بسم الله الرحمن الرحيم

(56) الاستئذان الأخير....


في ليلة ماطرة مظلمة مخيفة.........
وفي ارض جديدة لا نعرف مداخلها ومخارجها......
وقفت سيارات المجاهدين الخمس....
شاحنتان كميون وسيارة جيب لاندروفر وسيارتي جيب باترول....
ترجل من احدى السيارات الجيب اسد من اسود الله....
ترجل منها الاسدابومعاذ الكويتي رحمة الله عليه......
قسمنا الى مجموعات اربع على كل مجموعة امير......
تم توزيعنا على اهل قرية ليفادا الصغيره.......
تلك القرية الهادئة الوديعه التي تتربع على قمم جبال زافيدوفيتش في البوسنه .....
كنت مع اربع اخوة من العرب .....
كويتي وسعوديان ويمني في منزل واحد نتقاسمه.......
بتنا تلك الليلة متعبين مجهدين......
على ان نلتقي بالامراء في صباح اليوم التالي لننطلق الى الجبهة......
تجمعنا قبيل الفجر بساعة وكان تحركنا من انحاء القرية مهيبا.....
تجمع المجاهدون وتقسمت المجموعات وتوزع الامراء.....
وقف ابومعاذ الكويتي رحمه الله خطيبا فينا ...
يحثنا على الاحتساب والاثخان في العدو والسمع والطاعه ....
بدأنا بالمسير نحو اعالي الجبال الشاهقه المظلمه....
الليله ليلة باردة ماطره مخيفه يمزق صمتها وهدوئها اصوات مسيرنا...
واصوات القذائف الصربيه التي تنهال علينا يمنة ويسره.....
كنت اتحدث مع نفسي هل ياترى هذه آخر ليلة لي في هذه الدنيا؟؟؟؟؟
هل سأرى اليوم التالي ام اكون في القبر مجندلا ....
هل سأرى ابومحمد الكويتي مرة اخرى وكان يسير امامي بكل نشاط وحيويه.....
وهكذا حتى وصلنا الى قرية في اعلى الجبل مع اذان الفجر.....
صلينا جماعة كلنا وكان امامنا الشيخ انور شعبان رحمه الله والمؤذن صلاح اليمني....
بعد الصلاة اخذ الاخوه المسؤلين عن الذخيرة والتموين يمرون علينا ....
ويزودوننا بما نستطيع حمله من الذخيرة والمؤن(علب تونه وخبز يابس).....
كان اميرنا ابومعاذ الكويتي فبدأ يعطينا التوجيهات.....
وقال هذه ليست عمليه انما تعرض على الصرب....
لان الجيش البوسنوي سيشن حملة قويه اليوم فجرا على الصرب....
ومهمتنا هي اشغال الصرب ومحاولة ايقاع اكبر عدد منهم جرحى او قتلى......
وصلنا الى القمة قمة الجبل 702 وتوزعنا على الخنادق ......
بدأنا باطلاق النار على الصرب وبدأوا كذلك.......
وتعالت اصوات التكبير تجلجل في انحاء قمة الجبل معلنة وصول المجاهدين اليها.....
تملك الصرب الخوف والفزع لانهم يعلمون من هم المجاهدين؟؟؟؟
وجه الصرب كل اسلحتهم الخفيفة والثقيله علينا ...
مضادات طيران من شلكه ودشكه وزيكوياك ومدفع DC ومدفع75 ملم......
احرقوا قمة الجبل حرقا وحرثوها حرثا......
وهم يظنون ان المجاهدين يريدون التقدم.........
كنت انا وابوذر الطائفي تقبله الله ود.ابوبكر الليبي في خندق واحد......
كان بيننا وبين الصرب مسافة اقل من 50 مترا......
كان معنا سلاح R.P.G وبعض القذائف غير اسلحتنا الكلاشنات.....
بالقرب منا يوجد خندقا للصرب.....
وقد اشتد هذا الخندق علينا بكثرة قذائفه وغزارة نيرانه ودقة تصويبه.......
اشغلنا وحاصرنا هذا الخندق بشكل مقلق.....
كنا مرابطين في الخندق الصغير ثلاثتنا ...
ود.ابوبكر الليبي يراجع حفظه من القرآن ...
لانه حفظ كتاب الله في الجبهة وفي الخنادق على مدار ستة اشهر......
انتفض الليث ابوبكر وقال سأذهب لأبي معاذ واستأذن منه .....
قلنا تستأذنه من ماذا؟؟؟
قال استأذنه ان اذهب بنفسي واسكت هذا الخندق الخبيث.....
دعونا له وفعلا ذهب الى ابي معاذ الكويتي امير الخط .......
استأذنه واذن له في ذلك.....
رجع الى الخندق واخبرنا بالاذن وهو يكاد يطير فرحا واخذ الآربي جي .....
وانطلق صوب الخندق الصربي ....
بعد خروجه بلحظات سقطت علينا قذيفة هاون اخترقت سقف الخندق.....
وسقطت بيني وبين ابوذر الطائفي .....
ولكن شاء الله ان لاتنفجر هذه القذيفه حيث كانت رطبه وفاسده.....
تجاذبنا اطراف الحديث وشكرنا الله على ماقدر لنا....
ثم مرت بنا لحظات ساكنه طويله....
مزق هذه اللحظات صوت انفجار قذيفة آر بي جي قريبا منا وصوت صرخة خفيفه.......
خرجنا من الخندق مهرولين باتجاه الصوت......
واذا بنا نرى صاحبنا د.ابوبكر الليبي مجندلا على الارض بدمه الطاهر .....
انفجرت امامه قذيفة ار بي جي ودخلت شظاياها في نحره وصدره ......
هرولت مسرعا باتجاه ابومعاذ الكويتي وامرنا بسحبه الى الخط الخلفي......
انزلناه ونحن نمطره بالدموع الغزيره .....
ونودعه بنظرات حزينه....
وصلنا للقرية الخلفيه ووضعناه ممدا امام بيت الاماره .....
تجمع الاخوة المجاهدون ليلقوا عليه النظرة الاخيره.......
وقد ارتسمت على شفتاه ابتسامة جميله ....
ووجه مشرق كالشمس والله ...
لطالما احببناه واحبنا .....
دفناه على غير القبله خطأ منا باتجاهها .....
ثم استفتينا احد العلماء(اظنه ابن عثيمين رحمه الله)...
فأمرنا بحفر قبره وتعديل القبلة .....
وكان ذلك بعد اكثر من عشرين يوما من دفنه.....
وفعلا تم الحفر والكل يرقب المشهد ماذا سترى عيناه بعد عشرين يوما.....
خرج والله الشاهد كأننا وضعناه للتو ...
آية وعلامة من الله جل وعلا وكرامة له ولا نزكيه على الله....
فرحم الله ذلك الشهيد....
ورحم الله تلك الأيام السالفة......
وفعلا كان ذلك هو ......
الاستئذان الأخير...............

م. حمد القطري

الصفحة الرئيسة