صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الوضوء فضائل وأحكام
27/7/1428هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى :
أيها المسلمون : دين الإسلام دين نظافة وطهارة ، وملة تهذيب ونزاهة ، طهر الله به القلوب والأبدان ، وهذب به السلوك والأخلاق، فكما اعتنى الإسلام بتطهير الباطن من الشرك والمعاصي ، اعتنى بتطهير الظاهر من الحدث والنجاسة، وذلك لأن طهارة الظاهر ، دليل وعنوان على طهارة الباطن .
عباد الله : إن مما أوجب الله عليكم في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عبادة ذات أثر على القلب والبدن ، رتب الله عليها الثواب والجزيل والأجر العظيم، تلكم العبادة هي عبادة الطهارة من المعاصي وسيء الأخلاق ، والطهارة من الأحداث والأدران، فهي عبادة ذات شقين :
طهارة معنوية وعليها المعول : أن يطهر الإنسان قلبه ونفسه من الشرك والذنوب والعصيان ، وهذه الطهارة هي التي أرسل الله جميع الرسل لأجلها (ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن أعبدوا لله واجتنبوا الطاغوت ) ، أما الطهارة الأخرى فهي رفع الحدث وإزالة الخبث .
أيها المسلمون: إن من أوائل ما أنزل الله على رسولنا من التشريعات قوله سبحانه:  وثيابك فطهر  والمقصود من الطهارة هنا كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ثلاثة أنواع: الطهارة من الكفر والفسوق ، والطهارة من الحدث ، والطهارة من النجاسات كلها .
عباد الله : لقد جاءت الطهارة في النداءات الأولى لهذه الشريعة لتبين أهمية الطهارة في الإسلام ، وعظم منزلتها ، وقد جاء النص في القرآن الكريم بمحبة الله سبحانه للمتطهرين : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين ) ، قال ابن سعدي رحمه الله : يتطهروا من الذنوب ، ويتطهروا من الأوساخ ، والنجاسات ، والأحداث . أ .هـ .
عباد الله : إن الوضوء للصلاة من أعظم الطهارات التي رتب الله عليها الأجر العظيم، فهو سبب لمحو الخطايا ورفع الدرجات ، قال صلى الله عليه وسلم : (إذا توضأ المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع أخر قطر الماء ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة بطشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، حتى يخرج نقياً من الذنوب ) أخرجه مسلم .
أيها المسلمون: الوضوء هو السمة التي تتميز بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأمم يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم :( إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء ) أخرجه الشيخان، ولقد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم المحافظة على المحافظة على الوضوء دليلاً على الإيمان ، وكفى بهذه الرتبة فخراً وشرفا قال صلى الله عليه وسلم :( استقيموا ، ونعما إن استقمتم ، وخير أعمالكم الصلاة ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) أخرجه الإمام أحمد ، وصححه الألباني رحمهما الله .
عباد الله : صفة الوضوء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويها لكم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث دعا بوضوءٍ فتوضأ ، فغسل كفيه ثلاث مرات ، ثم مضمض واستنثر ، ثم غسل وجهه ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ، ثم مسح رأسه ، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ، ثم غسل اليسرى مثل ذلك ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام إلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ) . أخرجه الشيخان .قال ابن شهاب الزهري رحمه الله : وكان علماؤنا يقولون : هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة .
عباد الله :الوضوء للصلاة فرضه الله على هيئة يسيرة يطهر به المرء المسلم أربعة مواضع من أعضائه فقط : وهي الوجه واليدان والرأس ، والرجلان، ففي الوجه النظر والشم والكلام ، وفي الرأس السمع والفكر ، وفي اليدين البطش ، وفي الرجلين الخطى، ولما كان عمل المرء في هذه الحياة ، لا يكاد يخرج عن عضو من هذه الأعضاء ، والمرء بطبعه خطاء ، شرع الله للمسلم الوضوء ليعينه على تطهير أدرانه ، وتكفير ذنوبه التي اقترفها بتلك الجوارح .
أيها المسلمون : وإذا توضأ المؤمن فقد أدى طهارة بدنه ، فيقول كلمة التوحيد تأكيداً على طهارة قلبه من الشرك ، ويسأل الله أن يديمه على هذا التطهير ، عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم : ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم أجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين ، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) أخرجه الإمام مسلم دون زيادة (اجعلني من التوابين) فهي عند الترمذي رحمه الله .
عباد الله : ها هنا بعض المسائل المتعلقة بالوضوء أوردها على سبيل الإجمال ومنها :
-من نسي التسمية فوضوئه صحيح ، فإن ذكرها في أثناء الوضوء سمى ، وليس عليه أن يعيد الوضوء .
-ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرةً مرة ، ومرتين مرتين ، وثلاثاً ثلاثاً ، وثبت عنه أيضاً أنه خالف بين أعضائه في عدد الغسلات فغسل وجهه ثلاثاً ، ويديه مرتين ، ورجليه مرة ، وكل هذا ثابت في سنته صلى الله عليه وسلم والأفضل أن يأتي العبد بهذا مرة ، وبهذا مرة حتى يدرك سنته كلها.
-من عليه أسنان صناعية أو مركبة ، لا يجب عليه أن يزيلها عند الوضوء لأنها مثل الخاتم لا يجب نزعه ، والأفضل أن يحركه ليصل الماء إلى ما تحته .
-الأفضل في الأذنين أن تمسحا ببقية البلل الذي بقى بعد مسح الرأس ، فلا يلزم أخذ ماء جديد لهما .
-يجب على المرأة أن تزيل طلاء الأظافر – المناكير- قبل الوضوء لأن لها جرماً يمنع وصول الماء ، أما الحناء فلا يؤثر على الغسل ولا على الوضوء لأنه لا يمنع من وصول الماء إلى البشرة .
-مسح الرقبة في الوضوء غير مشروع ، لأنه لم يثبت في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن مسح الرقبة من سنن الوضوء .
-لا بأس بتنشيف الأعضاء بعد الوضوء لأن الأصل عدم المنع .
- إذا صلى العبد بوضوئه استحب له أن يجدد وضوءه للصلاة الأخرى ، أما إذا لم يصل بوضوئه فلا يجدد ، قال تقي الدين ابن تيمية رحمه الله : وإنما تكلم الفقهاء فيمن صلى بالوضوء الأول هل يستحب له التجديد ، أما من لم يصل فلا يستحب له إعادة الوضوء بل تجديد الوضوء في مثل هذا بدعة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . أ . هـ .
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وأنفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً وعملاً يا حي يا قيوم .

الخطبة الثانية
عباد الله : مع شرف الوضوء في الإسلام ومكانته ومع يسره وسهولته ، فإن الناس فيه طرفان ووسط ، طرف فرطوا في الوضوء ، لا يقيمون له وزناً ، ولا لأحكامه قدراً ، إما تهاوناً بشأنه وإما جهلاً بصفته الشرعية ، ونسي أولئك أن الأجر العظيم في الوضوء إنما رتب على إسباغه وتمامه وإحسانه قال عليه الصلاة والسلام : ( ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم يصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة )، أخرجه مسلم ، وفي حديث أخر قال صلى الله عليه وسلم : (من أتم الوضوء كما أمره الله ، فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن )) أخرجه الإمام مسلم، أما الطرف الثاني من الناس فقد أفرطوا في الوضوء ، يتوضأ أحدهم للصلاة الواحدة عشرات المرات ، ويمكث في دورات المياه لإتمام وضوئه الساعات ، تفوتهُ الجمعُ والجماعات وهو معذب باستعمال الماء ، ووسوسة الشيطان ، ولمثل هؤلاء يقال دلت السنن الصحيحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يكثرون صب الماء في الوضوء، ومضى على هذا التابعين لهم بإحسان ؛ جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثم قال :( هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم ) ، وقال الإمام ابن المبارك رحمه الله: لا آمن على من أزداد على الثلاث أن يأثم ، ويقول الحسن البصري رحمه الله : إن شيطاناً يضحك بالناس في الوضوء يقال له : الولهان، ومما يروى في هذا أن أحد المبتلين بالوسوسة رأى أبا الوفاء بن عقيل يتوضأ ، فتعجب من قلة استعماله الماء ، ثم قال له يا إمام : إني لأنغمس في النهر ثم أخرج منه وأشك : هل صح وضوئي أم لا ، فقال له ابن عقيل : لقد سقطت عن الصلاة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( رفع القلم عن ثلاثة ... وذكر منهم .. المجنون حتى يفيق )) وأنت هو .
ألا فاتقوا الله عباد الله ، وتفقهوا في دينكم ، وأحسنوا الوضوء ، ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين .
اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين ، ونعوذ بك ربنا أن يحضرون اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية