بسم الله الرحمن الرحيم

حديث الافتراق رواية ودراية


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

فقد كانت ليلة أمس (7 ذو القعدة 1424 هـ ) – بفضل الله وتوفيقه – عرساً لأهل السنة ، فرحت فيها قلوبهم ، وقرت بها أعينهم ، فقد كان اللقاء الشهري في محافظتنا – إربد في شمال الأردن – مع مجموعة كبيرة من أهل الخير والفضل من الدعاة والعاملين للإسلام من جميع الاتجاهات والجماعات ، وقد غصَّ بهم المسجد ، ولم يجد بعضهم مجالاً للصلاة فيه إلا عندما خرج بعض من كان فيه ممن صلى قبلُ .

وقد كان في تلك الليلة محاضرتان ، وكانت الأولى للدكتور الشيخ أحمد المناعي وكانت بعنوان " الائتلاف والاختلاف في القرآن " ، وقد أبدع فيها أيما إبداع .

وكانت المحاضرة الثانية لي ، وكانت بعنوان " حديث الافتراق رواية ودراية " ، وأحسب أنني أتيتُ على أبرز الشبهات التي طُعن فيها متن الحديث – وكانت حوالي عشر شبهات – فبينتُ خواءها ووهاءها .

ويمكنني عرض ملخص للمحاضرة في النقاط التالية :

1. التفريق بين الاختلاف والافتراق ، وبينت أن الاختلاف أهون من الافتراق ، وأن الافتراق مذموم ، والاختلاف منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم .

ثم بينت ألفاظ الحديث ومنها : " عن أبي عامر الهوزني عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فينا فقال : ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة " .    رواه أحمد وأبو داود .

ومنها من حديث عبد الله بن عمرو : " ... قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي " .

2. وبينت أن العلماء المحققون على صحة الحديث ، ومنهم الترمذي والعراقي وابن تيمية والشاطبي .

3. ورددت على الشبهات التي طُعن فيها متن الحديث ، وفيها بيان : أن لفظ " الأمة " في الحديث المقصود به " أمة الإجابة " ، وأن هذا هو أغلب استعمال اللفظ في السنَّة ، وذكرت أدلة على هذا .

4. وبينتُ أن الحديث لا ينافي رحمة الله لأمة النبي صلى الله عليه وسلم لأمور منها :

أ. أن اختلافها لا يؤدي بها إلى الخلود في النار ، بل استحقاق العذاب ، ولا يعني أنها مرحومة أنها لن تعذب ، بل لن تخلد .

وهم مُدركون : برحمة الله تعالى ، وبشفاعة نبيها ، وشفاعة الصالحين .

ب. أن نجاة الفرقة الناجية لا يلزم منه عدم تعذيبها ، فهم نجوا بعقائدهم ، لكنهم سيحاسبون على أعمالهم ، والمخالف منهم والعاصي مستحق للعذاب .

5. وبينتُ أن الصحابة قد عصمهم الله من الوقوع في البدعة والضلالة ، وفيه رد على من زعم أن الحديث لا يصح وخاصة في قوله " ما أنا عليه وأصحابي " ، أن الخلاف الذي وقع بينهم ليس له علاقة بتوحيد ولا عقيدة .

6. ثم ذكرتُ بعض الأحاديث الدالة على ذم التفرق ، والناهية عنه ، ومنها : حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً ثم قال: " هذه سبيل الله " ثم خط خطوطاً عن يمينه، وخطوطاً عن يساره ثم قال: " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه " ثم قرأ هذه الآية: { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السُّبُل فتفرق بكم عن سبيله } " .

7. ثم ذكرتُ أن التفرق قد وقع في هذه الأمة ، وأنه سيقع كما دل عليه حديث الافتراق ، وحديث ابن مسعود السابقيْن ، وغيرهما .

وقد ذكرنا أكثر من دليل على وقوعه ، وأنه لا داعي لنفي وقوعه ، أو الزعم بأن خطبة أو درساً أو جماعة هي التي فرَّقت المسلمين !

8. ثم ذكرتُ أسباب تفرق الأمة ، وهي كثيرة ، من أبرزها : كيد الكائدين ومكر الماكرين من أهل الديانات المحرَّفة والشرائع الأرضية ، وكذا الأهواء والعصبيات الشعوبية والحزبية والقبلية ، وكذا الخلل في منهج التلقي ، وقد توسعت في هذا وبيَّنت أن أكثر الأهواء وقعت لهذا السبب ، وأنهم قد أخذوا العلم من غير أهله ، فقد تركوا الكبار الأكابر ، ورضوا بالصغار الأصاغر ، وأن هذه الرؤوس المنحرفة طعنت في العلماء وأسقطت هيبتهم – بل وقد كفَّرهم بعضهم – وذلك حتى يخلو الجو لهؤلاء الأصاغر فيُضلوا بعد أن ضَلُّوا .

ومن الأسباب : عدم الرجوع إلى أهل العلم في المسائل الكبيرة والمهمات ، مما فتح الباب للأهواء أن تدخل إلى قلوبهم ثم أصلوا لها ونظروا ، ووقعوا في مخالفات شرعية ، ولذا ادعى بعضهم " المهدية " بأدلة واهية ، ومنهم بالرؤى والمنامات دون الرجوع إلى أهل العلم وإيقافهم على الشبهة من أولها .

ومن الأسباب كذلك : دعاوى التجديد في الدين سواء في أصول الفقه أو في أصول الحديث أو في التفسير ؛ وذلك لقطع الطريق بين الأمة وسلفها .

ومن الأسباب كذلك : التهاون والتساهل في حرب أهل البدع والتحذير منهم ، وأنه عندما طُلب من بعض رموز المسلمين أن يحذِّر من الأحباش في بلده ويحاربهم لم يرضَ هذا ، وقال : " دعوهم فسيموتون من حيث بدأوا " ، وما زال الأحباش في ازدياد وقوة حتى أخذوا مساجد جماعة تلك الرموز ، بل وقتلوا بعض أهل السنة .

وبيَّنت أن هذا لم يكن هدي السلف ، فهذا ابن مسعود يحذر ويطرد أهل البدع من المسجد وكانوا يذكرون الله تعالى بطريقة بدعية ، وهذا ابن عمر يتبرء من القدرية ، وهذا مالك يطرد من سأله عن " كيفية الاستواء " ، وهذا الحسن البصري يطرد واصل بن عطاء ويحذر منه ، وأخيراً – وهذا لم أتذكره – هؤلاء علماء اللجنة الدائمة يحذرون من الإرجاء الدخيل على أهل السنة والذي حاول أهله إلصاقه بهم ، فضربوا بيدٍ من حديد وكثرت فتاواهم وتحذيراتهم من رؤوسهم وكتبهم ومقالاتهم .

وبيَّنت أن " الشرك والبدعة " هما من فرَّق الناس ، فالشرك فرَّق البشرية فقد كانوا من آدم إلى نوح عشرة قرون على التوحيد ففرقهم الشرك ، والبدعة هي التي فرَّقت المسلمين ، فعلى كل داعية الانتباه لهذا والعمل على محاربة ما يفرق المسلمين وهما الشرك والبدعة .

9. ثم ذكرت تاريخ الافتراق في الإسلام ، وأن أوله : " التشيع – وتحوَّل إلى رفض - والخارجية " وهما أخبث الفرق التي فرَّقت المسلمين بعقائد خربة حتى أدت هذه الفتن إلى تكفير خير الناس بعد الأنبياء ، وحمل السلاح على المسلمين .

10. ثم بينت أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم " كلها في النار " لا يعني الخلود فيها ، بل هو التوعد بالعذاب ، والحكم بالضلال .

11. وبيَّنت أن الفرقة الناجية نجت من البدع والضلال والانحراف في الدنيا ، وهي ناجية من عذاب الله تعالى في الآخرة بهذا الاعتقاد ، ولا يعني هذا نجاتها مطلقاً ، فهم معرضون للعذاب بسبب تركهم للواجبات وفعلهم للمحرمات .

12. وبيَّنت أن ذِكر التفرق والافتراق إنما هو للحذر منه وسلوك طريقه ، فلينتبه المسلم لطريق الذي يسير عليه ، وليتذكر حديث ابن مسعود فقد يكون سائراً على إحدى السبل التي خطها النبي صلى الله عليه وسلم ذات اليمين وذات الشمال ، وقد يكون من الثنتين وسبعين فرقة التي حكم النبي صلى الله عليه وسلم بأنها في النار .

وأن المسلم يجب عليه حتى ينجو أن يسير على الخط المستقيم في حديث ابن مسعود لا عوج فيه ولا انحراف ، وعليه أن يكون من الفرقة الناجية .

وأن الطريق الذي ينجي صاحبه واحد وهو طريق الصحابة رضي الله عنهم في الإيمان والقرآن والأسماء والصفات خاصة ، وباقي مسائل التوحيد والعقيدة عامة .

13. وبينت من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عدم جواز تعيين فِرقة بأنها من الثنتين والسبعين إلا بدليل ، فكيف تُجعل الجماعات الإسلامية منها !؟ .

قال ابن تيمية :
وأما تعيين هذه الفرق فقد صنف الناس فيهم مصنفات وذكروهم في كتب المقالات ، لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة هي إحدى الثنتين والسبعين لا بد له من دليل ، فإن الله حرم القول بلا علم عموما وحرم القول عليه بلا علم خصوصا، فقال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} ، وقال تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } .

انتهى .

14. وذكرتُ أنه لا يجوز ادعاء فِرقة أنها هي الناجية حتى يوافق مخبرها مظهرها ، وحتى تكون حقائقها كادعاءاتها ، وليس لأحد أن ينصِّب شيخاً ويجعل من يحبه ويواليه هو من الفرقة الناجية ، ومن خالفه كان من الهالكين ، بل الصحيح أن من زعم هذا وادعاه فهو الضال ، وهو من أهل البدع والتفرق !!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
فمن جعل شخصاً من الأشخاص - غير رسول الله - مَن أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة ، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة - كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك - كان من أهل البدع والضلال والتفرق .

انتهى

ومما ذكرته هنا : ادِّعاء بعض الفِرق بل الجماعات الإسلامية أن دعوتهم مثل " الثلاجة " ! من خرج منها فسد ! ، وآخرون يزعمون أنهم " جماعة المسلمين " ، وآخرون يزعمون أنهم هم " الفِرقة الناجية " دون غيرهم ، وهذا ليس بمقبولٍ من كل زاعم ، وخاصة إذا أنكر على غيره هذا الادِّعاء ، فمن أين له أنه يجوز له ما لا يجوز لغيره ؟ .

15. وبينت أن أولى الناس بأن يكون من الفرقة الناجية هو من ليس متبوع يتعصب له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن أهل الحديث والسنة هم أولى الناس بهذا ؛ لأنهم أعلم الناس باعتقاده وهديه وسنته ، ويميزون بين صحيح السنة وضعيفها ، وبينتُ وجوب الاهتمام بالتضعيف والتصحيح للأحاديث ليقف المسلم على صحة الحديث فيعمل به ، ويعرف ضعغه فيحذر من العمل به واعتقاده ، وكثير من العقائد كان مستندها أحاديث ضعيفة وموضوعة .

وذكرت هنا : أن الفِرق والمذاهب المنحرفة لو سألتَهم " متى بدأتم " ؟ و " من رأس طائفتكم " ؟ لما أنكر عليك هذين السؤالين ولأجابك عنهما ، أنهم بدأوا في تاريخٍ معين ورأسهم هو فلان ، وأهل السنة والجماعة – الفرقة الناجية – يجيبان بأنهم بدأوا من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، ورأسهم هو النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، لا أحمد ولا ابن تيمية ولا محمد بن عبد الوهاب ولا الألباني ولا ابن باز .

وأنه إذا دعي يوم القيامة الناس بإمامهم فإن كل فرقة وجماعة يكون لهم رأس يقودهم إلا الفرقة الناجية فإن إمامهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكفيهم هذا فخراً وشرفاً .

16. وبيَّنت أننا لا يهمنا الاشتغال ببيان عدد وأوصاف الفرقة الهالكة وبيان أسمائها ، فلم يبيِّن لنا صلى الله عليه وسلم إلا بعضها كالمرجئة ! والقدرية وهم مجوس هذه الأمة ، والخوارج وهم أصحاب التكفير وحمل السلاح على المسلمين .

ويكفينا أننا نعلم وصف الفرقة الناجية واعتقادها ، وهو الذي بيَّنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي نحن بصدد بيانه وشرحه ، فطرق الضلال لا حد لها ولا عد ، وهذا بخلاف الفرقة الناجية التي ترك لنا النبي صلى الله عليه وسلم هديها وعقائدها بيضاء نقية .

17. ثم بيَّنت أن الفرق التي ذكر عددها النبي صلى الله عليه وسلم ليست خارجة من الإسلام ، بل هي ضالة منحرفة ، وأنه قد أخطأ من جعلها خالدة في النار كما أخطأ من لم يرهم متوعدين بالعذاب ، وأن الصواب أنهم متوعدون غير خالدين ، ونقلت عن شيخ الإسلام رحمه الله وعن الذهبي ما يؤيد هذا .

قال شيخ الإسلام :
فمن كفَّر الثنتين والسبعين فِرقة كلَّهم : فقد خالف الكتاب والسنَّة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان ... وليس قوله " ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة " بأعظم من قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } ، وقوله { ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوق نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا } ، وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار .

" منهاج السنة " ( 5 / 249 ، 250 ) .

18. ثم بيَّنت العلامات الإجمالية لفِرق الضلال ، وهي : التفرق ، الزيغ ، الهوى .

19. ثم بيَّنت أن الجماعات الإسلامية كالإخوان والتبليغ ليست من الفرق الثنتين والسبعين ، وأن هذا لا يعني أن أفراد الجماعات ناجون من كونهم منهم ، لكن الحكم إنما يكون على أفرادهم لا على عمومهم ، ومن قال بغير هذا فقدأخطأ وخالف الواقع ، وأن ما قلناه في الجماعات ينطبق كذلك على " السلفيين " ! وقد رأينا كيف أن بعض من ينتسب إليهم قد دخل عليه الإرجاء ، فلا ينجو أحد بالنسبة حتى يكون الواقع لحاله كادعائه .

ونقلت عن الشيخين ابن باز والألباني ما يؤيد هذا .

أ. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
إذاً يا شيخنا الكريم ، الذي يقول : بأن هذه الجماعات الإسلامية من الفرق التي تدعو إلى جهنم والتي أمر النبي باعتزالها فهمه على كلامكم غير صحيح؟

أجاب :
الذي يدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليس من الفرق الضالة ، بل هو من الفرق الناجية المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم : " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل ومن هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " وفي لفظ : " هي الجماعة " .

والمعنى : أن الفرقة الناجية : هي الجماعة المستقيمة على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم . من توحيد الله ، وطاعة أوامره وترك نواهيه ، والاستقامة على ذلك قولا وعملا وعقيدة ، هم أهل الحق وهم دعاة الهدى ولو تفرقوا في البلاد ، يكون منهم في الجزيرة العربية ، ويكون منهم في الشام ، ويكون منهم في أمريكا ، ويكون منهم في مصر ، ويكون منهم في دول أفريقيا ، ويكون منهم في آسيا ، فهم جماعات كثيرة يعرفون بعقيدتهم وأعمالهم ، فإذا كانوا على طريقة التوحيد والإيمان بالله ورسوله ، والاستقامة على دين الله الذي جاء به الكتاب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهم أهل السنة والجماعة وإن كانوا في جهات كثيرة ، ولكن في آخر الزمان يقلون جدا .

فالحاصل : أن الضابط هو استقامتهم على الحق ، فإذا وجد إنسان أو جماعة تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتدعو إلى توحيد الله واتباع شريعته فهؤلاء هم الجماعة ، وهم من الفرقة الناجية ، وأما من دعا إلى غير كتاب الله ، أو إلى غير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا ليس من الجماعة ، بل من الفرق الضالة الهالكة ، وإنما الفرقة الناجية : دعاة الكتاب والسنة ، وإن كانت منهم جماعة هنا وجماعة هناك ما دام الهدف والعقيدة واحدة ، فلا يضر كون هذه تسمى : أنصار السنة ، وهذه تسمى : الإخوان المسلمين ، وهذه تسمى : كذا ، المهم عقيدتهم وعملهم ، فإذا استقاموا على الحق وعلى توحيد الله والإخلاص له واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وعملا وعقيدة فالأسماء لا تضرهم ، لكن عليهم أن يتقوا الله ، وأن يصدقوا في ذلك ، وإذا تسمى بعضهم بـ : أنصار السنة ، وتسمى بعضهم بـ : السلفيين ، أو بالإخوان المسلمين ، أو تسمى بعضهم بـ : جماعة كذا ، لا يضر إذا جاء الصدق ، واستقاموا على الحق باتباع كتاب الله والسنة وتحكيمهما والاستقامة عليهما عقيدة وقولا وعملا ، وإذا أخطأت الجماعة في شيء فالواجب على أهل العلم تنبيهها وإرشادها إلى الحق إذا اتضح دليله .

والمقصود : أنه لا بد أن نتعاون على البر والتقوى ، وأن نعالج مشاكلنا بالعلم والحكمة والأسلوب الحسن ، فمن أخطأ في شيء من هذه الجماعات أو غيرهم مما يتعلق بالعقيدة ، أو بما أوجب الله ، أو ما حرم الله نبهوا بالأدلة الشرعية بالرفق والحكمة والأسلوب الحسن ، حتى ينصاعوا إلى الحق ، وحتى يقبلوه ، وحتى لا ينفروا منه ، هذا هو الواجب على أهل الإسلام أن يتعاونوا على البر والتقوى ، وأن يتناصحوا فيما بينهم ، وأن لا يتخاذلوا فيطمع فيهم العدو .

" مجموع الفتاوى " ( 8 / 181 – 183 ) .

ب. قول الشيخ الألباني
قال السائل : " هل الإخوان والتبليغ من الفِرق التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم ؟ "

قال الشيخ الألباني : لا لا الإخوان المسلمون فيهم من جميع الطوائف فيهم سلفيون ، فيهم خلفيون ، فيهم شيعة ، فيهم كذا وكذا ، فلا يصح أن يُطلق عليهم صفةٌ واحدة .

وإنما نقول : من تبنى منهجا خلاف الكتاب والسنة من " أفرادهم " فهو ليس من الفرقة الناجية بل هو من الفرقة الهالكة .

أما جماعة : والله أنا بقول السلفيين , أنا ما بقول عنهم أنهم من الفرقة الناجية ، السلفيين إيش رأيكم ؟ .

قال أحد الحاضرين : ولا نقول منهج السلف ؟ .

الألباني : " إيه طبعا " .

السائل : يعني " كأفراد )) يا شيخ ؟ .

الألباني : " نعم " .

السائل : الحكم على " الأفراد " ؟ .

الألباني : " الحكم على " الأفراد " أحسنت " .

شريط " البدعة والمبتدعة " .

20. وأخيراً ذكرتُ الأسباب التي تُسلك حتى يتوقى المسلم الافتراق ، ومنها : الاعتصام بالكتاب والسنة ، والسير على نهج السلف الصالح ، والالتفات حول علماء الأمة ، والحذر من التعالي على العلماء ، أو الشذوذ عنهم .

الأسئلة

وقد أجبتُ عما تيسر من الأسئلة ومنها :

أ. ذِكر قاعدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات ، وهي : إثبات ما أثبته الله ورسوله ، ونفي ما نفاه الله ورسوله ، والتوقف فيما لم يرد إثباته أو نفيه حتى نستفصل من القصد والمعنى ، فإن كان معنى ثابتاً أثبتناه دون لفظه ، وإن كان مخالفاً نفيناه ولفظه .

ب. بيان معنى " نسوا الله فنسيهم " وأن النسيان له معنيان في اللغة ، وهما : ضد الذاكرة ، والترك ، والأول منفي بقوله تعالى { لا يضل ربي ولا ينسى } ، والثاني هو المقصود في الآية وهو جزاء تركهم لشرع الله ، فكان الجزاء من جنس العمل ، والترك ثابت من أفعاله تعالى كما في قوله تعالى { وتركهم في ظلمات لا يبصرون } .

ت. التحذير من نشر الأحاديث الضعيفة فضلا عن الموضوعة ، وأنه لا يعذر بذلك الخطيب والمحاضر والكاتب وعندهم سعة من الوقت للنظر في كتب السنة الصحيحة ، وقد يسر الله تعالى لنا الطريق لمعرفة ذلك .

ج. وحذرت من التكفير بغير حق ، وقلت إن الأحوط للمسلم والأبرء لذمته أن لا يكفر إلا من ورد فيه النص أو أجمع عليه أهل العلم ، وأنه حيث رأى خلافاً في وصف أو فعل أو شخص فالأحوط هو عدم الذهاب للكفر ، وترك ذلك لكبار أهل العلم لأنهم يملكون الآلات للحكم .

ومن قواعد التكفير التي ذكرتها :

1. من أسلم بيقين فلا يخرج منه إلا بيقين مثله .

2. الخطأ في عدم التكفير أهو من الخطأ في التكفير .

3. من أخطأت في تكفيره وهو مسلم فإن له حقا يستوفيه منك ، ومن أخطأت فلم تكفره فليس له حق عندك ليطالبك به .

وأخيراً :

نحمد الله تعالى أننا أوصلنا للناس على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم حقيقة الفرقة الناجية ، وحقيقة الفرق الضالة الهالكة ، وبينا رحمة الله بالخلق في إرسال الرسل وإقامة الحجة على الناس ، وأنه ليس من هدي السلف الغلظة والجفاء فضلاً عن اتهامهم بما ليس فيهم ، وخاصة للعاملين للإسلام ، ونزَّهنا الأئمة والعلماء أن يكونوا ظالمين لهم بإدخالهم جميعاً في الفِرق الضالة ، وحذَّرنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً من تنكب طريق السلف ومخالفته ، وبيَّنا أن المسلم لا يرضى إلا أن يكون إمامه ومتبوعه النبي صلى الله عليه وسلم .

وكانت ليلة أمس – بفضل الله تعالى – عرساً لأهل السنَّة ، نرجو الله أن يتقبل أعمالنا ، وأن يغفر لنا زللنا ، وأن يجزي خيراً من ساهم في ترتيبه وإنجاحه ، ونسأله تعالى أن يعلي راية السنة ، وأن يهدي ضال المسلمين إلى الحق .

وقد استفدت في إعداد المحاضرة من كتاب الصنعاني " حديث افتراق الأمة " وتحقيقه للشيخ سعد السعدان ، ومن كتاب الشيخ ناصر العقل في " الافتراق " ، وغيرهم ممن نحن عالة عليهم من سلفنا الصالح وأئمتهم رحمهم الله ورضي عنهم .

والله الموفق
 

جمعه وأعده
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
أبو طارق

الصفحة الرئيسة        |       صفحة الشيخ