صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الرجل المائة

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

عبداللطيف بن هاجس الغامدي

 
إنَّ الحمد لله ..
نحمده .. بكلِّ المحامد على كلِّ النعم ..
ونستعينه .. على منع البلايا ودفع النقم ..
ونستهديه .. إذا ادلهمَّت خطوبٌ وحارت قدم ..
ونستغفره .. من جميع الخطايا قبل حلول الندم ..
ونتوب إليه .. قبل حصول الرزايا وفرط الألم ..
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيّئات أعمالنا ، ومن كلِّ عقاب وعذاب وسقم ..
ونُصلي ونُسلِّم ، على خير معلِّم ، خير خلق الله ، محمد بن عبد الله ، سيِّد ولد آدم ، أفضل من أظلَّت الخضراء ، وأقلَّت الغبراء ، وسار على الثرى بقدم .
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحده لا شريك له ، حيٌ لا يموت ، تفرَّد بالكبرياء والعظمة ، والملكوت والجبروت ..
تسـبِّح ذرات الوجـود بـحـمـده *** ويسجد بالتعظيم نجمٌ وأشجارُ
ويبكي غمام الغيث طوعاً لأمره *** فتضحكُ ممّا يفعلُ الغيثُ أزهارُ
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،خيرٌ رسولٍ من خيرِ الأمم ..
يكفيك عن كلِّ مدحٍ مدحُ خالقه *** واقـــرأ بــربـِّك مـبـدا سورة القلمِ
إن حلَّ في القلب أعلى منك منزلة *** في الحبِّ حاشـا إلهي بارئ النَّسَمِ
فـمـزَّق الله شـريـانـي وأوردتـــي *** ولا مشت بي إلى ما أشتهي قدَمي

أما بعد :
من ياتُرى الرجل المائة ؟!
واقعٌ أم خيالٌ ؟! صورة أو حقيقة ؟!
أمنية نحلمُ بها أم شاهدٌ شاخصٌ نُسعدُ به ؟!
إنه أنت ! نعم أنت ! يامن يقرأ خطابي في كتابي ..
إني لأحتسب على الله تعالى أن تكون أنت الرجل المائة !
ببذلك وعطائك .. بعلمك وعملك .. بقولك وفعلك .. بمظهرك ومخبرك .. بماضيك ومستقبلك ..
فحيَّ هلاً بك !
أهلاً وسهـلاً بالذين أُحِبّـُهــم *** وأودُّهـم في الله ذي الآلاءِ
أهلاً بقومٍ صالحين ذوي تـقى *** غُرِّ الوجوهِ وزينِ كلِّ ملاءِ
يـا طـالـبـي عـلمَ النبيِّ مـحمد *** ما أنـتـمُ وسـواكـمُ بسواءِ
وهذه الرسالة هدية أخيك إليك ..دليل حبه لك ، وخوفه عليك ..
فاقبلها على علاَّتها .. وغضَّ الطرف عن هفواتها..وتجاوز بحلمك عن زلاتها ..
جاءت سليمانَ يومَ العرضِ هُدهُدَةٌ أهدَت لهُ من جرادٍ كان في فيها
وأنـشـدت بـلسـانِ الـحـالِ قـائـلَةً *** إنَّ الـهـدايـا على مقدارِ مُهديـها
لو كان يُهدى إلى الإنسان قيمـتـُهُ *** لكان يُهدى لك الدنيا وما فـيـها
فعذراً على التقصير ، فالبضاعة مزجاة ، والجراب خالي الإهاب ! والصيد قليلٌ في جوف الفِرا ..
وربـك ليس إمساكي لـبخلي *** ولكن لا يـفـي بـالـخـرج دخلي
وفي نفسي السماحة غير أنـي *** على قدر الكساء مددت رجـلي
فمن ذلكم الرجل المائة الذي تتشوف له الأبصار ، وتترقبه الأنظار ، وتتلهف إليه القلوب ، وتحنُّ إليه الضمائر ..؟!
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنما الناسُ كالإبلِ المِائَةِ لا تكادُ تجِدُ فيها راحلةً "
الرجل المائة : من تطيب المجالس بذكره ، وتهتف الألسن بشكره ، وترتفع الأكف والأيدي للمعيد المبدي بالدعاء له والثناء عليه ..
فهو مباركٌ أينما كان ، في كلِّ مكان و زمان ،حيثما حلَّ وارتحل ، كالريحانة يعبق بشذاه لكل من يهواه ، فإذا طُلِبَ وجِد ، وإن غاب فُقِد ، فهو يسدُّ مسدَّ مائة رجلٍ لا ينفعون ولا يدفعون .
ولم أرَ أمثالَ الرِّجالِ تفاوتت إلى الفضلِ حتى عُدَّ ألفٌ بواحدِ
لأنه يعيش لغيره ، قد نسي نفسه ، وغفل عن ذاته ، وتنكر لحظوظ نفسه ، فعاش للناس يرعاهم ويعتني بهم ، يعطف عليهم ويتلطف معهم ، يعطيهم ويبذل لهم .
فكم من قتيل لإبليس قد أحياه ! وكم من صريع للهوى أيقضه من سكرته وهداه! وكم من فقير أغناه ! وكم من محزون واساه ! وكم من محروم أعطاه ! وكم من يتيم رعاه! وكم من مريض شافاه بإذن الله !
فما أجمل أثره على الناس ! وأقبح أثر الناس عليه !
همته عالية ، وعزيمته ماضية ، فهو لا يرضى بالدون ، ولا يقبل أن يكون في ذيل القافلة! ، ولا في آخر الركب !
ولا غرو ؛ فإن الأسود لا تقع على الجيف ، ولا تأكل البايت !
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
الرجل المائة : لا يشبع من خير حتى يكون مورده الجنة ، ولايسأم من بذل المعروف لمن يستحقه ، ولا يفتر عن تقديم الإحسان طمعاً في الدرجات العلى والمقام الأسمى يوم العرض الأكبر على الله عزَّ وجلَّ .
فهو يضرب بسهمه في كلِّ مجال ، ويمضي بفرسه في كلِّ ميدان ...
"فإنه ليس للعابدين مستراح إلاَّ تحت شجرة طوبى ، ولا للمحبين قرار إلاَّ يوم المزيد .
"وإن لله أقوام ما رضوا من الفضائل إلاَّ بتحصيل جميعها ، فهم يبالغون في كل علم ، ويجتهدون في كل عمل ، ويثابرون على كل فضيلة ، فإن ضعفت أبدانهم عن بعض ذلك قامت النيات نائبة ، وهم لها سابقون .

الرجل المائة وعلاقته بربه

الرجل المائة : عبدٌ لله .. جمعَ شمل قلبه ، وشتاتَ نفسه ، فأقبل على خالقه بكُلِّـيَّـتِه ..
استسلم لأمر الله وانقاد له .. وخضع لمولاه وأذعن لمراده ..
إن سمع أمراً لله ، قال بلسان الحال والمقال : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير .
فلا تراه إلا مبادراً إليه ، مقبلاً عليه ، مستمسكاً به ..
وإن سمع نهياً من نواهي الله .. كان أبعد ما يكون عنه ، وأقصى ما يمكن منه ..
مقدماً أمر الله على أمر نفسه وهواها ، مؤثراً طاعة الله على ملذات النفس وشهواتها ، ومتع الروح ونزواتها
أقبل على نفسه فزكاها ، وبأمر الله رباها ..
فنهاها عمّا تهواه من معصية خالقه ومولاه ..
فإذا ما ركنت لدنيا فانية ، أو طمعت في نزوة زائلة أو لذة عاجلة ..
أنذرها يوم التلاق ، وتوعدها يوم الحسرة والندامة ، وخوفها مغبَّة تفريطها في يوم القيامة ، وصاح فيها محذراً ومنذراً ...
يانفس قد أزف الرحيلُ *** وأظلّك الخطبُ الجليلُ
فتأهبي يا نفس لا يلعب *** بـك الأمــلُ الطويــلُ
فـلــتـنـزلــِنَّ بـمـنـــزلٍ *** ينسى الخليلَ به الخليلُ
ولـيـركـبنَّ عـليك فـيـهِ *** من الثرى ثـقـلٌ ثـقيلُ
أشتاق إلى الجنة فسارع في الخيرات ..
وأشفق من النار فالتهى بها عن الشهوات ..
وترقَّب الموت ، وترفَّع عن اللذات ..
وزهد في الدنيا فهانت عليه المصيبات ..
احتاج الناس إلى علمه وفضله ودينه ، واستغنى هو عن دنياهم ، فشتَّان بين مشرِّقٍ ومغرِّب !
فالناس في شغل بأنفسهم وأولادهم وأزواجهم وحياتهم وهو في شغل بربه وخالقه ، كيف السبيل إلى رضاه ؟! وإدراك محبته والقرب منه ؟!
فلـيتك تـحـلو والحـياة مريـرة *** وليتك ترضى والأنام غـضاب
وليت الذي بيني وبينك عامـر *** وبـيـنـي وبين العـالمـين خـراب
إذا صحَّ منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
وإذا أشتغل الناس بعيوب غيرهم ، أشتغل هو بعيوب نفسه، فأقبل عليها مراقباً ومحاسباً ومؤدباً ومهذباً .
المرء إن كان عاقـلاً ورعــاً *** أشـغـلـه عـن عـيـوبه وَرَعــُهُ
كما السقيم المريض يشغـلـه *** عن وجـع الناس كـلهم وَجَعُه
وإذا بنوا الدور وتنافسوا في القصور ، بنى بالعمل الصالح قبره ، وأستعد ليوم بعثه ونشره ، وتزود من الباقيات الصالحات ليوم قيامته وحشره .. فتراه قد خرج بقلبه من الدنيا قبل أن يُخرج بروحه وبدنه منها ..
ما زال يلهج بالرحيل وذِكره *** حتى أناخ ببابه الجمَّالُ
فـأصـابه متـيقـظاً مـُتـشـمِّـراً *** ذا أُهـبةٍ لم تلهـه الآمالُ
وإذا زين الناس ظواهرهم ، زين باطنه ونقاه ..
وإذا زخرف الناس قوالبهم ، إهتمَّ هو بقلبه ، فطهَّره وزكاه ..
وإذا كان همُّ الناس دنياهم فمن أجلها أحبوا وأبغضوا ، قرَّبوا وأبعدوا ، كان همه الأكبر ، و شغله الأكثر ، الذي خالط ليله ونهاره ، سرَّه وجهاره ، دينه العظيم الذي خُلق من أجله ، فاستشعر واجبه نحوه و تعرّف على دوره فيه ، فقام لله قومة ، ينصر دينه ، ويحمي شريعته ، ويذود عن عقيدته ..
إذا ما مـات ذو علـمٍ وتـقـوى *** فقد ثلمت من الإسلام ثلمة
وموت الحاكم الـعـدل المـولّى *** بحكم الأرض منقصةٌ ونقمة
وموت فـتىً كثير الـجود محلٌ *** فإن بـقـاءه خصـبٌ ونـعـمة
وموت الـعـابـد الـقـوّام لـيـلٌ *** يـنـاجـي ربـَّه في كلِّ ظـلمة
وموت الفارس الضرغام هدمٌ *** تـشـهـد له بـالـنـصر عـزمـة
فحسبك خمسة يبـكى عليهم *** وباقي الناس تخفيفٌ ورحـمة
وبـاقي الخـلـق هـمـجٌ رعاعٌ *** وفي إيـجـادهـم لله حـكـمـة

الرجل المائة وبعض أوصافه

الرجل المائة : مفتاح خير ، ودلال معروف ، وسفير هداية ، ورسول صلاح ...
والرجل المائة : مغلاق شرِّ ، ودافع بلاء ، ومانع نقمة ،وصمَّام أمان من غضب الرحمن ..
عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنَّ من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر ، وإنَّ من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير ، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه ، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه
الرجل المائة :سليم القلب ، طيب النفس ، سهل المعاملة ، لين الجانب ..
عن جابر رضي الله عنهما ، و ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أخبركم بمن تحرم عليه النَّارُ غداً ؟ على كلِّ هيِّنٍ ، ليِّنٍ ، قريبٍ ، سهلٍ "
الرجل المائة : لا يحمل في قلبه حقداً ، ولا في نفسه حسداً ، وتلك التي لا تطاق !
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أفضل الناس كل مخموم القلب ، صدوق اللسان ، قالوا : صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب ؟ قال : التقي النقي ، لا إثم فيه ، ولا بغي ، ولا غل ، ولا حسد "
الرجل المائة : يحب الخير للغير كنفسه ، ويكره لهم الشرُّ كما يبغضه على نفسه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اتقِ المحارمَ تكن أعبد الناسِ ، وارض بما قسمَ الله لكَ تكن أغنى الناسِ ، وأحسن إلى جاركَ تكن مؤمناً ، وأحبَّ للناسِ ما تحبُّ لنفسكَ تكن مسلماً ، ولا تكثرِ الضحكَ ، فإن كثرةَ الضحكِ تميت القلبَ "
الرجل المائة : الخشوع لباسه ، والورع زينته ، والخشية حليته ، والذكر كلامه ، والفكر صمته ، والتواضع سمته ، والكرم عنوانه ، والعطاء ميدانه ..
فلله درُّه ، ما أكثر خيره ! وما أكبر برُّه !
خلٌّ إذا جئـتَـه يـوماً لتسألَهُ *** أعطاك ما ملكت كفاهُ واعتذَرا
يُخفي صنائعهُ والله يظهرها *** إن الجميلَ إذا أخفيتهُ ظهـرا
الرجل المائة : يبذل المعروف وينساه ، ويستعظمه من غيره ، ويستصغره إن هو أولاه وأسداه ، فإذا ما وقع في التقصير ، ولو بشيءٍ حقير ، أسهر ليله ونهاره أضماه ! وتلوَّع قلبه وأضناه !
زاد معروفك عندي عظماً أنـه عـنـدك مستورٌ صـغـير
تـتـنـاسـاه كأن لم تــأتــهِ *** وهو عند الناسِ مشهورٌ كبير
الرجل المائة : يجود دون حدود ، و يمنح دون قيود ، ويبذل دون أن يبخل ، ويعطي وكأنه يأخذ .
تعوَّدَ بسطَ الكـفِّ حتى لو أنــَّهُ *** ثـنـاها لِقبضٍ لم تُـجـبهُ أنـامِلُه
تَــراهُ إذا مـا جــئــتـه مُـتـهـلِّلاً *** كأنك مُعطيهِ الذي أنتَ سائلُه
كريمٌ إذا ما جئتَ للعُرف طالباً *** حـبـاكَ بـمـا تـحنُو عليه أناملُه
هو البحرُ من أيِّ النواحي أتيـتَهُ *** فلُجَّتُـهُ المعروفُ والجُودُ ساحِلُه
ولو لم يكُن في كـفِّـهِ غيرَ نفسِهِ *** لـجـادَ بـهـا فلـيـتـقِّ اللهَ سائلُه
الرجل المائة : أوقد نار كرمه ليستضيء بها السائرون ، فيقدِمُون !
وفتح دار هباته ، فإذا بالسالكين ينيخون ، فيغنمون !
وبسط يده بأعطياته ، فمنه يأخذون ، وله يشكرون !
ولا عيبَ في أخلاقه غيرَ أنَّها *** فـرائـِدُ دُرٍّ مـا لـهـا مـن نـظـائـــرِ
يُـقِـرُّ لها بالفضلِ كلُّ مـنازِعٍ *** إذا قيل يومَ الجمعِ : هل من مُفاخِرِ؟
والرجل المائة : لا يسأل أين موقعه ؟ فذلك مما لا يهمه في شيء !
فإن كان في السَّاقة كان في السَّاقة ، وإن كان في المقدمة كان في المقدمة ، وإن كان في المؤخرة كان في المؤخرة ..
وإنما يتسأل : ما دوري ؟ وعملي ؟ وما ذا يمكنني أن أُقدِّم ؟!
فهو مع الناس يعيش بينهم ، ويحيى لهم ..
فالرجل المائة : يجوع عندما الناس يشبعون !
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعثَ إلى نِسائِهِ ، فقُلنَ : ما معنا إلا الماء ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " من يَضُم أو يُضِيفُ هذا ؟ " فقال رجلٌ من الأنصارِ : أنا ، فانطلقَ بهِ إلى امرأتهِ . فقال : أكرمي ضيفَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فقالت : ما عندنا إلاَّ قُوتُ صبياني . فقال : هيِّئي طعامَكِ ، وأصلحي سراجَكِ ، ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاءً . فهيَّأت طعامها ، وأصلحت سراجها ، ونوَّمت صبيانها ، ثمَّ قامت كأنَّها تُصلِحُ سراجها ، فأطفأتهُ ، فجعلا يُريانهِ انَّهُما يأكلان ، فباتا طاويينِ . فلما أصبحَ غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ : " ضَحِكَ اللهُ الليلةَ أو عَجِبَ مِن فِعالِكُما " فأنزلَ اللهُ : { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }
فأُفٍ لنفوسٍ ؛ لا تأخذ من مثل هذا الدروس !!
قال الحسن البصري : والله لقد رأيتُ أقواماً كانت الدنيا أهون على أحدهم من التراب تحت قدميه ، ولقد رأيتُ أقواماً يُمسي أحدُهم ولا يجدُ عنده إلاَّ قوتاً ، فيقول : لا أجعل هذا كلَّه في بطني ، فيتصدَّق ببعضه ، ولعلّه أجوع إليه ممن يتصدق عليه !
فتبارك الله .. كيف صعدت هذه الهِمم بهم إلى القمم !!
يدخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بيته جائعاً ، وقد كان يتعاهد إبل الصدقة في الهاجرة ، فيأكل تمرة ويشرب عليها شيئاً من الماء ، ثم يمسح على بطنه ، ويقول : ويحٌ لمن أدخلَهُ بطنُه النارَ .
واعجباً ! يأكل تمرة ، وتحت يده أموال الدنيا تجبى إليه من المشارق والمغارب ! ثمَّ يخشى على بطنه من النار !!
ويخطب يوم الجمعة فيقرقر بطنه من الجوع في عام الرمادة ، فيخاطب بطنه الجائع ويقول : قرقر أو لا تقرقر ، والذي نفس عمر بيده لا تشبع من طعام حتى يشبع منه صبية المسلمين.
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يصنعُ للناس طعامَ الأمراء ، ويدخلُ بيتَهُ فيأكل الخلَّ والزيت .
أرأيتم كيف تكون التضحية ؟! وهل بعد هذا العطاء من عطاء ؟!وهل بعد هذا البذل من بذل ؟!
ورثنا الـمـجدَ عن آباء صدقٍ *** أسـأنـا في ديـارهـمُ الصنيعـا
إذا الحسبُ الـرفيعُ تـواكـلـته *** بناة السوءِ أوشك أن يضيعا
والرجل المائة : يعطش إذ الناس يرتوون !
عن أبي جهل بن حذيفة ، قال : انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمي ومعي شنة من ماء وإناء ، فقلت : إن كان به رمق من حياة سقيته من الماء ومسحت به وجهه، فإذا به ينشغ ، فقلت : أسقيك ؟ فأشار : أن نعم ، فإذا رجل يقول : آه ، فأشار ابن عمي انطلق به إليه ، فإذا به هشام بن العاص أخو عمرو ، فأتيته ، فقلت : أسقيك ؟ ، فسمع آخر يقول : آه ، فأشار هشام انطلق به إليه ، فجئته ، فإذا هو قد مات ، ثم رجعت إلى هشام ، فإذا هو قد مات ، ثم أتيت ابن عمي فإذا هو قد مات .
فأيُّ إيثارٍ هذا يا زمان الأثرة ؟!
والرجل المائة : يبتذ إذا الناس يكتسون !
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه ؛ أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببُردَةٍ . قالت : يا رسول الله ! إني نسجت هذه بيدي لأكسُوَكَهَا . فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها . فخرج علينا فيها ، وإنها لإزاره . فجاء فلان بن فلان ، فقال : يا رسول الله ! ما أحسن هذه البردة ! اكسُنِيهَا . قالصلى الله عليه وسلم: " نَعَم " فلما دخل طواها وأرسل بها إليه . فقال له القوم : والله ! ما أحسنت . كُسِيَها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها ، ثم سألته إياها ؟ وقد علمت أنه لا يرد سائلاً . فقال : إني ، والله! ما سألته إياها لألبسها . ولكن سألته إياها لتكون كفني.
قال سهل : فكانت كفنه .
ولا عجب ! فإنَّه الـحُبّ ، ولعلَّ خفاً يقع على خُف ، وقدماً تطأُ على موطئ قدم !
والرجل المائة : ينصَب عندما الناس يرتاحون !
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعاهد الأرامل يستقي لهنَّ الماء بالليل . ورآه طلحة رضي الله عنه بالليل يدخل بيت امرأة ، فدخل إليها طلحة رضي الله عنه نهاراً ، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة ، فسألها ما يصنع هذا الرجل عندك ؟ قالت : هذا منذ كذا وكذا يتعاهدني بما يصلحني ، ويخرج عني الأذى ، ولا أعرفه ، فقال طلحة : ثكلتك أمك يا طلحة أعورات عمر تتبع ؟!
وهل للقلب أن يرتاح وهو يبصر الناس تنهشهم رماح الحاجة ، وتؤلمهم جراح الفاقة ؟!
والرجل المائة : يعرف بليله إذا الناس ينامون !
بكى الباكون للرحـمـن ليـلاً *** وباتوا دمعُهم ما يسأمونا
بقاعُ الأرضِ من شوقٍ إليهم *** تحنُّ متى عليها يسجدونا
قال جعفر بن زيد العبدي : خرجنا في غزوة إلى كابل ، وفي الجيش صلة ابن أشيم رحمه الله تعالى ، قال فنزل الناس عند العتمة ـ أي العشاء ـ ، فقلت لأرمقنَّ عمله ، فأنظر ما يذكر الناس من عبادته وصلاحه ، فصلى العشاء ، ثم اضطجع في فراشه ، فالتمس غفلة الناس عنه ، ومكث حتى هدأت العيون ، ثمَّ قام ، فدخل إلى غيضة ـ موضع به شجر كثيف ـ قريبة منا ، ودخلت في إثره ، فتوضأ ، ثم قام يصلي ، فافتتح الصلاة ، فإذا بأسد عظيم يدنو منه ، فصعدت في شجرة ، وقلت : الآن يفترسه !
وجلس الأسد بجواره وهو قائم يصلي لم ينصرف منها ولم يقطعها ، حتى إذا إنتهى منها ، التفت وقال للأسد : أيها السبع أطلب الرزق من مكان آخر !
فولّى الأسد وإن له زئيراً مرعباً تكاد تصدَّع الجبالُ منه ! وعاد صلة ابن أشيم إلى صلاته وكأن شيئاً لم يكن ، حتى إذا أقترب الفجر تسلَّل إلى فراشه ، فأصبح وكأنما بات على الحشايا !!
فذلك سرٌّ بينه وبين مولاه ، ولا يحب أن يطلِّع عليه سواه !
وفي الأحباب مخصوصٌ بوجدٍ *** وآخر يدَّعي معه اشتراكا
إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٍ *** تبيَّـن من بكى ممن تباكا
والرجل المائة : يحلم على الناس عندما يتجبرون !
عن أنس بن مالك رضي الله عنه : قال : كنتُ أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهِ بُردٌ نَجرانيٌّ غَليظُ الحاشِيةِ ، فأدركَهُ أعرابيٌّ فجبذَ بردائهِ جبذةً شديدةً ، قال أنسٌ : فنَظرتُ إلى صفحةِ عاتقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقد أثَّرت بها حاشِيةُ الرِّداءِ من شِدَّةِ جبذتهِ ، ثمَّ قال : يا محمَّد ! مُر لي مِن مالِ اللهِ الذي عِندكَ ، فألتفتَ إليهِ ، فضَحِكَ ، ثمَّ أمَرَ لهُ بعطاءٍ .
ما كنتُ مذ كنتُ إلا طوعَ خُلاني *** ليست مؤاخذةُ الإخوان من شأنـي
يجـني الـخلـيـلُ فأسـتحلـي جنايـتـهُ *** حتى أدلَّ على عـفـوي وإحسـانـي
إذا خـليـلي لـم تكـثـر إســـاءتـــُهُ *** فـأيـن موضـعُ إحسـاني وغـفـراني
يجـني عـليَّ وأحـنـو صـافحـاً أبـداً *** لا شيء أحسنُ من حانٍ على جاني
كان أحد الصالحين يمضي بمركبته في طريق عام ، فإذا بشابٍّ متهوِّر يسير بسرعة عالية بمركبته الفارهة ، ولم يملك زمامها ، فارتطمت بقوَّة بمركبة ذلك الرجل الصالح الناصح ..
فأقبل الشاب يتأسف مما فعل ، ويعتذر عما صنع ، ويطلب العفو ، ويسأل السماح والصفح .
فقال له : إني أسامحك بشرطٍ واحد ، إن وافقتني عليه وأجبتني إليه ، فامض راشداً ..
قال الشاب : وما هو ؟
قال : أن لا تترك الصلاة في المسجد أبداً !
قال الشاب : كنت أتوقع أن تسألني مالاً أو متاعاً أو عوضاً .
فقال الرجل : لقد سألتك ما هو خير وأبقى ، وأعظم وأكرم .
قال الشاب في لوعة وأسف : إني لأعترف إليك ، وأقِرُّ بين يديك ؛ أني لم أكن أركع لله تعالى ركعة أو أسجد له سجدة !
وإني لأعاهد الله عزَّ وجلَّ ثم أعاهدك أن أُصلي لله ربِّ العالمين مع الراكعين الساجدين .
فلله درُّك ما أروعك !! وأعظمك وأبدعك !!
والرجل المائة : ينصف الناس من نفسه إذا الناس يطلبون !
عن حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّل صفوف أصحابه يوم بدر ، وفي يده قدحٌ يعدل به القوم ، فمر بسواد بن غَزِيَّة وهو مُستنتلٌ ـ خارج ـ من الصف ، فطعن في بطنه بالقدح ، وقال صلى الله عليه وسلم:" استَوِ يا سواد " فقال : يا رسول الله! أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل ؛ فأقدني . قال : فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه ، وقال صلى الله عليه وسلم:" استَقِد " ، قال : فاعتنقه فقَبَّل بطنه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ما حملك على هذا يا سواد ؟ " قال : يا رسول الله ! حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخر العهد بك : أن يمسَّ جلدي جلدك ! فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير .
فما أطيبها من خاتمة خير !

الرجل المائة ودعوته

الرجل المائة : نورٌ يستضاء بهديه ، ومنارٌ يتعرف من يخوضون اللجج به على شواطئ النجاة ، ومرافئ الأمان .
يضيء للناس طريقهم إلى ربهم ، ويوقظ جذوة الإيمان في صدورهم ، ويذكِّرهم بما هم قادمون عليه ومقبلون عليه من أمر جلل وخطب عظيم ، وأهوال عظيمة ومصاعب جسيمة في سفرهم إلى الله ..
ومن ذلك أنَّ الرجل المائة يحب القرآن فيكرم أهله !
فهو يقدمهم على غيرهم ، ويفضلهم على من سواهم ، فيكرم طلاب التحافيظ في المساجد ، بتعاهدهم بتربيته ، ويحوطهم بعنايته ، ويكتنفهم برعايته ، ويضحي من أجلهم بماله ووقته وجهده وفكره ، ويعطيهم من الحوافز والجوائز ما يرغبهم في هذا الطريق ، ويحثهم على المضي قُدُماً في هذا الميدان .
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ أفضلَكُم مَن تَعلَّمَ القُرآنَ وعلَّمَهُ
والرجل المائة : يطبع الكتب النافعة ، وينسخ الأشرطة المؤثرة ، ليتم توزيعها على المقاهي والملاهي ، والمستوصفات والمستشفيات ، والبنوك والسجون ، وصوالين الحلاقة ، وكبائن الهاتف ، ومواقف السيارات ، والمدرس والمصانع ، والمجالس والجوامع ..
فكم من ناسٍ تذكر ! وساهٍ تدبر !
وكم من جاهلٍ تعلم ! وعاصٍ تندم !
وكم من ضالٍ اهتدى ! وغاوٍ اعتدل !
والفضل كلُّ الفضل لله أولاً وآخراً ، ظاهراً وباطناً ، ثمَّ لذلك الداعية الصامت ، والناصح الساكت !
وحسبه ، والله حسيبه ؛ هذه الغنيمة الباردة ، والجائزة الجاهزة !
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من دلَّ على خيرٍ ، فلهُ مِثلُ أجرِ فاعِلِهِ "
الرجل المائة : يعيش همَّ الدعوة إلى الله في كلِّ حال ، ويحرص على الأجور المتعدية ، فالعمر وقفٌ لله تعالى ، ليس للنفس منه حظٌ ولا نصيب ، والدعوة لا تعيش على فضول الأوقات ! بل على أفضلها !
سمعت عن رجلٍ عين معلماً في بادية من البوادي حيث الصحراء القاحلة والسهول الموحشة والجبال القفراء والأودية الجدباء ..
لم يتوانى كما فعل البعض ، ولم يتقاعس كما صنع الغير ، بل أدرك أنه بدأ رحلة العمل ، ودخل مضمار التسابق على بذل الخير وفعل المعروف
يُبصِرُ طلابه يأتون كلَّ صباح بمراكبهم المتهالكه .. يأخذون من علمه وينهلون من خلقه .
وما هي إلاَّ لحظات وكأن شيئاً لم يكن .. فالصحراء تبتلعهم بعد لحظات من نهاية الدوام كما تلدهم عند بزوغ الصباح .. ليظل في مدرسته مع نفر قليل ممن هم على شاكلته من المعلمين الذين أخذوا يندبون حظهم ويتحسرون على ماضيهم السعيد !
استشعر الداء .. ثم شرع في الدواء ..
بنى مسجداً صغيراً بجوار مدرسته بمساعدة بعض الصالحين ..
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن بنى مسجداً للهِ ، بنى اللهُ لهُ في الجنَّةِ مِثلَهُ"
ثم أقبل على الأغنياء يلتمس منهم العطاء لأولئك الفقراء .. فأصبح يعول الأسر ، ويغني ـ بفضل الله ـ من افتقر ..
يطعم الجائع ، ويكسي العريان ، ويرشد التائه الحيران ، وينقل بمركبته من مسَّهم السقم وأمضهم المرض إلى حيث يلتمس لهم العلاج .
أحبَّه الناس من أعماقهم ، وتعلقوا به كتعلق الغريق بمن ينقذه ، والقلوب مجبولة على محبة من أحسن إليها وأغدق بفضله عليها .
حفر لهم بئراً بجوار مدرسته ومسجده ..فشرب الناس ماءً نميراً بعد إذ كانوا يتجرعون ماءً مالحاً أُجاجاً .
عن جابر رضي الله عنهما : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من حَفَرَ بئرَ ماءٍ لم يشرب منه كَبِدٌ حري من جِن ، ولا إنسٍ ، ولا طائرٍ ، إلا آجره اللهُ يوم القيامةِ "
فأخذ البدو الرُّحل يستوطنون بجوار دار العبادة ودار العلم ...
فإذا بالبيوت تبنى والمنازل تشيَّد ، وإذا بالناس يُقبلون على حلقات العلم والقرآن التي كان يعقدها في مسجده ..
حقاً وصدقاً ؛ لقد كان مشعل هداية ، وشمعة ضياء !
هداية وهدية ، منحة وعطية ، دعوة ودعاء ، فتمكن من سويداء القلوب ليغرس فيها العلم والنور .
عن أبي أمامة رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته ، وأهلَ السموات والأرض ، حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت في البحر ، ليصلُّون على مُعلم النَّاسِ الخير "
جاء بزوجته المرفهة التي أشربت بحضارة التقاعس والخمول ..
استشعرت معه الحاجة فوافقت دون لجاجة .. توحَّد الهدف واتحد الطريق .. فانسلخت من جلدها القديم لتمضي مباركة الخطى بين نساء تلك البادية اللاتي استقبلنها كالأرض الجدباء لاعذب الماء ..
أقبلت تعلمهن الصلاة والتلاوة وتعقد لهن الدروس والمواعظ ..
فغدت أمّةً من الإماء وحدها ! فيا لله ما أسعدها !!
قال تعالى :{ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون }
سنةٌ كاملةٌ مضت كومض البرق، كانت كفيلةً بأن تحيل ذلك الظلام الحالك في تلك البادية إلى نور يضيء تلك المسالك ، لينيخ حوله العابد والناسك !
وجاء القرار في نهاية العام بنقل ذلك المعلم إلى مدينته التي ألِف ، ورجوعه إلى مسكنه الذي أعتاد ..
فأقبل يخاطب نفسه ويحاسب روحه ..
لقد غرستُ بذور الخير في أرض الخير فلماذا أرحل عنها قبل أن أراها يانعة فارعة تسرُّ الناظرين ؟!
إنني برحيلي عن هذا المكان أفقد هذا الخير وأُحرم هذا العطاء ..
وسيأتي بعدي غيري ، فإن كان قليل الهمَّة فاتر العزيمة ، لا هدف له ولا غاية ، فبذر الخير التي زرعتها أخشى عليها من العطب ، فالزرع إن لم يُسقى هلك ..
وإن جاء بعدي داعية مبارك ، فسيغنم هذا الخير من دوني ، وسيدرك هذه الأجور التي أنا في أمس الحاجة لها وأشد الفاقة إليها .. فليس هو بأحق مني بالأجر والثواب من رب الأرباب !
و والله إن هؤلاء الناس ليسوا في حاجة لي مثل حاجتي لهم !
أخذ يبكِّت نفسه التي ركنت للراحة والدعة والخمول، ويحاسبها على طلبها الكسل والسكون ، بعد أن رأى إقبال الناس وتقبلهم وحبهم للخير .
فما أطاق فراقهم ! وما احتملوا غيابه !
وربك ما الرزيةُ فقدُ مالٍ *** ولا شاة تموتُ ولا بعيرُ
ولكنَّ الرزيــةَ فقدُ حُـرٍّ *** يموتُ بموته بشـرٌ كثـيرُ
فمضى إلى مرجعه الرسمي يطالب بالعدول عن النقل الذي سأل ، ليستمرَّ في تربية من يمسك بعده بخطام الراحلة ويقود القافلة ..
رجع ليربي شباب تلك البادية على أن يكونوا سفراء خير ، ورسل هداية ، ورجال عمل ، وصنَّاع حياة ! وكذلك كان !
عن أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" سَبعٌ يجري للعبد أجرهُنَّ ، وهوَ في قبرِه بعدَ موتِه : من عَلَّم عِلماً ، أو أجرىَ نهراً ، أو حفَر بِئراً ، أو غرسَ نخلاً ، أو بنى مسجداً ، أو ورَّث مُصحفاً ، أو تركَ ولداً يستغفرُ لهُ بعدَ موتِه "

الرجل المائة ومشاركة الناس في حياتهم

الرجل المائة : يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم ، أنسهم وبأسهم ، ألمهم وأملهم ، عسرهم ويسرهم ، رغبتهم ورهبتهم ، فهو معهم ومنهم ولهم .
فكلما سمع ببشير السعادة يهتف عند أحد ، أقبل كالأمل ، يبارك ويشارك ..
يدعو لهم ويجيب دعوتهم ..
عن ابن عمر رضي الله عنهما : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دَعا أحدكم أخاهُ فليجب ، عرساً كانَ أو نحوهُ "
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" شرُّ الطعام طعامُ الوليمة . يُمنَعُها من يأتيها ويُدعى إليها من يأباها . ومن لم يُجبِ الدعوةَ ، فقد عَصَى اللهَ ورسولَهُ "
وتأملوا حال الأسوة القدوة !
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسُ على الأرضِ ، ويأكلُ على الأرضِ ، ويعتقِلُ الشاةَ ، ويُجيبُ دعوة المملوكِ على خُبزِ الشَّعيرِ "
والرجل المائة يعين بالمال والعيال في كافة الظروف والأحوال ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من نفَّس عن مؤمنِ كُربةً من كُربِ الدنيا نفسَ اللهُ عنه كربة من كُربِ يوم القيامة ، ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا الآخرةِ ، ومن ستر مسلماً ، سترَه الله في الدنيا والآخرة ، والله في عونِ العبد ، ما كانَ العبدُ في عونِ أخيهِ "
وينفع حيثُ أمكنه النفع ! ويدفع الأذى كلما كان في مقدوره الدفع ! ويمشي مع أخيه حتى يقضي حاجته ، ويسد خلَّته .
إنَّ الرجالَ إذا ما ألجـئـوا لجـأوا *** إلى التعاونِ فـيمـا جَــلَّ أو حـزبا
وكل سعيٍ سيجزي الله ساعيهُ *** هيهاتَ يذهبُ سعيُ المحسنين هبا
عن ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعهم ، وأحبُّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ سرورٌ تدخله على مسلمٍ ، أو تكشفُ عنه كربةً ، أو تقضي عنهُ ديناً ، أو تطردُ عنه جوعاً ، ولأن أمشيَ مع أخي المسلم في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكفَ في المسجدِ شهراً ، ومن كفَّ غضبهُ ، ستر اللهُ عورتهُ ، ومن كظم غيظاً ، ولو شاءَ أن يمضيهُ أمضاهُ ، ملأَ اللهُ قلبهُ رضىَ يوم القيامةِ ، ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجته حتى يثبتها لهُ ، أثبتَ اللهُ تعالى قدمهُ يومَ تزلُّ الأقدامُ ، وإنّ سوءَ الخلقِ ليفسدُ العملَ ، كما يفسدُ الخلُّ العسلَ "
ويساعد بالرأي والمشورة ، فهو الناصح الأمين ، والمستشار الصادق !
فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما: قال : بايَعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، على إقامِ الصلاةِ ، وإيتاء الزَّكاةِ ، والنُّصحِ لكلِّ مُسلم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" للمُؤمِنِ على المؤمنِ سِتُّ خِصال : يَعُودُهُ إذا مَرِضَ ، ويَشهَدُهُ إذا مَاتَ ، ويُجيبُهُ إذا دَعاهُ ، ويُسَلِّمُ عليهُ إذا لَقيهُ ، ويُشَمِّتُهُ إذا عَطَسَ ، وينصَحُ لهُ إذا غَابَ أو شَهِدَ "
وكما أنه يشاركهم أفراحهم فهو كذلك يشاركهم أتراحهم ، ويشاطرهم آلامهم ، ويقاسمهم حرمانهم وأحزانهم
فإذا ما مات من المسلمين أحدهم ، وجدته بينهم ، وأبصرته كأحدهم ، همُّه همُّهم ، وحزنُه حزنهم ، وجدوه عندما احتاجوه كالفرج بعد الشدة ، واليسر خلف العسر ، والسعة عقب الضيق .
فتراه ـ حين تراه ـ يصبِّرهم ، ويعزيهم ، ويسليهم في محنتهم ، ويذكرهم بالأجر والمثوبة من الله تعالى لمن صبر على البلاء ، ورضي عن الله وقدره حين البأساء والضراء ..
عن أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من عزى أخاه المؤمن في مصيبته ، كساه الله حلة خضراء يحبر بها يوم القيامة ، قيل : يا رسول الله ! ما يحبر ؟ قال : يغبط "
ثم تبصره يغسل ميتهم غسلاً موافقاً للسنة ، ويكفنه كذلك ، ويستر سوءته ويكتم ما يراه من تــغـيـُّــرٍ في حالته ..
عن أبي أمامة رضي الله عنه:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من غَسَّل ميتاً فستره ، ستَره اللهُ من الذنوبِ ، ومن كفَّنه ، كساه اللهُ من السندُسِ "
ثم تلمحه يسارع في حمل الجنازة ، والصلاة عليها ، طمعاً في رحمة الله تعالى بذلك الميت الذي أبلس من العمل ، فكان أفقر ما يكون لرحمة خالق الكون سبحانه وتعالى .
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من رجل مسلم يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً ، لا يشركون بالله شيئاً ، إلاَّ شفعهم الله فيه "
ثم ترمقه يحفر للميت قبره وصندوق عمله الذي سيوارى فيه ويوضع بين أطباقه .
عن أبي رافع رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من غسل مسلماً فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة ، ومن حفر له فأجنّه أجرى عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة ، ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة "
علمت عن رجلٍ كان متعهداً بإحضار لبنات اللحود في قبور بقيع الغرقد بالمدينة النبوية ، فكان ـ رحمه الله ـ إذا جاء باللبنات غالط من يستلمها منه في العدِّ والحساب ، فربما جاء بأضعاف ما طُلب منه واُلزِّم به .
فإذا قيل له : لقد جلبتَ من اللبنات أكثر مما سُئلت !
فيقول لهم وهو يداعبهم : أنتم لا تعرفون الحساب ، أيها الكُـتَّاب !
وعندما واجهوه بما وجدوه ، قال : أُكتموا عليَّ الخبر ، فلا تفضحوني بين البشر ، فذاك سرٌّ بيني وبين مولاي ! فلا يعرفه سواي !
أقول : وكذلك الرجل الناصح ؛ يكتم عمله الصالح كمن يخشى الفضائح !
وما أن ترقبه وقد إنصرف عن القبر حتى تراه إنقلب إلى أهل الميت يسألهم عنه ، هل عليه دين ؟! فإن الميت المديون محبوس بدينه في قبره حتى يُقضى ما عليه !
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نَفسُ المؤمنِ مُعلَّقَةٌ بدَينِهِ حتَّى يُقضَى عَنهُ"
فإن كان عليه دين قضاه عنه ، وأراحه منه ، فنفَّس بذلك عن مكروب ، وفرَّج عن منكوب .
عن سعد بن الأطول رضي الله عنه: أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم ، وترك عيالاً ، قال : فأردت أن أنفقها على عياله ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:" إنَّ أخاكَ محبوسٌ بدينهِ فاذهب فاقضِ عنهُ "
وإن لم يكن عليه دين ، تصدَّق عنه من ماله على المحتاجين والمعوزين وذوي الحاجات والفاقات .
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ أبي ماتَ ، وتركَ مالاً ، ولم يُوصِ ، فهل يُكفِّرُ عنهُ أن أتَصدَّقَ عنهُ ؟ قال :" نعم "
ثم أقبل على أهل الميت يتفقد أحوالهم ، ويتلمس حاجتهم ، ويرعى صغارهم ، ويرحم كبارهم ، ويكفل أيتامهم ، ويعتني بأراملهم .
فما أجمل أن تلقم أفواههم عطيته ! وتلقف آذانهم دعوته !

الرجل المائة ومنافع الخلق

فالرجل المائة : يزور المستشفيات ودور النقاهة ، ومراكز الإعاقة ..
يتفقد أحوالهم ، ويحل مشاكلهم ، ويدخل السرور عليهم ، ويؤنس وحدتهم ، ويسرِّي عن محزونهم ، ويفرِّج عن مغمومهم
فربما وجد من هجره أهله وتركوه ، وغاب عنه أصحابه وأقاربه وقلوه ، فهو يصارع الآلام لوحده ، ويقاوم الأسقام بمفرده ..
فتباً للقلوب القاسية ! وسحقاً للنفوس الحاقدة الجاحدة ! وبعداً للقلوب المريضة بداء النكران والهجران لمن هم أهلٌ للإحسان !
عن جابر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" من عاد مريضاً خاضَ في الرحمة ، حتى إذا قعد استقرَّ فيها "
ابتسامته الراضية ..عنوان صفاء قلبه وطهارة نفسه ..
وهديته الغالية .. علامة وفائه لهم ومحبته لأبناء أمته ..
وكلمته الطيبة .. توقظ في قلوبهم جذوة الصبر الخامدة تحت ركام الغفلة ..
ولمسته الحانية .. تبدد غيوم الآمهم وتجدد في الحياة آمالهم، ولولا فسحة الأمل لضاقت على النفس السبل وأعيتها الحيل !
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا عادَ الرَّجلُ أخاهُ المسلمَ مشى في خِرافةِ الجنةِ حتَّى يجلسَ ، فإذا جلس غمرتهُ الرحمةُ ، فإن كان غُدوةَ صلَّى عليهِ سبعون ألف ملكٍ حتَّى يُمسي ، وإن كان عشياً صلىَّ عليه سبعون ألفَ ملكٍ حتَّى يصبحَ "
والرجل المائة : يعين الرفيق على وعثاء الطريق ، فإذا ما رأى مركبة قد قعدت بأصحابها ، وتعطلت على أربابها ..
كان لهم رحمةً مرسلة ، ونعمة منزلة ، ومنّةً هاطلة ..
حدد الأعطاب ، وأصلح الخراب ، وكان عوناً لهم في حال ضيقهم وشدتهم ..
ومضى في طريقه . . لا يعرفون اسمه ، ولا يدرون بجنسه ، لكن الله يعرفه ، وحسبه ؛ أن الله حسيبه ورقيبه ..
فلا تسل عن الدعوات المباركات ، كيف تخترق الأفق ، لتصعد للسماء ممن كانوا في ضيق الطريق فأنقذهم الله به ...
عن ابن عمر رضي الله عنهما : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المسلم أخو المسلم ؛ لا يظلمه ، ولا يُسلِمُهُ ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة "
فلا تسل عن حبهم له وتقديرهم لعمله ، وتعظيمهم لفعله ..
فيا لكلمته ما أشد وقعها في قلوبهم ! لعظيم منته عليهم ..
ويا لنصيحته ما أمضاها في الوصول إلى عقولهم ! لكريم شمائله معهم ..
عن جابر رضي الله عنهما ، قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتَخَلَّفُ في المسيرِ ، فَيُزجي الضَّعيفَ ، ويُردِفُ ، ويدعو لهم "
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ جاء رجلٌ على راحلةٍ لهُ . قال : فجعلَ يصرفُ بصرهُ يميناً وشمالاً . فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم:" من كان له فَضلُ ظَهرٍ ، فليعُد به على من لا ظَهرَ له ، ومن كان له فضلُ زادٍ ، فليعُد به على من لا زادَ له "
إذا كنت رباً للقلوصِ فلا تدع *** رفيقكَ يمشي خلفها غير راكبِ
أنـخـهـا فـأردفـهُ فإن حملتكما *** فذاكَ وإن كانَ العقابُ فعاقبِ

الرجل المائة والشباب

الرجل المائة : يرى بعض شباب الإسلام قد زلَّت به الأقدام ، فأصبح يرى المجد في رنَّة نغم أو ركلة قدم أو شطحة قلم أو هزَّة جسم ، ومضى بعضهم ينسلخ من دينه ، ويتجرد عن دثار التقوى ليلبس ما يزري به من ملبوسات أعدائه ، فتراه يحاكيهم في حركاتهم ، ويشابههم في ملابسهم ، ويشاكلهم في ترهاتهم وسخافاتهم !
فله مثل السوء ؛ كالذباب يسقط فوق الخراب !
فتباً لعقول لا تعي ! وقلوب لا ترعوي !
فمضى الرجل المائة يتحسس الداء الدفين بهم ، والكيد المتين عليهم ، والغزو اللعين ضدهم ، فاستشعر عظم المسئولية الملقاة على أكتاف المصلحين ، والأمانة المعلقة بذمم الدعاة المخلصين ، فنزل بكلِّ همة عالية ، وعزيمة وثابة إلى ميادين الشباب لينتشلهم مما هم فيه من أسن السيئات وقحط الخطيئات ..
فهم غرقى ، وهو منقذهم بإذن الله !
وهم مرضى ، وهو طبيبهم بحول الله !
وهم غفلى ، وهو نذيرهم بين يدي عذاب الله !
وهم سكرى بالشهوة والغفلة ، وهو موقضهم مما يحاط بهم من مهلكات ، ويحاك ضدهم من مؤامرات و مؤتمرات .
عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعليٍّ رضي الله عنه: " لأن يَهديَ الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم "
فتارةً يزورهم في منتدياتهم وأماكن تجمعهم ، فيسحرهم ببيانه ، ويمتلكهم بدماثة خلقه ، وطيب معشره ، ولين جانبه ، ويغرس محبته في قلوبهم بابتسامته الصافية ولمسته الحانية ، ويمتطي صهوات قلوبهم بهديته الغالية ، فمرة بشريط مفيد ، وأخرى بكتاب جديد ، وكرة أخرى بمنشور مؤثر !
وتارةً ثانية يقيم لهم مركزاً يربيهم فيه على طاعة الله تعالى ، فيعلمهم ما ينفعهم من أمر دينهم ودنياهم .
وتارة ثالثة يأخذهم في رحلة برية أو بحرية فيرى الشباب من سمته ومعاملته ما يحلُّ لهم أزمة القدوة التي يفتقدون ، فكأنه قرآناً يمشي على الأرض ، ومناراً يسترشد به السائرون !
قال تعالى: { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}
رأى أحد الدعاة بعضاً من الشباب مجتمعين على الأرصفة ، يتهارجون كالحُمُر ، ويتضاحكون كغنج النساء ..بلا رادع من حياء ، ولا وازع من دين ..
حركات ساقطة .. وكلمات بذيئة .. وملبوسات سيئة ..
فمضى إليهم ، لينثر دُرَرَ كلامه عليهم ، فسحر ألبابهم ، و أيقضهم من سُباتهم ، وأنذرهم مغبَّة غفلتهم ، فأيقظ جذوة الإيمان في قلوبهم ، وفجر لواعج الاستقامة في صدورهم .. ثُمَّ رحل !
ومضت الأيام ، وتعاقبت السنين ..وبينما هو يدخل إلى مكتبة عامَّة ، إذا بشابٍ كثّ اللحية ، مشرق الهيئة ، مسفر الوجه ، باسم المحيّا ، يُقبل عليه ، فيقبله ويلتزمه ، ويهشُّ في وجهه ويبشُّ ..
فقال الداعية وقد تملكته الحيرة وأربكته الدهشة : لعلَّك قد شبهت عليَّ ، فلست أعرفك ، ولا أدري من أنت !
فقال الشاب : لكني أعرفك ، ولن أنساك بإذن الله ..
لقد أنقذني بك الله تعالى من الضلالة إلى الهدى ، وأخرجني بنصحك من الظلمات إلى النُّور ..
أتذكر يوم كذا وكذا ؟ في موضع كذا وكذا ؟
لقد أحييت قلوبنا بعد إذ كانت قاسية كالحجارة أو أشدُّ قسوة ، ونصحت لنا أكمل النصح وأوضح البيان ..
وإني لأدعو لك الله في سجودي ، وليلي ونهاري .
وكلما وفقني الله لطاعة ذكرتك ، فدعوت لك ، وإني لأرجو أن تأتي بي وبأعمالي في ميزان حسناتك يوم أن تلقى الله تعالى .
وصدق الله القائل : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون }

الرجل المائة والإصلاح بين الناس

الرجل المائة يحس بما ألمَّ بالناس من ألم الخصومات ، وما حدث بينهم من فرقة وشتات ، وما وقع منهم من تهاجر وتنافر وتدابر .
فخاف منهم على أنفسهم ، وأشفق عليهم من أحقادهم على بعضهم ، ورحمهم مما يعانون منه من اختلاف وعدم ائتلاف !
فأبصر فإذا بالأخ لا يحتمل أخاه ، وإذا بالابن يهجر ويجفو أباه ، وإذا بالزوجة تتمرد على زوجها ، وإذا بالقرابة متباعدون ، وذوي الأرحام متقاطعون ، بينهم من العداوات والأحقاد ماليس بين أهل ملتين من المسلمين والكافرين !
فهم يتصارعون على الجيف ، ويتعادون على الحطام الفاني ، فوقعوا في الذنب الكبير ، لشيء دونٍ حقير !
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار "
فغدا الرجل المائة يجبر ما انكسر ، ويرقع ما انفتق ، ويردم ما انثلم ، ويبني ما انهدم ، فأصلح بينهم ، وجمع فرقتهم ، ووحد صفهم ، وربط شملهم ، فعادت العداوة محبة ، والخصومة ألفة ، والفرقة لقاء ، والتكدير صفاء ، والتحريش إخاء ، وسرت مياه الوصل الرقراقة لتروي الأكباد العطشى لأعذب لقاء !
عن أبي الدرداء رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أُنَبِّئكم بدرجة أفضل من الصلاة والصيام والصدقة ؟ " قالوا : بلى ، قال : " صلاح ذات البين ، وفساد ذات البين هي الحالقة "
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أدلُّك على صدقةٍ يحبُّ اللهُ موضِعَها ؟ تصلحُ بين الناسِ ؛ فإنها صدقةٌ يحبُّ اللهُ موضعها "
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أفضل الصَّدقَة إصلاحُ ذات البينِ "
فتبارك الله ما أحسن القول وأجمل العمل !
قال تعالى:{ لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس }

الرجل المائة في حال الأزمات

الرجل المائة : وقته وماله وجهده وقفٌ لله تعالى، فحالما تلُمُّ بالناس ملمَّة ، أو تفجأهم فاجعة ، ويدهمهم خطب عظيم ، كالزلازل أو حوادث الطرق والفيضانات والسيول الجارفة المدمرة أو الحرائق المهلكة أو الأمراض الوبائية المنتشرة ـ عياذاً بالله من كلِّ ذلك ـ، أو يحدث لهم ما يفزعهم ويقض مضاجعهم ، ويقذف بالروع في نفوسهم ، قام كالضرغام ، ينقذ الحرقى ، وينتشل الغرقى ، ويسعف المجروح ، ويداوي المكلوم ، ويؤمن الخائف ، وينجد الملهوف ، ويغيث المكروب ، ويعين المنكوب ، ولو أصابه في ذلك ما أصابه !
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" على كل مسلم صدقة ، قيل : أرأيت إن لم يجد ؟ قال: يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق ، قيل : أرأيت إن لم يستطع ؟ قال صلى الله عليه وسلم : يعين ذا الحاجة الملهوف ، قيل : أرأيت إن لم يستطع ؟ قال صلى الله عليه وسلم: يأمر بالمعروف أو الخير ، قال : أرأيت إن لم يفعل ؟ قال صلى الله عليه وسلم: يمسك عن الشر فإنها صدقة"
فإذا ما حزب الناس أمرٌ تدافعوا نحوه ، وادَّرعوا به ، واحتموا خلف ظهره ، فكان صدره دون صدورهم ، ونحره فداء نحورهم ،
يقضي الكريمُ مدافعاً عن عرضه *** ويموتُ عن أشباله الضرغام
يغلوا الحمى بأشـاوس من أهـلـه *** وتـعـزُّ في آســادها الآجام
أفلا يجلونه ويحبونه ؟! ويسلمون له قلوبهم في رضى وعقولهم في تسليم ؟! ليبذر فيها بذر الإيمان ، ويسقي شجرة الأعمال الصالحة التي ربما ذبلت في القلوب ؟!
عن أنس رضي الله عنه: قال : كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحسَنَ النَّاسِ ، وأشجعَ الناسِ . ولقد فزعَ أهلُ المدينةِ ليلةً ، فخرجوا نحو الصوتِ فاستقبَلَهُم النبيُّ وقد استَبرأ الخبرَ ، وهو على فرسٍ لأبي طلحةَ عُريٍ وفي عُنُقِه السيفُ ، وهو يقولصلى الله عليه وسلم :" لَم تُراعوا ، لم تُراعوا"
آثـاره تُنبـيك عن أخباره *** حتى كأنَّك بالعـيان تــراهُ
تالله لا يأتي الزمان بمثله *** أبداً ولا يحمي الثغورَ سواهُ

الرجل المائة وقضاء الحوائج

الرجل المائة : له مع البطون الجائعة ، والأحشاء الخاوية ، والأجساد العارية ، والأبدان السقيمة صولات وجولات ! وهبات وأعطيات !
فشغله الشاغل وعمله المتواصل ؛ تفقد أحوال الناس ، وتلمس حاجاتهم ، والبحث عن أهل الفاقة فيهم ، وأصحاب الخصاصة وذوي المسغبة منهم .
ليعطيهم من ماله ما يطيق ، ومما جمع لهم من أموال أهل الخير والبذل والإنفاق .
فهو يتحنن على الضعفة والمساكين ، وهو لهم نصير ومعين ، يتلمس عثراتهم فيصلحها ، وخلاتهم فيسدها ، وحاجاتهم فيقضيها ، ومشاكلهم فينهيها .
سمعت عن رجل مات وفارق الحياة ، فإذا بأُسرٍ فقيرة ، وعوائل كثيرة تطرق باب ورثته ، لتخبرهم أنه كان يعولهم بماله ، ويرعاهم بنواله ، حال حياته ، ففقدوا أعطياتهم ، وحرموا هباتهم ، فتلمسوا العلة ، فإذا بعلة الموت كانت أسبق منهم إليه .
فقد كان يرضخ لكل أسرة منهم من ماله مبلغاً يصلهم مع هلال كلِّ شهر جديد ، ولم يكن يعلم به أهله وأبناؤه وزوجته إلاَّ بعد موته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى !!
فتعساً لعقولٍ تحملها الأعناق لا تهتدي لمثل هذا المسلك الرابح !
وتباً لقلوب تحتويها الجوارح ، لا تملك هذا العزم القادح !
وكم من أيتام يأتيهم من الأغذية والأكسية ومقومات الدراسة ما يقوم به أودهم وتستقيم به حياتهم ، ولا يدرون من أين يؤتون هذا العطاء ؟!
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من ضَمَّ يتيماً له أو لغيره حتى يُغنِيهُ الله عنه ؛ وجبت له الجنَّةُ "
وكم من أسرة معدمة كانت تسكن في شقة مؤجرة محترمة ، يدفع قيمتها ذلك الرجل المائة الذي حماهم من التشرد في الطرقات ، ووقاهم من شرِّ تسلط وتجبر بعض أصحاب العقار! الذين ينادون فيهم في عتوٍ واستكبار : إما أن تدفعوا القيمة ، وإما أن تخرجوا ـ إلى غير رجعة ـ من الدار !
وكم من أرملة بائسة يأتيها رزقها رغداً مع هلالِ كلِّ شهر من يد ذلك الشاب المبارك الذي كان يحتزُّ من مكافأته مبلغاً يسيراً ، ليطعمها به ، فتشنِّف أذنه بسماع ذلك الدعاء الطيب ، الذي يخرج من صميم القلب ومن حبَّة الكبد !
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الساعي على الأرملة والمسكين ، كالمجاهد في سبيل الله ، أو كالذي يصومُ النهارَ ويقومُ الليلَ "

الرجل المائة وهموم الأمّة المسلمة

الرجل المائة : يعيش همَّ الأمَّة ، وما أصابها من غُمَّة ، وأمور مدلهمة ، فيرى بعين الحسرة ما وقع بها من تخاذل وانحدار ، وذلة وانكسار ،واستكانة وصغار ، حتى أصبحت ـ ويا للأسف ـ في ذيل القافلة ، يتنافس عليها أعداؤها كما تكالب الأكلة على قصعتها ، وغدت حماً مستباح ، ودماً رخيصاً ، وكرامةً مهدرةً ، فما يكاد يبرأ لها جرح حتى ينكأ لها آخر !
أنىَّ اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوص جناحاه
وانبرى ينادي : لا عزَّة إلاَّ بالجهاد !
فحدَّث نفسه بالغزو ، وأعدَّها له ، وعاش الجهاد بعواطفه ومشاعره ، ودعائه ودعوته ، وماله ونفسه ، والجود بالنفس أقصى غاية الجود !
قال تعالى : { إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ، وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ، ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به }
وجهَّز الغزاة على البغاة من ملل الكفر والعناد ، والزيغ والفساد ..
عن زيد بن خالد رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من جهَّز غازياً في سبيل الله ، فقد غزا ، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا "
فإذا حضر الرجل المائة أغناك الله به عن المائة ، فإنه إذا حضر الماء بطل التيمم !
وتأمل حال الأبطال الأُول !
قال صلى الله عليه وسلم عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه الذي كان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نحري دون نحرك يا رسول الله ! ": لصوتُ أبي طلحة أشدّ على المشركين من فـئة " وفي رواية :" خير من ألف رجل "
قرأ يوماً سورة براءة . فأتى على قوله تعالى :{ انفروا خفافاً وثقالاً } فقال : إني أرى ربي يستنفرني شاباً وشيخاً ! جهزوني . فقال له بنوه : قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض ، وغزوت مع أبي بكر حتى مات ، وغزوت مع عمر ، فنحن نغزوا عنك ، فقال : جهزوني . فجهزوه ، فركب البحر ، فمات . فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلاَّ بعد سبعة أيام فلم يتغير !
فلله درُّه ! وعليه شكره !
قال الأصمعي : لما صافَّ قتيبةُ بنُ مسلم للترك ، وهاله أمرُهم ، سأل عن محمد بن واسع . فقيل : هو ذاك في الميمنة جامع على قوسه ، يبصبص ( يشير ) بأصبعه نحو السماء (يدعو) . فقال : تلك الأصبعُ أحبُّ إليَّ من مئة ألف سيفٍ شهيرٍ وشابٍ طريرٍ .
وإن لم يجاهد الرجل المائة ببدنه خلف الغزاة في أهليهم ، وأعقبهم رعاية وحماية لذويهم ..
عن أبي أمامة رضي الله عنه: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم:" من لم يَغزُ ، أو يُجَهِّز غازياً ، أو يُخلِف غازياً في أهلِه بخير ؛ أصابه اللهُ بقارعةٍ قبلَ يومِ القيامة "
وكما أنه يجاهد بسهمه وسنانه ، فهو كذلك ببيانه ولسانه ، فيذب عن الإسلام ودعاته ، ويدافع عن رموزه ورعاته .
عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من ذبَّ عن عِرضِ أخيهِ بالغَيبة ، كان حقاً على اللهِ أن يُعتِقَهُ من النَّار "
الـمـؤمـنـون على عـنـايـة ربـهـم يـتـوكـلـون
لاخوف يفزعهم ولا هم في الحوادث يحزنون
لـو مـرَّ أضـعـفـهم على فرعون يحتز الرؤوسا
لأراك في الإفصاح هاروناً وفي الإيمان موسـى

الرجل المائة والمال

الرجل المائة : يُكسب المعدوم ، ويمنح المحروم ، ويعين على نوائب الدهر !
فيده بالخير ممتدَّة ، ونفسه بالعطايا جِـدُّ معتدَّة ، فكفّه لا تعرف الكفَّ عن الجود بما تجد في الرخاء والشدَّة !
يمنح دون أن يجرح ، ويعطي دون أن يخطئ ، ويبذل دون أن يُذِل .
فماله ليس له ، وإن كان القلب ميَّال إلى المال !
وممتلكاته أقرب ما تكون لغيره ، بالرغم من تعلق النفس بما هو نفيس وغالِ !
فهو يقرض من يطلبه ، ويداين من يسأله ..
عن ابن مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من مسلمٍ يُقرضُ قَرضاً مرَّتينِ ، إلاَّ كان كصدقتها مرَّةً "
كان يخدم عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى شابٌ يقوم بحوائجه ،ويسمع الحديث منه ، ففقده مرَّة ولم يره ، فسأل عنه ، فقالوا : محبوس على عشرة الآف درهم .
فاستدلَّ ابن المبارك على الغريم ووزن له عشرة الآف ، وحلَّفه ألاَّ يُخبر أحداً ما عاش ، فأُخرج الرجل من السجن . فجاء الفتى إلى ابن المبارك ، فقال له : أين كنت يافتى فإني لم أرك ؟
قال : يا أبا عبد الرحمن ، كنت محبوساً بدين . قال : وكيف خلصت ؟ قال : جاء رجلٌ فقضى ديني ولم أدر عنه أو أعرفه ، قال ابن المبارك : فاحمد الله تعالى !
فلك الله يا عبد الله بن المبارك !
لم يعرف عنك الرجل لكن ربَّ الرجل يعرفك ، وحسبك بربك عليماً خبيراً !
وهو ينظر المعسر إلى حين يثري ويويسر..
قال تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خيرٌ لكم }
عن بريدة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أَنظرَ مُعسِراً ، فلهُ بكلِّ يومٍ مثلهُ صدقةً ، قبل أن يحِلَّ الدَّينُ ، فإذا حلَّ الدَّينُ فأنظَرَهُ فله بكلِّ يومٍ مثلاهُ صدقة "
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كان رجلٌ يُداينُ النَّاسَ ، فكان يقُولُ لفتاهُ : إذا أَتيتَ مُعسِراً فتجاوز عنهُ لعلَّ اللهَ يتجاوزُ عنَّا . فلقيَ اللهَ فتجاوزَ عنهُ "
وربما يحطُّ من الدين جزأ ، ويضع عنه بعضه ، فلعلَّ الله تعالى أن يحط عنه من وزره ، يوم بعثه ونشره !
فعن أبي قتادة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من نفَّس عن غريمهِ ، أو محا عنهُ ، كان في ظلِّ العرشِ يومَ القيامةِ "
وعن أبي قتادة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من سره أن يُنجِيَهُ اللهُ مِن كُرَب يومِ القيامة فلينَفِّس عن مُعسرٍ ، أو يَضَع عنه "

الرجل المائة مع ذوي رحمه وجيرانه

الرجل المائة : يصل ذوي رحمه وإن قطعوه ، يعطيهم وإن منعوه ، يرحمهم وإن جفوه ، يتحنَّنُ عليهم وإن آذوه ، يحلم عليهم وإن سفهوا عليه !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصلُ الذي إذا قَطَعَت رحِـمُـهُ وصلَها "
استمع لشكواه ، إلى خير خلق الله ، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم..
: يا رسول الله ! إن لي قرابةً ، أصِلُهُم ويقطعوني ، وأحسنُ إليهم ويسيئُونَ إليَّ ، وأحلُمُ عنهم ويجهلون عليَّ . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لئن كنتَ كما قلتَ ، فكأنما تُسِفُّـهُمُ الملَّ ، ولا يزالُ معكَ من الله ظهيرٌ عليهم ما دُمتَ على ذلك "
فانظر ـ يا رعاك الله ـ إلى هذا الخلق الجمّ !
فقلبه لا يحتمل أن يحمل بغضاً للقرابة الأدنين ، فقد استنفذ كرهه لأعداء الملَّةِ والدين ، ولما ولمن يبغضه ربُّ العالمين !
وإنَّ الـذي بـيـنـي وبين بـني أبـي *** وبـيـن بـنـي عمـي لمخـتـلـفٌ جـدا
فإن أكلوا لحمي وفرتُ لحومـهـم *** وإن هـدمـوا مـجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم *** وإن هم هـووا غيي هويت لهم رشدا
وإن بـادهـوني بالعـداوة لم أكـن *** أبـادهـهـم إلاَّ بـمـا يـثـبـتُ الرشدا
وإن قـطـعـوا مني الأواصـرَ ضـلةً *** وصـلـت لـهـم مـنـي المـحبة والودا
ولا أحـمـل الحـقدَ القديم عليهمُ *** وليس رئيس القوم من يحمل الحـقدا
لـهـم جـل مالي إن تتابع لي غنى **** وإن قـلَّ مـالي لـم أكـلـفـهـم رفـدا
وإني لعبد الضيف ما دام ثـاويــاً *** وما شـيـمـة لي غيرها تـشـبه العبدا
والرجل المائة : جيرانه منه في راحةٍ وسعادةٍ ، وأنسٍ ومسرَّةٍ ، وأمنٍ وأمان .
فهو يحنو عليهم ، ويمد بوصله إليهم ، يخلفهم في أهلهم بخير إذا غابوا ، ويعينهم على نوائب دهرهم إذا دهتهم بليَّة ، أو أصابتهم قضيَّة !
لِـتُعـنَ بالجـار قبـل الـدار تـسكنها *** ولا خير في الدار ما لم يحمد الـجار
الجار إن غبت عن أهل وعن وطن *** نِـعـم الـخـلـيـفة هـم أهـل وأنصار
فهو يشاركهم في طعامه وشرابه ، ويؤانسهم بلذيذ كلامه وجميل خطابه ..ويجمعهم ليؤلف بينهم ، ويوحد صفهم ، ويجمع كلمتهم ، ويلم شتاتهم ..وبه تغلو الديار وتكرم !
يلومونني إن بعتُ بالرخص منـزلي *** ولم يعلموا جاراً هُناك يُنغصُ
فـقـلت لـهـم كـفـوا الـمـلام فإنما *** بجيرانها تغلو الديارُ وترخصُ
كان للإمام أبي حنيفة جار إسكافي ـ خرّاز ـ يعمل نهاره أجمع ، حتى إذا جنَّه الليل ، رجع إلى منزله وقد حمل لحماً ، فطبخه أو سمكةً فشواها ، ثمَّ لا يزال يشرب [ الخمر ] حتى إذا دبَّ الشراب فيه رفع صوته ، وهو يقول :
أضاعوني وأي فتى أضاعوا *** ليوم كرية وسداد ثغر
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم ، وأبو حنيفة يسمع جلبته وهو يصلي الليل ، ففقد صوته ، فسأل عنه ، فقالوا : سجنه الأمير ، فسار إليه أبو حنيفة وشفع له عند الوالي ، فأطلقه وفرَّج عنه .
فقال أبو حنيفة للرجل : يافتى أضعناك ؟ فقال له : بل حفظت ورعيت ، جزاك الله خيراً عن حرمة الجوار ، ثمَّ تاب الرجل وأناب .
أعرف رجلاً سكن بحيٍ أهله متفرقون ، لا يجتمعون ، فأهل الصلاة منهم ـ وهم صفوتهم ـ لا يتعارفون ، ولا يلتقون !
فأتخذ من المسجد منطلق دعوته ، فدعاهم إليه ، ورغبهم في الاجتماع فيه ، فأجابوا النداء ، وحضروا اللقاء .
فالتقت قلوبهم ، وامتزجت نفوسهم ، وتعانقت أرواحهم ، واتحدت في الخير وجهتهم .
قال تعالى :{ وألَّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألَّفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم }
فغدوا يلتقون كلَّ شهر ، بل كلَّ أسبوع ، على حفظ كتاب الله تعالى ومدارسته ، وعلى تعلم سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
وما هي إلاَّ أشهر معدودة حتى عاد الحي كأنما هو خلية نحل ..
ترابط وتعارف ، تعاون وتآلف ، مشاركة وتكاتف ، محبة ومودة !
وكذلك يفعل الرجل المبارك !
قال ابن المتكدر رحمه الله تعالى : إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده ، وولد ولده ، والدويرات التي حوله ، فما يزالون في حفظ من الله وستر !

الرجل المائة ووقوفه في وجه الباطل وأهله

الرجل المائة : يدحض بعلمه شبهات المارقين ، وأراجيف المبطلين ، ويعيد الناكصين عن الحق إلى الجادَّة ، ويأخذ بحجز الناس حتى لا يقعون كالفراش في أتون الفتن ، ومزالق الانحراف ، ويقف كالجبل الشامخ ، والسدِّ الراسخ في وجه تيارات التخريب والتغريب !
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : لما اجتمعت الحرورية ـ وهم طائفة من الخارج المبتدعة ، وينسبون إلى حروراء موضع في الكوفة ـ يخرجون على عليٍّ رضي الله عنه ، قال : جعل يأتيه الرجل يقول : يا أمير المؤمنين ! القوم خارجون عليك ، قال : دعهم حتى يخرجوا ، فلما كان ذات يومٍ ، قلت : يا أمير المؤمنين ! أبرِد بالصلاة فلا تفُتني حتى آتي القوم ، قال : فدخلتُ عليهم وهم قائلون ، فإذا هُم مُسهمة وجوههم من السَّهر قد أثَّر السجود في جباههم ، كأن أيديهم ثفن الإبل ، عليهم قمص مرحضة ، فقالوا : ما جاء بك يا ابن عباس ؟ وما هذه الحُلَّة عليك ؟
قال : قلتُ : ما تعيبون من هذه ؟ فلقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الثياب اليمنيه ، قال : ثم قرأت هذه الآية : { قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق }
فقالوا : ما جاء بك ؟ قلت : جئتكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس فيكم منهم أحد ، ومن عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بتأويله ، جئت لأبلغكم عنهم وأبلغهم عنكم .
فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشاً فإن الله تعالى يقول : { بل هم قوم خصمون } فقال : بعضهم : بلى ! فلنكلمنَّه ، قال : فكلمني منهم رجلان أو ثلاثة .
قال : قلت : ماذا نقمتم عليه ؟ قالوا : ثلاثاً ، فقلتُ : ما هنَّ ؟ قالوا : حكَّم الرجال في أمر الله ، وقال الله عز وجل : { إنِ الحكمُ إلاَّ لله }
قال : قلت : هذه واحدة ، وماذا أيضاً ؟ قالوا : فإنه قاتل فلم يسب ولم يغنم ؛ فلئن كانوا مؤمنين ما حلَّ قتالهم ، ولئن كانوا كافرين لقد حلَّ قتالهم وسباهم .
قال : قلتُ : وماذا أيضاً ؟ قالوا : ومحا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين .
قال : قلت : أرأيتم إن أتيتكم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينقض قولكم هذا ، أترجعون ؟ قالوا : وما لنا لا نرجع ؟
قلت : أما قولكم حكَّم الرجال في أمر الله ، فإن الله عز وجل قال في كتابه : { ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ، ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم } وقال في المرأة وزوجها : { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها } فصيَّر الله تعالى ذلك إلى حكم الرجال ، فنشدتكم الله أتعلمون حكم الرجال في دماء المسلمين وفي إصلاح ذات بينهم أفضل أو في دم أرنب ثمنه ربع درهم وفي بُضعِ امرأة ؟ قالوا : بلى ، هذا أفضل ، قال : أخرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم ؟
قال : وأما قولكم : قاتل فلم يسب ولم يغنم أفتسبون أمَّكم عائشة رضي الله عنها ؟ فإن قلتم : نسبيها فنستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم ، وإن قلتم : ليست بأمِّنا فقد كفرتم ، فأنتم ترددُّون بي ضلالتين ، أخرجتُ من هذه ؟ قالوا : بلى !
قال : وأما قولكم : محا نفسه من أمير المؤمنين فأنا آتيكم بمن ترضون ، إن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية حين صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اكتب يا عليَّ : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ..." فقال أبو سفيان وسهيل بن عمرو : ما نعلم أنك رسول الله ، ولو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إنك تعلم أني رسولك ، امح يا علي ، واكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وأبو سفيان وسهيل بن عمرو " .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : فرجع منهم ـ أي الخوارج الذين جادلهم ـ ألفان ، وبقي بقيَّتهم فخرجوا فقُتلوا أجمعين .
أقول : ألفي مبتدعٍ ضالٍ هداهم الله إلى الحق بإذنه على يد هذا الرجل المبارك بكلمات معدودة ولدقائق محدودة !
ألا ما أحوجنا اليوم لذلك الرجل المائة ليجادل أهل الشبهات والشهوات الذين يُلقُون بأراجيفهم في قلوب المؤمنين فيما يقرؤون ويسمعون ويشاهدون ليصُدُّوهم عن التمسك بالدين !
فوا شوقاً لدرَّة عمر ! و واشوقاً لحجة ابن عباس !

الرجل المائة والثبات حتى الممات

الرجل المائة ، رجل موقف ومبدأ ، ومنهج ورسالة !
فلا يتذبذب مع طول الطريق وقلَّة السالكين !
ولا يتضعضع في موقفه مع كثرة المخالفين !
ولا يتراجع عن مبدأه الحقَّ ، ولا يغتر بكثرة الهالكين !
فهو يصبر .. ولو طال البلاء ..
ويصبر .. ولو زاد الأذى ..
ويصبر .. ولو جار العِدا ..
ويصبر .. ولو كثر العناء ..
ويصبر ولو تخطفته الطير ، ومزِّق كلَّ ممزق ..
ويصبر .. حتى يكتبه الله عنده من الصابرين المحتسبين ، ويتخذه من الأئمة المهديين !
قال تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون }
فبالصبر واليقين ، تُنال الإمامة في الدين !
وتأمل ـ إن شئت ـ موقف الصديق أبو بكر رضي الله عنه يوم الردَّة ، بعد وفاة رسول الهدى فداه أبي وأمي وكلَّ غال ومحترم ، وصلى الله عليه وسلم .
وحقاً إن للعظمة رجالها ! وليس كلُّ واحدٍ لها !
قبائلٌ ترتد ، وعشائر تكفر ، وأناس تنكص على أعقابها ، وخلق تدبر عن هذا الدين وتولي الدُّبُر ، ويُرى منهم ما كان قد توارى عن الأنظار واحتجب عن الأبصار !
ردة وليس لها إلاَّ أبو بكر !
فمن يردُّ الشاردين عن الدين ؟! إلاَّ من كان : ثاني اثنين إذ هما في الغار !
استمع إليه ـ بقلبك وعقلك وجميع جوارحك ـ يوم يصرخ في مسمع الدنيا ، لتنفذ صرخته فوق البر ، ولتحملها نسمات الرياح على ضفاف البحر ، ولتتناقلها الركبان إلى أقاصي البلدان ، لتصل كالسهم النافذ إلى قلب كلِّ مدبر لا يؤمن بيوم الحساب !
: والله لو منعوني عقال بعير كانوا يُؤدُّنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لحاربتُهم على منعِه .
وعادت الخلائق بالموقف الحازم ، والسيف الصارم إلى عبادة الربِّ الخالق .
فعاد المعاتب داعياً ، واللائم شاكراً ، وعُرف لأهل الفضل فضلهم ، وهل خلقت المكارم إلاَّ لهم !
قال عمر رضي الله عنه : لو أطاعنا أبو بكرٍ لكفرنا !
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : لقد قُمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً كِدنا نهلك فيه ، لولا أن منَّ الله علينا بأبي بكر .
ثُمَّ انظر ـ لا أراك الله إلاّ خيراً ـ إلى إمام السنة ، وقامع البدعة ؛ أحمد بن حنبل !
خوَّفوه العيون والسجون ، فما لان !
أرهبوه بالأنكال والأغلال ، فما استكان !
هددوه بالتضييق في الأرزاق ، وبتشويه السمعة والأخلاق ، فما خضع !
رغبوه بالدنيا تمد بوصلها إليه ،وتوضع بين يديه ، فما طمع !
فلك الله يا أحمد !
يوم عشت للدين القويم ، ونسيت نفسك !
قال المروذي : قلت لأبي عبد الله وهو يفتن : إن الله تعالى يقول : { ولا تقتلوا أنفسكم} . فقال : يامروذي : اخرج وانظر . فخرجت إلى رحبة دار الخلافة ، فرأيتُ خلقاً لا يحصيهم إلاَّ الله ، والصحف في أيديهم ، والأقلام والمحابر . فقال لهم المروذي : ماذا تعملون ؟ قالوا : ننظر ما يقول أحمد ، فنكتبه . فدخل فأخبره . فقال : يا مروذي ! أُضِـلُّ هؤلاء كلَّهم ؟!
لا يا أحمد ..لا !
لا تجبهم ، ولا تركن إليهم .
أنت لست كغيرك ! أنت في الناس رأس ! وفي الأمَّة إمام ! وفي القالب قلب !
فاثبت ! أُثبت ! ولينصرك الربّ !
تصبَّر ففي اللأواء قد يحمد الصبرُ ولولا صروف الدهر لم يُعرف الحرُّ
قال أبو جعفر الأنباري : لما حُمِلَ أحمد إلى المأمون ، أُخبرت ، فعبرتُ الفراتَ ، فإذا هو جالس ، فسلمتُ عليه ، فقال : يا أبا جعفر ، تَعَـنَّيتَ . فقلتُ : يا هذا أنت اليومَ رأسٌ ، والناسُ يقتدون بك ، فوالله لئن أجبتَ إلى خلق القرآن ، لَيُـجِيبَـنَّ خلقٌ ، وإن لم تُجب ، ليمتَنِعَـنَّ خلقٌ من الناس كثير . ومع هذا فإنَّ الرجل إن لم يقتُلكَ فإنك تموتُ ، لا بدَّ من الموت ، فاتق الله ولا تجب . فجعل أحمد يبكي ، ويقول : ما شاء الله .
أُركِبوه على البغال ، وقيدوه بالأغلال ، وطافوا به في الأسواق ، وعزروه وأهانوه ، حبسوه ، وجلدوه ، وضربوه ، بل وداسوا عليه بالنعال !
فحسبك الله فيمن تعدي عليك وظلمك ‍!
أليس الله هو المرتجى ، وإليه الملتجأ ؟!
بلى ! { أليس الله بكافٍ عبده ، ويخوفونك بالذين من دونه }
وبقي موقف أحمد ، وثبات أحمد !
وذهب أهل البدعة والخرافة إلى حيث ألقت برحلها أم قشعم !
وسجل التاريخ ثبات أحمد بن حنبل بمداد من نور في كتاب الأمجاد ، وألقى بأهل الزيغ والفساد ،في مزبلة التاريخ ملطخين بثوب الذلة والصغار إلى يوم يبعثون !
أضحى ابن حنبَلَ مِحنةً مرضِيَّةً وبِحُبِّ أحمدَ يُعرفُ الـمُتنسِّكُ
وإذا رأيتَ لأحـمـدٍ مُـتـنـقِّصاً فـاعـلـم بأنَّ سُـتـورَهُ سـتُـهتَّكُ
وفي ذلك عزاء لمن على شاكلته ، ومن يحمل هـمّـاً كهمه ، وقضيّة كقضيته !
فالمؤمن كالنخلة كلما قُطِّعت أطرافها ، صعدت إلى فوق ، فجذرها في الثرى وهامتها في الثريا !

الخاتمة

فهيّا أُخيَّ : شـمِّر عن ساعد الجد ، واكشف عن قدم العزم ، وامض راشداً في مجالات الخير ، فالمؤمل فيك أكبر ، والمرجو منك أكثر !
وليس الأمر بالعسير ، ولا الجِدُّ الخطير ..
إنما يحتاجُ إلى عزيمة ماضية ، وهمَّة عالية ، ومبادرة دون تردد ، ومثابرة بغير تقهقر ، ومبادأة دون تأخر ..
إذا هبَّت رياحُكَ فاغتنمها *** فإنَّ الـخـافـقـات لها سُكونُ
وإن ولدت نياقُك فاحتلبها *** فلا تدري الفصيلُ لمن يكونُ
يتطلَّب إخلاص لله تعالى ، فلا خَلاصَ دون إخلاص ، ومتابعة للأثر المروي عن خير نبي صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}
فلا يعبد إلاَّ الله ! ولا يعبد سبحانه إلاَّ بما أمر وشرع ، فلا مـحـدثات ولا بدع ، وإنما انقياد واستسلام ، حتَّى يدخل العبد ـ بفضل ربه ـ إلى دار السلام ، فيسمع ـ ويا لطيب ما يسمع ! ـ من الله الملك السلام { سلامٌ قولاً من رب رحيم }

وكتبه
عبد اللطيف الغامدي
لطف به مولاه
جدة (21468)
ص . ب (34416) .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبداللطيف الغامدي
  • كنوز دعوية
  • مقالات ورسائل
  • كتب ورسائل
  • الصفحة الرئيسية