صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







رسالةٌ إلى مُتراجِعٍ

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

د. ظافرُ بنُ حسنٍ آلُ جَبْعانَ
@aljebaan

 
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
{ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا }

«
رسالةٌ إلى مُتراجِعٍ »


الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِه الأمينِ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.

أمَّا بعدُ؛ فهذه رسالةٌ أكتبُها لك -أخي الحبيبَ- بدمعِ عيني قبلَ حبرِ قلمي،
حملني على كتابتِها لكَ مَحبَّتُك، وما علمتُه من الخيرِ الَّذي فيكَ، وما آلَ إليه حالُكَ.

أخي الحبيبَ: أعلمُ علمَ اليقينِ أنَّنا في هذه الحياةِ -وخاصَّةً في هذا الزَّمنِ- أمامَ فتنٍ تعصفُ، وشبهاتٌ تقذفُ، وتخذيلٍ من القريبِ قبلَ البعيدِ.

كما وأعلمُ أنَّ هذه الدُّنيا فيها من الأعداءِ مَن قد أخذ على نفسِه الإضلالَ والإفسادَ لعبادِ اللهِ.

كما وأعلمُ أيضًا أنَّ هناكَ مَن يُحارِبُنا مِن بينِ جوانحِنا ألا وهي أنفسُنا، ومِن خارجِها شياطينُ الجنِّ والإنسِ.

كُلُّ هذا أعلمُه وتَعلَمُه، ولكنْ كما تعلمُ أنَّ هذه الدُّنيا لم يخلقْها ربُّنا -عزَّ وجلَّ- إلَّا دارَ امتحانٍ وابتلاءٍ، واختبارٍ وتمحيصٍ.

بل إنَّه -جلَّ وعلا- خلق جنّةَ عدنٍ بيدِه، وحَفَّها بالمكارهِ، وخلق نارَ جهنَّمَ، وحَفَّها بالشَّهواتِ؛ كُلُّ ذلك امتحانٌ واختبارٌ لعبادِه المؤمنينَ: أيصبرون أم يجحدون، أيُحسِنُون أم يُسيئون؟

فمَن صبر وجاهَد تلك الشَّهواتِ، وصبر على المكارهِ = كان مِن النَّاجِينَ الفائزينَ بينَ يدي ربِّ العالمينَ.

وأمَّا مَن اتَّبع هواه، وقذف بنفسِه في بحارِ الشَّهواتِ = فإنَّه يُخشى عليه أن يكونَ مِن أهلِ الجحيمِ والدَّركاتِ! نسألُ اللهَ السَّلامةَ والعافيةَ.

أخي: إنَّ الخطأَ والزَّللَ مِن طبعِ البشرِ،
يقولُ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «والَّذِي نَفْسُ مُحمَّدٍ بِيَدِه، لو لم تُخطِئُوا لَجاءَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- بِقَومٍ يُخطِئُونَ، ثُمَّ يَستَغفِرُونَ اللهَ، فَيَغفِرُ لَهُمْ» [أخرجه الإمامُ أحمدُ 3/238، والحاكمُ في «المُستدرَك» 4/274، والطَّبرانيُّ في «الدُّعاء» (1805)، وصحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (1951)]، فالخطأُ والزَّللُ أمرٌ كونيٌّ يُدفَعُ بالأمرِ الشَّرعيِّ؛ وهو التَّوبةُ والإنابةُ، وكثرةُ الاستغفارِ، والحرصُ على أداءِ الفرائضِ والواجباتِ، وأداءِ السُّننِ والمُستحَبَّاتِ، معَ المُجاهَدةِ والصَّبرِ.

يقولُ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-:
«أَلَا أَدُلُكُم على دائِكُم ودَوائِكُم؛ أَلَا إنَّ داءَكُم الذُّنُوبُ، ودَواءَكُم الاستِغفارُ» [أخرجه البيهقيُّ في «شُعَب الإيمان» 15/180 عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه].

وقال الرَّبيعُ بنُ خُثَيمٍ مرّةً لأصحابِه: ما الدَّاءُ، وما الدَّواءُ، وما الشِّفاءُ؟ قال: الدَّاءُ الذُّنوبُ، والدَّواءُ الاستغفارُ، والشِّفاءُ أن تتوبَ فلا تعودَ.


أخي تأمَّلْ -يا رعاكَ اللهُ-
قولَه تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزُّمَر: 53]، كيف أنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- يُنادِينا بلفظٍ فيه تَلطُّفٌ فيقول: {يَا عِبَادِي}، ففي هذا النِّداءِ إشعارٌ لنا ولك بأنَّنا مهما زلَّت بنا القدمُ، فإنَّنا عبيدٌ للهِ لا نخرجُ عن حُكمِه وأمرِه.

أخي العزيزَ: إنَّ هذه الآيةَ قيل:
إنَّها أَرْجَى آيةٍ في كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ. فاللهُ تعالى يُنادِينا ويُنادِيكَ، ويُحذِّرُنا ويُحذِّرُكَ مِن القنوطِ من رحمتِه سبحانه، ويُبيِّنُ لنا ولك قُربَ رحمتِه مِنَّا.

فهل تَدبَّرتَ هذه الآيةَ؟ وهل أمعنتَ النَّظرَ فيها؟

أخي: ليس عيبًا أن تُخطِئَ، ولكنَّ العيبَ هو التَّمادي في الخطإِ، والاستمرارُ عليه، والسَّماحُ للشَّيطانِ أن يستثمرَ خطيئتَك ويتباهى في إضلالِك!

أخي العزيزَ: هل جلستَ معَ نفسِك مرّةً وسألتَها وقلتَ:
ما عواقبُ ومآلاتُ تلك الخطايا والزَّلَّاتِ الَّتي وقعتُ بها، وسرتُ في وحلِها، وقدَّمتُ لذَّتَها على الصَّبرِ عنها؟

أخي الحبيبَ: انظُرْ وتأمَّلْ معي لتلك المعصيةِ الَّتي ضحَّيتَ بالتزامِك من أجلِها،
وبِعتَ الطَّاعةَ بثمنٍ بخسٍ لقُربِها، بعدَ مُعاقَرتِكَ لها، وانقضاءِ لذَّتِها، وذهابِ نشوتِها، هل بقي لك من لذَّتِها شيءٌ؟!

لو تأمَّلتَ هذا الموقفَ جيِّدًا لأَعَدْتَ حساباتِكَ
، وصحَّحتَ خُطواتِكَ، ولأطَّرتَ نفسَك الظَّلومةَ على الحقِّ أطرًا.

كم من الضِّيقِ والحرجِ، والحسرةِ والألمِ بعدَ تلك المعصيةِ؟
فقد ذهبَتْ لذَّتُها، والإثمُ حَلَّ مكانَها، ولازمتْ الحُرقةُ قلبَك، والضِّيقُ صدرَك، وبدا الأسى على وجهِكَ، فلا بالدُّنيا سعدتَ، ولا الآخرةَ رَبِحتَ؛ فهل تفكَّرتَ في ذلك جيِّدًا؟

* وقفةُ تَذكُّرٍ :

هل نسيتَ يومَ أن كنتَ تصفُّ قدمَيْكَ
بينَ يدي ربِّكَ مُتلذِّذًا بعبادتِه، مُجاهِدًا لنفسِك، ثُمَّ يكونُ بعدَ ذلك الرَّاحةُ والأُنسُ والحبورُ والسُّرورُ؟
هل نسيتَ سِواكَك الطَّاهرَ
الَّذي تُطيِّبُ به فمَك لذكرِ اللهِ؟
هل نسيتَ مُصحَفَ جيبِكَ
الَّذي طالما حملتَه، وقلَّبتَ فيه النَّظرَ؟
هل نسيتَ مكانَ مُصلَّاكَ
الَّذي كنتَ تَتلذَّذُ بالنَّافلةِ فيه؟
هل نسيتَ قيامَ اللَّيالي المُظلِمةِ بليلِها، المُضاءةِ بنورِ إيمانِها؟
هل نسيتَ زيارةَ البيتِ العتيقِ،
والبكاءَ بينَ الرُّكنِ والمقامِ؟
هل نسيتَ الأُخوَّةَ في اللهِ،
معَ مَن هم للخيرِ صاحَبُوك، وبالمعروفِ رافَقُوك؟
هل نسيتَ تلك الأيَّامَ الَّتي لا تُنسَى،
وتلك اللَّحظاتِ الَّتي لا تُفوَّتُ؟
هل نسيتَ الأُنسَ والصَّفاءَ،
واللَّذةَ والهناءَ؟

أخي: لا تُخادِعْ نفسَك، وتَذكَّرْ، ثُمَّ تَدبَّرْ وتَفكَّرْ في حالِكَ حتَّى تُفلِحَ وترشدَ.


* تشخيصٌ لحالِكَ :


ما أظنُّ إلَّا أنَّ نفسَك، وشيطانَك،
وصاحبَ سُوءٍ غلبوك في ساعةِ ضَعفٍ، فاستَبْدَلتَ الغوايةَ بالهدايةِ، والظُّلمةَ بالنُّورِ، والشَّقاءَ بالطُّمأنينةِ، ثُمَّ استمررتَ على حالِك، ثُمَّ خاطبتَ نفسَك وقلتَ: كيف أكونُ على مثلِ هذه الرَّذيلةِ والنَّاسُ ينظرون إليَّ أنِّي وليٌّ من أولياءِ اللهِ؟! فحَدَّثتكَ نفسُك وقالت لك: لا للمُخادَعةِ، لا للمُراوَغةِ، والوضوحَ الوضوحَ والصَّراحةَ الصَّراحةَ، فظننتَ أنَّ الوضوحَ والصَّراحةَ في المُجاهَرةِ بالسَّيِّئاتِ، وإبداءِ المُنكَراتِ، وما علمتَ أنَّك بفعلِكَ هذا قد استجرتَ مِن الرَّمْضاءِ بالنَّارِ!!

أخي: ما هكذا تُعالَجُ الأخطاءُ،
بل علاجُها سهلٌ واضحٌ، وقد لخَّصه لنا خيرُ الورى -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في قولِه: «مَا مِن عَبْدٍ يُذنِبُ ذَنبًا، فَيُحسِنُ الطَّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعتَيْنِ، ثُمَّ يَستَغفِرُ اللهَ إِلَّا غَفَرَ لَهُ» [أورده المُنذِريُّ في «التَّرغيب والتَّرهيب»، وصحَّحه الألبانيُّ 2/125].

ويقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فيما يرويه عن ربِّه -عزَّ وجلَّ-:
«قَالَ اللهُ: يَابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي. يَابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّماءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي. يَابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا؛ لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» [أخرجه التِّرمذيُّ (3540)، وحسَّنه الألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (127)].

* في ختامِ هذه الرِّسالةِ :

لا يَسَعُني إلَّا أن أدعوَ اللهَ لكَ بالعودةِ والإنابةِ، والهدايةِ والرَّشادِ، والثَّباتِ على الحقِّ. 
أخوكَ النَّاصحُ لكَ

د. ظافرُ بنُ حسنٍ آلُ جَبْعانَ

www.aljebaan.com

يومَ عرفة
الاثنين 9/12/1431هـ

 
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
ظَافِرُ آل جَبْعَان
  • الفوائد القرآنية والتجويدية
  • الكتب والبحوث
  • المسائل العلمية
  • سلسلة التراجم والسير
  • سلسلة الفوائد الحديثية
  • المقالات
  • منبر الجمعة
  • الصفحة الرئيسية