بسم الله الرحمن الرحيم

50 فائدة وقاعدة
من " مقدمة أصول التفسير "
لشيخ الإسلام ابن تيمية


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فهذا ملخص لما احتوته رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية والمسماة " مقدمة في أصول التفسير " من قواعد وفوائد ، وأسأل الله تعالى أن ينفع بها .
وما بين المعكوفين هو من نص كلام شيخ الإسلام ، وما بين القوسين في نص كلامه فهو من بياني وتوضيحي .


1. [ فقد سألني بعضُ الإخوان أن أكتبَ له مقدمةً تتضمن...] .
= قلت : و هذا أحد أسباب التأليف .
مثال آخر« العقيدة الواسطية » فقد كتبها بناء على رغبة أحد قضاة " واسط " تكون عمدة له ولأهل بيته.
و السبب الثاني : أن يكون ذلك ابتداء من المصنف بحسب ما يرى حاجة الناس .
مثاله : « الصارم المسلول » لشيخ الإسلام ابن تيمية .
و السبب الثالث: أن يُسأل المؤلف سؤالا فيجيب برسالة أو مصنف .
مثاله : « المنار المنيف » لابن القيم .
و السبب الرابع: أن يكون المؤَلف رداً على مبتدع أو ضال أو مؤَلف ضار للناس .
مثاله « منهاج السنة » لشيخ الإسلام ابن تيمية .
= وقوله [ مقدمة ] : يقال في ضبطها :
أ. بفتح الدال المشددة ، وتعني أن الكاتب قدَّمها على متن الكتاب .
ب. وبكسر الدال المشددة ، وتعني أنها تقدِّم الكتاب .

2. [ فإن الكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغث و السمين ، و الباطل و الواضح و الحق المبين] .
قلت: مثاله: تفسير الزمخشري « الكشاف » و الثعلبي و الفخر الرازي .

3. [ و العلم إما نقل مصدق عن معصوم ، و إما قول عليه دليل معلوم ، و ما سوى ذلك فإما مزيف مردود ، و إما موقوف لا يُعلَم أنه بهرج - ( مغشوش ) - و لا منقود - ( الجيد من الدراهم) - ] .
قلت : الأول : الحديث الشريف.
و الثاني : أقوال العلماء المستندة إلى دليل.
و ماسوى ذلك: إما ضعيف أو موضوع ، و إما شيء متوقف فيه: لا يقبل و لايرد.

4. [ يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم بيَّن لأصحابه معاني القرآن كما بيَّن لهم ألفاظه، فقوله تعالى { لتبين للناس ما نزل إليهم } يتناول هذا و هذا ] .
= قلت : و المسألة فيها خلاف ، و الصواب فيها : أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يبيِّن للأمة كل معاني القرآن و لا ترك تبيينه على الإطلاق و إنما بيَّن ما احتاجوا إليه.
= وقلت : أوجه بيان السنَّة للقرآن :
أ. بيان المجمل : كبيانه صلى الله عليه وسلم لمواقيت الصلاة وعدد ركعاتها ، ومقادير الزكاة .
ب. توضيح المشكل : كتوضيحه صلى الله عليه وسلم لما أشكل على عدي بن حاتم في معنى قوله تعالى { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } وأنه بياض النهار وسواد الليل .
ج. تخصيص العام : كتخصيصه صلى الله عليه وسلم عموم الظلم في قوله تعالى { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } بأنه الشرك .
د. تقييد المطلق : كتقييد مطلق اليد في قوله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } بأنها اليد اليمنى وإلى الرسغ .
هـ. بيان معاني بعض الألفاظ : كبيانه صلى الله عليه وسلم معنى { المغضوب عليهم } وأنهم اليهود ، ومعنى { الضالين } وأنهم النصارى .
و. نسخ أحكام القرآن : كنسخ حكم الثيب الزانية من الحبس في البيوت الوارد في قوله تعالى { حتى يتوفاهن الموت } إلى الرجم .

5. [ تدبر القرآن بدون فهم معانيه لا يمكن ] .
قلت: لذلك روي عن ابن عمر أنه قام على حفظ البقرة عدة سنين ، وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون العشر آيات حتى يتعلموها و يعملوا بها.

6. [كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلا جداً ، و إن كان في التابعين أكثر منه في الصحابة] .
قلت: و السبب في كثرة الخلاف بين التابعين بالنسبة إلى عصر الصحابة:
أ. دخول العجم و العجمة على اللسان العربي.
ب. كثرة الأهواء و الفتن.

7. [ كلما كان العصر أشرف كان الإجتماع والإئتلاف و العلم والبيان فيه أكثر] .

8. [ قال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به و لهذا يعتمد على تفسيره: الشافعي و البخاري و غيرهما من أهل العلم و كذلك الإمام أحمد و غيره ممن صنف في التفسير] .

9. [الخلاف بين السلف فى التفسير قليل وخلافهم فى الأحكام أكثر من خلافهم فى التفسير وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع الى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد] .

10. [ خلاف التنوع صنفان: أحدهما أن يعبر كل واحد منهما - أي من المختلفين - عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى... كما قيل فى اسم السيف الصارم( بمعنى القاطع ) والمهند( بالنسبة إلى صناعته في الهند )، وذلك مثل أسماء الله الحسنى وأسماء رسوله صلى الله عليه وسلم وأسماء القرآن.
فان أسماء الله كلها تدل على مسمى واحد فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضادا
لدعائه باسم آخر بل الامر كما قال تعالى :
{ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } ...
الصنف الثانى : أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه
المستمع على النوع... مثل سائل أعجمى سأل عن مسمى لفظ الخبز فأرى رغيفا وقيل له هذا فالاشارة الى نوع هذا لا الى هذا الرغيف وحده.
]
قلت: وذكر رحمه الله صنفين آخرين من اختلاف التنوع فقال:
[
3 - ومن التنازع الموجود عنهم: ما يكون اللفظ فيه محتملا للأمرين: إما لكونه مشتركا فى اللفظ - ( اللفظ المشترك : ما اتحد لفظه وتعدد معناه ) - كلفظ { قسورة } الذي يراد به الرامي ويراد به الأسد ، ولفظ { عسعس } الذي يراد به إقبال الليل وإدباره.
وأما لكونه متواطئا -
( المتواطئ : هو الذي طابق لفظه معناه مثل : إنسان، حجر،... ) - في الأصل ، لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشيئين كالضمائر فى قوله { ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى } - ( قال بعضهم : الذي دنا هو الله عز وجل ، وقال آخرون : هو جبريل عليه السلام ) - وكلفظ { والفجر } - ( قال بعضهم : هو النهار ، وقال آخرون : هو صلاة الفجر ) - و { والشفع والوتر } - ( قال بعضهم : المخلوق والخالق ، وقال بعضهم : هو العدد ) - وما أشبه ذلك .
فمثل هذا قد يجوز أن يراد به كل المعانى التى قالها السلف وقد لا يجوز ذلك.
4- ومن الأقوال الموجودة عنهم - ويجعلها بعض الناس اختلافا - أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة... وقلَّ أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدى جميع معناه بل يكون فيه تقريب لمعناه وهذا من أسباب إعجاز القرآن فإذا قال القائل
{ يوم تمور السماء موراً } إن المور الحركة كان تقريباً ، إذ المور حركة خفيفة سريعة ] .

11. [ وكل اسم من أسمائه يدل على الذات المسماة - ( و هي بهذا الإعتبار مترادفة ) - وعلى الصفة التى تضمنها الاسم - ( و هي بهذا الإعتبار متباينة ) - كالعليم يدل على الذات والعلم ، والقدير يدل على الذات والقدرة ... ومن أنكر دلالة أسمائه على صفاته ممن يدعى الظاهر فقوله من جنس قول غلاة الباطنية القرامطة... فإن أولئك القرامطة الباطنية لا ينكرون اسما هو علم محض كالمضمرات وإنما ينكرون ما فى أسمائه الحسنى من صفات الإثبات] .

