بسم الله الرحمن الرحيم

تراجع مراد شكري عن كتابه إحكام التقرير


الحمد لله
هذه الورقات كان قد كتبها أخونا مراد شكري حفظه الله منذ فترة بعيدة ، ولما استقر الأمر عنده أن ما فيها هو الصواب ، وتناقش معه الأخ الموحد في حج هذا العام : استأذنته في نشر ورقاته التي كتبها قديما فأذن لي ، ولعل في ذلك عونا له على نفسه .
والمرجو من الإخوة الأفاضل إعانة الإنسان حين يتبين له الخطأ بدلا من التثريب عليه والتهكم .
وهذا التراجع يفرح المحبين للحق ، ويكرهه من يحب أن يرى الخلاف والشقاق لتكون له لقمة فيه .

كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .
أما بعد :
فلقد طلب مني بعض الإخوة في مدينة جدة من المملكة العربية السعودية ، عند زيارتي للعمرة بتأريخ 7شعبان 1418هـ ، أقول : طلبوا البحث في كتابي ( إحكام التقرير ) الذي طُبع قبل سنين خلت ، وبعد المباحثة بيني وبينهم قرَّرتُ لهم ما كنت توصلت إليه قبل سنتين من التأريخ المذكور أو أكثر ، وذلك من مراجعة بعض طلبة العلم وأشياخه في هذا المبحث المذكور ، وقد كان المباحِث لي في هذا الموضوع الأخ محمد بن عبد الرحيم العامري ، في بيت الأخ عبد اللطيف بن محمد باشميل .
وقد أمليت على الأخ محمد العامري – وفقه الله – ضبطاً للمجلس وبياناً ورجوعاً عن الأخطاء التي وقعت مني في الكتاب المذكور بما يلي :
(1) بيان عدم حصر الكفر في التكذيب ، وتحرير ذلك من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية خاصة وكتب أئمة أهل السنة عامة ، ومحصِّل ذلك : أن الكفر هو التكذيب أو الامتناع عن المتابعة مع العلم بصدق الرسول ، وهذا يشمل المعاداة والاستهزاء والاستكبار ونحوهما من الأقسام والأنواع التي تصدر من الشخص وهو مصدق بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه غير منقاد ولا مذعن، والتي ذكرها أئمة أهل السنة في مصنفاتهم وتبويباتهم في أحكام المرتدين.

(2) في بيان تعريف الكفر عند المتكلمين وأنه قاصر ، وخطأ ناشئ عن غلطهم في تعريف الإيمان ، والتنبيه على ذلك وتبيانه ، وأن المدح المذكور لعلماء الكلام في كتابي مبني على توهمي أنهم وافقوا أهل السنة في ذلك .

(3) وأما ما ذكرت في صفحة (31 ) من الكتاب: ( وكذلك المبتدع لا يكفر مادامت بدعته لا تصادم ضرورياً من الدين ؛ مثل التجهم والإرجاء والاعتزال والرفض والقدر والجبر ، ومؤوِّلة صفات الله جميعا لا يكفرون إلا إذا كذَّبوا النبي صلى الله عليه وسلم بتكذيب أو جحد معلوم من الدين من الضرورة ) :

فأقول :
لا يصح قرن الجهمية والمرجئة والمعتزلة والروافض والقدرية في باب واحد ، بل الصواب أن الجهمية والروافض والمعتزلة من باب واحد وأن بدعتهم تصادم ضرورياً من الدين ، وأنهم كفار مع مراعاة التفصيل الذي ذكره شيخ الإسلام في الفرق بين الحكم العام والحكم على المعين .
وأما المرجئة - أعني مرجئة الفقهاء - فلا يكفرون بخلاف المرجئة الجهمية فإنهم كفار ، وأما القدرية فيكفر نفاة العلم منهم ، وأما ما سواهم فإنهم بخلاف ذلك .

(4) وأما بالنسبة لما ورد صفحة (47 و49 و51 و52 ) من الكتاب من أن: إطلاق الكفر على الجهمية ومن قال بخلق القرآن وما حصل من التكفير بسبب المعتقدات إنما هو من باب : أن الكفر يطلق على الكلام لا على القائل ، وأنه كفر لا ينقل من الملة ولا يلزم منه التخليد في النار، وأن التكفير ليس على حقيقته وإنما هو من باب التنفير عن المذهب المخالف، وأن التكفير وإن صدر أحياناً فالعمدة الغلو والقصور وعدم التحقيق ، فأقول :
1- إطلاق الكفر على القائل صحيح ، بشرط إقامة الحجة عليه ، وانتقاء الموانع .
2- وأن هذا الكفر في أصله ناقل عن الملة، وموجب للخلود في النار، وأما ما ذكرته في الوجه الثاني في الكتاب فالمقصود أنه كفر مقيد بإقامة الحجة ، وهذا هو معنى التخليد وعدم النقل عن الملة .
3- وأما بالنسبة للوجه الرابع، صفحة (52 ) من الكتاب : فلا ريب أن إطلاق السلف التكفير على الجهمية حقٌّ لا غلوَّ ولا قصور فيه ، وإن أوهم هذا الوجه إرادة شيء من ذلك - الغلو والقصور- فهذا لم أقصده ولا أردته أبداً ، وإنما قصدت التكفير الواقع في بعض كتب المتكلمين والمتأثرين بهم من المتفقهة ونحوهم.
4- وأما ما ورد في كتابي صفحة (6) : ( وغبرت دهراً متتبعاً لعلِّي أجد مصنَّفاً يشفي الصدر ، وتُطمس به هذه الفتنة ، فلم أر بعد تطويل انتظار إلا رسائل تزيد البلاء وتنشر الباطل بهوج وتعالم ) :

فأقول :
إن قصدي بـ: (الرسائل ) كتب التكفيريين الخوارج ، ولا أقصد كتب أهل السنة ، لاسيما كتب الدعوة السلفية في الديار النجدية ، لأنني لم أطلع على أي كتاب من كتبهم في هذا الباب ، لعدم توافرها في بلادنا ، لهذا لم أنقل عنها ، ولم أعتمد عليها ، وأعد إن شاء الله تعالى بأنني سأرجع إلى كتبهم رحمهم الله ، وأحرر هذه المسألة بمشيئة الله في كتاب مستقل ، وأصدِّره ببيان جميع ما ذكرته أعلاه .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

مراد شكري