بسم الله الرحمن الرحيم

(21) ازمراي ...رجل بألف رجل - البطل الأسير أسامة ازمراى (ابن فرغانة )


ولي خان أمين شاه .. أو أزمراي (كما أطلق عليه الأفغان) .. وتعني باللغة الأفغانية: الأسد، هو شاب تركستاني الأصل، مدني النشأة، أفغاني الجنسية، في العقد الثالث من العمر، متزوج وله من الأولاد سمية، وخبيب، ومريم، وفاطمة التي توفيت بعد اختطافه بسنتين، ولما علم بذلك، نظم قصيدة يرثيها.
هاجر والداه مع المهاجرين الأوائل فراراً من جحيم وإلحاد الشيوعية، عند دخول الروس إلى الجمهوريات الإسلامية في بداية القرن الماضي، واستقرا في المدينة المنورة، وقد ولد أزمراي ونشأ وترعرع في طيبة الطيبة، ولما اجتاح الاتحاد السوفييتي أرض أفغانستان، وشرد الشيوخ ورمل النساء ويتم الأطفال، كان من أوائل من نفر إلى أفغانستان، وظل هناك يعمل في مخيمات المهاجرين، ويساعد المجاهدين في قتالهم ضد الشيوعيين، حتى دحر الله الروس من أفغانستان، ثم استقر فيها، وحصل على الجنسية الأفغانية. وقد فقد ثلاثة من أصابع يده اليسرى في انفجار أثناء الجهاد الأفغاني.
ورغم انه شارك في هذا النصر، وأصبح مواطنا أفغانياً، إلا أنه لم يشأ أن يشارك فيما بدا له أنه صراع على السلطة، فترك ساحة الخلاف في أفغانستان، وهاجر إلى جنوب شرق آسيا، واشتغل بتجارة البن والعود والعسل.
وحين كان في رحلة تجارية إلى كوالالامبور عاصمة ماليزيا، اختطفته الحكومة الأمريكية، واحتجزته بتهمة أن اسمه ورد في قرص ضوئي (CD) وجد ضمن مقتنيات رمزي يوسف (المتهم في حادث تفجير مبنى التجارة العالمي، والتخطيط لتفجير عدد من الطائرات الأمريكية مع زميله عبدالحكيم مراد)، وبالرغم من أن رمزي يوسف نفى أي صلة لأزمراي بحوادث التفجير المتهم بها مع زميله، ومع أنه لا يوجد أي دليل لدى الحكومة الأمريكية ضد أزمراي يسمح لها بمحاكمته أو احتجازه، إلا أنها تحتجزه ظلماً وعدواناً، وهذا ما صرح به المحامي ديفيد جرينفيلد David Greenfield (الذي عينته الحكومة الأمريكية نفسها؛ للدفاع عن أزمراي)، حيث قال: إن الشرطة الفلبينية قد لفقت الدليل ضده. (حين صادروا مقتنيات رمزي يوسف من شقته في مانيلا).
منذ تاريخ اختطافه في شهر ديسمبر 1995م، وهو ينقل من سجن إلى آخر، ومن زنزانة انفرادية إلى أخرى أضيق منها، وأسوأ. منذ ذلك التاريخ .. منذ سبع سنوات وهو مضطهد .. ومحروم من أدنى الحقوق .. لا يسمح له بالاتصال بوالدته العجوز التي أحرقت قلبها الحكومة الأمريكية حين اختطفت ابنها بدون ذنب، ثم احتجزته في سجونها الانفرادية بدون أي دليل ضده. ولكن هذه العجوز المؤمنة لم تفقد الأمل برجوع فلذة كبدها إليها، فهي تضرع إلى الله صباح مساء، بأن يعيده إليها ويخلصه من ربقة التعجرف الأمريكي الأرعن.
كذلك هو محروم من محادثة أطفاله الصغار الذين ربما نسوا شكله مع طول المدة .. وقد تناوشتهم الأمراض لفقد العائل، والقلب العطوف، ولم ييئس هؤلاء الصغار، فكل يوم يتوقعون رجوعه، وكلما تذكروه تفطرت أفئدتهم الغضة، واختنقت العبرة في أعينهم البريئة، فالله المستعان وعليه التكلان .. وإليه المشتكى أولاً وآخراً.
يحدث هذا كله في بلد الحرية !!؟ والديموقراطية !!؟ ومعقل المنافحة عن حقوق الإنسان ، بل وحتى الحيوان !! ولو كان هذا يهودياً أو نصرانياً، لنافح عنه وخلصه بني دينه، وإن كان مذنباً، ولكن المسلمين لا بواكي لهم، وإن كانوا أبرياء.
فإلى الله المشتكى والملجأ .. وعليه وحده المعول أولاً وآخراً في فك أسر هذا البريء، وسائر أسرى المسلمين في أرجاء الأرض.
من قصايده  نعيتم فؤادى
ولم يلبث في السجن سنتين حتى نعيت إليه زهرة فؤاده وريحانة حياته:
فاطمة ..
فكتب هذه الأبيات المؤثرة يرثيها، التي كأنها (... روح تسيل فتقطر).
أيا قـبراً حوى مني فـؤادي  *** سقتك العين دمعاً والغـوادي
نعـيتم لي فـؤادي إذ نعـيتم *** سـواد العين منها والأيادي
دفـنتم بضعـة منـي بقفـر *** فليت وسادها ليلا وسـادي
يسيل الدمع من ذكرى حبيب *** ونار القلب مني في ازدياد
صدعتم قلب محزون أسـير *** ترقب طيفها سحراً ينـادي
إذا طلع النهـار عليَّ أبكـي *** وكل الليل أبكي في حـداد
أفـاطمةً نعيتم ويح نفسـي *** أما خفتم على دنفٍ وصـادِ
ءأحيـا بعدها أسِفاً حزيـناً *** كسير النفس مسلوب الرقاد
أتطلع شمسـنا في كل يـوم *** وفاطمة على فُرُش المرادي
ذريتم بالقـذى عينـي وقلتم *** كفى دمعاً وأجمل بالرشـاد
عَجِبْتُم أن أُرى سَـهِراَ مُعَنَّى  *** وكيف النوم في شوك القتاد
صبرت لفقدها حُـبّاً لربـي *** وفقد الحِبِّ من سنن الجهاد
فيـا ربي إليك رفعـت كفي *** لتجمعنـا بظلك في المعـاد
----------------------------------------------------------
أثار صوت نورس مر بقرب السجن أشجانه، فنظم هذه الأبيات
يا طـائر النورس الحـر الطليق ألا *** تدنو فتسمع مني بعض ألحـاني
قد كنت فيما مضى نسراً أجوب ذرى *** لا يبلغ السيل طوداً فيه أوطاني
أغـدو فأطـعم أفـراخـي وأمـهم  *** في الوكر مسرورة بالبشر تلقاني
فـوق البراري وقد مـد الجناح بها ***لا البحر يُرْهِبُني والبر يهـواني
حتى إذا قيل قد حـاز العلا شـرفا *** سارت إلي شباك الغادر الجاني
فصرت في الأسر مشدوداً إلى طنب *** وأجرع الهم ممزوجـاً بأحزاني
دمـعي على الخد أنهـار لذكركـم *** في كل ليل وفي الإشراق خلاني
أغص بالريـق من حزن ومن كمد *** لا أبـعد الله خلا ليس ينسـاني
قد صرت من طول هَمٍ بعدكم شبحاً ***  كم أغمض العين عل الطيف يلقاني
ويـلي تفطـر مني بعدكـم كـبدٌ  *** ألا رفيق فيسمـع بعض أشجـاني
قد كنت أحباب قلبي خـادماً لكـم *** فـكيف بالله قد قـامت لتنعـاني
هذي القيود وباب السجن موصـدة *** كيف الخلاص وهذا العلج يرعاني
إن غبت عن ناظريهم لحظة وثبـوا *** نحو المعـابر والأبواب تنهـاني
سـدوا علي بأسـوار الحـديد وقد  *** فـاقت صفائحها في العد سجـاني
لله در الفتـى إذ كـان معـتليـاً  *** تلك الذرى بين أشجـار وأفنـان
وعاذل لام ذكـري وجهكم سحـراً  *** (كفى فقد ذبت من وجـد وهذيان)
فقلت دعـني فما يدريك يا صاحِ  *** ما في القلب من وله يعلو فيغشاني
وكيف أسـلو وقد بانوا بليل وهم  *** يا صاحبي بشغاف القلب جيراني
سمعاً فذا صوت حـاديـهم وإنهم  *** لبالحجـاز تنيخ العـير بالبـان
---------------------------------------------------------
يـا أيهـا القمـر المُدِلُّ بنوره *** قل لي أزرت ربوع طيبة والحرم
إن كنت قد وافيتها فلقد أرى ***فيك السعادة زاهراً رغم الظلم
فهـلم خبرني بحـال أحـبتي ***قد طال سيرك بعدهم والليل تم
كيف الذين تركتهم سهرى بها *** قد شفهم شوق وأضناهم سقم
هل يذكرون على تطاول عهدنا *** عهدي ويوم تبادلوا معيَ القسم
عهد الحبيب إلى الحبيب يصونه *** كم فيك يا قلبي لعهدك من ألم
احكي لنا عن نخلهـا وجبـالها ***وعن العقيق وعن قباء وذي سلم
احكي ولا تكتم لها خبرا عسى *** أن ينجلي بحديثهم عني السـأم
خذني إلى قربـان أو لحـزامها *** قبل الصبـاح وسر بنا نحو العلم
هذي مقـابر حمـزة ورفـاقه *** من حولها ناحت حمائم في الأكم
وأمـرر بنا فوق البقيـع لعلنا ***  نهدي سلاماً للذين حوى وضم
يا حُسن منزلهم على بعد النوى *** يـاليتني فيهـا بلحـد إذ رُدِم
فيهـا قبور الصـالحين عليهمُ  *** رحمـات ربٍ غـافرٍ منذ القدم
وإلى العـوالي ودِّنا يا صـاحبي  *** فبهـا لنا أهل النـداوة والكرم
هدّي بنا فوق المسـاجد إن لي  *** فيها معـانٍ كم بها ذكرى وكم
لا تُعْجِلَنِّي قد أتيت وطـالمـا *** هب النسيم على كثيب أو رضم
يا سـاكن البلد الحبيب تحـية *** قد غار جرحي في هواك وما التئم
أبكي فـراقك والليالي بيننـا *** يـا راحة القـلب المعـنى لا تلم
حكم الإله ولا معقب إذ قضى *** فهو المليـك وما سـواه إلى عدم
فارحم بكائي ياكـريم وعافني *** يا خـالقي إني ببـابك ملـتزم

- العقيق: أحد أكبر أودية المدينة. وذو سلم أحد روافد وادي العقيق.-
قباء: إحدى ضواحي المدينة، وفيها مسجد قباء.- قربان، والحزام، والعوالي، والمساجد (المساجد السبعة): أحياء في المدينة.-
البقيع: بقيع الغرقد المذكور في السيرة، وهو مقبرة أهل المدينة.

كيف نستطيع مساعدة هذا المظلوم، ودفع هذا الحيف والغدر الذي تولت كبره راعية حقوق الإنسان في العالم، المدافعة عن الكلاب والقطط بل والحمير، وفي نفس الوقت لا تخجل من الزج بشخص بريء في السجن لأكثر من سبع سنوات - حتى الآن - بدون أي دليل يدينه سوى ظنون كاذبة، لا دليل عليها، وأنه مسلم جاهد في أفغانستان.

محب الجهاد

الصفحة الرئيسة