12. [ لم يقل أحد من علماء المسلمين إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين وإنما غاية ما يقال أنها تختص بنوع ذلك الشخص فيعم ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ] .

13. [ معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية ؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب - ( أي الآية و الحديث) - ] .

14. [ وقولهم نزلت هذه الآية فى كذا يراد به تارة أنه سبب النزول ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وان لم يكن السبب كما تقول عنى بهذه الآية كذا] .
قلت: فللعلماء ثلاث عبارات في سبب النزول إحداها صريحة و الثانية: ظاهرة و الثالثة: محتملة.
فالظاهرة: قولهم "حصل كذا فنزلت الآية" ، مثاله : " استشار رسول الله صلى الله عليه و سلم في الأسرى (( بدر)) فأنزل الله { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } ".
و الصريحة: قولهم " سبب نزول الآية كذا و كذا" ، مثاله : " سبب نزول آية اللعان كذا و كذا...".
ج-
و المحتملة: قولهم " نزلت هذه الآية في كذا و كذا" - وهو ما جاء في رسالة شيخ الإسلام - ، مثاله: قوله تعالى { و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } قال أبو أيوب الأنصاري : نزلت فينا معشر الأنصار ، و قال حذيفة: نزلت في النفقة.

15. [ وقد تنازع العلماء فى قول الصاحب نزلت هذه الآية في كذا هل يجرى مجرى المسند كما يذكر السبب الذى أنزلت لأجله أو يجرى مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند فالبخارى يدخله فى المسند وغيره لا يدخله فى المسند وأكثر المساند على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره بخلاف ما اذا ذكر سببا نزلت عقبه فانهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند] .

16. [ وإذا عرف هذا فقول أحدهم نزلت في كذا لا ينافى قول الآخر نزلت في كذا اذا كان اللفظ يتناولهما كما ذكرناه في التفسير بالمثال] .

17. [ وإذا ذكر أحدهم لها سبباً نزلت لأجله وذكر الآخر سببا فقد يمكن صدقهما بأن تكون نزلت عقب تلك الأسباب].
قلت: مثاله: قوله تعالى { ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا أولي قربى } فإنها نزلت بعد وفاة أبي طالب ووعد النبي صلى الله عليه و سلم الاستغفار له.
و نزلت بعد ما استأذن النبي صلى الله عليه و سلم في الاستغفار لأمِّه ، هكذا روى الصحابة رضي الله عنهم.

18. [الترادف في اللغة قليل ، وأما في ألفاظ القرآن : فإما نادر وإما معدوم ] .
قلت : والمراد به الترادف في المعاني ، أما الترادف في الأعيان - كأسماء الأسد والسيف - فكثير .

19. [ والعرب تضمِّن الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته ، ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض كما يقولون فى قوله { لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه } أي : مع نعاجه... والتحقيق : ما قاله نحاة البصرة من التضمين ، فسؤال النعجة يتضمن جمعها وضمها مع نعاجه] .

20. [والاختلاف قد يكون لخفاء الدليل ، أو لذهول عنه ، وقد يكون لعدم سماعه ، وقد يكون للغلط في فهم النص ، وقد يكون لاعتقاد معارض راجح ] .
قلت: انظر رسالة شيخ الإسلام « رفع الملام عن الأئمة الأعلام ».
و رسالة الشيخ ابن عثيمين «
اختلاف العلماء و موقفنا منه».

21. [ الاختلاف فى التفسير على نوعين: النوع الأول: الخلاف الواقع قي التفسير من جهة النقل ، و أما النوع الثاني من سببي الاختلاف: و هو ما يعلم بالإستدلال لا بالنقل] .

22. [ جنس المنقول سواء كان عن المعصوم أو غير المعصوم - وهذا هو النوع الأول - : منه ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف ومنه ما لا يمكن معرفة ذلك فيه.
وهذا القسم الثانى
من المنقول وهو ما لا طريق لنا الى جزم بالصدق منه عامته مما لا فائدة فيه فالكلام فيه من فضول الكلام وأما ما يحتاج المسلمون الى معرفته فإن الله نصب على الحق فيه دليلا] .

23. [ فمثال ما لا يفيد ولا دليل على الصحيح منه : اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف ، وفي البعض الذي ضَرَبَ به موسى من البقرة ، وفي مقدار سفينة نوح وما كان خشبها ، وفي اسم الغلام الذى قتله الخضر ، ونحو ذلك.
فهذه الأمور طريق العلم بها
النقل فما كان من هذا منقولا نقلا صحيحا عن النبى صلى الله عليه وسلم كاسم صاحب موسى أنه الخضر فهذا معلوم.
وما لم يكن كذلك، بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب... فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة كما ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا حدَّثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه] .

24. [ فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض وما نقل فى ذلك عن بعض الصحابة نقلا صحيحا فالنفس إليه أسكن مما نقل عن بعض التابعين،
أ. لأن احتمال أن يكون سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم أو من بعض من سمعه منه أقوى.
ب. ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين .] .

25. [ الاختلاف الذي لا يعلم صحيحه ولا تفيد حكاية الأقوال فيه هو كالمعرفة لما يروى من الحديث الذى لا دليل على صحته ] .

26. [ المنقولات التي يُحتاج إليها فى الدين قد نصب الله الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره] .

27. [ المنقول فى التفسير: أكثره كالمنقول فى المغازي والملاحم ، ولهذا قال الإمام أحمد : ثلاثة أمور ليس لها إسناد : التفسير والملاحم والمغازي ] .

28. [ أعلم الناس بالمغازى: أهل المدينة ثم أهل الشام ثم أهل العراق :
فأهل المدينة أعلم بها لأنها كانت عندهم وأهل الشام كانوا أهل غزو وجهاد
] .

29. [ وأما التفسير: فإن أعلم الناس به: أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء بن أبى رباح وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم] .

30. [ و المراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصداً أو الاتفاق بغير قصد : كانت صحيحة قطعاً ] .
قلت : ويعرِّف بعضُهم المرسل بأنه الإسناد الذي سقط منه الصحابي ، وهو خطأ فلو كان الذي سقط من الإسناد هو صحابي لكان الحديث صحيحاً لعدالة الصحابة وعدم تأثير الجهل به .
والصواب أن المرسل هو ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه من غير واسطة .

31. [ لكن مثل هذا - ( أي : الروايات المرسلة و المتعددة الجهات ) - لا تُضبط به الألفاظ والدقائق التى لا تعلم إلا بهذه الطريق ، بل يَحتاج ذلك إلى طريق يثبت بها مثل تلك الألفاظ والدقائق ] .

32. [ الحديث الطويل إذا روي - مثلا - من وجهين مختلفين من غير مواطأة : امتنع عليه أن يكون غلطا، كما امتنع أن يكون كذبا ؛ فإن الغلط لا يكون فى قصة طويلة متنوعة ، وإنما يكون في بعضها ، فإذا روى هذا قصة طويلة متنوعة ورواها الآخر مثلما رواها الأول من غير مواطأة: امتنع الغلط فى جميعها، كما امتنع الكذب فى جميعها من غير مواطأة ، ولهذا إنما يقع في مثل ذلك غلط فى بعض ما جرى فى القصة ] .

33. [ ولهذا كان جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد اذا تلقته الأمة بالقبول تصديقا له - ( إذا كان خبراً ) - أو عملا به - ( إذا كان طلباً ) - أنه يوجب العلم ، وهذا هو الذى ذكره المصنفون فى أصول الفقه من أصحاب أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد إلا فرقة قليلة من المتأخرين اتبعوا فى ذلك طائفة من اهل الكلام انكروا ذلك ، ولكن كثيرا من أهل الكلام أو أكثرهم يوافقون الفقهاء وأهل الحديث والسلف على ذلك ] .

34. [ وإذا كان الإجماع على تصديق الخبر موجبا للقطع به : فالاعتبار في ذلك بإجماع أهل العلم بالحديث ، كما أن الاعتبار فى الإجماع على الأحكام بإجماع أهل العلم بالأمر والنهى والإباحة ] .

35. [ وطرف ممن يدعى اتباع الحديث والعمل به كلما وجد لفظاً في حديث قد رواه ثقة أو رأى حديثاً بإسناد ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم بصحته حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة أو يجعله دليلا له في مسائل العلم مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا غلط ] .

36. [ وكما أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق، وقد يقطع بذلك ، فعليه أدلة يعلم بها أنه كذب ويقطع بذلك ] .

37. [ وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة، مثل الحديث الذى يرويه الثعلبى والواحدى والزمخشرى فى فضائل سور القرآن سورة سورة فإنه موضوع باتفاق أهل العلم ] .

38. [ الثعلبي - ( وهو : أحمد بن إبراهيم النيسابوري ت 427هـ ) - هو في نفسه كان فيه خير ودين وكان حاطب ليل ينقل ما وجد فى كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع.
و الواحدي -
( وهو : علي بن أحمد النيسابوري ت 468 هـ ) - صاحبه كان أبصر منه بالعربية، لكن هو أبعد عن السلامة واتباع السلف.
والبغوي - ( وهو : الحسين بن مسعود الفراء ت 510 هـ ) - تفسيره مختصر من الثعلبي، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة ] .

39. [ وأما النوع الثانى من سببي الاختلاف - وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل - فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين حدثنا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم باحسان...
أحدهما: قوم اعتقدوا معانى ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها - ( مثل من يعتقد نفي الصفات ثم يستدل بقوله تعالى: { ليس كمثله شيء } ، أو يعتقد جواز التوسل البدعي ثم يستدل بقوله تعالى : { وابتغوا إليه الوسيلة } ) - .
و الثاني: قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده مَن كان مِن الناطقين بلغة العرب بكلامه من غير نظر الى المتكلم بالقرآن - ( و هو الله عز و جل ) - والمنزل عليه - ( و هو النبي صلى الله عليه و سلم ) - والمخاطَب به - ( و هم المرسل إليهم ) - .
فالأولون: راعوا المعنى الذى رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان.
و الآخرون: راعَوا مجرد اللفظ ، وما يجوز أن يريد به عندهم العربى من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم وسياق الكلام ] .

40. [ والأولون صنفان : تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به.
وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه ولم يرد به
] .

41. [ أصول المعتزلة خمسة يسمُّونها هم: التوحيد - ( و هو نفي الصفات و نفي رؤية الله يوم القيامة ، و أن القرآن مخلوق... ) - و العدل - ( و هو عدم خلق الله لأفعال العباد لا خيرها و لا شرها ، و أن الله ما أراد إلا ما أمر به شرعا ، و ما سوى ذلك فإنه يكون بغير مشيئة ) - ، و المنزلة بين المنزلتين - ( و هي منزلة اخترعوها لمرتكب الكبيرة فلا هو مؤمن و لا هو كافر، و إن كان حكمه في الآخرة عندهم : الخلود في النار!!) - و إنفاذ الوعيد - ( كل ما توعد الله به أصحاب الكبائر فإنه نافذ و لا بد) - و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر - ( و هو الخروج على ولاة الأمر) - ] .

42. [ ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة، فصيحا، ويدس البدع فى كلامه، وأكثر الناس لا يعلمون كصاحب « الكشاف » ونحوه ، حتى إنه يروج على خلق كثير ممن لا يعتقد الباطل من تفاسيرهم الباطلة ما شاء الله ، وقد رأيت من العلماء المفسرين وغيرهم من يذكر فى كتابه وكلامه من تفسيرهم ما يوافق أصولهم التى يعلم، أو يعتقد فسادها ولا يهتدى لذلك] .

43. [ و تفسير ابن عطية وأمثاله: أتبع للسنة والجماعة وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشرى ولو ذكر كلام السلف الموجود فى التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل ] .
قلت : ابن عطية هو عبد الحق بن عطية الأندلسي الغرناطي ، توفي 546 هـ ، وتفسيره هو " تفسير ابن عطية " أو " المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" ، وهو مطبوع إلى سورة " الأنفال " .

44. [ تفسير ابن جرير الطبرى وهو من أجلِّ التفاسير وأعظمها قدراً ] .
قلت : هو محمد بن جرير الطبري ، توفي 310 هـ ، وكتابه هو " جامع البيان في تفسير القرآن " .

45. [ من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا فى ذلك بل مبتدعا وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤه ].
= قلت : ومن مميزات التفسير في عصر الصحابة :
أ. لم يُفسَّر القرآن كله ، إنما فسِّر بعض منه وهو ما غمض فهمه .
ب. قلة الاختلاف بينهم في فهم معانيه .
ج. ندرة الاستنباط العلمي للأحكام الفقهية وعدم وجود الانتصار للمذاهب الدينية فليس عنهم أهواء وعقائد ضالة .
د. لم يُدوَّن شيء من التفسير في هذا العصر .
هـ. اتخذ التفسير في هذه المرحلة شكل الحديث من حيث الرواية .
= قلت : أدوات الاجتهاد في التفسير عند الصحابة :
أ. معرفة أوضاع اللغة وأسرارها .
ب. معرفة عادات العرب وأحوال اليهود والنصارى .
ج. قوة الفهم وسعة الإدراك .
د. معرفتهم أسباب النزول .
= قلت : من أسباب نبوغ عبد الله بن عباس في التفسير :
أ. دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم بالتأويل .
ب. نشأته في بيت النبوة وملازمته للرسول صلى الله عليه وسلم .
ج. ملازمته لأكابر الصحابة رضي الله عنهم .
د. علمه باللغة العربية .

46. [ و المقصود هنا: التنبيه على مثار الاختلاف فى التفسير، وإن من أعظم أسبابه: البدع الباطلة التى دعت أهلها الى أن حرفوا الكلم عن مواضعه، وفسروا كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير ما أريد به، وتأولوه على غير تأويله ] .

47. [ إن أصح الطرق فى تفسير القرآن:
أ- أن يُفسر القرآن بالقرآن ، فما أُجمل في مكان فإنه قد فسر فى موضع آخر ، وما اختصر من مكان فقد بسط فى موضع آخر.
ب- فإن أعياك ذلك فعليك بالسنَّة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له.
ج- وحينئذ إذا لم نجد التفسير فى القرآن ولا في السنَّة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال التى اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح.
د- إذا لم تجد التفسير فى القرآن ولا فى السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة فى ذلك إلى أقوال التابعين ] .

48. [ الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد] .

49. [فإنها على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق ، فذاك صحيح.
والثانى: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود الى أمر ديني ] .

50. [ أحسن ما يكون فى حكاية الخلاف أن تُستوعب الأقوال في ذلك المقام ، وأن ينبه على الصحيح منها ويبطل الباطل ، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته فيشتغل به عن الأهم ، فأما من حكى خلافا فى مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص ؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضا ، فإن صحح غير الصحيح عامداً فقد تعمد الكذب ، أو جاهلا فقد أخطأ ] .

للمزيد من الشرح يراجع ما استفدنا منه :
أ. " شرح الرسالة " للشيخ محمد الصالح بن عثيمين .
ب. " بحوث في أصول التفسير " للشيخ محمد بن لطفي الصبَّاغ .
ج. " التفسير والمفسرون " للدكتور الذهبي .
وكتب علوم القرآن ، ومقدمة " أضواء البيان " للشنقيطي رحمه الله .

وقد تمَّ شرح هذه الرسالة المباركة مراراً ، آخرها للإخوة في غرفة " حامل المسك " - في البال توك - وفقهم الله .
مع الشكر للذي طبعها ونسَّقها ونشرها .

احصل على نسخة من الموضوع : zip  |  word

كتبه
أبو طارق
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي

الصفحة الرئيسة