بسم الله الرحمن الرحيم

فوائد من السير 1

مواعظ في الموت

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فهذه درر ملتقطة ، وفوائد منتقاة ، من كتاب الإمام الذهبي المشهور " سير أعلام النبلاء " ، استخرجتها ودونتها ، ثم رأيت نشرها وتعميمها .
أسأل الله أن ينفع يها كاتبها وقارءها ، وأن يرحم الإمام الذهبي .
وهي متنوعة ، فمنها العقيدي ، والحديثي ، والفقهي ، والمواعظ ...الخ .
= في ترجمة محمد بن صبيح المشهور بـ " ابن السمَّاك " نقل الذهبي بعض كلمات له في الآخرة والموت :
قال ابن السمَّاك :
* همة العاقل في النجاة والهرب ، وهمة الأحمق في اللهو والطرب
* عجبا لعين تلذ بالرقاد وملك الموت معها على الوساد
* حتى متى يبلغنا الوعاظ أعلام الآخرة حتى كأن النفوس عليها واقفة والعيون ناظرة !؟
أفلا منتبه من نومته ؟
أو مستيقظ من غفلته ؟
ومفيق من سكرته ؟
وخائف من صرعته ؟
كدحاً للدنيا كدحاً ؟!
أما تجعل للآخرة منك حظّاً ؟
* أقسم بالله لو رأيت القيامة تخفق بأهوالها ، والنار مشرفة على آلها – يعني : أصحابها وأهلها - وقد وضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء : لسرَّك أن يكون لك في ذلك الجمع منزلة
أبعد الدنيا دار معتمل ؟
أم إلى غير الآخرة منتقل ؟
هيهات ! ولكن صمَّت الآذان عن المواعظ ، وذهلت القلوب عن المنافع ، فلا الواعظ ينتفع ، ولا السامع ينتفع !
* وعنه :
هب الدنيا في يديك
ومثلها ضُمَّ إليك
وهب المشرق والمغرب يجيء إليك
فإذا جاءك الموت : فماذا في يديك ! ؟
* ألا مَن امتطى الصبر قويَ على العبادة
ومن أجمع الناس : استغنى عن الناس
ومن أهمَّته نفسه : لم يول مرمتها غيره
ومن أحب الخير وُفِّق له
ومن كره الشر جنَّبه
ألا متأهب فيما يوصف أمامه ؟
ألا مستعد ليوم فقره ؟
ألا مبادر فناء أجلِه ؟
ما ينتظر مَن ابيضت شعرته بعد سوادها ! وتكرش وجهه بعد انبساطه ! وتقوَّس ظهره بعد انتصابه ! وكَلَّ بصرُه ! وضعف ركنه ! وقل نومُه ! وبلي منه شيءٌ بعد شيءٍ في حياته ! ؟
فرحم الله امرأً عقِل الأمر ، وأحسن النظر ، واغتنم أيامه .
* وعنه :
الدنيا كلها قليل
والذي بقي منها قليل
والذي لك من الباقي قليل
ولم يبق من قليلك إلا قليل وقد أصبحت في دار العزاء
وغداً تصير إلى دار الجزاء
فاشتر نفسك لعلك تنجو
توفي ابن السماك سنة ثلاث وثمانين ومئة
" سير أعلام النبلاء " 8 / 329 ، 330 .


التقليد والاتباع

وقال شيخ : إن الإمام لمن التزم بتقليده كالنبي مع أمته لا تحل مخالفته !
قلت : قوله لا تحل مخالفته مجرد دعوى واجتهاد بلا معرفة ، بل له مخالفة إمامه إلى إمام آخر حجته في تلك المسألة أقوى ، لا بل عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له لا كمن تمذهب لإمام فإذا لاح له ما يوافق هواه عمل به من أي مذهب كان ، ومن تتبع رخص المذاهب وزلات المجتهدين : فقد رقَّ دينه ، كما قال الأوزاعي أو غيره : من أخذ بقول المكيين في المتعة والكوفيين في النبيذ ، والمدنيين في الغناء ، والشاميين في عصمة الخلفاء : فقد جمع الشر ! وكذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل عليها ، وفي الطلاق ونكاح التحليل بمن توسع فيه وشبه ذلك : فقد تعرض للانحلال ! فنسأل الله العافية والتوفيق .

ولكن شأن الطالب أن يدرس أولا مصنفا في الفقه ، فإذا حفظه : بحثه ، وطالع الشروح ، فإن كان ذكيا فقيه النفس ورأى حجج الأئمة : فليراقب الله ، وليحتط لدينه ، فإن خير الدين : الورع ، ومن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينة وعرضه ، والمعصوم من عصمه الله .

فالمقلَّدون : صحابة رسول الله بشرط ثبوت الإسناد إليهم ، ثم أئمة التابعين كعلقمة ومسروق وعبيدة السلماني وسعيد بن المسيب وأبي الشعثاء وسعيد بن جبير وعبيد الله بن عبد الله وعروة والقاسم والشعبي والحسن وابن سيرين وإبراهيم النخعي ، ثم كالزهري وأبي الزناد وأيوب السختياني وربيعة وطبقتهم ، ثم كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي وابن جريج ومعمر وابن أبي عروبة وسفيان الثوري والحمَّادَيْن وشعبة والليث وابن الماجشون وابن ابي ذئب ، ثم كابن المبارك ومسلم الزنجي والقاضي أبي يوسف والهقل بن زياد ووكيع والوليد بن مسلم وطبقتهم ، ثم كالشافعي وأبي عبيد وأحمد وإسحاق وأبي ثور والبويطي وأبي بكر بن أبي شيبه ، ثم كالمزني وأبي بكر الاثرم والبخاري وداود بن علي ومحمد بن نصر المروزي وإبراهيم الحربي وإسماعيل القاضي ، ثم كمحمد بن جرير الطبري وأبي بكر بن خزيمة وأبي عباس بن سريج وأبي بكر بن المنذر وأبي جعفر الطحاوي وأبي بكر الخلال ، ثم من بعد هذا النمط تناقص الاجتهاد ووضعت المختصرات وأخلد الفقهاء إلى التقليد من غير نظر في الأعلم بل بحسب الاتفاق والتشهي والتعظيم والعادة والبلد ، فلو أراد الطالب اليوم أن يتمذهب في المغرب لأبي حنيفة لعسر عليه كما لو أراد أن يتمذهب لابن حنبل ببخاري وسمرقند لصعب عليه فلا يجئ منه حنبلي ولا من المغربي حنفي ولا من الهندي مالكي وبكل حال فالى فقه مالك المنتهى فعامة آرائه مسددة ولو لم يكن له إلا حسم مادة الحيل ومراعاة المقاصد : لكفاه ، ومذهبه قد ملأ المغرب والأندلس وكثيراً من بلاد مصر وبعض الشام واليمن والسودان وبالبصرة وبغداد والكوفة وبعض خراسان .
" السير " ( 8 / 90 – 92 )


الأحاديث الضعيفة والموضوعه

قلت :
هكذا هو كان عمر رضي الله عنه يقول " أقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وزجر غير واحدٍ مِن الصحابة عن بث الحديث .
وهذا مذهب لعمر ولغيره .
فبالله عليك إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر كانوا يُمنعون منه مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد بل هو غض لم يُشب فما ظنك بالإكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا مع طول الأسانيد وكثرة الوهم والغلط ؟ فبالحري أن نزجر القوم عنه !

فياليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف بل يروون والله الموضوعات والأباطيل والمستحيل في الأصول والفروع والملاحم والزهد ، نسأل الله العافية .

فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه وغر المؤمنين : فهذا ظالم ٌلنفسه جانٍ على السنن والآثار يستتاب من ذلك ! فإن أناب وأقصر ؛ وإلا فهو فاسق ! كفى به إثما أن يحدث بكل ما سمع .
وإن هو لم يعلم : فليتورع وليستعن بمن يعينه على تنقية مروياته ، نسأل الله العافية .
فلقد عمَّ البلاء ، وشملت الغفلة ، ودخل الداخل على المحدِّثين الذين يَركن إليهم المسلمون فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام !! .
" سير أعلام النبلاء " 2 / 601 ، 602

قلت : فليتق الله أولئك الدعاة الذين لا يهتمون بصحيح الحديث فيبثون الضعيف بل الموضوع ! ويحسبون أنهم على شيء وعندهم شيء !
والأدهى والأمر أن يأتيك من يرفض الصحيح الذي اتفق عليه الشيخان ! بحجة أنه آحاد ! ويذكر في منشوراته وبياناته وكتبه ومقالاته الضعيف والموضوع !


الرئاسة أم العلم

قال الإمام الذهبي – في ترجمة الإمام الطبراني - :
قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي : سمعت الأستاذ ابن العميد يقول :
ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها حتى شاهدت مذاكرة أبى القاسم الطبراني وأبى بكر الجعابي بحضرتي ، فكان الطبراني يغلب أبا بكر بكثرة حفظه وكان أبو بكر يغلب بفطنته وذكائه حتى ارتفعت أصواتها ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه فقال الجعابي : عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي ! فقال : هات ، فقال : حدثنا أبو خليفة الجمحي حدثنا سليمان بن أيوب - وحدث بحديث - ، فقال الطبراني : اخبرنا سليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفة فاسمع مني حتى يعلو فيه إسنادك !
فخجل الجعابي .
فوددت أن الوزارة لم تكن ، وكنت أنا الطبراني ، وفرحت كفرحه ، أو كما قال .
" سير أعلام النبلاء " 16 / 124
 

كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
أبو طارق