اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/hamesabadr/132.htm?print_it=1

الشباب .. والحب

د. بدر عبد الحميد هميسه


بسم الله الرحمن الرحيم


قضية الحب من أهم وأخطر القضايا قي حياة الشباب , والحب هو شعور مركب من الإحساس والوجدان والتواصل مع الآخرين , وهو شيْ طبيعي إذا وجه توجيهاً طبيعياً ,وانتهي بنهايته الطبيعية بالزواج , لكن المشكلة الحقيقية هي أننا لا نعرف كيف نمارس الحب بالطريقة الصحيحة فهناك نموذجان يعرفهما المجتمع في قضية الشباب والحب ؛ الأول : أن يكون الشاب منفلتاً للغاية ويقيم علاقات مفتوحة دون مراعاة للقيم والمبادئ والأخلاق, والثاني : أن يكون متزمتاً ومتعصباً يرفض قضية الحب من أساسها , ويعادي كل شعور وإحساس جميل .
والحقيقة أن ديننا الحنيف وهو دين الوسطية والاتزان يرفض هذين النموذجين المنحرفين , فهو دين يتيح لنا علاقة نظيفة ومنضبطة داخل إطار من الوعي والضوابط الصحيحة.
فالحب له أبعاد كثيرة ومساحات كبيرة ومن الضروري توفير المناخ السوي الذي تتم فيه عملية الاختيار الجيد الذي يكمله ويكلله بالنجاح والزواج.
والحب في الإسلام يختلف عن أي حب، فهو حب يتسم بالإيجابية ويتحلى بالالتزام , وليس مجرّد كلمة أو نظريّة من غير تطبيق، فالحبّ بين المسلمين يحمل معاني وممارسات سامية لربّما لا يوجد لها مثيل في كافة شرائع وأعراف الدنيا.
والحبّ في الإسلام هو حالة واقعيّة ممثّلة بصدق وشفافيّة مع الآخر، ومفردات الحبّ الإسلامي هي الدعاء للآخر والنصح والتوجيه له إذا ما حارت به السبل كما تفقّده إذا ما غاب لسبب ما والتضحية والإيثار لأجله بعيدا عن المصالح الدنيوية
والإسلام لم يطارد المحبّين ولم يطارد بواعث العشق والهوى في النفوس ولم يجنح لتجفيف منابع العاطفة، بل على العكس قال الرسول صلى الله عليه وسلّم مخالفاً في ذلك الكثير من الأعراف الاجتماعية القديمة في عدم تزويج المحبّين خوفاً على سمعة الفتاة: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ.أخرجه ابن ماجة (1847) الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 2 / 196 .
فجعل النهاية المأمولة والمأمونة لكلا الطرفين بالزواج الذي حضّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متّبعاً في حديثه هذا طريقة غير مباشرة في التوصية على عدم الوقوف في وجه المتحابّين وعرقلة اجتماعهما على الخير.
بل وصف القرآن الكريم العلاقة بين الرجل وزوجته بأروع وأبدع وصف فقال : \" هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ (187) سورة البقرة .
كما أنّ الحب في الإسلام حب راق لا يضع معايير الشكل الخارجي في الحسبان فقط , بل لا بد من الجوهر السليم الذي تحرسه أخلاق فاضلة ودين قويم , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛تُنْكَحُ النِّسَاءُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَحَسَبِهَا ، وَدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ.أخرجه أحمد 2/428(9517) و\"البُخاري\" 5090 و\"مسلم\" 3625 .
وأما الحب المبكر أو ما يطلق عليه الشباب ( الحب من أول نظرة ) فإنه يسبب أحيانا متاعب مبكرة أهونها أن الشاب يصطدم بعقبة أن الوقت غير مناسب لعلاقة زوجية شرعية لأن إمكانات الزواج قد تكون غير متوفرة مما يخلق متاعب نفسية يكون الشاب والفتاة في غنى عنها.
كما أن علاقات الحب التي تحصل أثناء المراهقة غالبا ما تكون علاقات غير ناضجة لأنها لم تقم أساسا على التفكير العقلاني، بل تتمحور على الانجذاب الجسدي فقط، ولعل قصص الشكوى والندم على التسرع في حب من هذا النوع كثيرة.
والحب لدى الشباب قد يُولَد سريعا من نظرة عابرة، بل قد يولد بسماع الأذن دون مشاهدة،كما قال الشاعر قديما :

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقةٌ * * * والأذن تعشق قبل العين أحياناً
قالوا: بمن لا ترى تهذي؟فقلت لهم * * * الأذن كالعين تؤتي القلب ما كانا

فهنا قد يزول وقد يبقَى ويشتد إن تَكرَّر أو طال السبب المولِّد له من رؤية للشخص المحبوب أو الحديث معه أو تذكّره والتفكير فيه، فبمعرفة السبب الموّلد له نكون قد وضعنا أيدينا على حكم الحبّ، فإذا كان من ذلك الذي قد يصيب الإنسان من النظرة الأولى وبالمصادفة فيكون ضمن الحبّ الاضطراري والذي لم تتدخّل النيّة البشرية في حدوثه أو تغذيته وهذا بفتاوى العديد من الأئمّة يدخل ضمن المصادفة ولا يحكم عليه بحلّ ولا حرمة. أمّا النوع الثاني وهو ذلك الذي يغذّيه مسبّبّه من رؤية وحديث مع المحبوب على هيئة لقاءات ونزهات وأحاديث هاتفية وخلوة أو رسائل وتبادل صور ومتعلّقات فذلك من النوع المحرّم قطعاً والذي قد يقود الإنسان نحو الهاوية إذا لم يتراجع ويحكّم شرع الله في كبح جماح عاطفته. فالحبّ الذي لا يتعدّى حدود الإعجاب والذي لم يصاحبه محرّمات فصاحبه يدخل ضمن نطاق المعذور. لكن إذا ما بدأت المحرّمات تتولّد بسببه فحكمه بدون جدال عند الفقهاء هو \"الحرمة\"..
فالحب المحرم إذن هو الذي يضلل صاحبه وينأى به عن طريق الاستقامة والفلاح , رووا أن عمران بن حطان تأثر بزوجته الحسناء ,فلقد كان عمران من التابعين كان رجلاً من أهل السنة وعلى خير وصلاح ، ولكن ماذا حدث له ؟؟ . تزوج ابنة عم له على مذهب الخوارج - وكانت حسناء – وطمع في هدايتها فهدته هي إلى طريق الخوارج المذموم السقيم ، فطفق يطعن في أمير المؤمنين علىّ بل ويثنى على قاتله عبد الرحمن بن مُلجم غاية الثناء , فينشد في شأن ابن ملجم قاتل علي أبياتاً ذكرها الذهبي في: سير أعلام النبلاء ( 7/ 239) وفيها :

يا ضرْبَةً من تقيًّ ما أراد بها * * * إلا لِيبْلُغَ من ذَي العرْش رضْواناً
إنِّي لأذكُرُهُ حيـنـاً فأحْسَبُهُ * * * أوْفَي البريَّة عند الله ميزانــاً
أكِرمْ بقومٍ بطونُ الطيرِ قبرهُمُُ * * * لم يخْلِطُوا دِينهم بَغْياً وعُدْوانـاً

وذكر ابن كثير في :(البداية والنهاية (14/640) : قصة مجاهد يدعى : عبده بن عبد الرحيم وأنّه في بعض الغزوات نظر إلى امرأة من نساء الروم فهويها وتنصّر من أجلها فاغتمّ المسلمون بسبب ذلك فلما كان بعد مدة مروا عليه وهو معها فقالوا : يا فلان ما فعل قرآنك ؟ فقال : اعلموا أنّي نسيت القرآن كله إلا قوله : \" رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) سورة الحجر .
وقد حكت لنا كتب الأدب قصص العشاق المجانين الذين وصل بهم الحب والعشق إلى حد الهذيان والجنون بل وقول ما يخالف الدين والورع , كما قال مجنون ليلى :

أصلّي فلا أدري إذا ما ذكرتها * * * أثنتين صلّيت الضّحى أم ثمانيا
أراني إذا صلّيت أقبلت نحوها * * * بوجهي وإن كان المصلّى ورائيا
وما بي إشراكٌ ولكنّ حبّها * * * وعظم الجوى أعيا الطّبيب المداويا

وكقوله:

ولو أنَّ أنفاسي أصابتْ بحرّها * * * حديداً إذاً كانَ الحديدُ يذوبُ
ولو أنَّني أستغفرُ اللهَ كلّما * * * ذكرتُكِ لم تُكتبْ عليّ ذُنوبُ

وكقول جميل بثينة:

أرى كل معشوقين غيري و غيرها * * * يلذان في الدنيا و يغتطبان
و أمشي و نمشي في البلاد كأننا * * * أسيران للأعداء مرتهنان
أصلي فأبكي في الصلاة لذكرها * * * لي الويل مما يكتب الملكان

ولمعالجة قضية الحب لا بد أولا أن يكون هناك إشباع عاطفي داخل الأسرة ,لأن الشاب وكذلك الفتاة يبحث كل منهما عن الدفْ والحنان فإذا لم يجداه داخل الأسرة بحثا عنه خارجها .
كما لا بد من توعية الشباب وحثهم على حسن استغلال الوقت حتى لا يجد الشيطان فرصة للفراغ لديهم لإشغالهم ما من شأنه أن يوقعهم في الحب المحرم .
كما يمنع الاختلاط بين الشباب والفتيات لأنه سبيل إلى إقامة علاقات غير سوية , تنافي سبيل العفة والشرف .
وأيضاً لا بد من تربية الشباب على العفة وغض البصر والحياء من الله تعالى .

 

د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية