم\" 8/229(7620) .
ولكنه مع هذى النهي صرح بالكتابة لأبي شاة مراعاة لظروفه وحالته , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رجلاً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ فَقَالَ اكْتُبْ لِى يَا رَسُولَ اللهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اكْتُبُوا لأَبِى شَاهٍ . أخرجه أحمد 2/238(7241) و\"البُخاري\" 1/38(112) و\"مسلم\" 4/110 .
بل وحدد صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة الذين لهم براعة في علوم معينة , وحثنا على أخذ هذه العلوم منهم , فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ. أخرجه التِّرْمِذِي (3790) الألباني :الصحيحة ( 1224 ).
ويؤكد مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم للفروق الفردية رفضه لتولي أبي ذر الغفاري رضي الله عنه لأمر من أمور الحكم , في حين ولى معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري وغيرهما , عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي ؟ قَالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا ، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا. أخرجه مسلم 6/6(4746).
ولقد حرص الإسلام على مخاطبة الناس على قدر عقولهم وعلى مقدار ما يستوعبون ويفهمون؛ فورد في صحيح الإمام مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه: \" ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ,وورد عن علي رضي الله عنه \" حدثوا الناس بما يطيقون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟\". رواه مسلم ( 1 / 9 ) .
ومعنى هذا الكلام كله أن الإسلام أقر بالفروق الفردية بين الأشخاص والأفراد، أو بمعنى آخر أقر مبدأ الاهتمامات المختلفة.
مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين أساس تربوي مهم من أسس التربية السليمة , فالقدرات والمهارات والميول بين الطلاب تنمو وتتطور بمستويات مختلفة ومتفاوتة وذلك بسبب اختلاف المؤثرات في الأسرة والمدرسة والمجتمع , واختلاف القدرات والإمكانات الموروثة .

فعلى المعلم أن يكتشف قدرات كل طالب حتى يتسنى له تقسيم كل الحلقة إلى مجموعات متجانسة
واستغلال قدرات كل واحد منهم في معاونة المعلم .
ومراعاة الفروق الفردية بين الطلاب يتطلب : التنويع في أساليب التعليم مثل : الحوار - تمثيل الأدوار - القصة - حل المشكلات , وكذا تنويع الأمثلة عن المفاهيم والمبادئ المطروحة وإتاحة الفرصة للطلاب للتعليق وإبداء الرأي من خلال الأمثلة الواقعية في بيئاتهم المحلية وخلفياتهم الثقافية .
وأيضاً : توظيف وسائل متنوعة ومثيرة وفعالة مثل : صحائف الأعمال والبطاقات التعليمية المختلفة
ومنها بطاقات التعبير وبطاقات طلاقة التفكير وبطاقات التعليمات وبطاقات التدريب وبطاقات التصحيح .
فعلى المعلمين بهم أن يتأسوا بمنهج محمد صلى الله عليه وسلم ويقتدوا بهديه في التعليم وأن يحاولوا التعرف على قدرات تلاميذهم حتى يتسنى لهم العطاء كل على قدر استطاعته وحتى يستطيع كل طالب بما يليق له من قدرات تتناسب مع مهام يكلف بها ليؤديها ، فطالب يصلح أن يحفظ وجهين وآخر نصف وجه وطالب يستطيع أن يعين المعلم على كشف الحضور والغياب والتسجيل وآخر لا يستطيع فهنا لا بد من مخاطبة الطلاب ومعاملتهم على قدر عقولهم .


 

د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية