بسم الله الرحمن الرحيم

فوائد من السير 3

وقفة مع آية

قال الإمام الذهبي :
ومن كلام محمد بن نصر قال :
لما كانت المعاصي بعضها كفراً ، وبعضها ليس بكفر : فرَّق تعالى بينها فجعلها ثلاثة أنواع :
فنوع منها كفر
ونوع منها فسوق
ونوع منها عصيان ، ليس بكفر ، ولا فسوق

وأخبر أنه كرَّهها كلَّها إلى المؤمنين
ولما كانت الطاعات كلها داخلة في الإيمان ، وليس فيها شيءٌ خارجٌ عنه : لم يفرق بينها
فما قال " حبب إليكم الإيمان والفرائض وسائر الطاعات " ! بل أجمل ذلك فقال :{ حبب إليكم الإيمان }
فدخل فيه جميع الطاعات ؛ لأنه قد حبب إليهم الصلاة ، والزكاة ، وسائر الطاعات حب تديُّن ويكرهون المعاصي كراهية تديُّنٍ ومنه قوله عليه السلام : " من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن " .
" سير أعلام النبلاء " ( 14 / 35 )
علمه :
قال أبو محمد بن حزم في بعض تواليفه :
أعلم الناس مَن كان أجمعهم للسنن ، وأضبطهم لها ، وأذكرهم لمعانيها ، وأدراهم بصحتها ، وبما أجمع الناس عليه مما اختلفوا فيه .
قال :
وما نعلم هذه الصفة بعد الصحابة أتم منها في محمد بن نصر المروزي !
فلو قال قائل ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ، ولا لأصحابه إلا وهو عند محمد بن نصر لما أبعد عن الصدق !
قلت :
هذه السعة والإحاطة ما ادَّعاها ابن حزم لابن نصر إلا بعد إمعان النظر في جماعة تصانيف لابن نصر ويمكن ادعاء ذلك لمثل أحمد بن حنبل ونظرائه والله أعلم .  ( 15 / 40 )
خشوعه
وقال محمد بن يعقوب بن الأخرم :
ما رأيتُ أحسن صلاةً مِن محمد بن نصر ، كان الذباب يقع على أذنه فيسيل الدم ولا يذبه عن نفسه ولقد كنا نتعجب مِن حسن صلاته وخشوعه وهيئته للصلاة ، كان يضع ذقنه على صدره فينتصب كأنه خشبة منصوبة !
قال :
وكان من أحسن الناس خَلْقاً كأنما فقئ في وجهه حب الرمان ، وعلى خديه كالورد ، ولحيته بيضاء.
( 15 / 36 )
توفي 294 هـ


كم مضى من عمرك

قال الإمام الذهبي في ترجمة هشام بن عمرو :
أبو محمد الفوطي المعتزلي الكوفي مولى بني شيبان صاحب ذكاء وجدال وبدعة ووبال
قال المبرد : قال رجل لهشام الفوطي : كم تعد من السنين ؟
قال : من واحدٍ إلى أكثر من ألف !
قال : لم أُرد هذا .
كم لك مِن السنِّ ؟
قال : اثنان وثلاثون سنًّا !
قال : كم لك مِن السنين ؟
قال : ما هي لي كلها لله !
قال : فما سنُّك ؟
قال : عَظْم !
قال : فابن كم أنت ؟
قال : ابن أم وأب !
قال : فكم أتى عليك ؟
قال : لو أتى عليَّ شيءٌ لقتلني !
قال : ويحك فكيف أقول ؟
قال : قل : كم مضى مِن عمرك ؟

( قال الذهبي ) :
قلت : هذا غاية ما عند هؤلاء المتقعرين مِن العلم ، عبارات وشقاشق لا يعبأ الله بها يحرفون بها الكلم عن مواضعه قديماً وحديثاً فنعوذ بالله مِن الكلام وأهله .
" سير أعلام النبلاء " ( 10 / 547 ) .


أهل البدعة

قال الإمام الذهبي رحمه الله :
عن أيوب قال : قال أبو قلابة :
لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تحادثوهم ؛ فإني لا آمَنُ أن يغمروكم في ضلالتهم ، أو يَلْبِسوا عليكم ما كنتم تعرفون !
وعن أيوب عن أبي قلابة قال :
إذا حدَّثْتَ الرجلَ بالسنَّة ، فقال : دعنا مِن هذا ، وهات كتاب الله : فاعلم أنَّه ضال !!

قلت أنا :
وإذا رأيتَ المتكلم المبتدعَ يقول : دعنا مِن الكتاب ، والأحاديث الآحاد ! وهات العقل ! فاعلم : أنه أبو جهل !
وإذا رأيتَ السالك التوحيدي يقول : دعنا مِن النَّقل ، ومِن العقل ، وهاتِ الذوق والوجد ، فاعلم : أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر ، أو قد حلَّ فيه !!
فإن جبُنتَ منه فاهرب ، وإلا فاصرعه ، وابرك على صدره ، واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه !!
" سير أعلام النبلاء " ( 4 / 472 )
 

كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
أبو طارق