اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/esawi/12.htm?print_it=1

الدعوة إلى التأصيل والدعوة إلى (التسييس!)

السعيد صبحي العيسوي
@esawi_said

 
بسم الله الرحمن الرحيم


من إفرازاتِ الواقعِ التي باتت تقوِّض بنيان التَّعلُّم في قلوبِ طلابِ العلم كثرةُ أمواجِ الإنكارِ والنِّقمةِ على الدعوةِ إلى التأصيلِ العلميِّ، وسلوكِ الطلبةِ لمسلكِ الترقِّي في مدارجِ العلمِ التأصيلية.

جاء هذا الصرفُ والتقويضُ والدلالةُ إلى فكرةِ (تسييس) طلابِ العلمِ وشغلهم بفنونِ السياسةِ كردٍ فعلٍ طبيعي ملائمٍ للتعلم على هؤلاء الشباب, ومنابذةِ الكبار من أهلِ العلمِ سناً وعلماً, فترى في صفحاتِهم ومواقعهم الإلكترونية وواقعهم الافتراضي دعواتٍ -بصريحها وكنايتها- مفادُها هلمَّ إلى علمِ الواقعِ واتركوا تلك القواعدَ والأصول, وهذه الحواشي والمتون!!

تَسربَل هذا الإنكارُ بزعمِ عدمِ مُوافَقةِ مجاري العصرِ في مادتِه المطروحةِ! فكانَ مِن شأنهم أنْ دلُّوا الناشِئةَ على أفكارٍ تنأى بهم إلى وادٍ مغايرٍ لحقيقة السَّيْرِ في العلم وتحمُّلِه؛ بل استبدالُ كتبِ الجادَّةِ التأصيليةِ بكتبِ السياسةِ والفكرِ، والتي هي بعيدةٌ عن الجادَّةِ المسلوكة للتعلم الشرعي, والتي هي أشبهُ بمادةِ صُنعِ مُفكِّرينَ وساسة، لا علماءَ فقهاءَ, يحملون الخيرَ والهُدى, ويُقصَدون لهدايةِ الناسِ ودَلالتِهم على السبيلِ.

يُنكِرونها !! معَ علمِهم بكونِها الجادَّةً التي سار عليها العلماءُ جيلًا فجيلًا, واتَّفقوا عليها جملةً, وتَشبَّعوا بها, وعبر مناهجها استَحَقُّوا وسمَ العالِميةِ بجدارةٍ.

فهنا يأتي الثباتُ في قمعِ النُّزوعِ إلى الانفلاتِ من ترقِّي المدارجِ، إلى المُجاراةِ العصريةِ للسياسةِ وأهلِها.

إنَّ إبعادَ الناسِ عن الرُّقيِّ في المدارج، وإشغال أفكارهم بمناكفة الواقع بالتنازل عن بعض الثوابت, وتزهيدِهم بأهواءٍ مزعومةٍ = لَهُو أشدُّها خطرًا وإفسادًا! وهؤلاءِ نُوَّابُ إبليس في الحقيقةِ، كما سمَّاهم الإمامُ ابنُ القيِّمِ -رحمه اللهُ- إذْ يقولُ: (نُوَّابُ إبليسَ في الأرضِ، وهم الذين يُثبِّطون الناسَ عن طلبِ العلمِ والتَّفقُّهِ في الدِّينِ)([1]).

وإذا استشرف حريص على واقع الأمة وشبابها وطلاب العلم لمستقبل هؤلاء الذين مورست عليهم دعايات مواقع التواصل لن يجدهم في عالم الغد إلا أتباع ثورات ومحللي سياسة, أو ممن يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه. والله المستعان.






----------------------------------------------------
([1]) «مفتاح دار السعادة» 1/ 456.

 

السعيد العيسوي
  • قولٌ في العلم وطلابه
  • الأبحاث العلمية
  • التعريف بالكتب المطبوعة
  • منتقى التغريدات
  • الصفحة الرئيسية