اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/hamesabadr/136.htm?print_it=1

الإسلام دين العلم

د. بدر عبد الحميد هميسه


بسم الله الرحمن الرحيم


ونحن نعيش في عصر يتسم بأنه \" عصر العلم \" والذي تعتز به الأمم وتتسابق إليه , فإن الإسلام العظيم الذي ننتسب إليه ونفخر به , قد جعل العلم مرتكزاً أساسياً لبنائه الشامخ المتين , بل كانت أول آية نزلت في كتاب الله الخالد هي : \" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) سورة العلق .
ولقد تكرم لفظ العلم في القرآن الكريم 765 مرة, كما حثنا المولي الكريم علي النظر والتدبر في كتاب الكون العظيم, في ملكوت السموات الأرض , وجعل- سبحانه- ذلك وسيلة من وسائل المعرفة والتعليم.
والعلم الذي دعا إليه الإسلام ليس علم الفقه أو اللغة أو الحديث أو السيرة فقط , وإنما هو العلم بمعناه الشامل الواسع فحينما مدح الله تعالي داود وسليمان في القران قال: \" لَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) سورة النمل , فكان هذا العلم هو علم \" منطق الطير\" وعلم \" صناعة الحديد \".
وحينما تحدث الرسول – صلي الله عليه وسلم – عن العلم جعل حديثه أمراً عاماً وشاملاً, فقال – صلي الله عليه وسلم – \" مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ.أخرجه أحمد 5/196(22059) و\"الدرامي\" 342 و\"ابن ماجة\"223 .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ ، لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا ، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يَعْنِى رِيحَهَا.أخرجه ابن أَبي شَيْبَة 8/543(26118) و\"أحمد\" 2/338(8438) .
ولقد استجاب المسلمون الأوائل لهذه الدعوة الكريمة فسلكوا كل سبيل موصل إلي العلم حتى أنهم في فتوحاتهم كانوا إذا نزلوا بلداً أقاموا به حلقات العلم, وأنشأوا المدارس يفقهون الناس في أمور دينهم ودنياهم, وكلما ازدادت الفتوحات الإسلامية زادت الرغبة من سكان البلاد المفتوحة في تعلم اللغة العربية وبذلك زاد علماء الإسلام وزادت تخصصاتهم في كافة العلوم والفنون ولم يقتصر نبوغهم علي فن دون سواه.
ففي الكيمياء وجدنا نبغاء من أمثال: جابر بن حيان الذي أرسي قواعد وبحوث تعتبر الأولي من نوعها في هذا العلم, وهناك كذلك عز الدين الجلدكي صاحب قانون تفاعل المواد وأبو القاسم المجريطي الذي قاد أكبر حركة كيمائية في الأندلس في القرن التاسع الميلادي .
وهناك في الطب نجد الرازي, الطبيب المسلم الذي نجد الآن أجمل أبنية جامعة\" برنستون\" الأمريكية تحمل اسمه, بل وتحتل صورته الكبيرة مكان الصدارة في كنيستها, ذلك الرجل الذي وضع في الطب حوالي 229 كتابا وترجمت كتبه إلي معظم اللغات , وهناك ابن سينا الذي اكتشف الدورة الدموية في الإنسان قبل\" وليم ها رفي \" بستمائة سنة, وكذا العالم الطبيب والفقيه ابن رشد الذي ألف \" الكليات\" في الطب كما آلف \" بداية المجتهد\" في الفقه المقارن .
وفي علم النفس نجد نبوغ العلماء المسلمين الذين وضعوا أهم نظريات علم النفس الحديث من أمثال : أبي حامد الغزالي الذي تحدث في الإحياء والمستصفي عن حقائق علمية مهمة في أصول علم النفس لم يصل إليها العلم إلا أخيرا مثل نظرية \" الإيحاء والأفعال المنعكسة المشروطة\".
وفي الطبيعة نجد ابن الهيثم الذي ألف 200 كتاب منها 47 في الطبيعة والرياضيات و58 في الهندسة وهو الذي خطأ \" إقليدس\" في نظرية شعاع الضوء وكتابة \" المناظر\" يعد من أهم المراجع في علم الضوء , وفي الطبيعة ألف البيروني الآثار الباقية كما ألف العمري \" مسالك الأبصار في ممالك الأمصار\" .
وفي علم الزراعة والنباتات نجد البغداوي وابن البيطار وغيرهم.
وفي الرياضة والفلك نجد الخوارزمي صاحب الجبر والمقابلة وكذا ثابت بن قرة والكاشي .
وفي التاريخ الجغرافيا نجد ياقوت الحموي صاحب \" معجم البلدان\" والسمعاني صاحب \" الأنساب\", والإدريسي صاحب \" نزهة المشتاق في اختراق الآفاق \" ونجد كذلك الاصطخري واليعقوبي. وفي الرحلات والاستكشافات نجد الرحالة المعروف ابن بطوطة الذي ظل ثمانية وعشرين عاما يجوب العالم ويصفه بكل أمانة ودقة كما نجد كذلك في هذا المجال: المقدسي صاحب \" أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم \" .
وليس في هذه المجالات فقط نبغ العلماء المسلمون إنما كان نبوغهم في كل مجال وكل ذلك شاهد علي حضارة الإسلام الخالدة والتي بناها الأجداد والآباء علي أساس متين وقويم وهو العلم , ولأنهم عرفوا أن العلم في الإسلام طريق موصل إلي رضوان الله تعالي وإلي سعادة الإنسان في دنياه وأخراه فلا انفصام ولا انفصال بين العلم والدين.
وما علي الأبناء اليوم إلا أن يصونوا هذا التراث الخالد بل ويضيفوا إليه علي حد قول الشاعر:

لسْنا وإن كرُمَت أوائِلُنا * * * يوماً على الأحْساب نتّكلُ
نبْني كما كانت أوائلُنا * * * تبني ونفعلُ مثل ما فعَلوا

 

د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية