صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الواقعية في الحياة الزوجية

د. بدر عبد الحميد هميسه

 
بسم الله الرحمن الرحيم

أولى الإسلام الحياة الزوجية اهتماما بالغاً وجعلها سبيلا إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة , فالسعيد من رزق زوجة صالحة تعينه على أمر دينه ودنياه , وتكون له سكناً وأمنا , ويجد في كنفها المودة والرحمة , وقرة العين والقلب , قال تعالى: \" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) سورة الروم .
وقال : وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) سورة الفرقان .
والحياة الزوجية ليست لحظات متلاحقة من بث الشوق والهيام ومن فناء الجسدين الواحد في الآخر إنما أيضًا مبادئ ومواقف ومعاشرة بالمعروف .
صحيح أن الحب هو أساس العلاقة الزوجية، ولكن ليس هو كل شيء، فبجانبه أمور كثيرة تتعلق بالحياة والمعيشة، والزوجان العاقلان هما م يتعاملا مع الحياة الزوجية بواقعية , ولا يتركا الخيال والمثالية المطلقة يجنحان بهما إلى بحر من الوهم والعواطف غير المنضبطة.

فالإسلام دين واقعي يتعامل مع جميع أمور الحياة من حيث طبيعتها ولبها , ولقد كان واقعيا في تناوله لكل أمور الحياة الزوجية , فكان واقعياً في هذه الأمور:

1- الواقعية في اختيار الزوج والزوجة :
كان الإسلام واقعياً في تحديد أسس اختيار الزوج والزوجة , فجعل الدين هو الأساس في الاختيار ؛ لأن الدين بأخلاقياته ومبادئه القويمة هو الذي يبقى ويدوم , قال تعالى : \" وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) سورة البقرة .
ومع ذلك فلم يمانع الدين من توافر العناصر الأخرى في الاختيار إن وجدت , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛تُنْكَحُ النِّسَاءُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَحَسَبِهَا ، وَدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ.
أخرجه أحمد 2/428(9517) . و\"الدرامي\" 2170 و\"البُخاري\" 5090 و\"مسلم\" 3625 .
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ. أخرجه ابن ماجة (1967) و\"التِّرمِذي\" 1084.
فلا مانع من وجود الجمال والمال والحسب , لكن يبقى الدين هو المعيار الأول في الاختيار .
وحتى في الخطبة كان الإسلام واقعيا فأباح للخاطب أن يرى مخطوبته وتراه وينظر كل منهما للأخر , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا.فَفَعَلَ ، فَتَزَوَّجَهَا ، فَذَكَرَ مِنْ مُوَافَقَتِهَا. أخرجه أحمد 4/244(18317) (1254. وابن ماجة (1865) .

2- الواقعية في تكاليف الزواج :

وكما كان الإسلام واقعيا في حسن اختيار الزوج والزوجة , فإنه كان واقعيا – كذلك – في تكاليف الزواج , فلم يطالب الإنسان بما يعجزه في المهر والنفقة , بل طالبه بما هو في حدود إمكاناته , قال تعالى : \" وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) سورة النور .
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ:خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ ، فَقَالَتْ : وَاللهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ ، وَلاَ يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ ، فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي ، وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ . فَأَسْلَمَ ، فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا ، قَالَ ثَابِتٌ : فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الإِسْلاَمَ ، فَدَخَلَ بِهَا ، فَوَلَدَتْ لَهُ. أخرجه أحمد 3/175(12826) و\"البُخَارِي\" ، في (الأدب المفرد) 1254 و\"مسلم\" 5663 .
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ ,أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم , جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ , فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ الله , إِنِّى قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِى لَكَ , فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلاً , فَقَامَ رَجُلٌ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله , زَوِّجْنِيهَا , إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ , فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَىْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ ؟ فَقَالَ : مَا عِنْدِى إِلاَّ إِزَارِى هَذَا , فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ , جَلَسْتَ لاَ إِزَارَ لَكَ , فَالْتَمِسْ شَيْئًا , فَقَالَ : مَا أَجِدُ شَيْئًا , قَالَ : الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ , فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَىْءٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ , مَعِى سُورَةُ كَذَا , وَسُورَةُ كَذَا , لِسُوَرٍ سَمَّاهَا , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ. أخرجه مالك \"الموطأ\" 1498 و\"أحمد\" 5/330(23184) و\"الد ارِمِي\" 2201 و\"البُخَارِي\" 3/132(2310) .
وعن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ ، أَسْهَمَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ ، فَطَارَ سَهْمُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : تَعَالَ حَتَّى أُقَاسِمَكَ مَالِي ، وَأَنْزِلَ لَكَ عَنْ أَيِّ امْرَأَتَيَّ شِئْتَ ، فَأَكْفِيكَ الْعَمَلَ . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، دُلُّوُنِي عَلَى السُّوقِ ، فَخَرَجَ فَأَصَابَ شَيْئًا ، فَخَطَبَ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا ؟ قَالَ : عَلَى نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ . قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.
أخرجه مالك \"الموطأ\" 1570 و\"أحمد\" 3/190(13007) و\"البُخَارِي\" 2049 والتِّرْمِذِيّ\" 1933 .
فهذه الروايات وغيره تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحث أصحابه على الواقعية في التكاليف والمهر والنفقة وأن لا يكلف الإنسان نفسه ما لا يطيق , فيخرج من الحياة الزوجية بتركة مثقلة من الديون , فيظل عمره يبغض اليوم الذي فكر فيه في الزواج .

3- الواقعية في حسن العشرة :
وكان الإسلام أيضا واقعيا لا خياليا في التعامل بين الزوجين , فحدد لكل منهما ماله من حقوق وما عليه من واجبات , فأمر بحسن العشرة , قال تعالى : \" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) سورة النساء.
عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى. أخرجه ابن ماجة (1977).
عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ.ى الزَّوْجِ ؟ قَالَ : أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى ، وَلاَ يَضْرِبِ الْوَجْهَ ، وَلاَ يُقَبِّحْ ، وَلاَ يَهْجُرْ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ.
- وفي رواية : قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، نِسَاؤُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟ قَالَ : حَرْثُكَ ائْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَضْرِبِ الْوَجْهَ ، وَلاَ تُقَبِّحْ ، وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ ، وَأَطْعِمْ إِذَا طَعِمْتَ ، وَاكْسُ إِذَا اكْتَسَيْتَ ، كَيْفَ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ إِلاَّ بِمَا حَلَّ.عليها. أخرجه أحمد 4/447(20262) \"أبو داود\"2142 و\"ابن ماجة\"1850 و\"النَّسائي\" في \"الكبرى\"9106 .
عنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِذَا صلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا ، وَصَامَتْ شَهْرَهَا ، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا ، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا ، قِيلَ لَهَا : ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ.أخرجه أحمد 1/191(1661) .
بل إن الإسلام رخص في الكذب بين الزوجين مما يقتضي حسن العشرة , وطيب المجاملة بينهما .
فعَنْ أسْمَاءَ بنْتِ يَزِيدَ ؛ قالت: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:لاَ يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلاَّ في ثَلاَثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا ، وَالْكَذِبُ في الْحَرْبِ ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ. أخرجه أحمد 6/454 و\"التِّرمِذي\" 1939.

4- الواقعية في المعاشرة الجنسية :
ولقد وصلت واقعية الإسلام إلى أمور المعاشرة الجنسية , فقد وضع لها الإسلام آدابا وأسسا بعيدا عن الشذوذ , وتقليد أهل الكفر والفجور قال تعالى : \" نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) سورة البقرة .
فقد أباح الإسلام أن يستمتع الرجل بزوجته كيفما يشاء لكنه يتقى الحيضة والدبر , لقول الله تعالى : \" وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) سورة البقرة .
وعَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ، لاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ. أخرجه أحمد 5/213. والنَّسَائِي ، في \"الكبرى\" 8933 .
ومع هذا النهي فقد توقع الإسلام من بعض الناس ممن لا علم ولا فقه لديهم أن يجامعوا النساء أثناء الحيض فجعل كفارة لذلك , عن عكرمة , عن ابن عباس :في الرجل يقع على امرأته , وهي حائض. قال : يتصدق بدينار , أو بنصف دينار(موقوفا) أخرجه النسائي في \"الكبرى\" 9061 .
بل وعلم الرجال مما لا يستطيعون الصبر على المرأة حتى تطهر من الحيض أو النفاس , فكان واقعيا في إباحته الاستمتاع بالمرأة ولكن من فوق الإزار , عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ اِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجلَ يُبَاشِرُ امرأته وَهِيَ حَائِضٌ , قال : لَهُ مَا فَوْقَ الإزار. أخرجه أحمد 6/72.
عَنْ مَيْمُونَةَ . قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُ المرأة مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ . إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ يَبْلُغُ أنصاف الْفَخِذَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ. في حديث الليث : مُحْتَجِزَةً بِهِ. أخرجه أحمد 6/332 و335 و\"الدارِمِي\" 1062 و\"أبو داود\" 267 و\"النَّسائي\" 1/151 و189 . وفي \"الكبرى\" (272).
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ ، وَهِىَ حَائِضٌ ؟ قَالَ : فَقَالَ : مَا فَوْقَ الإِزَارِ ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ. أخرجه أبوداود (213).
بله من واقعيته لم يبح الطلاق أثناء الحيض أ النفاس ؛ لأن الرجل والمرأة في ذاك الوقت لا يكونان في وضعهما النفسي الطبيعي , فكل منهما متأثر بوجود هذا الأمر العارض في حياتهما .
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، قَالَ : سَأَلْتُ جَابِرًا عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ : طَلَّقَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ، فَأَتَى عُمَرُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لِيُرَاجِعْهَا فَإِنَّهَا امْرَأَتُهُ . أخرجه أحمد 3/386(15217).

5- الواقعية في حل الخلافات الزوجية :
وفي الخلافات التي من الممكن أن تحدث بين الزوجين كان الإسلام واقعيا , فقد أخبر الرجال أن النساء لهن طبيعة تختلف عن طبيعة الرجل , فالعاطفة لديهن هي الأساس في الحكم على الأمور , عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ. قال:خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِى أَضْحًى , أَوْ فِطْرٍ , إِلَىَ الْمُصَلَّى , فصلى ثُمَّ انْصَرَفَ , فقام فَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ. فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ , تَصَدَّقُوا , ثم انصرف فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ. فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ , تَصَدَّقْنَ ، فَإِنِّى أراَُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ : وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ , وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ. فقلن له : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال : أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قلن بلى. قال : فذاك نقصان عقلها , أوليست إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم ؟ قلن بلى. قال : فذاك من نقصان دينها , ثُمَّ ا نْصَرَفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم , فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ , جَاءَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ. فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ , هَذِهِ زَيْنَبُ تستأذن عليك. فَقَالَ : أَىُّ الزَّيَانِبِ ؟ فَقِيلَ : امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَال : نَعَمِ , ائْذَنُوا لَهَا , فَأُذِنَ لَهَا. فقَالَتْ : يَا نَبِىَّ اللَّهِ , إِنَّكَ أَمَرْتَنا الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ ، وَكَانَ عِنْدِى حُلِيٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ , فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ , أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : صَدَقَ , زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ .
أخرجه البُخَارِي 1/83(304) و\"مسلم\" 1/61(155) و\"ابن خزيمة\" 1430 .
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ. أخرجه ابن أبي شَيْبَة (19272) . والبخاري (3331) و\"مسلم\" 3638 و\"النَّسائي\" في \"الكبرى\".
لذا فإن على الرجل إذا رأي مكن زوجته ما لا يعجبه أو يوافق رغباته , فعليه أن يكون واقعيا وأن يعرف أن لها محاسن كما لها عيوب , فهي كسائر الناس في هذا الأمر , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ. أخرجه أحمد 2/329(8345) و\"مسلم\" 3639 و\"أبو يَعْلَى\" 6418 .
جار رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيره في طلاق امرأته، فقال له عمر: لا تفعل، فقال الرجل: ولكني لا أحبها قال عمر رضي الله عنه: ويحك وكم من البيوت يبنى على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟. عشرة النساء , للنسائي 177.
فالرعاية: التي تثبت الراحم في جوانبها ويتكافل بها أهلها البيت في معرفة ما لهم وما عليهم من الحقوق والواجبات.
والتذمم: وهو التحرج من أن يصبح الرجل مصدرًا لتفريق الشمل وتقويض البيت وشقوة الأولاد، وما قد يأتي من وراء هذه السيئات من نكد العيش وسوء المصير.
وفي رواية أخرى قال عمر لامرأة تبغض زوجها وتقول له ذلك: \'بلى فلتكذب إحداكن ولتجمل ـ أي تقول القول الجميل ـ فليس كل البيوت تبنى على الحب ولكن معاشرة على الإحسان والإسلام\'.
وإذا اشتد الخلاف فلا بد من تحكيم العقل بين الزوجين , قال تعالى : \" وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)\" سورة النساء .
والواقعية التي نقصدها هنا في تعامل الإسلام مع أمور الحياة الزوجية هي مبادئ الإسلام وأسسه القويمة وليست الحلول القائمة على المثالية والخيال .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية