صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







فلسطين الجريحة
23/3/1427هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى

الحمد لله أكرم الأمة واعزها بالإسلام ، احمده سبحانه وأشكره كتب الغلبة والظهور لدينه ما تعاقبت الليالي والأيام، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرشد الخلائق إلى دار السلام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الأعلام وسلم تسليما كثيراً . أما بعد ....
فيا عباد الله : أصبحنا في زمن لا يدري الواحد منا أي الأحداث يتابع ، وأي المآسي ينازع ، تعددت الجراحات التي تفتت كبد الحجر قبل بني الإنسان ، ولا يجد المؤمن الصادق بداً من متابعتها ، وإلقاء السمع إلى أحداثها ليرجع البصر والفؤاد خاسئاً كسيراً وهو حسير .
كانت فلسطين موالاً لأمتـنا * ما بالها لم تعد للناس موالا
تعددت يا بني قومي مصائبنا * فأقفلت بابنا المفتوح أقفـالا
كنا نعالج جرحاً واحدا فغدت * جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا
عباد الله : مع تعدد المصائب وتعدد الفواجع تبقى فلسطين قضيتنا ومصيبتنا الأساس التي لا ينبغي لنا تجاهلها ونسيانها،
فلسطين : تلك البلدة التي سالت من اجلها العيون ، ورخصت في سبيلها المنون .
فلسطين أولى القبلتين ، وثالث المسجدين ، ومسرى نبينا محمد الأمين صلى الله عليه وسلم .
فلسطين من اجلها شد الرجال عزائم الأبطال ، واحيوا في نفوسهم الحماسة والنضال.
عباد الله : شعب فلسطين منذ سبعين عاماً وهو يعيش تحت وطأة الاحتلال، مساكنهم الملاجئ والمخيمات ، والملايين منهم يعيشون في التشريد والشتات ، شعب فلسطين حياته كلها خوف وتعذيب ، اعتقال وتهديد ، تهديم للبيوت ، وإغلاق للمدارس ، ومع الحصار الاقتصادي المفروض عليهم أغلقت المخازن والمتاجر لتسد عنهم أبواب الرزق ووسائل الحياة ، تجويع وبطالة ، استخفاف وإهانة، استيلاء على الأراضي ، وتحكم في مصادر المياه ، محتل يلاحق من يشاء ، ويتهم من يشاء، يقتل من يشاء ، وينفي من يشاء ، ثم يزعم انه يريد السلام .
قد حصحص الحق لا سلم ولا كلــم * مع اليهود وقد أبدت عواديهـا
قد حصحص الحق لا قول ولا عمل * ولا مواثيق صدق عند داعيهــا
أين السلام الذي نادت محالفكــم * أين الشعارات يا من بات يطريها
تآمر ليس تخفانا غوائلـــه * وفتنـة نتوارى من أفاعيـــها
عباد الله : لقد انكشفت عورة الدول الغربية ، وبانت سوأتها عندما ادعت حقوق الإنسان ، وهي تتفرج على ما يحصل على أرض الإسراء والمعراج ، راضية بذلك ، بل داعمة لكل ما يحصل من وحشية وإجرام ، لقد كان من المتوقع أن الشعارات البراقة التي يرفعها الغرب الكافر مثل حقوق الإنسان ، والشرعية الدولية والديمقراطية ، سيكون الغرب جاداً في عدم تجاوزها وتعدي حدودها ، لكن أحداث فلسطين الحالية ، كشفت زيف وعنصرية تلك الشعارات ، وعلى رأسها شعار حقوق الإنسان ، لقد علمنا الغرب أن الديمقراطية هي الرضا باختيار الشعب، ولكن هذه الوصفة صدرت لنا بصورة أخرى ، بيانها يتضح جلياً في أحد أمرين :
إما أن يصل عملاء الغرب وأعوانه من أهل ذلك البلد عبر الانتخابات المزيفة .
أو أن يؤتى بقيادة لذلك البلد عبر الدبابات وعابرات القارات .
أما إذا انتخب الشعب الأوفياء الأمناء فجزاء ذلك الشعب بأكمله المقاطعة السياسية والاقتصادية ، والتجويع والاضطهاد ، وليت الأمر توقف عند هذا فقط ، بل عمد العدو إلى زيادة جراحهم بقصف أحيائهم ومخيماتهم ، ليكافئهم على الاختيار الذي ارتضوه لأنفسهم ، وهي رسالة من العالم لكل الشعوب التي تنتخب الأوفياء الأمناء فإن مصيرها مصير ذلك الشعب الأعزل .
أإعادة الأمل الجميل سجية * للغرب هذا يا أخي كـذاب
كم علقونا بالوعود وما وفوا * وكذاك وعد الكافرين سراب
عباد الله : لا يخفاكم ما يمر به أخواننا في فلسطين هذه الأيام ، إنهم يعانون من ضرب الطائرات ، وأزيز المدافع والمجنزرات ، عشرات المساجد دمرت ، ومئات البيوت هدمت ، آلاف الأنفس أزهقت ، كم من نساء أيمت ، وكم من أطفال يتمت ، وكم من مقابر جماعية أقيمت .
إن إخوانكم يا مسلمون يصارعون عدوهم ، وبطونهم خاوية ، وأسواقهم مغلقة ، ومنافذهم محاصرة ، افتقد أطفالهم الحليب ، ونفد عن مرضاهم علاج الطبيب ، والعالم ينظر ولا مجيب .
إنه ليس من عذر لأحد اليوم يرى مقدساته تنتهك ، ويرى أطفالاً يقتلون ، ونساء يرملون ، وشيوخاً يعتقلون ، ثم لا ينتصر لإخوانه ولايحزن لمصابهم .
يا أهل الجزيرة ، ويا أحفاد الصحابة ، أين انتم من بكاء الثكالى ؟ وصراخ اليتامى ؟ وانين الأرامل والأيامى ؟ أين أخوة الإسلام ؟ أين رابطة الإيمان ؟ بل أين أخلاق العروبة ؟ عما يلاقيه إخواننا في فلسطين، فمن ينتصر لهم ؟ ومن يخفف مصابهم يا أمة الإسلام ؟

يا ألف مليون وأين هـم * إذا دعت الجـراح
هاتوا من المليار مليوناً * صحاحاً من صحاح
من كل ألف واحــدا * أغزو بهم في كل ساح
شعب بغير عقيــدة * ورق تذريه الريــاح
من خان حي على الصلاة * يخون حي على الكفاح

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين ، أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي كان غفورا رحيما .


الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتدى أما بعد ....
فيا عباد الله : إن الذي ينظر إلى قضيتنا في فلسطين بمنظار القرآن لن يخدع أبداً ، فالمولى سبحانه يقول في كتابه : أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ، ويقول أيضاً : وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين ..
إن من يتعامل مع قضاياه على هدى القرآن فلن يضل أبداً : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم " . وقال سبحانه : " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم. وقال أيضاً : ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " .
أيها المسلمون: إن من سنن الله سبحانه أن العاقبة للمتقين ، وأن الأرض يرثها عباد الله الصالحون ، وإن من سننه أيضاً أنه إذا تخلى أهل الإيمان عن إيمانهم ، فإنه يستبدل قوماً غيرهم ، ويأتي بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ...
أيها الأخوة المرابطون في أرض فلسطين المجاهدة ، أرض الشموخ والفداء، وأرض الجهاد والإباء ، يا أهلنا في الأرض المباركة عذراً إن وجدتم من كثير من أبناء أمتكم التخاذل والتثاقل ، لكن ثقوا أن قلوبنا معكم ، والله ناصركم ، والمال نبذله فاستنهضوا الهمما .
يا إخواننا : إن أمل الأمة معقود بعد الله عليكم ، فاصبروا وصابروا ورابطوا فإن مع العسر يسرا ، إن مع اليسر يسرا ، لا تيأسوا من روح الله ، فالنصر قادم بإذن الله تعالى، " وكان حق علينا نصر المؤمنين " ، " ألا إن نصر الله قريب "

كانت فلسطين بالأخيار حافلة * واليوم أنذال صهيون ترديهــا
كانت تعانق أمجادا إذا ذكرت * حن الفؤاد وفاضت عين باكيها
والله لو كان فينا مثل معتصم * لعبأ الجيش يرعاها ويحميهـا
ولو رآنا صلاح الدين في خور * لجرد السيف يفري من يعاديها
من أين يهنئونا عيش وعافية * وفي فلسطين آلام تعنيهــا ؟
بشراك يا أيها الأقصى بموعدة * قد قالها المصطفى والله مجريها
لا وعد بلفور يبقى ذكره أبدا * ولا لقيط يهود في مبانيهــا
لن تستمر يهود في غوايتهـا * وسوف يجتث قاصيها ودانيهــا

عباد الله : إن ما يجري في فلسطين المحتلة لهو امتحان شديد لأمة الإسلام، لأن القدس والمسجد الأقصى والبقاع الطاهرة هناك ليست لأهل فلسطين فقط ، ولا للعرب أيضاً ، بل هي لكل مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فلا يملك أحد كائناً من كان أن يتنازل عن شبر من أرضها لليهود الغاصبين ، فهي أرض المسلمين أجمع ، تفدى بالأرواح والمهج .
أيها المسلمون : النصر سيعلو على أيديكم ، أو أيدي غيركم ، والباطل سيزهق بجهودكم ، أو جهود غيركم ، ولكن لماذا لا يطلب المسلم الخير لنفسه ؟ لماذا لا يكون لبنةً في طريق النصر ، وسهماً من سهام الحق ، وأداة لإزهاق الباطل.
عباد الله: إن المأساة أليمة ، وإن الخطب جسيم ، وإن الذي يحدث هو مسؤولية كل من رآه أو علم به ، إننا والله مسئولون عن مناظر القتل ، ومشاهد الفقر والتجويع التي يمارسها اليهود والعالم يؤيده على إخواننا في فلسطين ، إننا والله نخشى أن يصيبنا الله بعقوبة من عنده ، إنه لم نقم بأدنى واجبات النصرة .
أيها المسلمون : إن سلاح المال والدعاء لهما أعظم الأثر بإذن الله تعالى في دعم إخواننا المسلمين ، ودحر اليهود الغاصبين ، وهما أيضاً نوع من أنواع الجهاد إن عجزنا عن الجهاد بذواتنا وأرواحنا ..
عباد الله : صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية