صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







منح من محنة العراق
29/12/1427هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى :
عباد الله : إننا نرى اليوم على مسرح الأحداث قتلاً وعدواناً ، تشريداً وطغياناً ، نسمع بين الفينة والأخرى طبول حرب تدق ، ومؤمرات تحاك في الخفاء ، والمستهدف الأول والأوحد هم المسلمون ، وأهل السنة منهم على وجه الخصوص .
تعددت يا بني قومـــي مصائبــــــــنا * فأقفلت بابنا المفتوح إقفــــــــــــالا
كنا نعالج جرحـــا واحـــــداً فغدت * جراحنا اليوم أشكالا وألــــــوانـــاً
أيها المسلمون : جئت إليكم اليوم لأحدثكم عن العراق ومأساة العراق ، جئت لأحدثكم بلغةٍ تختلف عن لغة الحزن والبكاء السائدة ، فحديثي إليكم اليوم حديث عن البشائر والمنح والفوائد التي جنتها الأمة الإسلامية من هذه الحرب الظالمة على أرض المسلمين العراق .
عباد الله : إن هذه الأحداث أظهرت لنا قوة المولى سبحانه وجبروته وعزته ، وإن ما نراه اليوم من ترسانة العدو وأسلحته ، إنما هي بإرادة الله سبحانه ومشيئته ولو شاء الرحمن لعادت عليهم تقنيتهم وأسلحتهم وأضحت هباء منثورا [إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ] {يس:82} .
أيها المسلمون : كنا نسمع عن قوة صواريخ الأعداء ، وتقنية طائراتهم ، وكثرة عتادهم وسلاحهم ، وكان البعض يظن أن العدو بهذه القوة لن يغلب في حرب ، ولن يهزم أبداً ، وأبى الله عز وجل إلا أن يُرى عباده بعض آثار قوته وجبروته، فجاءت هذه الحرب التي أظهرت للناس جميعاً حقيقة عتادهم وقوتهم ، وأبرزت لهم شجاعة جنودهم وثباتهم في الحروب ، وقد رأى الناس بحمد الله توابيت جنودهم التي تجاوز عددها إلى الآن حسب المعلن عنه ثلاثة الآف قتيل، وما خفي من الجرحى والمعاقين والمصابين أعظم وأكــثر ، فيا للعجب جيش مدجج بكافة أنواع الأسلحة ، يعاونه خونة لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ، يعترف بفشله وهزيمته أمام أفراد ومجموعات لا تملك معشار ما يملكه، ولكن صدق الله ومن أصدق من الله قيلا ومن أصدق من الله حديثاً: [كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] {البقرة:249} .
عباد الله : لقد علمتنا هذه الحرب وما سبقها من حروب في أفغانستان والصومال أن جزءاً كبيراً من هيبة الغرب إنما هو وهم صنعه الإعلام ، وصنعه الآخرون المنهزمون ، وإلا فهي لا تملك أن تصنع شيئاً ما لم يتواطأ معها فئات نشاز من أهل البلد المحتل وما جاوره من البلدان ، وإن جزءاً من قوتها يتمثل في تفريق الآخرين والتفرد بهم واحداً واحداً، ولقد علمتنا الأحداث أيضاً أن تلك الترسانة الضخمة من الأسلحة يمكن تحييدها ومقاومتها من خلال حروب الاستنزاف الطويلة كما هو حاصل في بلاد الأفغان الآن ، ومن خلال العمليات الاستشهادية كما في فلسطين الحبيبة ، وقد حطمت هزائم جيوشهم الأخيرة جانباً من الأسطورة الأمنية المزعومة ، والحذر الحذر أن نصنع الوهم بأنفسنا لعدونا بتقليل انتصاراتنا وتقليل هزائمه أو تضخيم واقعه .
أيها المسلمون : إن من منح هزيمة عدونا في العراق ، وسقوطه في ذلك المستنقع ، توقف مسيرهم نحو البلدان المجاورة للعراق حيث كانوا يعدون العراق المرحلة الأولى لإعادة تشكيل دول المنطقة بتشكيل جديد يسعون من خلاله إلى تدمير هوية الأمة الإسلامية ، ونشر ثقافتهم الغربية ، والسيطرة على ثروات البلاد من بترول وغيره ، والتغطية على فشلهم في تحقيق أهدافهم التي أعلنوها في حربهم السابقة ضد الأفغان ، إضافة إلى إشغال المنطقة بالمزيد من التوتر والقلاقل ، وحماية أمن إسرائيل وضمان تفوقها على دول المنطقة ، وهذه الأهداف وغيرها كثير، توقفت وأبطأ سيرهم نحوها هزيمتهم في العراق مما جعلهم يصرفون الأنظار عنها ولو مؤقتا لكي يخرجوا من هذا المستنقع بأقل الخسائر البشرية والمادية .
عباد الله : حرب العراق وقبلها حرب أفغانستان علمت الغرب مدى مصداقية ما يدعيه عملاء الغرب من ان أبناء الدول الإسلامية وشعوبها ينتظرون بفارغ الصبر وصول حضارة الغرب وديمقراطيتهم إلى البلدان الإسلامية ولو كان ذلك عبر الدبابات والطائرات ، وعلمتنا حرب العراق كذلك مصداقية تلك الشعارات البراقة التي ينادي بها الغرب ، ويطالب الدول الإسلامية بتحقيقها من ديمقراطية ، وعدل وحقوق إنسان ، وغيرها الكثير والكثير من الشعارات والألفاظ التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب .
أيها المسلمون : أين حقوق الإنسان وحمايتها من اغتصاب الفتيات وقتلهم ثم حرقهم لتبقى عبير العراقية أنموذجاً مشرقاً يبين حقيقة حقوق الإنسان لديهم ؟ ، وأين العدالة من تسليط الحيوانات المفترسة على السجناء لإرهابهم وإدانتهم؟ ، وأين المساواة ورعاية حقوق الأقليات مما يلاقيه أهل السنة - إن كانوا أقلية - على أيدي الميليشيات الرافضية ؟
عباد الله : لقد أبصرنا عبر الشاشات والقنوات حقيقة حضارتهم التي لا ترعى طفلاً صغيراً ، ولا شيخاً كبيراً ، ولا امرأة ضعيفة ، فيا ترى أي نظام يحترم هؤلاء ؟، وأي عدالة يدعون إليها ؟ وأي حقوق لإنسان التي ينادون بها؟
أإعادة الأمل الجميل سجية للغرب * هذا يا أخيي كـــــــــذاب
كم علقونــا بالوعــود وما وفــــوا * وكذاك وعد الكافرين سراب
أيها المسلمون: إن من المنح في محنة العراق أن أبرزت لنا هذه الحرب حقيقة أولئك النفر الذين يزعمون أن أمريكا هي عدوهم الأول، ثم نراهم يتحالفون معها بل ويطالبون ببقائها واستمرارها ، وهناك عباد الله نماذج مشرقة أبت أن تطأطأ رأسها للمحتل وأعلنت منذ سقوط بغداد مقاومتها للمحتل والمطالبة برحيله ، ومن تلك النماذج هيئة علماء المسلمين التي لا تزال شامخة رغم الضغوط والمضايقات من قبل المحتل وأعوان المحتل ، ومن مثل هذه النماذج نستقي أخبار أخواننا هناك ، ونرجع إلى رأيهم في ما يخص بلدهم لأنهم أهل البلد وأدرى بمصالحه .
عباد الله : إن طريق الإسلام الحق ليس هيناً ولا سهلاً ، بل هو طريق صعب وشاق، محفوف بالمخاطر والمكاره ، مملوءً بالاشواك والصعاب ، مفروش بالدماء والأشلاء ، والله سبحانه لايريد بذلك العنت والمشقة لأوليائه وعباده الصالحين، وإنما يريد بذلك تمحيص الصفوف ، وتنقية الأبدان ، وتطهير العباد [مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ] {آل عمران:179} ، وإن الذين يواجهون لهيب الحرب داخل العراق أو خارجه ، يعيشون في أتون الابتلاء والتمحيص ليتبين المسلم من الكافر ، ويتبين المؤمن من المنافق ، ويعلم الناس من هم دعاة الإصلاح ومن هم دعاة الإفساد ، لأن نصر الله وتأييده لن يكون إلا بعد الفرز والتمحيص ، ولن يكون إلا للعصبة المؤمنة الواثقة بنصر الله ، وفي هذا يقول ربنا مخاطباً خير الرسل وخير القرون [إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ] {آل عمران:140} .
عباد الله : لقد أثبتت التجارب والنماذج بدءاً بحركة النفس الزكية وانتهاء بغزو العراق والصومال ، أن الانقلابات وإسقاط الحكومات بالقوة خاصةً عبر الأعداء لن تحقق نفعاً ولن تخدما هدفاً سامياً ومصيرها الفشل ومؤدها الفوضى التي لا تبقي ولا تذر .
ولقد تمنى أهل العراق زوال الظلم الذي كان فاشياً بينهم ، فلما أتى المحتل ورأوا حقيقة ما يدعيه بكوا على الاستقرار الأمن الذي أفتقدوه ، وبكوا حتى على الطعام والشراب وأساسات الحياة التي حرموا منها بعد مجيء أدعياء الدايمقراطية والحرية وحق فيهم قول القائل :
وأبكيت من عــمرو فلـما تـــركته * وصاحبت أقواماً بكيت على عمرو
ألا فأحمدوا الله أيها المسلمون على ما أنتم عليه ، وأسالوه الأمن والأمان في ظل شريعة الرحمن ، وأعلموا أن الإصلاح الحقيقي هو الذي يأتي وينبع من قبل أبناء البلد الأوفياء ، وعبر الطرق المأمونة التي لا تفقد الناس مكاسبهم ، ولا تفسد عليهم عبادة ربهم ، فلا إصلاح بالاستقواء بالأعداء ، ولا إصلاح عبر الخونــــة والعملاء ، ولا إصلاح إلا بمعونة الأوفياء والنبلاء .
يا أمتي والقلب يعـصره الأســـى * إن الجراح بـــكل شـبر تسعر
فالحرب دائرة على الإسلام * يا قومـي فهــــل منكم أبي يثأر
يتقاسم الأعداء أوطاني على مرأى * الورى وكأننا لا نــشــعـر
أين العدالة أم شعار يحتوي * سفك الدماء وبالإدانة يُســـتــر
ما دام أن الشعب شعــب مـســلم * لا حـل إلا قـولهــــــم نستنكر
إنا سئمنا من إدانــة منكــــر * إنــــــا مللنا من لسان يزأر
والله لن يحمي ربى أوطـانـــــنا * إلا الجهاد ومصحـــف يتقدم
أقول ما تسمعون واستغفروا الله العظيم لي ولكم .

الخطبة الثانية
عباد الله : بعد قرابة أربع سنوات مرت على احتلال العراق ، ظهر جلياً أن الهدف من هذه الحرب هو الاستيلاء على العراق ، وجعله شراكةً بين الصليبيين والرافضة الصفويين ، تمكيناً لمطامعهم في المنطقة ، وحمايةً لليهود المحتلين ، وإضعاف للنفوذ السني فيها ، ومحاصرة للسنة في المنطقة كلها ، لتشكيل هلال شيعي لا تخفى أطماعه ومخططاته ، وأصبح العراق بإسلامه وعروبته ، وبجغرافيته وتاريخه وثرواته ، يراد له أن يتبدد وينهب ، وأضحى إعلان تقسيمه إلى دوليات طائفية يتوقع في أية لحظة .
أيها المسلمون: لم تترك أحداث العراق للرافضة وأشياعهم من ستر ولا تقية ، حيث سارعوا في هوى الصليبيين واحتضنوهم ، وحموا ظهورهم ، و اثبتوا بصورة عملية كل ما كان مسطوراً عندهم في كتبهم مما كانوا يخادعون المسلمين بعكسه تقية ، ففي نشوة النصر لم يتمالكوا أنفسهم ، فظهرت أخلاقهم المزذولة ، وعقائدهم البغيضة ، وما يفعلونه في ديار أهل السنة في غير العراق من طاعة ومهادنة ما هو إلا مدارة ومصانعة حتى تتهأ لهم الظروف والسبل .
أيها المسلمون : إن من أولى الواجبات الوقوف المباشر مع إخواننا أهل السنة في العراق ، ودعمهم بكل وسائل الدعم الحسية والمعنوية ، حتى تنجلي عنهم هذه المحنة ، ولنعلم أيها الأخوة أن جولة الباطل ساعة ، والحق جولته إلى قيام الساعة ، ولقد مرت بأهل الإسلام كروب ومحن نجو منـها بالصدق ، وصحة العزائم ، وتحويل الأماني والآمال إلى وقائع وأفعال ، [حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ] {يوسف:110} .
ثم صلوا على الهادي البشير والسراج المنير ..


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية